| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                                     الخميس 12/7/ 2012



شجرة ثورة الرابع عشر من تموز باسقة ولا يضيرها رماة الحجر

د. صادق إطيمش 

حاول البعض ان يتطاول على ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة من خلال الإحتفالات الكبيرة والكثيرة التي يقيمها التيار الديمقراطي العراقي داخل وخارج الوطن إحياءً للذكرى الرابعة والخمسين لهذا الحدث التاريخي العظيم ، واتخذ من المهرجان الذي سيقيمه التيار الديمقراطي العراقي في ألمانيا بمناسبة الإحتفال بهذا العرس العراقي مثالاً لذلك .

وقبل مناقشة بعض التقولات التي جاءت حول التيار الديمقراطي العراقي في المانيا ، ارغب التعليق على اسلوب تناول هذا الموضوع الذي إستخدمه بعض الحاقدين على ثورة الرابع عشر من تموز لعام 1958 والذي جاء مليئاً بالإنفعالات العاطفية التي تبلورت عنها تحليلات سطحية لا علاقة لها بالنظر الواقعي والعلمي إلى مثل هذا الحدث التاريخي الذي لم يغير مسار السياسة العراقية فقط ، بل واوغل في تأثيره على مجمل السياسة في المنطقة برمتها ، لا بل وفي السياسة العالمية برمتها وذلك من خلال تغيير ميزان القوى السياسية والعسكرية الذي حققته ثورة الرابع عشر من تموز بقضاءها على حلف بغداد ، هذا الحلف الإسترقاقي الإستعماري الذي ربط به النظام الملكي المقبور العراق وجعله يدور في فلك هذه السياسات العسكرية التي لا ناقة للشعب العراقي فيها ولا جمل ، وما ذلك إلا مثالاً واحداً على كثير من الأمثلة والإنجازات التي جاءت بها ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة والتي لا يستطيع الحاقدون عليها تجاهلها حتى ولو دسوا رؤوسهم بالرمال .

اما ما يخص التيار الديمقراطي العراقي في ألمانيا وتشكيله قبل ما يقارب السنتين وكل النشاطات التي قام بها خلال هذه المدة خاصة في برلين ، فلا ادري كيف يجيز لنفسه الواقف على التل والمتفرج على ما يجري من نشاطات لهذا التيار لم يساهم بها وبتفعيلها على الساحة لا من قريب او بعيد ان يسدي النصائح والتعليمات لهذا التيار ويدله على الطرق المثلى الذي ينبغي إتباعها لتأسيس تيار ديمقراطي يستوعب كل الديمقراطيين العراقيين في ألمانيا . أدعوا كل هؤلاء باسم التيار الديمقراطي العراقي في ألمانيا ان يحضروا بعض لقاءات هذا التيار ولو على سبيل التجربة ليطرحوا أراءهم بكل حرية على ان يكونوا مستعدين لتقبل ومناقشة الرأي الآخر لا ان يظلوا مُحنطين باعتقاداتهم المسبقة وبافكارهم الأحادية الجانب . ان من يريد أن يُسمع له صوت على الأرض فإن وقوفه المتفرج على الجبل سوف لن يحقق له رغبته هذه مهما إشتد صراخه حيث ان مثل هذه الصرخات ستشتد جنونية ورعباً كلما جرى تبعثرها في الهواء قبل ان تلامس الأرض .

لقد قلت اعلاه ان الأفكار التي يمارسها رماة شجرة ثورة الرابع عشر من تموز لا تستحق النقاش اصلاً حيث انها ردود فعل عاطفية اكثر منها واقعية علمية . إلا ان ذلك لا يعني عدم الإهتمام بالتعريف بثورة الرابع عشر من تموز ، خاصة بالنسبة للأجيال التي لم تعشها بوعي ولم تعش مآسي وجرائم النظام الملكي المقبور التي أدت إلى تفجير هذه الثورة المباركة.

لقد وقف عراقيو الأمس إلى جانب هذه الثورة منذ إنطلاقتها في ساعتها الأولى وعبروا عن موقفهم هذا بشتى وسائل التعبير. بالرغم من عدم وضوح الصورة بعد ، وبالرغم من عدم التأكد من إنهيار النظام الملكي وتاسيس الجمهورية العراقية ،وبالرغم من الخلل اللإرادي الذي رافق هذا التأييد والذي له أسبابه الكثيرة ومن أهمها سياسة النظام الملكي المقبور نفسه لأربعين عاماً تقريباً . لقد جاء هذا التأييد الشعبي العارم لهذه الثورة إيماناً من هؤلاء العراقيين بالنهج التحرري الذي سخروا عملهم الوطني لتحقيقه رغم كل المضايقات ورغم كل السياسة القمعية التي كان النظام الملكي يمارسها ضدهم آنذاك .

