الجمعة 10 /2/ 2006

 


 

صراع الحضارات .....صراع الثقافات.....النظريات الجديدة للسلفية الغربية

( 2 - 2 )

 

د. صادق إطيمش

فالمسألة تتعلق بضمان الوجود المادي ألإقتصادي الذي أدى إلى الصراع وسيظل موضوع الصراع الذي تتغير سبله وأساليبه تبعآ للحقب التاريخية المختلفة وإنطلاقآ من درجة تطور المجتمعات المعنية ورقيها . لذلك فإن التصور الذي يطلقه هنتنجتون حول صراع الحضارات يشمل جزءً , وإن كان مهمآ , من المكون الحضاري وليس المكون الحضاري كله . وبكلمة أخرى يمكن القول بعدم إمكانية الصراع بين المكون الحضاري المبني على ألأدب والفكر والفن , وإن حدث تنافسآ بين هذه المكونات الحضارية فإنه سيكون من باب التنافس المؤدي إلى زيادة الإبداع وعلى أسس ومفاهيم تختلف تمامآ عن تلك التي سببت الصراع الإقتصادي المؤدي إلى التدمير وإنهاء الغير ولا يتردد في كثير من ألأحيان من إستعمال أكثر ألأسلحة فتكآ , في حين يقود التنافس الثقافي إلى إستعمال " سلاح " القلم والفرشاة والآلة الموسيقية ليواجه الآخر بها لا لإفناءه , بل لإغراءه بخلق ألأفضل والأكثر تقبلآ من بني جنسه . فالتنافس الثقافي بين الأمم إذن لا يزيد المتنافسين إلا قوة وثباتآ شريطة أن يتم بمعزل عن ألأحكام المسبقة بالإنحياز لهذه الثقافة أوتلك . إن ألتنافس الثقافي الموَجَه توجيهآ إنسانيآ حضاريآ لا يقود إلا إلى ألإبداع والتجديد ولا يمكن أن يكون هناك أي تجديد إذا ما إنغلقت الثقافة على نفسها , حيث سينضب خزينها عاجلآ أم آجلآ, لذلك لابد من سلوك سبيل التلاقح والتداخل الفكري الذي لا مناص منه والذي لا يمكن تحقيقه دون أللقاء والحوار ومن ثم ألإغناء المتبادل . لقد برهن هذا النوع من التنافس الثقافي , في كثير من ألأحيان , على قدرته للوصول بالإنسان إلى تحقيق ما يسعى إليه من التقارب الفكري والثراء المعرفي , وما العلاقات الثقافية المتعددة الجوانب الناشئة بين مختلف أمم العالم اليوم إلا مثالآ واحدآ على مثل هذا التلاقح الثقافي .
أما موضوع الصراع الذي تراهن عليه السلفية الغربية اليوم لتسويقه كصراع حضارات ومن ثم لتبرير إستخدام كافة الوسائل لحسم هذا الصراع لصالحها ما هو إلا صراع المصالح ذات الطبيعة الإقتصادية ألإستغلاليه , إذ أن الحضارة البشرية هي حضارة ألإمتداد التاريخي للبشرية جمعاء وليس لمجموعة معينه من البشر, وبداية هذه الحضارة كانت واحدة عندما بدأ بها ألإنسان ألأول , أما ما جاء بعدذلك فلا يتعدى كونه إضافة طوابق أخرى على صرح الحضارة البشرية.

لقد أثبت الصراع على المصالح المادية فشله في التصدي للمشاكل العالمية التي يتجدد تواجدها على أشكال مختلفة من الجهل والمرض والفقروالقهر والإضطهاد والتشرد والإبادة التي تتخد وسائل شتى سياسية ودينية وعنصرية , لا بل عمل على إستفحالها أو حتى تشجيعها إذا ما تعارضت وتحقيق المصلحة ألإقتصادية المرجوة . لقد برهن هذا النوع من الصراع على المصالح ألإقتصادية إرتباطه بالعنف وقعقعة السلاح في أكثر ألأحيان حيث إرتبط ذلك بدوره بصعوبة التواصل الثقافي وتلكؤ التقدم الحضاري وقطع الصلة إجباريآ , ولربما لوقت طويل أحيانآ , بين شعوب ومؤسسات تواصل العمل على بناء الصرح الحضاري العالمي ووصل ما إنقطع من النسيج الثقافي ألإنساني حتى تحت أشد الظروف قسوة . وهناك الكثير من ألأمثلة التي يقدمها لنا التاريخ الإنساني كشواهد لا تُنكر على التواصل والتلاحم الثقافي الحضاري بين أمم وشعوب يتناحر قادتها السياسيون أو الدينيون أو العنصريون المتطرفون لتحقيق هذه المصلحة أو تلك تحت هذه المسميات التي يتستر خلفها المتحاربون

