| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                                     الثلاثاء 10/1/ 2012



يا سامعين الصوت ... صلوا عالنبي

د. صادق إطيمش 

ترنيمة كان يطوف بها شوارع بعض المدن في جنوب العراق رجال يملكون صوتاً قوياً ومسموعاً لقاء اجور يتقاضونها ممن فقد شيئاً ما ويبحث عنه ولكن لا يدري اين يبحث . فإما ان يكون هذا الشيئ المفقود قد أفلت من يد صاحبه دون علمه او نسي ان يأخذه معه بعد ان وضعه في مكان ما ، واحتمالات الضياع من هذا النوع كثيرة جداً . لذلك فإن مثل هذا البحث عن الشيئ الضائع قد يهدي من وجد هذا الشيئ مصادفة او عبر اية حالة أخرى لا إرادية وغير مقصودة ، إلى معرفة مَن يفتش عنه فيسلمه له مطمئناً ، لاسيما وإن هذه الترنيمة تنهي بعد التطرق إلى اوصاف المفقود بالتأكيد على الهدية التي سيحصل عليها مَن وجد هذا الشيئ واحتفظ به لحين تسليمه إلى صاحبه وتشير أيضاً إلى مبلغ هذه الهدية إذ تتردد عبارة " والحلاوة ربع دينار " والحلاوة تعني الهدية هنا ، وقد يكون مبلغها أكثر تبعاً لقيمة المفقود او اهميته . هذا النوع من التفتيش عن المفقودات كان الناس يلجأون إليه لإعتقادهم بوجود أخيار قد وجدوا شيئأ فعلاً وهم لا يريدون الإحتفاظ به ، بل تسليمه إلى صاحبه في اقرب فرصة ممكنة . أما مدى فاعلية هذا النداء مع مّن سرقوا هذا الشيئ مع سبق الإصرار ، اي مع اللصوص ، فلذلك تفسير آخر . ففاقد الشيئ يعول هنا ايضاً ومن خلال هذا النداء على إستيقاظ ضمير اللص وندمه على السرقة ، او ان اللص وجد انه لا يستطيع الإنتفاع من الشيئ الذي سرقه فيعيده بهذه الطريقة إلى صاحبه بحجة انه قد وجده ويتقاضى الحلاوة ، وبذلك يكون قد كسب مالاً حلالاً . أما إذا لم يستيقظ ضمير اللص وظل مصِّراً على سرقته فإن صاحب المفقود في هذه الحالة لم يخسر ما فقده فقط ، بل يخسر كذلك أجرة المنادي ، وأمره إلى الله .

هذه الترنيمة يوجهها اليوم وفي الأيام القادمة أهل العراق إلى المؤتمر الوطني الذي سيعقده سياسيوهم النشامى بدعوة من السيد رئيس جمهورية العراق الجديد. لقد فقد العراقيون ومنذ عقود عديدة من الزمن كثيراً من حرياتهم الشخصية والعامة وكثيراً من مصادر رزقهم بإيجاد فرصة عمل محترمة تتناسب ومؤهلاتهم في بلد مليئ بكل الطاقات والكفاءات . كما فقدوا أيضاً ابسط مستلزمات الحياة الحضارية وبلدهم مليئ بالمؤهلات الكثيرة لتوفير اسس هذه الحياة . وفقدوا الأمن الذي جعلهم يعيشون حالة الذعر والرعب ، لا ليلاً فقط ، بل حتى في منتصف النهار . وفقدوا الكثير الكثير من الموارد التي كانت خيرات وطنهم ولم تزل تدرها عليهم وهم يرون سرقتها من قِبَل مَن أثروا على حسابهم بين عشية وضحاها في مؤسسات العراق القديم والجديد .وفقدوا حتى مَن يعطف عليهم من الأباعد والأقارب . وفقدوا وفقدوا وفقدوا وفقدوا .

إنهم لم يكلفوا منادياً بالنداء لهم للتفتيش عما فقدوه . بل إن كل عراقي يصيح اليوم بكل ما تملكه نبرات حنجرته من قوة " يا سامعين الصوت ... صلوا عالنبي " وهو يعلم تماماً اين يصرخ بذلك . إن العراقي يصرخ اليوم بهذا النداء امام القاعة التي سيعقد داخلها سياسيوه النشامى مؤتمرهم الوطني هذا ، وخارجها في كل انحاء العراق موجهاً هذه الصرخات إلى من تضمهم هذه القاعة بين جدرانها ، إذ انه يعلم تماماً ان ما فقده ليس بعيداً عن هؤلاء المجتمعين ، وبإمكانهم رده إليه أو حجبه عنه .

وهنا قد نضع الفكرة التي إنطلقنا منها موضع التطبيق والتي تحتمل الإحتمالات الثلاثة الآنفة الذكر .فإذا تجاوزنا الإحتمال الأول والذي يشير إلى العثور على المفقود ، إذ ان ما فقده العراقيون لم يجر العثور عليه ، بل تم إنتزاعه منهم مع سبق الإصرار ، فلم يبق امامنا إلا الإحتمالين الأخيرين . أي ان المجتمعين في هذا المؤتمر الوطني حتى النخاع إما ان تستيقظ ضمائرهم ويعملون بكل تنصل وإخلاص على إعادة المسروق إلى اهله ، ولا باس من مطالبتهم بالحلاوة التي وإن لم يستحقوها ، حيث انهم غنموا أضعافاً مضاعفة من قيمتها خلال سنين حكمهم وتحكمهم بشؤون الناس والوطن ، ناهيك عن ان هذه المسروقات لا تقدر بثمن ، إلا ان خبرتهم في مساومات المقاولات والمعاملات والفديات والمعاهدات والإتفاقيات والمحاصصات والشراكات ستجعلهم يسهلون مهمة العراقيين بتحديد قيمة الحلاوة التي يريدونها . او أن يقظة الضمير غير موجودة في قواميسهم جميعاً أوفي قواميس البعض منهم فيمنعون أهل الحق من إسترداد حقهم فيما سرقوه منهم . وبذلك تستمر عصابات اللصوص في مواصلة عملها اليومي في الحكم والتحكم حتى بعد إنفضاض هذا المؤتمر العتيد لتنتظر ذلك اليوم الذي سيتمنى فيه أفرادها لو ان أمهاتهم لم تلدهم.

 



 

free web counter