نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سهر العامري

 

 

 

 

الأثنين 3 /4/ 2006

 

 

 

حرب الأسماء في العراق !

 

سهر العامري

كان الصفويون إبان حكمهم للعراق يلزمون الناس فيه ، وخاصة في الجنوب والوسط منه ، بسب الخلفاء الثلاثة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وظلت هذه السبة تلازم نفر من الناس الى يومنا هذا ، وما كنا نحن الأطفال أن نتلمس السبب الحقيقي وراء تلك المنقصة التي لا تزين صاحبها ، مهما طرح من أعذار ومبررات ، فالسب مذموم في كل الأحوال .
لقد اختلف المسلمون الأوائل على السلطة والحكم شأنهم في ذلك شأن البشر الآخرين الذين اختلفوا قبلهم وبعدهم عليهما ، ولكن هذا الاختلاف تحول ، فيما بعد ، الى تشريع من شرائع الدين عند أغلب المذاهب الإسلامية ، وصار كل حاكم يلبس تلك الشرائع الثوب الذي يفتنه ، ويحقق له هدفه ، فحين اتسعت رقعة انتشار الإسلام ، ودخلته أقوام أخرى ، نازعت العرب ، والقريشيين منهم على وجه خاص ، الحكم ، تأصلت تلك السبة والمنقصة عند هذا المذهب أو ذاك ، كما أن بعض القادة الذين حكموا باسم الدين قد تجاوزوا حتى مباديء الدين ذاته في ذلك ، وكان همهم الأول والأخير هو حفظ دولهم ، وإدامة عمر حكوماتهم ، ودليل على ذلك هو أن الحجاج بن يوسف الثقفي ، والي العراق ، والذي تمت على عهد فتوحات كثيرة شرقا ، قد رفض إسلام فلاحي العراق من النصارى الذين تحولوا الى الإسلام تخلصا من ضريبتي الجزية والخراج الباهظتين ، وألزمهم البقاء في أرضهم لزراعتها ، بعد أن وسمهم على أيديهم كيا بالنار !
وحين حكم الصفويون العراق ألزموا الناس فيه كذلك بسب الخلفاء الثلاثة ، مثلما أسلفت ، وقد شرع سبهم على أنه واحد من المستحبات في الصلاة ، أو في عمليات الحساب ، فصار العراقي الجنوبي على عادة أن يذكر كلمة اللعنة بعد أن يصل الى الرقم الثالث من أية عملية عد ، فيقول : اللعنة على الثلاثة ، ويقصد هنا بهذه اللعنة : الخلفاء الثلاثة ، وفي المقابل تمسك العثمانيون بمذهب الأحناف في العراق كغطاء سياسي في صراعهم المرير ، مع الصفويين المستشيعين ، على أرض السواد التي كانت تفوق غلتها غلال بلدان مجتمعة ، والقول من أن الأتراك قد أخذوا بالمذهب الحنفي لأنه أباح لهم شرب النبيذ ، هو قول يجافي الحقيقة ، ولا يريد أن يضع يده على الدافع الحقيقي الذي كان يدفع الدولتين الى حكم على العراق ، بسبب من الثروة الزراعية العظيمة التي كانت تنتجها أرض الرافدين ، حالهم في ذلك حال الأمريكان وإيران اليوم في نزاعهم على تقاسم المصالح فيه .
والعجيب في الأمر هو أن الصراع بين هذه الدول كثير ما كان ينعكس على العراقيين أنفسهم ، بعد أن غذت هذه الدول استعار نيران المذاهب بينهم ، فصراع الدول اليوم على العراق صار قتالا بين متطرفي المذاهب من العراقيين ، ولهذا فقد عرفت ساحة القتال في العراق اليوم طرفين أحدهما حُسب على الشيعة ، والآخر حُسب على السنة ، وقد وصل الأمر بهذا الطرف أو ذاك الى استغلال أحط الأساليب ، وأكثرها قذارة ، في عمليات القتل المتبادلة ، والجارية منذ سقوط صدام ، تلك الأساليب التي تذكر بالأساليب التي اتبعت في التصفيات الجسدية إبان القرون الوسطى .
قبل أيام من الآن قرأت حكاية مبكية مضحكة عن زوجين عراقيين ، يعيشان في بغداد ، كان الزوج شيعيا ، بينما كانت الزوجة سنية ، وكانا قد رزقا بولدين ، أحدهما اسمه علي ، والآخر اسمه عمر ، لكنهما امتنعا الآن عن إرسال ابنهما ، عمر ، الى المتوسطة التي يدرس فيها من جانب الكرخ في بغداد ، والسبب هو أن مدرس اللغة العربية قد هدد عمرا بالويل والثبور إن هو لم يغير اسمه من عمر الى اسم آخر ، فما كان من الأب الشيعي إلا أن توجه الى مديرية تربية الكرخ ، وعرض المشكلة المفتعلة ، وسلوك القائمين على أمر تلك المدرسة حيالها ، فما كان من حماة التربية الحديثة ! في الزمن الأمريكي - الإيراني الأسود الذي يعيشه العراق إلا أن يقدموا له حلا مخجلا ، وتافها في الوقت نفسه ، وقد تجسد ذلك في قول واحد من موظفي تلك الدائرة له : يا أخي لا تصنع من مسألة ولدك مشكلة ، بدل اسمه ، وسينتهي كل شيء !