ومنذ فترة ليست بالقصيرة وكثير من المحاولات الإعلامية وعلى مختلف الأصعدة والمستويات تحاول غمز ثورة الرابع عشر من تموز والإنتقاص منها وذلك إما بشكل مباشر او غير مباشر وذلك من خلال التطرق إلى العهد الملكي ورجالاته سواءً من العائلة المالكة او ممن حكموا العراق من سياسيي هذا العهد وكأن هذه المجموعة الحاكمة آنذاك كانت قد بذلت الغالي والنفيس وضحَّت بكل ما لديها من أجل بناء الدولة العراقية الديمقراطية المستقلة المتحررة من اية سلطة أجنبية . وليس هذا فحسب ، بل ان هذه الجهات الإعلامية التي سخرت المسرحيات والمقالات لهذا الغرض دأبت على إبراز هذه المجموعة التي تسلطت على حكم البلاد والعباد لما يقارب الأربعين عاماً من الزمن وكأنها كانت تعيش حياة الكفاف ، لا بل أنها لا تتقاضى على ممارستها الحكم والسلطة إلا ما تسد به رمقها . وهذا ما يجافي الحقيقة والواقع طبعاً ، إذ ان نظرة بسيطة إلى التاريخ سترينا في أية قصور فارهة كان يعيش الرهط الحاكم وأية سيارات فخمة نسبة لذلك الوقت كانت تحت تصرفهم وإية إمتيازات حكومية كانوا يتمتعون بها . كل ذلك مقابل الفقر المدقع الذي كانت تعيشه الجماهير الواسعة من الشعب العراقي آنذاك .

من الطبيعي ان تبرز هذه المحاولات الآن وهي تسعى إلى إستغلال الوضع السياسي الآني الذي يتيح لها ممارسة حرية الكتابة والنشر وبكل الطرق المتاحة قانوناً ، هذا أولاً ، وثانياً لكي تخلق من خلال ذلك نوعاً من المقارنة بين ذلك العهد الملكي وهذا العهد الجمهوري.

وقبل أن نتطرق إلى حيثيات هذه المقارنة والنتائج التي يسعى البعض إلى الوصول إليها وما قد يسحب فكر المواطن العراقي نحو هذه المقارنة تحت هذه الظروف الجهنمية التي يمر بها وطننا اليوم بكل ما فيها من مساوئ وامتهان لكرامة الإنسان ولأبسط حقوق المواطنة التي تشكل توفير الخدمات العامة الضرورية لحياة إنسان القرن الحادي والعشرين أولوياتها الطبيعية التي لا نقاش فيها ، نحاول بإيجاز التقصي عن الدوافع والأسباب التي دعت إلى بروز مثل هذه الظاهرة على السطح السياسي العراقي في الوقت الحاضر بالذات.

مما لا شك فيه هو أن الحالة السيئة التي يمر بها وطننا الآن قد فسحت المجال لمثل هذه الظاهرة ، ظاهرة ألإنتقاص من ثورة الرابع عشر من تموز ، ان تتكرر على الساحة السياسية العراقية وبمختلف الأشكال . ولو تعمقنا في هذه الدراسات التي تُمجد العهد الملكي لوجدناها تتطرق دوماً إلى المقارنة بين ذلك العهد المقبور والعملية السياسية التي نفذها حكم البعثفاشية المقبور او السياسة الجارية الآن في وطننا العراق.

ولابد هنا من الإشارة أولاً إلى علاقة هذا الموضوع بإنهيار الدولة العراقية بعد التاسع من نيسان عام 2003، حيث أدى ذلك إلى خلق ظرف سياسي كان المتوقع منه أن يكون نقيضاً للنظام الدكتاتوري المنهار . إن إنهيار الدولة العراقية في التاسع من نيسان عام 2003 هو ليس سقوطاً لحكومة أو مؤسسات حكومية كان من الممكن تعويضها بحكومة أو مؤسسات أخرى . وطالما جرى التأكيد قبل سقوط دكتاتورية البعث على طبيعة الدولة العراقية التي ربطها جرذ العوجة المقبور بشخصه بحيث أصبح ينطبق عليها ما قاله الجواهري الكبير : تطير إن طار أو تهوى إذا وقعا . إن هذا الربط الدكتاتوري الأهوج الذي أوقف كل المؤسسة الحكومية العراقية لابد له وأن ينتهي بهذه النهاية التي إنسحبت على الدولة بمجملها . وحينما إنهارت هذه الدولة كان من المفروض أن يكون نقيضها هو السائد على الساحة السياسية العراقية. ولقد تحقق هذا النقيض فعلاً ولكن ليس بما كان يأمله الشعب العراقي من هذا التغيير .

