| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سهر العامري

 

 

 

 

الأربعاء 4 /1/ 2006

 

 

 

الكل ينادي : حكومة وحدة وطنية !

 

سهر العامري

أين ما يتلفت العراقي اليوم ، ويدير الوجه يأتيه صوت من ممثل هذا الكيان ، أو ذاك الائتلاف يقول : أننا لا نريد أن نستثني أحدا من مكونات الشعب العراقي ، أو من ممثلي القوائم ، التي فازت في الانتخابات التي جرت في العراق مؤخرا ، أو تلك التي لم تفز فيها ، من تشكيلة الحكومة الأمريكية المزمع تشكيها بالعراق في المستقبل القريب ، هذا المستقبل الذي يحدده بعض من العراقيين بأشهر قلائل ، بينما يحدده وزير الخارجية الأمريكية الأسبق ، كولن باول بثمانية أشهر على أقل تقدير .
العراقيون ما انفكوا يسمعون هذه الساعات نغمة : حكومة الوحدة الوطنية ! من رئيس قائمة الائتلاف عبد العزيز الحكيم ، أو من ممثلي القائمة الكردستانية ، ومن ممثلي القوائم الأخرى ، بل وصل الحال الى أن يردد هذه النغمة كذلك بعض الأفراد ، وتكتب عنها هذه الصحيفة أو تلك ، وتتغنى بها تلك القناة التلفزيون ، وذاك الموقع الأخباري !
وقد يتخيل العراقي ، الذي أصابه ما أصابه من ديمقراطية الموت والقتل ، وقسوة العيش وضيق ذات اليد ، أن الفرقاء العراقيين الذين يتحدثون بنفاق في أحيان كثير ، ولا يريدون قول الحقيقة ، ولأسباب عديدة ، قد انقلبوا بين ليلة وضحاها الى أناس يؤثرون المصلحة الوطنية على حساب المصالح الحزبية الضيقة ، وذلك من أجل إنقاذ ما تبقى من العراق الذي تدحرج بعيدا في هاوية المجهول ، أو من أجل الانتصار للعراقيين الذين هدهم الانتظار لبزوغ فجر جديد ، تشع فيه أنوار الأمن ، وتشرق فيه شمس الخلاص من واقع تتدفق فيه سيول المرارة ، وتُحصد فيه أرواح الناس كل ساعة ، ومنذ سنوات طويلة خلت .
العراقي هذا ، ومن كثر ما حل به من نكبات سود ، وبعد أن هشمته طروحات الطائفية والعنصرية ، لازال يعلق نفسه بأمل الخلاص ، وهو يطمح ، وأحيانا من غير وعي ، أن يحققه له أصحاب تلك الطروحات الذين عاشرهم على مدى سنوات ، أن يحققوا له أمله المنشود ذاك ، لكن واقع العراق اليوم يقول إن كل الوعود التي تشدق بها أصحاب تلك الطروحات قد صارت هباءً منثورا ، تذروه رياح الكذب والنفاق ، حتى بلغ الحال ببرامج التنمية ، التي رصدت لها مليارات الدولارات من أموال فقراء العراق ، أو تلك التي أراد من خلالها جورج بوش أن يقيم أروع بناء تحتي في العراق ! قد توقفت تماما ، ولم يتبق منها غير أطلال هنا وهناك ، وهذا ما اضطر الرئيس الأمريكي أن يعلن عن ذاك التوقف صراحة ، مثلما نقلت عنه وكالات الأنباء خلال الساعات القليلة المنصرمة .
فماذا يعني هذا ؟ يعني هذا أن معاناة العراقيين في انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة ، وفي عدم توفر مياه صالحة للشرب ، وفي فقدان الأمن والأمان ، ستستمر الى زمن غير معلوم الحدود ، ومعنى هذا أن النكبات ستتولى على الناس التي تحولت شوارعهم الى نهران ماء آسن تحاصر بيوتهم ، وتمد أطفالهم بأسباب المرض والأوبئة والموت .
ومع هذا الواقع المزري اكتشف القادة الذين حملتهم الدبابة الأمريكية ، وحررهم البطل ديك تشيني من ظلم صدام الساقط الذي نصبه أسلاف بطل تحرير العراق ، ديك تشيني العزيز ، قبلهم في حكم بلد النفط والنخيل ، أقول : اكتشفوا ، وهم يتنافخون كالديكة أمام عدسات التلفزة : أن العراق بحاجة الى حكومة وحدة وطنية ! مع أن كل واحد من هؤلاء مازال يصرح ، وبذات اللسان الذي درج عليه صدام قبلهم ، أنه قد أمتلك الشعب العراقي ، وأنه لا يجوز لغير حزبه من الأحزاب العراقية الأخرى العمل في هذه المكان من العراق ، أو في تلك المدينة من المدن ، وهو بذلك يقتدي بصدام الذي حرم على جميع الأحزاب العراقية العمل بين القوات المسلحة ، أو بين صفوف الطلبة والكوادر التدريسية ، ومجالات أخرى غيرهما .
كونوا على ثقة ايها القادة الميامين ! من أن العراقيين ليس من الغباء أن يصدقوا بواحد منكم يبشر من طوع نفسه بالوحدة الوطنية التي مزقتموها أنتم على مدى السنوات القريبة التي عرفكم بها العراق ، وأنت تحكمون تحت العلم الأمريكي الخفاق في شوارعه ، والذي لولاه لأكل بعضكم بعضا ، ولأصبحت الديمقراطية التي تتشدقون بها حرابا ، وبنادق يقتل فيها الجار جاره ، والأخ أخاه ، لكن كل واحد منكم يحسب ألف حساب للجندي الأمريكي الذي يدوس على أرض العراق صباح مساء . هذه الحال التي لا تملكون معها لأنفسكم فيها نفعا ولا ضرا ، فلا تتمادوا في غطرستكم كثيرا ! فوالله لقد سئم العراقيون والعراقيات في الداخل والخارج أحاديثكم ، إلا أولئك الذين ينعقون منهم مع كل ناعق ، ويطبلون لكل حاكم ، فالعراقيون يعرفونكم كل واحد منكم حق معرفة ، فلا تتطاولوا بهاماتكم عليهم أمام شاشات التلفزة ! وخيركم من غض بصره ، وصمت .
