نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الثلاثاء 12/9/ 2006

 

 

المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي........آفاق وآمال


د. صادق إطيمش

الوثائق التي طرحها الحزب الشيوعي العراقي والتي سيطرحها مستقبلآ إستعدادآ لمناقشتها في مؤتمره الثامن, لها كثير من الدلالات التي لا تنعكس على عمل الحزب فقط بل وتتجاوز ذلك إلى مجموع العمل الوطني في المرحلة الجديدة التي يمر بها وطننا العراق وإلى ألتاثير على آليات العمل السياسي للمنظمات والأحزاب التقدمية في عموم الوطن العربي هذا بالإضافة إلى إغناء حركة التحرر الوطني العالمية بمعلم جديد من معالم نهج القرن الحادي والعشرين .

ليس غريبآ أن يجري ألإهتمام بطروحات الحزب الشيوعي العراقي من قِبل حتى من لا ينتظم في صفوف هذا الحزب الذي سجل بنضاله الدائب في سبيل الشعب والوطن أروع ملاحم البطولة وقدم كواكب مضيئة من مناضلاته ومناضليه شهداء على هذا الطريق . فالحزب الشيوعي العراقي تاريخيآ ليس ملك الشيوعيين العراقيين وحدهم وهمومه ليست همومهم وحدهم كما أن نجاحاته وإنتكاساته ليست لهم أو عليهم وحدهم . إن تاريخ الحركة الوطنية العراقية يقدم لنا الشهادة تلو الشهادة على المراحل التي إرتبطت بإنتكاسة الحركة الوطنية العراقية بمجموعها بعد أن بدأت هذه الإنتكاسات بشن الحرب على الحزب الشيوعي العراقي الذي شكل رأس الحربة على سوح النضال الوطني العراقي . لذلك لا غرابة في الأمر إذا ما جاءت الوثائق المطروحة للمناقشة لتعكس تطلعات الشعب العراقي نحو البديل الديمقراطي والتطور المستمر في كافة المجالات التي تتيح لشعبنا الإلتحاق بركب القرن الحادي والعشرين ومواصلة السير المستمر مع هذا الركب . لقد أدرك الحزب الشيوعي العراقي من خلال التجارب المريرة التي مر بها الحزب نفسه ومن خلال التجارب العالمية المماثلة أن مساهمة الشيوعيين مع مجموع الشعب تشكل الأساس الصلب لبناء الصرح الديمقراطي في العراق وإن التفاعل المثمر مع الحركة الوطنية العراقية المخلصة يفتح ألآفاق الرحبة نحو طرح الحلول للمشاكل التي يعاني منها الشعب والوطن , فالعبرة ليس بتشخيص المشاكل وحسب , بل وبوضع الحلول لها أيضآ إنطلاقآ من الواقع الفعلي بعيدآ عن التبجح والعنجهية والمكابرة التي سارت ولا تزال تسير بنا من سيئ إلى أسوأ . فإذا ما اضفنا إلى ذلك كل التجربة النضالية الغنية التي إكتسبها الحزب الشيوعي العراقي طيلة السبعين سنة ونيف من عمر العراق الحديث وما سبقها من نضال ونشاط مهد لنشوء الحزب الذي يُعتبر اليوم أقدم ألأحزاب العراقية الفاعلة على الساحة السياسية العراقية , لوجدنا أن التوجه الجديد للحزب الشيوعي العراقي والذي يصر على تبنيه في مؤتمره الثامن ما هو إلا إنعكاس طبيعي لحزب كان ولا يزال ملتصقآ بهموم العراق وشعب العراق بحيث أصبح من المستحيل التحدث عن تاريخ العراق السياسي الحديث دون إفراز حيز واسع من هذا التاريخ لدور الحزب الشيوعي العراقي فيه . ولنا في المؤلَف الذي وضعه المؤرخ حنا بطاطو والمعنون ... العراق..., سواءً إتفقنا أو إختلفنا معه في إطروحاته , مثلآ واضحآ على صحة ما ذهبنا إليه , حيث كتب هذا المؤرخ ثلاث مجلدات حول تاريخ العراق الحديث كان عنوان المجلد الثاني منها ... ألحزب الشيوعي ... كما شغل التاريخ النضالي للحزب الشيوعي العراقي حيزآ كبيرآ من المجلد الثالث الذي كان بعنوان ...الشيوعيون والبعثيون والضباط ألأحرار .

