| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                                     الخميس 10/3/ 2011



سر الرعب من الحزب الشيوعي العراقي

د. صادق إطيمش

لقد أصاب السيد حميد مجيد موسى كل الحقيقة حينما قال " التظاهرات الشعبية أكبر من أي حزب وأية كتلة " معلقاً بذلك على الهجمة الحكومية الرجعية المتخلفة على مقرات الحزب الشيوعي العراقي وعلى جريدته المركزية . هذه الحقيقة التي أطلقها سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بتاريخ العاشر من شهر آذار الجاري ، مسألة واضحة ومفروغ منها لكل مَن يعيش العملية السياسية في عراق اليوم عن كثب ويتعامل معها عن وعي من منطلقات فهم معاناة الشارع العراقي والصراع الذي يخوضه المواطن العراقي اليوم على كافة الأصعدة . إن الحالة المأساوية التي تعم الشارع العراقي في الوقت الحاضر وبعد مرور ثمان سنوات على سقوط دكتاتورية البعث فيما يتعلق بالخدمات وتوفير الطاقة واستشراء الفساد وتجاوز المبالغ المسروقة من خزينة الدولة لمرحلة الملايين لتدخل ضمن خانة الملياردات وتبوء الجهلة ومزوري الشهادات المناصب الرفيعة في حكومة المحاصصات الطائفية الجديدة التي زيَّن الطائفيون المتحاصصون إسمها بحكومة الشراكة في النهب والسلب والإبتزاز والوعود الكاذبة على الجماهير وازدياد حدة البطالة الخانقة ومحاربة الثقافة والمثقفين والأدباء والفنانين الذين لا يريدون ان يتحكم الجهلة بتوجيه نتاجاتهم في الفن والأدب والثقافة ، والكثير الكثير من الأجواء الخانقة على الصعيد السياسي والإقتصادي والثقافي التي حفزت الشباب العراقي بمنظماته التي وجدت طريقها للتضامن عبر الطرق الألكترونية الحديثة ، فهبت تناشد نصب التحرير وساحات العراق الأخرى في المدن العراقية المختلفة ، صغيرة وكبيرة ، لتصرخ بحناجر الشباب والشابات فترددها حناجر الكهلة والشيوخ ايضاً أن " نفط الشعب للشعب مو للحرامية " و " سأمنا الوعود" و " نطالب باجتثاث الفساد ومحاسبة المفسدين " و " أين حقي " وشعارات أخرى كثيرة حملتها ونادت بها عشرات الآلاف من المتظاهرين على كل بقاع العراق . وإلى جانب إجماع هذه المظاهرات على تبني هذه المطاليب الجماهيرية فإنها أجمعت أيضاً على ان تكون مظاهراتها هذه سلمية تسعى إلى إصلاح النظام وتقويمه. اما أعمال الشغب التي قام بها البعض والتي أساء بها إلى التوجه السلمي لهذه المظاهرات فإنها أُدينت من قبل هؤلاء المتظاهرين أنفسهم الذين تعرضوا بسبب ذلك إلى الإعتداءات من قبل الجهات الأمنية والتي أستعملت فيه هذه الأجهزة السلاح الحي الذي أدى إلى سقوط الشهداء والجرحى الذين تظاهروا بشكل سلمي واضح .

من الطبيعي جداً أن تتبنى الأحزاب الوطنية العراقية مطالب الجماهير هذه وتشارك في مظاهراتها وتردد هتافاتها ، إذ ان ذلك من صميم نهجها السياسي الذي لا يرى في غير الجماهير ومطاليبها الساحة الساسية التي ينطلق منها . وإن لم يكن الحزب الشيوعي العراقي في مقدمة الاحزاب الوطنية العراقية التي تتبنى مثل هذه المطاليب الجماهيرية ، فخير له ان يتوارى عن الساحة السياسية العراقية الشعبية ويندمج ضمن الساحة السياسية الحكومية التي تكاثرت فيها بالإنشطار أسواق النهب والسلب للخيرات العامة حتى أصبح فيها المفسدون لا يخجلون من التراشق فيما بينهم عبر الفضائيات والإذاعات حيث يتهم كل منهم الآخر شتى الإتهامات حتى الأخلاقية منها .

