| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الثلاثاء 10/2/ 2009



عودة إلى إنتخابات المحافظات ...النتائج والعبر

د. صادق إطيمش

أبدى بعض الأصدقاء والزملاء والقراء ملاحظات تحريرية وشفوية وتلفونية على المقالين الذين كتبتهما حول هذا الموضوع كان بعضها جديراً بالإهتمام والمناقشة التي سأحاول الخوض بها هنا . في البداية اتقدم بشكري الجزيل لأصحاب هذه الملاحظات لإهتمامهم بما أكتب سواءً إتفقوا معي بما أطرحه أو إختلفوا فيه . وإن كل ما أرجوه هو الإستمرار على تبادل الآراء ، إذ ان ذلك هو الطريق الوحيد الذي نستطيع من خلاله العمل على الإحتفاظ بما ينفع الناس ورمي ألزَبد الضار بهم .

لقد جاءت الملاحظة التي تناولت موضوع الهوية الإنتخابية لتعالج المشكلة التي طرحناها باعتبارها خللاً في عمل المفوضية المستقلة للإنتخابات والذي أدى إلى حرمان الآلاف من الناخبين من ممارسة حقهم الدستوري بالإشتراك بالإنتخابات أو جعل ممارستهم لهذا الحق مرتبطة بصعوبات جمة كالتفتيش عن الأسماء وعن المراكز الإنتخابية التي يحق للناخب الإدلاء بصوته فيها وصعوبة التنقلات والإختلاف في تدوين الأسماء وغير ذلك من الصعوبات التي برزت فعلاً لدى الممارسة العملية والمتعلقة في هذا الأمر . إنني في الوقت الذي أؤيد فيه هذا الإقتراح بحرارة داعياً المفوضية العليا للإنتخابات لتفعيله والتهيؤ فعلاً لإصدار مثل هذه الهويات التي قد تساعد حقاً في تجاوز الكثير من المشاكل الناشئة من خلال استعمال البطاقة التموينية في هذا المجال ، فإنني أدعو أيضاً إلى الذهاب أكثر من ذلك من خلال العمل على تطوير هيكلة المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات وجعلها مؤسسة دائمية لها كيانها الخاص المستقل فعلاً وكادرها المستقل النزيه حقاً الساعي للإعتناء بهذا الجانب فقط ، أي الإنتخابات وكل ما يتعلق بها ، من الممارسة الديمقراطية وتعمل على تطوير هذا العمل بالإستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال.

أما الملاحظات التي جاءت حول ظاهرة تغيير أسماء بعض الكيانات السياسية من دينية إلى علمانية والتي قلتُ عنها بأنها إلتفاتة ذكية لما يدور في الشارع العراقي اليوم حول نظرته إلى إستغلال الدين للأغراض السياسية ، فقد جاءت معترضة على هذا الطرح باعتبار ان تغيير الإسم وحده لا يعني تغيير الهدف لهذا الحزب الذي جاء بإسم لاديني أو ذاك . إن هذا الطرح صحيح جداً لو حللنا هذا الأمر على أنه تغيير إسم فقط . إلا أن ما ذهبت إليه هو ليس تغيير الإسم الذي إعتبرته عملية تجميلية تترتب عليها بعض النتائج العملية والتي إرتبطت بتغيير الشعارات الإنتخابية ايضاً والتي نحت المنحى العلماني أكثر من الديني . لقد كتبت حول هذه النقطة ما يلي " إلا أن لهذه التسمية الجديدة إنعكاسات أخرى يجب ان يتعامل معها حزب الدعوة الإسلامية بنفس الذكاء الذي أبداه بتسمية قائمته الإنتخابية . وأول هذه الإنعكاسات هي طبيعة العمل المرحلي المتعلق بتنفيذ البرنامج الإنتخابي لقائمة دولة القانون التي يجب ان تتعامل مع المرحلة القادمة من هذا المنطلق وليس من منطلقات الحزب الديني المسمى بحزب الدعوة الإسلامية " كما جاء في موضع آخر من نفس المقالة حول هذا الموضوع ما يلي " وهنا أيضاً ينبغي تسليط الضوء على سر هذا الإبتعاد ليس عن الإسم الديني فقط ، بل والإستغناء عن رفع الشعارات الدينية البحتة " إن كل ذلك يشير إلا أن ما ذهبنا إليه في تحليلنا هذا لا يعني تبديل الإسم فقط ، بل وتغيير الشعارات المطروحة مقارنة بالشعارات الدينية التي رافقت الإنتخابات البرلمانية السابقة . ومن هنا فإنه لا مجال للمقارنة هنا بين هذه الظاهرة لدى الأحزاب الدينية والفرضية التي تناولت الحزب الشيوعي العراقي والسؤال المتعلق بهذه الفرضية فيما إذا سيحصل الحزب الشيوعي العراقي على أصوات أكثر لو عمل على تغيير إسمه في الحملة الإنتخابية ..؟ أعتقد انه لا يمكننا وضع مقارنة كهذه لعدة أسباب :