لا نريد التطرق هنا إلى مضمون الوثائق التي طرحها الحزب والمتمثلة بالبرنامج السياسي والنظام الداخلي وما سيطرحه من وثائق أخرى , إذ تطرق وسيتطرق الكثيرون حتمآ إلى هذه النصوص وأغنوها ببعض الملاحظات القيمة التي ستدور حولها النقاشات حتمآ في جلسات المؤتمر . إن ما نريد ألإشارة له هنا هو الآلية التي طُرحت بها هذه الوثائق للنقاش . هذه الآلية التي عبرت بكل صدق وأمانه عن مدى إرتباط هذا الحزب بالشعب والوطن والرؤيا التي وضعت الحزب الشيوعي العراقي وما يتعلق بسياسته المستقبلية ومنهاج عمله القادم ليس بيد الشيوعين العراقيين وحدهم , بل بيد الشعب العراقي بإجمعه الذي ينتخي به هذا الحزب دومآ .
إن طرح أخص ألخصوصيات التنظيمية للحزب الشيوعي العراقي المتمثلة بنظامه الداخلي على الشعب العراقي للإطلاع عليها ومناقشتها وإغناءها بأفكار جديدة ومقترحات فعالة لتطوير العمل التنظيمي , يعكس الوعي النّير الذي يهتدي به هذا الحزب الذي لا يمر بتجربة إيجابية كانت أو سلبية إلا ويشبعهها تحليلآ ونقاشآ ليخرج بالخط الجديد الذي ينسجم والتطور الذي تمر به الحياة الإنسانية , إذ لا جمود أو توقف مع إستمرار التطور الذي يجري بالثواني ليضيف تغيرآ نوعيآ جديدآ لكل ما يمس الحياة اليومية للإنسان الذي لا يستطيع ألتعامل الجدي المثمر مع هذه الحياة دون التعامل مع ما تؤدي إليه تراكماتها العلمية والتقنية والإجتماعية والسياسية من قفزات نوعية سريعة لا تنتظر المتخلفين . إن عرض النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي , وإسمه يدل على خصوصيته الداخلية , على الشعب العراقي خطوة جريئة جبارة أخرى من خطوات هذا الحزب الذي ما إنفك , طيلة عمره النضالي المديد, من التأكيد على إرتباطه بهذا الشعب الذي وِلِد وترعرع وشب بين أحضانه , يصارحه بكل شيئ ويستعين به في كل محنة , ولم يبخل هذا الشعب فعلآ بأفواج المناضلات والمناضلين الذين برروا ثقة الحزب هذه بهم ولم يكن أمام الحزب إلا أن يرد الثقة بثقة أعلى والتصميم على مواصلة المسيرة مع الشعب بتصميم أصلب فلم يثنه القمع والتشريد والقتل والإضطهاد عن ألإلتصاق بالشعب العراقي وهمومه وآلامه وطموحاته بحيث ان الساحة السياسية العراقية لم تعرف حزبآ ظل لصيقآ بشعبنا العراقي منذ بدء تاريخه الحديث ولحد الآن غير الحزب الشيوعي العراقي . فلا عجب إذن أن يلجأ له اليوم ليغنيه بما يراه ينفع الشعب أولآ ومن ثم الحزب ثانيآ حتى ضمن خصوصيات العمل التنظيمي الداخلي الذي يمارسه الحزب . فالعمل التنظيمي الداخلي يهدف أولآ وأخيرآ لتحقيق التوجه العام لسياسة الحزب التي صاغها في شعاره الخالد وطن حر وشعب سعيد , الذي رافق عمله النضالي منذ اليوم ألأول لولادة الحزب كتنظيم سياسي منذ أكثر من سبعين عامآ .
وما يُقال عن النظام الداخلي ينعكس أيضآ على البرنامج السياسي للحزب الذي وضعه بين يدي الشعب ليقول كلمته فيه . هناك من يعتبر مثل هذا ألطرح العلني لطبيعة العمل السياسي المستقبلي للحزب تضييقآ لمساحة تحركه تكتيكيآ وإستراتيجيآ من خلال المتغيرات التي تطرأ على الساحة السياسية العالميه والمنطقية عمومآ وعلى الساحة العراقية على وجه التحديد . نعم قد يكون ذلك صحيحآ بالنسبة لأي حزب أو تنظيم سياسي حديث العهد بالعمل الجماهيري أولآ ومقتصرآ في نشاطاته الميدانية على قطاع معين من الجماهير ثانيآ . أما بالنسبة لحزب كالحزب الشيوعي العراقي الذي لا يشمله هذا الوصف ولا ذاك فإن تاريخه السياسي ونضاله الدائب بين جميع طبقات الشعب العراقي جعل منه حزبآ لا يستطيع رسم سياسته ضمن دوائره التنظيمية فقط , بل ومن خلال ما تراه جماهيره خارج ألأُطر التنظيمية أيضآ . ولهذه الآلية التي يعتمدها الحزب دلالات عدة نوجزها بما يلي :