فإن قلنا بأن ضمان حرية الصحافة وإبداء الرأي والحرية الفكرية التي جاء بها نظام ما بعد البعثفاشية هي النقيض الحقيقي لسياسة القمع الفكري والدكتاتورية السياسية التي كان يمارسها نظام ما قبل التاسع من نيسان ، فإننا من الجانب الآخر لا يمكننا التنكر لزيادة تعمق جذور الفساد الإداري والمالي وعلى مختلف المستويات والأصعدة وذلك مقارنة بالفساد الإداري والمالي الذي أوجده النظام الدكتاتوري أصلاً منذ أن تبنى سياسة التسيير الذاتي للمؤسسات الحكومية العراقية . وما يقال عن الفساد الإداري ينسحب على كافة المظاهر الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية الأخرى التي يمر بها الوطن الآن . وهنا تحاول النشاطات المبذولة لتجميل الوجه القبيح للنظام الملكي المقبور ان تتخذ من النظام السياسي الذي كان سائداً آنذاك لمقارنة النظام القائم حالياً به ، إذ انها لا تستطيع ، أخلاقياً على الأقل ، أن تضع مقارناتها مع الدكتاتورية المقيتة التي لا يمكن وضعها في هذا الموقع الذي لا تستحقه إطلاقاً ، فهمجيتها وجبروتها وطغيانها وجرائمها تجعلها في منأى عن المقارنة بأي نظام مهما زادت سيئاته وتكاثرت جرائمه . هذا بالرغم من وجود مَن يلجأ إلى هذه المقارنة اليوم وذلك حينما يبلغ الأمر بأحدهم حداً لا يطاق ، وما أكثر هذه الحدود التي لا تُطاق في عراق اليوم . إلا أن مثل هذه المقارنات مع نظام البعثفاشية تظل عاطفية آنية أكثر مما هي واقعية جادة .

يحاول جراحو وجه العهد الملكي المقبور أن يجعلوا من رجاله الذين إقترفوا ابشع الجرائم بحق الشعب العراقي ، رجالاً أوفياء لهذا الشعب ، تعاملوا معه بكل أخلاق وأدب وسلوك حضاري . وإن أول الشخصيات التي يتطرقون إليها في هذا المجال هي شخصيات العائلة المالكة التي يحاولون بها إبراز هذه العائلة وكأنها عائلة ملائكة الرحمن التي أنزلها الله رحمة على هذا البلد الذي كان سينهار لولا وجود هذه العائلة . وهذا ما يجافي الحقيقة والواقع الذي عاشته هذه العائلة حينما أوتي بها إلى العراق من قبل الدولة البريطانية .

بالنظر لقلة أفراد هذه العائلة الذين حكموا العراق للفترة بين 1921 وحتى 1958 والتي إقتصرت على أربعة رجال فقط مارسوا الحكم في فترات مختلفة ، فلا يمكننا والحالة هذه التطرق إلى كل هؤلاء بنفس المستوى من التقييم . فالرجل الأول في هذه العائلة الملك فيصل الأول قد جاء به الإنكليز إلى العراق بعد أن طرده السوريون من بلادهم حينما أراد الفرنسيون فرضه كملك عليهم . إنه ليس عراقياً ، إلا ان الإنكليز فرضوه على العراقيين إذ أنهم كانوا يعتبرونه ورقتهم الرابحة في العراق . وحال إستلامه مقاليد منصبه في العراق من قبل الحكومة البريطانية سعى إلى ان يتقرب من الشعب العراقي إلى جانب وفاءه لمن نصبوه وذلك بمحاولته تبني ما كان قادة ثورة العشرين قد خططوا له باستقلال العراق من الهيمنة البريطانية . إلا أن تبنيه لهذه الفكرة التي قد يكون مخلصاً به لم يستطع السير به نحو خطوات جريئة لتحقيقه وذلك بسبب إرتباط دولة العراق التي لا زالت دولة فتية بمجمل السياسة البريطانية التي أوجدتها لتدور في فلكها ولم يكن بإمكان هذا الملك أن يفلت من هذا الفلك .

أما الفترة التي حكم فيها الملك غازي العراق ، فبالرغم من قصرها (1933ـ 1936) فإنها كانت مشوبة بكثير من الأسرار والمؤامرات التي تركزت بشكل أساسي على ممارسة السلطة وديمومتها لبعض القوى السياسية التي جعلت من ضعف هذا الملك الشاب وسيلة لها لتنفيذ مآربها التي لا ناقة للشعب العراقي بها ولا جمل . كما أنها تميزت بحملات قمعية ضد بعض الفئات العراقية التي طالبت بحقوقها القومية آنذاك. وللمزيد من المعلومات الدقيقة عن هذه المرحلة بالذات من تاريخ العراق السياسي والإجتماعي ننصح بمراجعة الكتاب القيم الذي ألفه الباحث القاضي زهير كاظم عبود والمعنون ب " من أوراق الملك غازي " من إصدار " مؤسسة شرق غرب ـ ديوان المسار للنشر " .

أما مرحلة العهد الملكي التي تلت مرحلة الملك غازي فيمكن إعتبارها نموذجاً لممارسات العهد الملكي برمته وذلك لعدة أسباب :

أولاً: في هذه المرحلة تم بناء الدولة العراقية المؤسساتية التي أرادت لها السياسة البريطانية ان تخطو نحو الحداثة التي تتناسب وظروف المنطقة المحيطة بها والتي تقررها مصالح السياسة البريطانية ليس في العراق وحسب ، بل وفي المنطقة عموماً . بعبارة اخرى بناء دولة المؤسسات التي تدور في فلك المصالح والسياسة البريطانية.

ثانياً: تبلورت في هذه المرحلة طبيعة العمل السياسي العراقي بحيث أصبح الصراع على السلطة واضحاً بين القوى السياسية الرئيسة في ذلك الوقت ومن ثم بينها وبين القوى الوطنية التي بدأت عملها السياسي الوطني الذي إنصب على رفض ربط السياسة العراقية بالسياسة البريطانية من خلال المعاهدات بين البلدين وأهمها معاهدة 1930 .