أرأيتم الحل التربوي القادم من أيام الدولة الصفوية ؟ أرأيتم هذا السلوك المشين الذي لا يمكن لرجال التربية مهما كان مذهبهم ، وملتهم أن يقترحوه على طفل ما كان يملك من أمر اسمه شيئا في هذه المشكلة ، وذلك حين تسمى باسم عمر ، فأسرته هي المسؤولة عن تسميته بهذا الاسم منذ أن فتح عينيه للمرة الأولى على هذا الكون ، والأسرة هذه معذورة ، ذلك لأنها ما كانت تعلم أنه سيأتي على العراق زمن أمريكي - إيراني تطالب فيه الناس بالعراق بتغير أسمائها ، وتكون المطالبة هذه ليس من حكومات الشوارع في عراق اليوم ، وإنما من القائمين على التعليم وتربية الأجيال ، هذا الجهاز الخطير الذي سيقود العراق الى الهاوية إن ظلت مثل هذه العقليات المتخلفة تتحكم به .
روى لي صديق مرة أنه ذهب الى السفارة الإيرانية بغرض الحصول على تأشيرة دخول الى إيران ، ولكن طلبه رفض من قبل الموظف المسؤول بسبب من كون اسم جده عثمان ، فما كان من صديقي إلا ان رد عليه : وما ذنبي أنا ، مادام جدي هو المجرم بعرفكم ؟
فسخف الأفكار هذه الذي ينتشر مثل وباء في العراق الديمقراطي!هو صناعة يقف وراءها نفر لا زال يعيش في كهوف الماضي ، ولا فرق في ذلك بين حملة اللواء الشيعي من المتخلفين ، وبين حملة اللواء السني من المتخلفين كذلك ، فقد صار كلا الطرفين يقتل الناس في العراق على أسمائها ، فإذا ما كان اسمك عبد الحسين ، وعبد الحسن ، فسيقتلك حملة اللواء السني ، أما إذا كان اسمك أبا بكر ، أو عمر أو عثمان ، فسيقتلك حملة لواء الشيعة ، وذلك وفقا لما نشرته صحيفة صنداي تليغراف الإنجليزية التي كتبت : ( إن الشرطة عثرت على 14 جثة لشباب كانوا قد اختطفوا في إحدى ضواحي العاصمة بغداد، وكان الاعتقاد السائد أنهم ضحايا أعمال العنف التي تضرب هذا البلد ، ولكن لوحظ أن هويات جميع الضحايا، الذين لقوا حتفهم جميعا برصاصة في الرأس، قد ثبتت بعناية على صدورهم، وكانوا جميعا يحملون اسم عمر . )
والعجيب في الأمر أن هؤلاء الضحايا قد وصلتهم رسائل تهديد مسبقا تطالبهم بتغير أسمائهم ، وإلا فسيلقون المصير الذي لقوه فيما بعد ، وهو رصاصة بالرأس ، فأية حرب مشؤومة هذه التي حلت على الناس في العراق ؟
ليعلم فرسان هذه الحرب أنهم لن يستطيعوا ، مهما حاولوا ، إلغاء اسم عمر أو الحسين أو غيرهما من المسلمين ، فعمر بن الخطاب هو من قامت الدولة الإسلامية في زمن خلافته ، واستطاعت أن تنتصر على الإمبراطورية الفارسية العريقة بجيوشها ، والى الحد الذي ما قامت لتلك الإمبراطورية قائمة بعد ذلك ، وقد يكون هذا هو مبعث البغض الذي يكنه بعض الفرس من الإيرانيين لعمر الى يومنا هذا ، تماما مثلما يكن بعض الاسبان البغض لفاتح الأندلس ، موسى بن نصير ، فالمرأة الإسبانية إذا أرادت تخويف طفلها الآن قالت له : سيأتيك موشى !
كما أن الآخرين لن يستطيعوا إلغاء أسم الإمام الحسين ذلك القائد الذي جاد بنفسه من أجل ما يؤمن ، ويعتقد به . ومأثرة كربلاء مأثرة قل نظيرها في تاريخ المسلمين وتاريخ العالم أجمع .
ويظل هنا سؤال يلوح من خلال غبار حرب الأسماء هذه هو إذا كانت هذه الحرب تجري بين المتطرفين من الشيعة والسنة ، وبدفع من جهات إقليمية ودولية ، فما ذنب مسيحيي العراق الذي هُدت عليهم بيوتهم قبل أيام في كمب الأرمن من بغداد ، هذا بالإضافة الى هروب آلاف منهم خارج العراق ؟
فمتطرفو الشيعة حاربوهم بأرزاقهم ، وطاردوا نساءهم لسفورهن في البصرة مثلا ، رغم أن بيع الخمور ، وسفور المرأة ليس من المحرمات في الديانة المسيحية ، فعلام يتحمل مسيحيو العراق تبعات أحكام دينية هي ليست من دينهم ؟ أهذه هي الديمقراطية التي وِعِد بها العراقيون ؟
أما متطرفو السنة فيرون في مسيحيي العراق جنودا من جنود بوش ! ولهذا وجب قتلهم ، وتهديم بيوتهم ، وتشريدهم من بلدهم ، العراق ، الذي استوطنوه منذ آلاف السنيين ، مع علمهم أن جنود بوش المسيحي ! قاتلوا مع المسلمين وضد السوفيت في أفغانستان ، كما أنهم قاتلوا مع مسلمي البوسنة والهرسك ضد الصرب المسيحيين بعد أن قعد المسلمون عن نصرتهم . وعلى هذا يكون تفسر هؤلاء النفر من السنة للصراع الدائر في عالم اليوم على أنه صراع ديني ، لا يختلف عن وسم نفر من الشيعة لخليل زاده ، السفير الأمريكي في العراق ، بسمة الطائفية . وإذا كان هؤلاء وأولئك عاجزين عن فهم أسباب الصراعات ، واندلاع الحروب في العالم ، فما عليهم إلا أن يسألوا ماركس عنها .