نعم لقد ساهم الحزب الشيوعي العراقي في التظاهرات الشعبية واشترك أعضاؤه وأصدقاؤه ومناصروه في هذه الإحتجاجات الجماهيرية التي كانت فعلاً أكبر من أي حزب وأية كتلة ،تماماً كما ساهمت الأحزاب والقوى الوطنية الأخرى بذلك . إلا أن الرعب والخوف والهلع من هذه الإحتجاجات الشعبية الذي اصاب القائمون على سياسة المحاصصات الطائفية إنعكس بصورة هستيرية على الحزب الشيوعي العراقي الذي حسبوه المسؤول الرئيسي عن تعكير أمزجتهم .

لا أدري لماذا هذا الخوف من الحزب الشيوعي العراقي وهو الذي لم يحصل على مقعد واحد في البرلمان العراقي الجديد الذي تمخضت عنه إنتخاباتهم في السابع من آذار الماضي. وهو الذي لم يحظ بالتمثيل في مجالس المحافظات إثر ألإنتخابات الأخيرة التي جرت لهذه المجالس . وهو الذي لا ميليشيات مسلحة له جابت شوارع الوطن لتقتل هذا وتهجر ذاك وتغتصب الآخر وتنشر الفساد الذي إستشرى في نخاع النظام الذي يقوده المؤمنون المتدينون المسبحون في الغدو والآصال . وهو الذي لم يستلم أية وزارة سيادية من الوزارات التي يتصارع عليها ديكة أحزاب الإسلام السياسي وتجمعات التخندق المذهبي والإصطفاف المناطقي والتوجه العشائري بحيث ان جشعهم لنيل هذه الوزارات يقف منذ أكثر من سنة على إجراء الإنتخابات التي فازوا بها ، مانعاً عالياً أمام ملئ هذه الحقائب الوزارية التي ظلت بالوكالة لرئيس الوزراء لحد اليوم ، والتي خلق غيابها فراغاً سياسياً وأمنياً يستغله الإرهاب البغيض ابشع إستغلال لقتل اهلنا وإشاعة الرعب بينهم . هذا إذا ما تجاوزنا إنعدام الخدمات وتوفير مستلزمات الحياة الإنسانية الكريمة للشعب العراقي الذي يظل ينتظر وينتظر وكأنه يستجدي حقوقه من عصابات تتحكم في تقرير هذه الحقوق بعد أن تستوفي منها ما يضخم حساباتها في البنوك الدولية ويكثر من عقاراتها ويزيد من همجيتها نحو المزيد الذي قد تجاوز مفهوم المزيد حتى عند جهنم . وحينما ينهض حزب عراقي أصيل كالحزب الشيوعي العراقي الذي لا يملك إلا علاقته مع الجماهير وعمق جذوره في تربة الوطن العراقي وشموخ قامات العاملين فيه والمؤيدين له والداعين إلى منهاجه ، حينما يقوم هذا الحزب الذي خبر الوطن وأهله منذ أكثر من ست وسبعين عاماً من تاريخ العراق السياسي الحديث وقدم قوافل الشهداء على درب الشرف الوطني هذا ، حينما يتوجه هذا الحزب المناضل وأصدقاؤه ومؤيدوه إلى العاملين في نوادي الترف السياسية بأن يتخلوا بعض الشيئ عن ترفهم ويعملوا على حل مشاكل الجماهيرهذه كي يتجنب الوطن كثيراً من الأخطار المحيطة به ، يتصدى له الذين يعتبرون أنفسهم الممثلين الشرعيين لهذا الشعب الذي إنتخبهم وبالتالي فلا يحق لأحد غيرهم تقرير ما سيسمحون به لهذا الشعب ، ومتى سيسمحون بذلك سواءً كانت هذه "المكرمة " حكومة أو كهرباء أو حتى قالب ثلج في الصيف أو دبة غاز في الشتاء .

ما يحدث اليوم في العراق من هجوم على الحزب الشيوعي العراقي هو المثال الحي الجديد الذي قدمه هؤلاء السيدات والسادة الحاكمون الجدد الذين يرتعشون خوفاً من هذا الحزب الذي يتندرون عليه في مجالسهم الخاصة وحتى العامة أحياناً على انه لم ينجح في الإنتخابات ، إلا ان عمله بين الجماهير التي تريد التعبير عن صوتها من خلال التظاهرات والإحتجاجات الشعبية الداعية إلى تلبية مطاليبها وإصلاح الوضع القائم والإلتفات إلى ما تعانيه والكف عن اللف والدوران في تبرير كل هذا التطاول على حقوق المواطنين ، إن هذا النوع من النشاط الجماهيري غير مسموح به في عرف السيدات والسادة من فرسان المحاصصات في العراق الجديد .