ثالثاً:
طول المدة الزمنية التي إستغرقتها هذه الفترة والتي قاربت الإثنين وعشرين سنة، مقارنة بفترتي فيصل الأول التي رافقت نشوء الدولة العراقية وإستمرت إثنتا عشرة سنة تقريباً . وفترة غازي الأول التي إستمرت ثلاث سنوات .

وحينما نتطرق إلى الشخصية السياسية الملكية الرئيسية التي طبعت هذه الفترة بطابعها فميزتها عن الفترات التي سبقتها ، فإننا والحالة هذه لا نجد سوى شخصية الأمير عبد الإله الذي إستمر تأثيره على الساحة السياسية العراقية حتى بعد أن تنحى عن منصب الوصاية على العرش. وفي هذا المجال لابد لنا من الإطلاع على ما كتبه أستاذنا الكبير الباحث العراقي الدكتور سيار الجميل من تقييم إيجابي لشخصية عبد الإله الوصي على عرش العراق منذ 1933 وحتى 1952 ومن ثم إستمرار وصايته غير الرسمية وتأثيره على مجمل السياسة العراقية حتى عام 1958 . إننا نختلف مع تقييم الأستاذ الباحث الدكتور سيار الجميل لشخصية عبد الإله الذي أراد به إضفاء كثيراً من الصفات الحميدة على هذا الرجل واعتبر كل ما قام به من السيئات تجاه العراق وشعبه لا يتعدى الأخطاء التي يقع فيها أي إنسان في حياته . وإن ما نُشر أو كُتب أو أُشيع عنه لا يتعدى كونه تناقلاً للأقوال والدعايات التي تجافي الواقع . وقد إستند ألأستاذ الباحث الدكتور الجميل على ما سماه ب " الدراسة القلمية " عن عبد ألإله والتي كتبها الأستاذ عطا عبد الوهاب الذي يثق به الأستاذ الجميل ويعتبر أقواله هي الحقيقة بعينها التي يتجاهلها كل من تطرق إلى شخصية عبد الإله بالسوء. (
راجع : الدكتور سيار الجميل : " الأمير الوصي عبد ألإله في صورة عراقية قلمية " بحث نُشر في صحيفة الزمان اللندنية ، العدد 1179 ، في 8 أبريل/ نيسان 2002) مُستل من كتاب ألأستاذ الباحث القاضي زهير كاظم عبود ، المُشار إليه أعلاه ، ص. 54 .

من الطبيعي أن لا يستطيع كل من عرف الباحث العراقي الكبير الدكتور الجميل إلا ان يكنَّ له ولآراءه القيمة وكتاباته العلمية كل التقدير والإحترام إذ أن ديدن هذا الرجل هو التقصي عن الحقيقة العلمية بعيداً عن التأثيرات العاطفية والمواقف الآنية . وإن ثقته بالأستاذ عطا عبد الوهاب هي التي دفعته إلى تبني هذا الموقف من عبد الإله والذي نختلف به معه مع إحترامنا له . أما أسباب هذا الإختلاف فهي :

أولاً:
أن الأستاذ عطا عبد الوهاب كان من رجال الأمير عبد الإله والمقربين له بحكم المنصب الذي كان يشغله في الديوان الملكي آنذاك . وبالرغم من الصفات الحميدة الكثيرة التي يصف بها الأستاذ الجميل هذا الرجل ، عطا عبد الوهاب ، والتي قد تكون صحيحة تماماً ، إلا ان تقييمه لشخص كعبد الإله تحت هذه الظروف سيظل متأثراً بعلاقته الشخصية والوظيفية بهذا الوصي على عرش العراق وقطب العائلة المالكة آنذاك .

ثانياً: تُكرر كثير من المصادر التاريخية قيام عبد الإله بتنفيذ السياسة الإنكليزية في العراق بحذافيرها ، إذ ان الإستعمار البريطاني كان يعتبره ، مع الآخرين من رجالات الإنكليز بالعراق ، رجُله الأول داخل العائلة المالكة بعد ان تعرف ساسة الحكومة البريطانية على افكار الملك غازي التي كانت تسير بغير ما يخططون له ، لذلك عمدوا على التخلص منه بمساعدة كل من عبد الإله ونوري السعيد . وللمزيد من المعلومات عن مؤامرة إغتيال الملك غازي من قبل الإنكليز وبالتعاون مع عبد الإله ونوري السعيد وحتى بالتآمر مع زوجته عالية ، لا بأس من مراجعة المؤلَف القيم الذي أشرنا إليه أعلاه من تأليف الباحث القاضي الأستاذ زهير كاظم عبود وخاصة على الصفحات 164 ـ 167 وعلى الصفحة 179 من نفس هذا المؤلَف الذي قدم له الأستاذ الباحث الدكتور سيار الجميل نفسه .

