| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الجمعة 12/11/ 2010



صورة واحدة لطــــاغــــيـــتـــيـــن

د. صادق إطيمش

قبل عشرة اعوام كانت شوارع مدن لبنان ، كبيرها وصغيرها ، لا زالت تنوء تحت الخراب الذي سببته الحرب الأهلية البغيضة التي وشمت جدران البيوت والبنايات بثقوب الرصاص والمدافع والقنابل التي كان الكل يوجها إلى الكل من مليشيات الأحزاب والتجمعات التي إختفت وراء شعارات الدين والقومية والوطنية لتصب نيرانها على بنات وأبناء ذلك الدين الذي تنتمي إليه وتلك القومية التي تتبجح بالإنتساب إليها وذلك الوطن الذي تريد أن ترتبط به . ولم يخرج الوطن اللبناني من سنين الإقتتال هذه إلا وهو كسير دامي تئن كل زاوية فيه من آثار الدمار والخراب الذي حل بها . وبعد أن هدأت الأمور بعض الشيئ واستعاد المقاولون الكبار ثقتهم بثبات تحسن الوضع اللبناني الذي يضمن إستقراراً ، لا بل وصعوداً للرساميل الموظفة للإعمار والبناء ، شرعوا بالعمل على إزالة آثار تلك الحرب القذرة ، فشيدوا العمارات السكنية الضخمة والفنادق الفاخرة والشواطئ السياحية وكل ما ينم على إستعادة الحياة اللبنانية المعروف عنها بأنها تمثل نقطة مفارقة واضحة في المنطقة العربية التي لم تعرف قبل لبنان هذا النوع من الحياة الذي جعل بيروت مثلاً إحدى المراكز المالية العالمية قبل أن تأتي الحرب على ذلك كله .

لا نريد أن نتطرق إلى الخوض في تفاصيل السؤال حول المستفيدين من العمارات السكنية الجديدة الضخمة مثلاً ، فإنها لم تُبن بالتأكيد إلى الفقراء إو إلى ذوي الدخل المحدود ولا حتى إلى الأغنياء اللبنانيين نسبياً . هذا إذا ما تم قياس الغِنى بملايين الدولارات وليس بملايين الليرة اللبنانية . إنها منشآت بُنيت وصُممت خصيصاً للسواح الأغنياء من أوربا وأمريكا وكندا واستراليا وغيرهم من أغنياء العالم . إلا أن الملاحظ بشكل خاص في هذه العمارات الضخمة والشقق الفارهة هو حصة سواح دول الخليج فيها . فكما يتحدث اللبنانيون فإن هؤلاء الورعين جداً والمتدينين جداً جداً في ديارهم ، يتحولون إلى أسفل درجات الإنحطاط الخلقي وأدنى مراحل التصرفات الهمجية التي يبررونها بما يأتون به من أموال يصرفونها على ملذاتهم الحيوانية طيلة فترة الشهر أو الشهرين التي يقضونها على ربوع لبنان .

لا نريد التطرق بإسهاب إلى مثل هذه الحياة الماجنة التي يعيشها أهل بلد الفتاوى البليدة ومشايخها الأكثر بلادة . فموضوع حديثنا الآن هو الزيارة ألأخيرة القريبة التي قام بها رئيس جمهورية ولاية الفقيه أحمدي نجاة إلى لبنان . حينما تترك المطار باتجاه مدينة بيروت تواجهك الملصقات الكبيرة لهذا الرجل الذي يخطط ليجعل من هذا البلد الضحية القادمة التي يقدمها له زبانيته في لبنان تحت أسماء ظاهرها المذهب والدين والعداء للصهيونية وباطنها نهم التسلط السياسي والإحتواء لكل ما يمكن إحتواءه وتسخيره لنشر الفكر الظلامي المتخلف الذي طالما يربطه هؤلاء بإقامة الدولة الدينية التي ستكون المنقذ من الجوع والمرض والجهل والفساد ومنطلقاً للتحرر والديمقراطية والعيش الرغيد ، حتى وإن لم يستطع القائمون على دولة ولاية الفقيه أن يقدموا أبسط أنواع هذه التبجحات الفارغة وهم على سدة الحكم في إيران منذ أكثر من ثلاثين عاماً . الملياردات التي يزقها نظام ولاية الفقيه على أعوانه في لبنان وغيرها ساعدت ، مع الأسف الشديد ، على نشر صورة مشوهة وغير حقيقية عن الطبيعة السادية لهذا الرجل الطاغية الذي قمع بمباركة مرشده الأعلى تلك الجموع التي أرادت التعبير عن رأيها الرافض لإنتخابه لمنصبه الذي يتبوأه الآن للمرة الثانية . وتماماً كما يواجه العراقيون خارج الوطن ذلك المديح والإطراء على الجرذ المقبور من العرب العاربة والمستعربة على حد السواء ، وذلك طيلة عقود تسلطه الأهوج على مقدرات العراق وحتى بعد أن تحقق به المثل القائل " بَشِر القاتل بالقتل " ، بهذا النَفَس تماماً يجري المديح لطاغية آخر يتناسى مادحوه ما قام به من مجازر بشرية وما يقوم به الآن من قمع مبرمج سواءً من قبل حراس ثورته الإسلامية أو من أجهزة مخابراته وأمنه التي تستعين بقادة وأساليب جهاز السافاك الشاهنشاهي السيئ الصيت ، لتُسكِت الأصوات التي تطالب بالحرية وتحقيق العدالة ألإجتماعية في إيران . ولا يحدث ذلك بالنسبة لبنات وأبناء الشعب الإيراني من الفرس فقط ، بل أن أساليب القمع والبطش والإعدامات والتهجير والإختفاء والسجون قد شملت كل القوميات ألأخرى من العرب والكورد والبلوش المطالِبة بحقوقها في هذا النظام الذي يدعي إنتهاج درب العدالة السماوية ، ولا ندري عن أي سماء يتكلم طغاة ولاية الفقيه الدكتاتورية هذه .