أولها هو ما تطرقنا إليه أعلاه بان المسألة لا تتعلق بتغيير الإسم فقط ، بل وبالشعارات ايضاً .

ثانيها هو ان الحزب الشيوعي العراقي حتى لو غير إسمه فإن تاريخه السياسي سيربطه دائماً بالشيوعية وأفكارها ونظريتها التي سار الحزب على هديها طيلة تاريخه الحافل بالنضالات والتضحيات .

وثالثها هو ان الحزب الشيوعي العراقي حتى لو غير إسمه فإنه لا يمكن أن يغير شعاراته التي يستنبطها من عمله الجماهيري ، وليس لأغراض إنتخابية . هذه الشعارات التي لا تشكل خليطاً بين الديني والعلماني ، كما تحاول الأحزاب الدينية ذلك .

لهذه الأسباب أرى ان المقارنة هنا غير واردة فيما يتعلق بهذا الأمر .

أما الملاحظة الأخرى فإنها تناولت التركيز على الإسلام السياسي ومساهمة رجال الدين بالعمل السياسي .

أما ما يتعلق بالإسلام السياسي فإن المقصود به هو ليس الدين الإسلامي وإنما توظيف الدين الإسلامي لأهداف سياسية بحتة . كيف ...؟ كثير من أعداء الفكر العلماني يحاولون تفسير إطروحة فصل الدين عن الدولة على أنها تعني فصل الدين عن السياسة ثم يفسرونه على انه الكفر بعينه. وهذا تفكير خاطئ اولاً وخطر ثانياً . أما انه خاطئ فلأن السياسة كممارسة ميدانية لها علاقة بالحالة ألتي يعيشها المجتمع في جميع المفاصل المتعلقة بالحياة والتي يلجأ إليها كل مَن يجد في نفسه الكفاءة والقدرة للخوض في هذه المفاصل ، دون النظر إلى دينه أو عرقه أو لونه . وعلى هذا الأساس فإن هذه الممارسة هي حق مضمون دستورياً لكل إنسان يعيش ضمن الكيان الجغرافي والإجتماعي الذي نسميه الدولة التي لا ينبغي لها ان ترتبط بهوية معينة طالما هي تضم هؤلاء الناس المختلفين جميعاً في قومياتهم وأديانهم وألوان بشرتهم ، مهما قل أو كبر عدد هؤلاء ، إذا ما إنطلق المرء من وجهة نظر الإنسان وحقوقه . لذلك فإن إنطلاق الفكر العلماني بفصل الدين عن الدولة وليس عن السياسة يأخذ بنظر الإعتبار عمومية كيان الدولة وعدم إقتصاره على جانب واحد لتكون هذه الدولة لهذه المجموعة او تلك أو انها تمثل أفكار هذه المجموعة أو تلك . كما أن الهيكل التنظيمي للدولة لا يسمح لها أن تتمثل بالخصائص الفردية المتعلقة بممارسات معينة . فالدولة لا تصوم ولا تصلي ولا تحج ولا تزكي كما يعمل ذلك الأفراد والجماعات كل حسب دينه ومعتقده ، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالأديان الإبراهيمية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام التي تشترك جميعها في هذه الطقوس .