ثالثاً: إن شخصاً كهذا يتآمر على ولي نعمته وزوج أخته تنفيذاً لرغبات الأجنبي المستعمر لا يمكنه ان يكون وفياً للشعب العراقي الذي لا ينتمي إليه أصلاً . وهذا ما تشير له كافة الإجراءات القمعية التي إتخذتها الحكومات العراقية التي كانت تسير في فلكه وفلك الإنكليز، كتسخير الجيش العراقي لقمع التحركات العشائرية المناوئة للحكومة أو قمع الإنتفاضات الشعبية التي إنطلقت على شوارع العراق في أربعينات وخمسينات القرن الماضي والإعدامات التي نفذها النظام بحق قادة الحركة الوطنية والتي إرتبطت بسياسة الحكومة العراقية آنذاك والتي كانت تُدار من قبل عبد الإله حتى بعد تخليه الرسمي عن الوصاية على عرش العراق .

هذه ألأسباب واسباب أخرى كثيرة غيرها والتي قد تدخل في باب الإشاعات أو التضخيم حيث قد يصدق بعضها أو لا والمتعلقة بسلوك وتصرفات هذا الأمير الحجازي تدعونا لأن ندقق النظر فيما ذهب إليه البعض من تزكية شخص عبد الإله وإبعاد تاثيره على مجمل سيئات النظام الملكي إثناء فترة وصايته على عرش العراق وحتى بعد إنتهاء هذه الوصاية وحتى سقوط هذا النظام بثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 .

وإذا ما تجاوزنا افراد العائلة المالكة ونظرنا إلى رجال حاشية هذا العهد الملكي الذين خططوا لسياسته ونفذوها فإننا سوف لن نجد إلا الندرة من هؤلاء السياسيين الذين تبنوا مصالح الوطن وأهله فعلاً قبل تبنيهم ودفاعهم بكل الطرق عن مصالح السياسة البريطانية في العراق . ومن الشخصيات التي لا تنتمي إلى هذه الندرة والتي كانت سائدة ، لا بل مسيطرة على الساحة السياسية العراقية آنذاك هو السياسي العراقي المعروف نوري السعيد الذي يدبج الكثير في الوقت الحاضر المقالات ويخرجون المسرحيات عن ذلك السياسي الذي نعتوه بكل اوصاف الطيبة والوطنية والتسامح والعدالة وغيرها من الأوصاف التي لم يكن يحملها اصلاً . ومن الجدير وصفه بصفاته الحقيقية التي مارسها على الساحة السياسية العراقية طيلة فترة تسلطه على هذه الساحة وأشهر صفاته هذه الحيلة والمراوغة والتآمر واللف والدوران وكأن تاريخ معاوية بن أبي سفيان يعيد نفسه بهذا الرجل على أرض العراق .لا نريد الحديث كثيراً هنا عن هذا الرجل ونكتفي بذكر المصدر القيم للأستاذ الباحث العراقي حامد الحمداني وكتابه المعنون : نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى ، لمراجعته ومعرفة المزيد حول هذا الموضوع .

قد يكون الكثير ممن يكيلون المديح إلى رجالات العهد الملكي ، خاصة إلى أولئك المقربين من البلاط الملكي ، لم يعيشوا هذه الفترة أصلاً أو لم يعيشوها بوعي . كما أن ذلك يمكن أن ينطلي على البعض الآخر الذي قد يجهل الحقيقة عن هذا العهد لنفس السبب الزمني هذا .

