موقع الناس     http://al-nnas.com/

الجعفري عاد من تركيا دونما توديع !

 

سهر العامري

الجمعة 3 /3/ 2006

عاد الى العراق قبيل أيام رئيس حكومة تصريف الأعمال فيه ، إبراهيم الإشيقر الملقب بالجعفري ، من زيارة الى تركيا ، كانت غير موفقة على أكثر من صعيد في الداخل والخارج على حد سواء ، وقد انتهت تلك الزيارة بتوديع على مستوى منخفض ، ومقصود من لدن الحكومة التركية ، حيث كان أهم شخصية مسؤولة قامت بتوديع الجعفري والوفد المرافق له ، هو نائب محافظ العاصمة التركية ، أنقرة . ويبدو أن الموقف المعارض ، والحازم الذي اتخذه ، رئيس جمهورية العراق ، جلال الطالباني من تلك الزيارة ، هو الذي دفع بالحكومة التركية الى عدم الاحتفاء بالجعفري الزائر ، وذلك لأن جلال الطالباني قد أعتبر تلك الزيارة ، والنتائج التي قد تتمخض عنها ، لا تهم العراق من قريب أو بعيد . وهي ، بعد ذّلك ، زيارة مفضوحة الأهداف والمرامي عند الكورد العراقيين ، مثلما هي عند عموم العراقيين كذلك ، فالكورد العراقيون اعتبروها تتناقض مع موقفهم من الحكومة التركية التي يختلفون معها في الموقف من الفدرالية التي يسعون الى تحقيقها لكردستان العراق ، مثلما يختلفون معها من قضية كركوك التي يقطنها خليط من تركمان العراق وعربه وكورده ، وهاتان المسألتان الحاستان هما مصدر الخلاف المستعر منذ سنين طويلة ما بين الكورد والحكومات التركية المتعاقبة ، تلك الحكومات التي ما انفكت تطلق على الكورد في كردستان تركيا اسم : أتراك الجبال ، ولكن ، مع هذا ، فقد ظلت تركيا على ريبة من هؤلاء الأتراك ! الذين عرضتهم لحملات من الحروب والقمع بين الحين والحين ، وعلى مدى سنوات طويلة ، كما أن العراقيين كانوا على استغراب من ترك الجعفري للعراق في وقت كانت البلاد فيه تسبح ببحر من الفوضى ، وهو الذي يطلق على نفسه القائد العام للقوات المسلحة فيه !
لقد كان الجعفري ، والوفد المرافق له يعي الموقف التركي من الأكراد جيدا ، ويعي أن جزءً كبيرا من الحكومة في العراق تتشكل من كورده ، وأن زيارة كهذه ، ومن دون مشاركة طرف كوردي فيها من تلك الحكومة ، ومن دون معرفة الكورد بحيثياتها ، ستثير حتما حفيظة الكورد ، شركاء الجعفري في السلطة ، وتجعلهم يتخذون موقفا كالموقف الذي اتخذه رئيس الجمهورية ، جلال طالباني . فهل كان الجعفري ومرافقوه في الوفد الزائر يسعون لإثارة الكورد العراقيين ؟ وهل كانت لدى الجعفري دوافع مهمة أخرى لتلك الزيارة غير دافع الإثارة تلك ؟
للوصول الى الجواب عن هذين السؤالين لا بد لي من استعراض الوضع السياسي الذي كان عليه العراق ، وكانت عليه تركيا قبيل ، وأثناء فترة تلك الزيارة ، ذلك الوضع الذي شهد على صعيد العراق تعطيل تشكيل الحكومة العراقية برفض إيران انضمام بعض القوى العراقية المتمثل بالقوى التي تتشكل منها القائمة الوطنية العراقية بقيادة أياد علاوي ، وقبول الجعفري بتنفيذ هذا الشرط الإيراني الذي ساعده على فوزه بفارق صوت واحد على منافسه عادل عبد المهدي في عملية الاقتراع التي جرت داخل كتلة الائتلاف الشيعي ، ثم إصرار الجعفري على تنفيذ مآرب إيران في العراق هو الذي قاد الى تعطيل تشكيل الحكومة في العراق ، حيث تفاقم الوضع بعد ذلك ، نتيجة للأحداث التي شهدها العراق ، خاصة بعد التفجير الذي تعرضت له قبة الإمامين : علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام ، والذي على إثره اندلعت نيران الغضب الأعمى ، فطال القتل الكثير من أبناء السنة ، وأحرق الكثير من دور عبادتهم ، ومن هنا نهضت من جديد العوامل التاريخية التي كانت تتحكم بالعراق ، وبالشعب العراقي ، طوال حكم الدولتين : الصفوية في إيران ، والعثمانية في تركيا ، فالأتراك تاريخيا يعتبرون أنفسهم حماة حمى السنة في العراق ، فهم وإياهم على مذهب واحد ، هذا المذهب الذي أرادوا من ورائه حفظ المصالح القومية لتركيا في العراق ، ومن جانب آخر ظلت الدولة الصفوية في إيران تنظر الى نفسها على أنها هي المدافع الأمين عن الشيعة فيه ، وحقيقة الأمر أن حال إيران كانت كحال تركيا ، فقد كانت هي تسعى مثلها الى تحقيق مصالحها القومية في العراق بحجة التظاهر بنصرة الشيعة والتشيع فيه . وهكذا ظل العراق مرة بيد تركيا ، ومرة أخرى بيد إيران ، وقد انعكس هذا التنافس المحموم للسيطرة على العراق ، واستغلال موارده وخيراته على عموم الشعب العراقي ، فإذا ما وقع العراق تحت الهيمنة التركية تعرض الشيعة فيه للعسف والاضطهاد ، وإذا ما وقع تحت السيطرة الإيرانية تعرض السنة فيه للقمع والدمار ، وعلى أساس من هذا وجدنا الرأي العام التركي في ساعات الفوضى التي اجتاحت العراق بعد تفجير قبة الإمامين في سامراء يشجب عمليات القتل والتدمير التي طالت العراقيين ودور عبادتهم من أبناء السنة ، وراحت الصحف التركية ، وعلى مدى أيام ، وأثناء زيارة الجعفري والوفد المرافق له لأنقرة، تعرض على صفحاتها أخبار ما نزل بسنة العراق على مدى ساعات الفوضى التي أرادت إيران أن تغرق بها أمريكا وجيشها في العراق ، مستغلة بعض الأطراف الشيعية التي لا تقدر حق تقدير الظرف الدولي المحيط بالعراق ، مثل جماعة مقتدى ، حلفاء الجعفري الخلص ، في قائمة الائتلاف الشيعي ، وذلك حيث أعلن مقتدى بعظمة لسانه ، وعلى الملأ ، بأنه سيدافع عن إيران ضد أمريكا ، إيران هذه التي تقول عنها تركيا التي زارها الجعفري قبيل أيام ، وعلى لسان وزير خارجيتها ، عبد الله غول ، وأمام نظيره ، وزير خارجية تشيكيا ، تقول : ( إن هناك مخططا إيرانيا معدا بعناية للسيطرة على العراق بالكامل ، والعمل بعد ذلك على تصدير الثورة الإسلامية ! الى دول الجوار ، ولاسيما الدول الخليجية منها . )
وخلاصة القول ، وبعد استعراض الوضعين السياسيين في العراق وتركيا ، أستطيع أن أجيب عن السؤالين المارين من قبل بالآتي : هو أن الجعفري تعمد إغاظة الطرف الكوردي المشارك له في السلطة عقابا له على إصراره في تبني بعض الأفكار الوطنية العراقية من قبيل قيام حكومة وحدة وطنية ، أو من قبيل فكرة مجلس الحل والعقد التي طرحها مسعود البرزاني ، وذلك من أجل جمع السلطات بيد هذا المجلس ضمانا لعدم التفرد بالسلطة الذي درج عليه الجعفري طوال سنة من ترؤسه للحكومة في العراق ، أما الدوافع الأخرى فمن أهمها هو الضحك على ذقون الأتراك في التغطية على المخطط الإيراني المعد للسيطرة على العراق ، ذلك المخطط الذي تحدث عنه وزير الخارجية التركية ، مثلما أسلفت ، كما أراد الجعفري من الزيارة تلك ، وخدمة لهذا المخطط ، امتصاص النقمة التي طفحت على صفحات الجرائد التركية على مدى أيام الفوضى التي اجتاحت العراق حيث تعرض فيها أبناء السنة من العراقيين لثورة غضب أعمى ، ومن دون التحقيق من هوية الفاعلين الذين قاموا بتفجير قبة الإمامين في سامراء .
ويبدو لي أن فكرة القيام بسفرة الى تركيا لم تكن من بنات أفكار الجعفري أبدا ، وإنما هي ، وعن سابق تجربة ، لا تعدو عن كونها فكرة من أفكار أحمد الجلبي المغرم بـ ( المقالب ) المرتدة عليه دائما ، هذا بدليل الفشل الذي حصده في الانتخابات الأخيرة حيث أجتثه الشعب العراقي اجتثاثا مهينا ، رغم عويله وصراخه إبان فترة الانتخابات الماضية من أنه هو محرر العراق !
لقد عادت زيارة الجعفري لتركيا بنتائج عكسية عليه ، وعلى من رافقه ، فها هي الكتل والقوائم العراقية ، باستثناء قائمة الائتلاف الشيعي ، حزمت أمرها ، وأجمعت على كلمة واحدة هي منع وصول الجعفري الى رئاسة الوزارة في العراق من جديد ، وما على الائتلاف إلا ان يرشح شخصية أخرى ، أو ترشح القوائم الأخرى مرشحا آخر في حالة تحولها الى كتلة انتخابية واحدة بمئة وأربعين مقعدا ، وبزيادة اثني عشر مقعدا عن قائمة الائتلاف الشيعي التي لها مئة وثمانية وعشرون مقعدا ، وإذا لم يكن هذا ولا ذاك فالدعوة الى انتخابات جديدة في العراق واردة ، أو الدخول في فراغ حكومي وفوضى سياسية لا يعلم أحد مدى الضرر الأكيد الذي سيصيب العراقيين كل العراقيين منها ، ومن دون استثناء ، وهذا ما تسعى له أطراف إقليمية وفي مقدمها النظام الإيراني .