الحزب الشيوعي العراقي يتعرض اليوم إلى هجمة رجعية يوظف القائمون بها تلك الأسلحة التي كان يوظفها جهاز مخابرات وأمن بهجت العطية أو أجهزة مخابرات وأمن البعثفاشية ونظامها الدكتاتوري البائد ضد الشيوعيين والوطنيين الآخرين وفي مقدمتها سلاح الدين والحملة الإيمانية البعثفاشية . لقد صدأت هذه ألأسلحة ، ايها السيدات والسادة وبان معدنها ومعدنكم الرديئ . فالحزب الشيوعي العراقي أشمخ قامة وأعمق جذوراً وأكثر ثباتاً من أن ينال منه صدأ هذه الأسلحة التي لم يستفد حاملوها من تجربة التاريخ العراقي وما آلت إليه تلك الجماجم الجوفاء التي نذرت نفسها للوقوف بوجه الشيوعيين العراقيين وحزبهم ، حزب قوافل الشهداء في سبيل الوطن والشعب ، حزب الإلتصاق بالجماهير دون أن يشكل هاجس السلطة لديه أي عائق للإستمرار في هذا الإلتصاق ، الحزب الذي تبنى ويتبنى دوماً كل ما يحقق وحدة الوطن واستقلاله وتحرره مضمناً ذلك في شعاره العتيد وطن حر وشعب سعيد .

ومرة اخرى تتصاعد ايضاً نبرة التلاعب بسلاح الدين ضد الشيوعية ، هذه النبرة البائسة حقاً والتي صارت شوكة في حنجرة نوري السعيد سابقاً فقتلته وفي حنجرة الجرذ المقبور من بعده فقبرته لتبين للناس بأن أعداء الدين ليس الشيوعيين العراقيين ، بل أؤلئك الذين تسلطوا على رقاب الناس باسم الدين فنهبوا خيرات البلد وسلموا مقاليده إلى قوى أجنبية تتحكم به وبمصيره وجعلوا منه ملاذاً لعصابات الإرهاب والجريمة ونسوا ما يعاني منه الشعب العراقي طيلة السنين السبع العجاف الماضية ، إذ ان مشاغلهم بلذاتهم وثرواتهم المسروقة من قوت الشعب اهم لديهم من هموم ارملة شهيد او جوع أطفال المزابل أو قتل الصحفيين والعلماء والأخيار من بنات وأبناء هذا الشعب الذي عرف خفاياهم فلا تمر عليه بعدئذ المقولة البائسة " الشيوعية كفر وإلحاد " الذي حاول البعض تمريرها بين أهل العراق سابقاً فلم يصبهم إلا الفشل الذريع الذي سيمنى به ، بدون أي شك ، الفرسان الجدد لنشر مثل هذه الأكاذيب وسيظل الحزب الشيوعي العراقي مصدر رعبهم وخوفهم وهلعهم إن لم يراجعوا أفكارهم قبل ان يلتحقوا بمن سبقهم ممن ساروا على هذا الدرب الشائك . لِمَ هذا الخوف من حزب لا يملك إلا فكره وجماهيره وأنتم تملكون المال والسلاح والجماهير التي تعتقدون بأنها إنتخبتكم قناعة بكم والمزيد المزيد الذي سهل لكم الحصول عليه وبسهولة غريبة وسريعة في نفس الوقت ذاك الإحتلال الذي لولاه لظل أبرع ما فيكم مستمراً على إرتداء الزيتوني حتى يومنا هذا.

كفى التلاعب بمشاعر الناس من خلال التلاعب بالشعارات الدينية التي خبر الشعب مدى مصداقيتكم بالتعامل معها خلال السنين الثمان الماضية. وكفى التطاول على الوطنيين العراقيين من الشيوعيين وأصدقاءهم الذين لم يستطع سابقوكم من فرسان العداء للشيوعية ان ينالوا من شموخهم على سوح النضال الوطني منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى يومنا هذا وسيستمر ذلك رغم أنوف الحاقدين على الحزب الشيوعي العراقي الذي لا يزداد بحقدهم هذا إلا شموخاً وعمقاً في تربة الوطن العراقي .


 

free web counter