لقد مرَّ على ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 أربعة وخمسون عاماً . وهذا يعني حسابياً ان ألأشخاص الذين يبلغون من العمر الآن ستين عاماً فما دون لم يعيشوا هذه الفترة معايشة واقعية واعية بحيث كانوا قد شعروا فعلاً وعايشوا مباشرة سياط جلادي العهد الملكي التي رافقت المعارضين لسياسة النظام آنذاك ، وذلك من خلال عمليات التعذيب في سجون ذلك العهد وأقبيته. أو من خلال عمليات النفي والمطاردة ومعسكرات الإبعاد التي تأسست اصلاً لكل مواطن رفع صوته ضد السياسة الموالية للإستعمار البريطاني في العراق . أو من خلال الإعدامات التي نالت قادة القوى الوطنية سواءً في صفوف العسكريين أو المدنيين وفي مقدمتهم قادة الحزب الشيوعي العراقي الذين ظلت جثثهم معلقة في شوارع بغداد لعدة أيام . أو من خلال المجازر الرهيبة التي نفذها النظام الملكي ضد السجناء السياسيين والتي أسفرت عن قتل السجناء في هذه السجون ، ومجزرة سجن الكوت مثل واحد على مثل هذه المجازر التي تمخضت عن مجزرة كاورباغي ومجزرة خسر الشهداء على سبيل الحصر لمثل هذه المجازر التي مارسها النظام الملكي المقبور . او من خلال الفصل من الوظائف وما كان يسمى بسحب اليد وبذلك قطع مصدر المعيشة لعوائل الوطنيين العراقيين النشطين في الأحزاب المعادية للسياسة الإستعمارية في العراق والتي كان العهد الملكي وحاشيته من الساسة العراقيين أدوات تنفيذها المباشرة . أو من خلال رمي المتظاهرين بالعتاد الحي ووقوع القتلى والجرحى بين مَن تظاهروا لإعلان هذا الموقف الوطني أو ذاك ضد السياسة الإستعمارية البريطانية وأذنابها في الوطن . أوتسخير الجيش العراقي لضرب العشائر وضرب المتظاهرين أيضاً في الإنتفاضات الوطنية في ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي . أو من خلال شن الحرب الشعواء على القوى العراقية غير العربية التي طالبت بأبسط حقوقها القومية ، كما جرى للكورد مثلاً .أو من خلال الدعم اللامشروع للإقطاعيين الكبار باستعبادهم الفلاحين وذلك من خلال قوانين سنَّها النظام خصيصاً لفرض السيطرة الإقطاعية في الريف العراقي لكي يضمن بذلك ولاء الإقطاع له وفي مقدمتها قانون دعاوى العشائر . أو من خلال سياسة التعليم الطائفية التي مارسها دهاقنة النظام آنذاك كالحصري وخليل كنة . أو من خلال التضييق الذي قد يصل إلى القمع بكل وسائل العنف او بالسجن او بالفصل ضد منتسبي النقابات العمالية التي بدأت بالمطالبة بحقوقها النقابية ، كما جرى في مجزرة كاورباغي مثلاً . " وفخر " هذا النظام أنه جعل من مخازن أسلحة الجيش البريطاني في صحراء نكرة السلمان سجناً رهيباً لمعارضيه من منتسبي الأحزاب الوطنية . أو من خلال سياسة التعريب التي أستخدمها النظام الملكي تجاه المناطق الكوردية وفي مقدمتها مدينة كركوك . أو من خلال الثقافة الإستعمارية الطائفية العنصرية التي أشاعها النظام في مفاصل الدولة العراقية كتبني الجنسية العثمانية مثلاً . ولم يقتصر هذا القمع الذي مارسته الأجهزة القمعية الملكية المدنية منها والعسكرية على منطقة واحدة من العراق ، بل شملت الجبال والوديان في كوردستان العراق كما شملت البطاح والصحاري في وسطه وجنوبه . إذ لا يهم مَن يكون على قمة السلطة سواءً نوري السعيد الذي كان أكثرهم نصيباً في الحصول على منصب رئيس الوزراء أو صالح جبر أو توفيق السويدي أو آخرون فإن أجهزة أمن بهجت العطية وسعيد قزاز وخليل كنة وغيرهم من قادة الجهاز القمعي آنذاك ، وما تمخض عن هذه المؤسسات القمعية من جهاز سموه الشعبة الخاصة، التي تخصصت بالشيوعيين ، كانت السباقة دوماً إلى تنفيذ عمليات الملاحقة والسجن والتعذيب حتى الموت أحياناً دون ان يشعر أي من سياسيي العهد الملكي هؤلاء بأي رادع وطني أو أخلاقي من تلك التي يتحدث عنها البعض اليوم باعتبارها من الظواهر التي كانت ترافق رجالات العهد الملكي المقبور . وربما نستطيع القول حتى أولئك الذين قرأوا عن مظالم ذلك العهد لم يستطيعوا تكوين فكرة مباشرة واضحة عنه وذلك لسببين :

أولهما : أن القراءة وحدها لا يمكنها أن تصنع نفس الصورة وتخلق نفس المشاعر التي تبلورت لدى أولئك الذين عاشوا الحدث مباشرة واكتووا بناره أيضاً ، إذ ان المعايشة وحدها من بعيد ودون ألإحتكاك المباشر بالحدث لا تكفي .

وثانيهما : إن هؤلاء قد عاشوا بعدئذ وربما بوعي أساليب البعثفاشية التي بدت في أعينهم ، وهم على حق في ذلك ، غير قابلة للمقارنة مع أي تسلط قمعي ، لذلك فإن القمع الذي مارسه العهد الملكي كان " زلاطة " بالنسبة لهم ، كما يقول المثل العراقي . قد يكون هذا التحليل صحيحاً . إلا ان لكل حقبة زمنية خصوصيتها وآلياتها . وإن آلية القمع التي وظفها العهد الملكي ضد معارضيه كانت قد بلغت قمة التطور في الأساليب القمعية آنذاك، وعلى هذا الأساس فقط يمكن أن تجري المقارنة لنخرج بنتيجة نسبية حول هذا الامر.

إن كل ما نستخلصه من الطرح أعلاه هو أن العهد الملكي كان يشكل وحدة كاملة من البلاط وحاشيته على مختلف مناصب أفرادها سعت لتمثيل مصالح السياسة البريطانية ليس في العراق فقط ، بل وفي المنطقة برمتها . لذلك فإنه ليس من الغرابة بمكان أن يكون العراق هو العضو الفعال ، من بين كل دول المنطقة العربية ، في حلف عسكري إستراتيجي حمل إسم العاصمة العراقية كمؤشر على إضطلاع بلد هذه العاصمة في إشرافه ليس على تمثيل السياسة الإستعمارية في المنطقة وحسب ، بل والدفاع عنها عسكرياً أيضاً مع حلفائه الآخرين في هذا الحلف .