هذه الصور المشوهة عن الطغاة التي تتراقص أمام بعض مَن لا يفقهون طبيعة الأنظمة التي يديرها هؤلاء الجبابرة ، تتبلور من خلال التأثير المباشر الذي يمارسه هؤلاء الطغاة على مرتزقتهم عبر المبالغ الطائلة التي يستنزفونها من حقوق شعوبهم بها ليوظفونها في مناطق خارج أوطانهم بغية تحقيق أهدافهم السياسية أو الطائفية أو العنصرية والتي ينجر إليها الكثير من الذين ينقصهم الوعي السياسي الكافي والإطلاع المعرفي الواسع عن هؤلاء الجبابرة وما يجرونه على أوطانهم وشعوبهم من ويلات وبلاء . فالصورة العربية التي تكونت خارج العراق لمجرم العصر الذي تسلط على الشعب والوطن لأربعة عقود من الزمن حتى آل به المآل إلى حفرة الجرذ الذي لم تنقذه من حكم الشعب العادل به ، هي نفس الصورة التي تتبلور الآن ، وبمساعدة المستفيدين من أموال إيران الطائلة التي تُضخ إليهم ، لدى بعض اللبنانيين الذين يرون في طاغية ولاية الفقيه منقذ الفقراء من الجوع ومحرر القدس من الإحتلال وحامي حمى الإسلام من بلاد الكفر والداعي إلى نشر العدالة السماوية وغير ذلك من الأوصاف التي طالما سمعها العراقيون وهي تُطلق من الأعراب على صنمهم المقبور .

ولكننا نعود فنقول : لا عجب من ذلك كله ، إذا ما لاحظنا كثيراً من حالات البؤس والشقاء التي يعيشها الكثير من أبناء الشعب اللبناني . مَن يستيقظ صباحاً مبكراً في كل المدن اللبنانية ، خاصة الكبيرة منها ، يلاحظ مجاميع الشباب التي تصطف على الشوارع الرئيسية لتعرض قوة عملها عبر هذا الذي نسميه باللهجة العراقية " المسطر " . وبما أن العرض كثير جداً فإن الأجر سيتناسب وهذا العرض بطبيعة الحال ، حيث يعمل أصحاب العمل على دفع أقل ما يمكن من الأجر إلى مثل هؤلاء الذين سيرضخون يوماً ما إلى هذا الأجر المتدني ، إذ انهم لا يستطيعون الإستمرار على الحياة دون الحصول على مكسب مادي بين آونة وأخرى يقيهم الإنخراط في الجريمة ويساعدهم على تدبير بعض وسائل الحياة التي تتصاعد أسعار أولياتها بصورة مستمرة ، إذ ان الغلاء في لبنان يكاد أن يكون في مستوى بعض الدول الأوربية ، إلا أن الأجور غير مقننة رسمياً كما في هذه الدول الأوربية .

ولنا أن تتصور في هذه الحالة مدى إمكانية كسب مثل هذه الكتل البشرية من الشباب العاطل البائس ، من قبل منظمات تملك المال والإمكانيات الهائلة التي تدعي توظيفها في مشاريع إجتماعية لتحصد من وراءها اليوم كتلاً جماهيرية تسلمها السلاح غداً لتقتل باسم هذه المنظمات التي جعلتها تعتمد عليها في أبسط شؤون حياتها . وهذا يعني ان مستقبل هذا البلد الجميل حقاً والذي يمكن أن يكون مثالاً للحياة السعيدة بين كل طوائفه وقومياته ومذاهبه وأديانه ، معلق على أكف عفاريت المال الساعين وراء التسلط من خلال سلاح العنف لأنهم لا يعرفون طريقاً للمنطق ولا يملكون سلاح الحجة .

 

free web counter