أما خطورة هذا التفكير فتتجلى على اوضح صورها في الأجواء التي يخلقها الإسلام السياسي اليوم والتي تبرز على صور مختلفة من ألإقتتال والترويع والتهجير والنفي والإبعاد التي جعلت احد اسبابها الكفر بالدين إستناداً إلى ما يفهمه فقهاء الإسلام السياسي . ولكن ما هو الإسلام السياسي هذا وما المقصود به..؟ إن المقصود بالإسلام السياسي بكل إيجاز هو توظيف الدين وتعاليمه ليس للأغراض الدينية ، بل للوصول إلى أهداف سياسية بحتة هدفها الأول والأخير الوصول إلى الحكم السياسي . ولتحقيق ذلك يلجأ فقهاء هذا التوجه إلى إستنباط الأحكام والولوج في التفسيرات والتأويلات التي يضعونها على مقاساتهم ، سواءً فيما يتعلق بالحكم السياسي الذي يعتبرونه لا يجوز إلا لله ، فيضعون أنفسهم وكلاء لله يمارسون الحكم بدلاً عنه ، أو ما يتعلق بالموقف من الأديان الأخرى التي يطالبون أهلها بدفع الجزية لهم لأنهم وكلاء الله عللى الأرض ، او بسن القوانين التي تبيح لهم الممارسات التي لم ترد في القرآن ، الدستور الإسلامي ألأساسي ، كالرجم وقتل المرتد وقطع الرقاب وغير ذلك من الأعمال الهمجية التي لا يقرها أي دين . وبالنظر لممارسة هؤلاء الفقهاء للسياسة ايضاً فإنهم يخرجون على الملأ بشخصيتين الشخصية الدينية التي يمارسون من خلالها المقدس ليبرروا بها إستعمالهم للمسدس ضد كل مَن يقف أمام توجهاتهم وطروحاتهم حيث يعتبرون هذه الطروحات إلهية وليست من بنات أفكارهم المتخلفة . فلا عجب ان نرى الإزدواجية ليست في طروحات وخطاب هذا التوجه ، بل وفي أشخاص الممارسين لهذا الخطاب أيضاً. إنهم يطلبون من الناس النظر إليهم من خلال المقدس الذي يدعونه والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (للإستزادة في هذا الموضوع لا بأس من مراجعة ما كتبناه حول ذلك تحت عنوان الإزدواجية في فكر الإسلام السياسي بأربعة حلقات) .

كما ذكرنا اعلاه أنه من حق اي إنسان ان يمارس العمل السياسي ، ورجال الدين من ضمن المواطنين الذين يضمن لهم الدستور ذلك ، ولا يحق لأحد الإعتراض على هذا الأمر . إلا ان ما يجري الإعتراض عليه هو ان يطلب رجل الدين هذا معاملته معاملة خاصة تنطلق من تقديس كل ما يقول حتى وإن كان هذياناً بحتاً ، لا لشيئ إلا لأنه يرتدي الجبة والعمامة والمحابس ويتحلى بكي الجبهة .

كما ويجب على رجل الدين هذا العامل بالسياسة ، لا ان يتقبل النقد على طروحاته فقط ، بل ويسعى إلى ألإبتعاد عن توظيفها بشكل يتنافى والتعاليم التي يدعو إليها ، وهذا ما لا حظناه في الإنتخابات البرلمانية السابقة من ربط إسم القائمة الإنتخابية بالمقدسات الدينية او بالعقوبات الدنيوية التي صورها هؤلاء " السيادينيون " وكأنها عقوبات سماوية ضد كل مَن لا يسير على نهجهم المُضَلل .

مَن عايش أو قرأ عن الأنظمة السياسية المختلفة التي مر بها العراق منذ تأسيس دولته الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى ولحد الآن سيجد بلا شك بعض النماذج من رجال الدين الذين إنخرطوا في العمل السياسي دون ان يستغلوا موقعهم الديني في هذا المجال من عملهم . لقد كان هؤلاء موضع إعتزاز وتقدير من لدن كافة القوى السياسية الوطنية العاملة على الساحة العراقية . ومثل هذه النماذج موجودة اليوم أيضاً ولكنها لا تشكل ظاهرة واضحة نظراً لطغيان ظاهرة الإسلام السياسي ومريديه مع الأسف الشديد .


 

free web counter