من الطبيعي أن يضطلع هذا العهد ببعض الإنجازات التي يمكن إعتبارها ضمن ما كان ينتظره الشعب العراقي من حكومة كانت تتغنى بالوطنية . إلا ان عمق هذه الوطنية العراقية سيبدو لنا واضحاً إذا ما نظرنا إلى ما حققته السياسة الإستعمارية البريطانية بالدرجة الأولى وكل المرتبطين بهذه السياسة تجاه بعض ما تحقق للشعب العراقي اصلاً . أما إذا أخذنا الأمر من واجهة أخرى فإن الصورة ستبدو واضحة اكثر إذا ما أجرينا المقارنة بين المواقف التي وقفتها سياسة العهد الملكي إلى جانب الشعب العراقي وتلك التي إتخذتها ضده إبتداءً بقمع الإنتفاضات والحركات والأحزاب الوطنية وما تمخض عنها من معارك طاحنة بين الشعب والحكومة وانتهاءً بالنفوذ الأجنبي على العراق وكافة مرافقه السياسية والإقتصادية. وما السياسة النفطية التي سلكها العهد الملكي والإمتيازات التي حققتها شركات النفط الأجنبية فيه إلا مثلاً واحداً على ذلك .

لذلك فإنه ليس من المستغرب أن تكون أولى الخطوات الجريئة التي إتخذتها ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 هي التخلص من كبرى سيئات العهد الملكي هذا والتي شملت الحد من التسلط الإقطاعي والقضاء على إمتيازات الشركات النفطية وتحرير الإقتصاد العراقي من الهيمنة ألأجنبية . وكذلك ليس من المستغرب ان نرى ردة الفعل من ألإقطاع والرجعية وأيتام العهد الملكي الذين رفضوا هذا التوجه الوطني الحق لثورة تموز وسعوا إلى مقاومته بكل ما تسنى لهم من الدعم الداخلي والخارجي حتى تحقق لهم ذلك في ألإنقلاب الدموي الأمريكي البعثفاشي الإجرامي في الثامن من شباط من عام 1963 .

مَن يريد تبرير مواقف العائلة المالكة العراقية والجرائم التي أرتكبها العهد الملكي بحق العراق شعباً ووطناً من خلال الشعار المرفوع آنذاك بأن " الملك مصون وغير مسؤول " فإنه في الحقيقة يغالط نفسه أكثر مما يغالط الواقع الذي كان سائداً فعلاً . فالملك كان بيده إقالة وتعيين الحكومة من خلال تعيينه وإقالته لرئيسها . والملك كان يتحكم بطبيعة وشكل ما يسمى بالبرلمان العراقي الذي لم يدخل فيه الممثلون الحقيقيون للشعب ، بل كان " النواب " يُفرَضون فيه فرضاً كممثلين عن مناطقهم الإنتخابيه . وحينما دخل بعض ممثلي الشعب الحقيقيين إلى البرلمان صدفة ، لجأ الملك إلى حل هذا البرلمان فوراً ، وهذا جزء يسير من الممارسة " الديمقراطية " للنظام الملكي الذي لم يتحمل وجود قلة قليلة من النواب الديمقراطيين الذين فرضهم الشعب آنذاك والذين جرى إستيعابهم من قبل النظام الملكي لتهدئة الثوران الشعبي ليستغني عنهم بعد ايام لتنفيذ سياسته عبر برلمان " الموافج " من الجهلة المتخلفين . والملك كان يعين تعييناً ما يسمى بمجلس الأعيان الذين يشكلون رجال السلطة في غالبيتهم العظمى . أي ان الصلاحيات التي كانت للملك أو للوصي على عرش العراق كانت صلاحيات يمكن توظيفها لمصلحة الشعب والوطن ، إن أرادوا ذلك ، وليس لمصلحة السياسة البريطانية في العراق والمنطقة.

اما ما جرى التطرق له في بز محكمة الشعب والتطاول عليها من قبل الحاقدين على ثورة تموز وانجازاتها ، ومحكمة الشعب واحدة من هذه الإنجازات ، فنقول لهم : هاتوا لنا محاكمة واحدة من آلاف المحاكمات العرفية والعسكرية لنظامكم الملكي والذي جرى فيها الحكم بالإعدام والسجن المؤبد ولعشرات السنين على الوطنيين العراقيين ، سُمح فيه للمتهمين بأن يدافعوا عن انفسهم كما جرى للمتهمين من رجال العهد الملكي في محكمة الشعب. محاكمات عهدكم الملكي ايها السادة كانت تصدر احكامها المختلفة بشكل جماعي على المتهمين الماثلين في قفص الإتهام فيقال مثلاً :(من ابو السدارة إلى ابو الجراوية عشر سنين) وهكذا .

ربما قد نسي البعض او يتجاهل ضحايا العهد الملكي المقبور من خلال الإعدامات والسجون ، إذ قد إمتد بها الزمن. إلا انه لا يمكن تجاهل بعض الشواهد التي لا تزال تشير إلى جرائم هذا العهد البغيض . فجسر الشهداء لم يزل قائماً وشاهداً على شهداءه . وجدران سجن الكوت لا زالت تقف معلنة سقوط السجناء العُزل امامها برصاص سجاني عبد الإله ونوري السعيد ، وتاريخ كاورباغي سجل بأحرف من أسماء ضحايا المجزرة الرهيبة التي تعرض لها العمال لا لذنب جنوه ، بل لمجرد المطالبة بحقوقهم من سياسيي نظامكم المقبور. فلا تتجاهلوا التاريخ ايها السادة ، فإن حسابه بعدئذ سيكون عسيراً .