قبل أشهر من الآن دعا سيد البيت الأبيض ، جورج بوش ، مسعود البرزاني الى زيارة أمريكا ، وقد لبى السيد مسعود تلك الدعوة ، وحل ضيفا على الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض ، ومع أنني لم أكن أنا معهما ، لكنني أجزم أن بوش كان قد وقع اختياره على مسعود البرزاني من أجل أن يقوم بالمهمة التي يقوم بها اليوم ، ولا بد أن الرئيس الأمريكي قد توسم بالسيد مسعود البرزاني قدرة على جمع شتات القوى العراقية المتنافرة حول الهدف الأمريكي الذي يعبر عنه لسان اللاهجين به الساعة ، والقائل : حكومة وحدة وطنية !
لقد كان الأمريكان يدركون تمام الإدراك أن العراقيين غير مهيئين من نواحي عديدة على سلوك النهج الديمقراطي في حياتهم السياسية ، خاصة وأنهم خبروا تجربتين انتخابيتين مرتا على العراق ، كانت الأولى هي انتخاب برلمان مؤقت ، انبثقت عنه حكومة مؤقتة ، ثم انتخابات أفضت الى الموافقة على الدستور الذي سنه البرلمان المؤقت المذكور .
هاتان التجربتان أقنعتا السيد الأمريكي بأن ( الديمقراطية لازالت بعيدة عن العراق ) ، مثلما يرى وزير الدفاع الأمريكي ، دونالد رامسفيلد ، في عبارته تلك التي أطلقها خلال زيارته للعراق مؤخرا ، فرامسفيلد وغيره من سادة البيت الأبيض يدركون تمام الإدراك أن الانتخابات التي تجري في العراق لا يمكن لها أن تجري على الأسس والاعتبارات التي تقوم عليها في البلدان المتقدمة ، وذلك حين يصوت الناخب على أساس برنامج انتخابي يشمل نواحي الحياة المختلفة ، وليس على أساس طائفي أو قبلي أوعرقي ، فالجميع هنا أبناء آدم وحواء ، وليس على شاكلة المجتمعات الشرقية ، ومنها المجتمع الشرقي في العراق ، حيث هؤلاء رساليون ! وأولئك علمانيون ، وآخرون حزب الله وجنده ، والبقية أولياء الشياطين ، أو هم المارقون من الدين مروق السهم من الرمية !
وعلى هذا الأساس وجدت الإدارة الأمريكية أنه يمكن لها أن تجري انتخابات في العراق من أجل تشكيل حكومة وبرلمان دائمين كحلقة في آخر سلسلة من برنامج وضعه حاكم العراق المنصرف بريمر ، كما أنها وجدت أن لا ضير في إجراء تلك الانتخابات ، ولا ضير في قيام حكومة أمريكية في العراق في الوقت نفسه على أساس من توافقات سياسية بين الكتل والأحزاب التي اشتركت في تلك الانتخابات ، وليس على أساس ما أفضت إليه تلك الانتخابات ، التي شابها الكثير من الخروقات والتزوير ، من نتائج ، وهذا ما حدا بالمفوضية العليا للانتخابات أن تعلن إلغاء أصوات من انتخبوا في بعض مراكز التصويت التي تعرضت للتزوير ، مستبقة بذلك ما قد تتوصل له لجنة التحقيق الدولية التي دعت لها أطراف عديدة زحف على حقها التزوير والمزورون ، تلك اللجنة الدولية التي باركتها الحكومة الأمريكية بلسان وزيرة خارجيتها كوندليزا رايس ، ثم كوفي عنان ، الأمين العام للأمم المتحدة ، ومن خلال رسالة جوابية الى أياد علاوي .
وبغض النظر عن النتائج التي تسفر عنها تحقيقات تلك اللجنة ، فإن الحكومة القادمة ستكون حكومة وحدة وطنية ! شاء من شاء ، وأبى من أبى على حد تعبير المرحوم ياسر عرفات ، وعليه فليثق كل عراقي أن فكرة حكومة الوحدة الوطنية هي من بنات أفكار رجال البيت الأبيض الأمريكي ، وليس من بنات أفكار قادة العراق الميامين ! ولكن القادة هؤلاء ـ والحق يقال ـ استطاعوا أن يعزفوها جميعا ، وكل واحد منهم على وتره الخاص ، ذلك لأنهم ما استطاعوا الفكاك من أمراض المكابرة ، ونفش الريش ، تلك المكابرة ، وذلك النفش اللذين طالما أضحكا جورج بوش ، وهو في البيت الأبيض ، مثلما أضحكه من قبل المهرج االعراقي بامتياز ، محمد سعيد الصحاف ، وهو يبيد الجنود الأمريكان على أسوار بغداد ، ويرسلهم الى عن طريق كذب مكشوف الى نيران جهنم التي تتميز من الغيظ ، وكان كل ذلك من على شاشة تلفزيون جمهورية العراق التي تركها الطيارون الأمريكيون تسرح وتمرح ، وتقول ما شاء لها أن تقول ، وعلى قرع طبول الدجل ، تلك الصناعة التي خبرها الصداميون ، وأجادوها على امتداد تاريخهم اللامجيد في العراق .