إستنادآ إلى ذلك يمكن القول أن ألصراع الذي تدعو له السلفية الغربية اليوم يستند على ألأفكار القديمة التي كانت تنادي بها ألرأسمالية ألإستغلالية بالأمس , بعد أن أثبتت الرأسمالية نفسها فشل هذه ألأفكار وعدم صلاحيتها لمتطلبات مسيرة التطور الحديث , فأستبدلتها بمقومات رأسمالية أخرى ظل تراكم رأس المال هدفها ألأول والأخيرإلا أنها صبغته بصبغة إجتماعية جعلته يبدو أكثر رحمة وإنسانية , والسير جنبآ إلى جنب نحو ضمان ما تحقق من نمو إقتصادي يسعى لتطوير بُناه بما ينسجم وتطور العصر, بحيث يظل محور الصراع الذي لا يمكن التفريط به أو ألإبتعاد عنه .

فالأفكار السلفية الغربية ترتكب خطأ كبيرآ , كقرينتها السلفية العربية ألإسلامية , إذا إتجهت لإستعمال وصْفات القرون الماضية لحل مشاكل القرن الواحد والعشرين . إن الحركة المستمرة للتاريخ تمر بمنعطفات وطرق جديدة غير مطروقة مسبقآ والتراكمات الكمية التي تُضاف في هذه المسالك الجديدة إلى ما حققته البشرية عبر مسيرتها الطويلة هذه ستؤدي بالنتيجة إلى نوع جديد من الحياة البشرية التي لا يمكن مقارنتها بحياة ألآباء والأجداد في القرون السالفة .

إن إستغلال الفكر السلفي الغربي لنظرية الصراع بين الحضارات والثقافات وإعتبار هذا الصراع حتميآ , ليس للتفتيش عن عدو جديد وجده في ألإسلام ,كما يدعي المـتأسلمون , بل لينفي التواصل والتلاقح الفكري أصلآ وليجعل من الحضارة العالمية الواحدة حضارات متطاحنة ومن تنوعها الثقافي عقبة في سبيل إغناء هذه الثقافات لبعضها البعض والسير معآ لإنجاز متطلبات الحياة ألإنسانية الحديثة . وهنا يكمن ألخلاف مع هذه ألأطروحة السلفية الغربية التي تتجاهل , لا بل وتنفي, وحدة الحضارة الإنسانية وتعمل على عرقلة التواصل الثقافي العالمي , وتدعو إلى ألإنغلاق الفكري الذي لا يخلو من الشعور بالعظمة والأفضلية التي تربطها هذه السلفية بوجوب إضطلاعها بالدور القيادي ومن ثم إحكام قبضة السيطرة والإستغلال والتحكم في مصائر ألآخرين . إن ألخطأ الكبير الذي ترتكبه السلفية الغربية بطرحها هذا يتلخص في تجاوزها الدورالرئيسي للمصالح ألإقتصادية والسياسية في تأجيج الصراع بين ألأمم والشعوب وما تعاني منه الحضارة العالمية والثقافات المنبثقة عنها بسبب هذا الصراع . إن السلفية الغربية ليست بحاجة للتفتيش عن العدو الجديد , فعدوها معروف لديها مسبقآ وقد شخصته في تلك الثقافات الواردة لها من مختلف القوميات والأديان والتي أغنت الثقافة الغربية بما لم تستطع السلفية الغربية إستيعابه وبالتالي التعامل معه . لقد تناسى سلفيوا الغرب أن المصالح الإقتصادية والسياسية لا تعرف الدين أو الحضارة أو الثقافة إذا ما تعلق ألأمر بالدفاع عن هذه المصالح .


موقع الناس     http://al-nnas.com/