أولآ : يريد الحزب الشيوعي العراقي أن يؤكد للأعداء قبل ألإصدقاء أن هذا الحزب الذي لم تكسر شوكته المشانق والسجون والتشريد والإضطهاد لا يحيد عن ذلك الخط الذي وضعه مؤسسه ألأول الرفيق الخالد فهد والذي أكد منذ الساعات ألأولى لقيام هذا التنظيم السياسي , على ولادة هذا الحزب من رحم الشعب العراقي وسيظل هذا الوليد ملتصقآ دومآ بهذا الرحم مهما عظمت التحديات وازدادت الصعوبات . وتاريخ الحزب كله يشهد بهذا الإلتصاق الذي سيستمرحتى تحت هذه الظروف العسيرة التي يمر بها وطننا العراق اليوم ,وسوف لن يتوقف عن ألإستمرار تحت ظروف أشد وطأة وأكثر تعقيدآ . وما طرح الوثائق الحزبية على الشعب إلا دليلآ على مواصلة ألإستمرار على هذا النهج القديم .

ثانيآ : إن آلية الطرح هذه تؤكد بما لا يقبل الشك بأن الحزب الشيوعي العراقي يعي بكل دقة ماهية المرحلة التي يمر بها وطننا الآن حيث التمحورات الطائفية والعشائرية والمناطقية التي صبغت الشارع العراقي بصبغة لم يألفها من قبل . ولا يمكن إستعادة الصورة العراقية التي لم تكن تعرف مثل هذه ألإفرازات , إلا من خلال العودة إلى الهوية العراقية ألأصيلة التي حملها العراقي بين أضلعه فكانت تشكل إنتماؤه الرئيسي أينما كان في شرق الوطن أو غربه , في شماله أو جنوبه . ويشكل هذا الطرح الذي إعتمده الحزب الشيوعي العراقي للتحضير لمؤتمره الثامن القادم خطوة واسعة جريئة نحو إستعادة الهوية العراقية من خلال ألإلتفاف حول العراق ومستقبل العراق والنهوض بشعب العراق ضمن الإنتماء للعراق أولآ وقبل كل شيئ .

ثالثآ : تشكل آلية الطرح هذه والصيغ الواردة فيها, إضافة إلى كل ذلك , إنعكاسآ واضحآ لما تبلور من أحداث على الساحة السياسية العالمية منذ العقد ألأخيرمن القرن الماضي وحتى ألآن ومدى قناعة الحزب بضرورة ألإستجابة لهذه المتغيرات التي أصبحت السمة الملازمة لضرورات التطور التقني على جميع أصعدة الحياة . لقد برهن الحزب بذلك على أنه كائن حي يتأثر بالأحداث , عالمية كانت أو محلية , ويؤثر فيها .

رابعآ : أثبت الحزب من خلال تجربته الخاصة والتجارب العالمية التي تفاعل معها بأن القرار الأول والأخير يجب أن يتبلور ضمن القناعات التي تتوفر لذوي الشأن في مثل هذه القرارات . وبما أن الحزب الشيوعي العراقي قد وضع الجماهير دومآ أمام كل قرار تبناه وإنه سيضع هذه الجماهير مستقبلآ أمام أي قرار سيتبناه , أي أنها هي وحدها صاحبة الشأن , فلابد إذن والحالة هذه أن يلجأ الحزب إلى هذه الجماهيرلتطبيق النهج الديمقراطي ألذي يشكل جوهر عمله وعلاقاته ضمن التنظيم الداخلي ومن خلال العمل الجماهيري .

خامسآ : وأخيرآ يدل هذا الطرح على الثقة العالية التي يتمتع بها الحزب الشيوعي العراقي بسياسته وقيادته وكوادره وأصدقاءه ومحبيه ومؤيديه . هذه الثقة التي جعلته يفصح , وعلى العلن , عن كل ما يتبناه من مواقف وكل ما يرمي إليه في سياسته التي لا تخفى حتى على ألأعداء , إذ أن حزبأ كالحزب الشيوعي العراقي ليس لديه ما يخفيه على شعبه وجماهيره , وليتقول عليه ألأعداء ما يتقولون , إن وجدوا فسحة ولو ضيقة لهذا التقول .

هذه الآفاق الجديدة التي فتحها الحزب الشيوعي العراقي بطرح وثائق مؤتمره الثامن على الجماهير مباشرة ودون أية حواجز, تقترن بالآمال التي يصبوا أصدقاء الحزب ومؤيدوه إلى تحقيقها والمتعلقة بتحقيق هذا النهج في ميدان عملي آخر أيضآ من خلال إشراك ممثلين عن أصدقاء الحزب وعن التنطيمات الشعبية المختلفة بفعاليات المؤتمر الثامن ليكون مؤتمرآ للشعب العراقي وللهوية العراقية حقآ وحقيقة وليس للحزب الشيوعي العراقي وحده , فهذا الحزب هو للعراقيين جميعآ وليس للشيوعيين فقط.