وختاماً لا يسعنا إلا أن ننصح المتقولين على ثورة الرابع عشر من تموز والساعين إلى النيل منها من خلال محاولاتهم لإعادة الإعتبار إلى العهد الملكي ورجاله سواءً في البلاط نفسه أو من حاشية هذا البلاط أن يكفوا عن مثل هذه المحاولات التي لا يمكنهم أن يمرروها خلف ظهر التاريخ الذي شهد على زيف السياسة التي كان يمارسها هذا العهد .

ولمعلومات هؤلاء المدافعين عن العهد الملكي المقبور ان بعض الوطنيين العراقيين الذين عايشوا سيئات هذا العهد لم يستطيعوا السكوت عما يرونه من ممارسات رجال النظام التي إرتبطت بألأجنبي والتي إبتعدت عن النَفس العراقي والذين لاقوا عن عدم سكوتهم هذا ما لاقوه من الملاحقات من قِبل " هذا النظام الملكي الذي تسمونه ديمقراطياً " . فالشيخ محمد رضا الشبيبي مثلاً يصف السياسة العراقية آنذاك وصفاً بليغاً حينما قال :

المستشار هو الذي شرب الطلا     فعلام يا هذا الوزير تعربد

حيث ان الحاكم الرئيسي في المؤسسات العراقية آنذاك لم يكن الوزير او اي مسؤول في المؤسسة ، بل المستشار البريطاني الذي تعينه الحكومة البريطانية .

كما أشار الجواهري الكبير إلى سيئات النظام الملكي حين وصف إرتباطه بالإنكليز قائلاً ومخاطبا صديقه هاشمم الوتري :

أعرفتَ مملكة يُباح شهيدها للخائنين الخادمين أجانبا
مستأجرين يخربون ديارهم ويكافئون على الخراب رواتبا
متنمرين يبرزون صدورهم مثل السباع ضراوة وتكالبا
حتى إذا جدَّت وغى تضرمت نار تلف أباعداً وأقاربا
لزموا جحورهمُ وطار حليمهم ذعراً وبُدلت الأسود ارانبا

كما عبر الشاعر العراقي الكبير المرحوم معروف الرصافي عن سيئات هذا العهد بقصيدته الرائعة التي كان مطلعها :

أنا بالحكومة والسياسة أعرَفُ أأُلام في تفنيدها وأُعَنَفُ

حتى يصل إلى وصف هذا العهد بكل سيئاته قائلاً :

عَلَمٌ ودستورٌ ومجلسُ أمةٍ كُلٌ عن المعنى الصحيح مُحَرَفُ
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تُعرَفُ
مَن يقرأ الدستور يعلم أنه وِفقاً لصك الإنتداب مُصَنَّفُ
مَن ينظر العلَمَ المُرَفرِفَ يَلْقَهُ في عزّ غير بني البلاد يُرفرِفُ
مَن يأتِ مجلسنا يُصدّق أنه لمُراد غير الناخبين مؤَلَفُ
مَن يأتِ مُطّرَدَ الوزارة يُلْقِها بقيود أهل ألإستشارة ترسُفُ

ثم يختم هذا الشاعر العراقي الكبير قصيدته الرائعة هذه مُتنبئاً بما سيحدث لهذا النظام قائلاً :

لابد من يوم يطول عليكُمُ فيه الحساب كما يطول الموقفُ
الشعب في جزَعٍ فلا تستبعدوا يوماً تثور به الجيوشُ وتزحَفُ

وهذا بالفعل ما حققته ثورة القوى الوطنية في الجيش العراقي بمساندة الشعب لهذه الثورة في الرابع عشر من تموز المجيد عام 1958. هذه الثورة التي نفخر ، نحن في التيار الديمقراطي العراقي في ألمانيا ، بالإحتفال بذكراها في هذا العام وفي كل عام ، مشاركين الملايين من ابناء وطننا بهذا العرس العراقي البهيج بالقضاء على مخلفات السياسة الإستعمارية البريطانية في العراق وتأسيس الجمهورية العراقية الأولى تيمناً بقوله تعالى " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون " . ومثل هذه الإحتفالات وهذا التقييم لثورة الرابع عشر من تموز سوف لن يوقفنا عن ممارسة النقد العلمي الموضوعي البناء لحيثيات إنحراف الثورة عن مسارها الوطني الديمقراطي الذي كان مخططاً لها والإعتبار من ذلك لتوجيهه الوجهة الوطنية العراقية الأصيلة البعيدة عن الطائفية المقيتة والتعصب القومي الأهوج والإصطفاف العشائري المتخلف والإنحياز المناطقي المنبوذ الذي تمارسه قوى الإسلام السياسي اليوم والقوى الؤيدة لها في وطننا الذي نريد إستعادة هويته العراقية الأصيلة بكل ما أوتينا من عزم وتصميم وتحدي .

المجد كل المجد والسؤدد والخلود لثورة الرابع عشر من تموز . ولتخرس كل الأبواق الساعية للنيل من هذا ألإنجاز العراقي الوطني التاريخي العظيم .

 







 

free web counter