نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سهر العامري

 

 

 

 

الأثنين 27 /3/ 2006

 

 

 

النهج الأمريكي الجديد !

 

 سهر العامري

ظلت ما تسمى بالقيادات الشيعية في العراق على وهم كبير ، تمثل في أن الحكم في العراق ، وتحت الرعاية الإيرانية ، سيؤول بكامله لها ، وهذا الوهم قام أساس اعتمده هؤلاء قبل سقوط صدام ، ومنذ اللحظة التي وضعوا فيها أيديهم بأيدي الأمريكان ، وذلك حين أرادت منهم أمريكا أن يكونوا عبارة عن عنوان من عناوين مبررات الحرب التي آلت الى زوال حكم الطاغية صدام الساقط ، وقد تمثل وهم هؤلاء القادة! في أنهم سيكونون أسياد العراق عبر الأكثرية الشيعية التي يعز عليهم أن يطلقوا عليها في بياناتهم صفة العرب ، أو حتى صفة العراقيين ، وذلك بسبب من أن هذا لا يتماشى مع سياسة الولي الفقيه في إيران ، تلك السياسة التي تريد من إيران أن تكون هي المتحكمة بأمر الشيعة أينما ما وجدوا ، سواء أكان ذلك في العراق أم في الكويت أم في أقطار الخليج العربي الأخرى ، فاتصاف الشيعة بالعراقية أو بالعرب سيفقد إيران وشيجة العلاقة بهم .
لقد استطاعت إيران من قبل ، وتحت ذريعة الشيعة ، أن تبسط نفوذها على الشيعة في لبنان ، والى الحد الذي عاد فيه زعيمهم ، حسن نصر الله ، أمين عام حزب الله اللبناني ، بيدقا يدور في الفلك الإيراني ، كيف لا ؟ وهو وكيل الولي الفقيه ، علي خامنئي ، مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ! والمعروف أن الوكيل لا يتحرك إلا بمشاورة موكله ، وهو هنا علي خامنئي الذي يريد أن ينصب نفسه كسرى على الشيعة في العالم، وهذه الحالة ذاتها هي الحالة التي تريدها إيران لشيعة العراق العرب ، وذلك في أن يظل من يدعون لأنفسهم قيادة شيعة العراق تبعا لحكومة الولي الفقيه ، وليس لغيره ، والمسعى هذا هو الذي سيفقد سواد الشيعة في العراق تلك المكاسب التي تحققت لهم بفضل الدبابات الأمريكية ، وليس بفضل حكومة طهران التي أدارت ظهرها لشيعة العراق ، وجلس ممثلوها في بغداد بعد أن أعادوا علاقاتهم الدبلوماسية مع صدام الكافر !
كان على فقراء الشيعة في العراق أن يدركوا إدراكا لا لبس فيه ، وهو أن حاكما يدعي تمثيلهم في العراق ، ويخضع لمشيئة إيران ، لن يحدث هذا أبدا ، وأسباب ذلك كثيرة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، هو أن الأمريكان الذين يمثلون القوة الضاربة في العراق لن يقبلوا ذلك أبدا ، وهذه الحقيقة ستسلم بها طهران عاجلا أم آجلا ، وسواء أكان هذا التسليم يتم عن طريق التفاوض ، أو عن طريق الردع .
ومن تلك الأسباب كذلك أن العراقيين، والغالبية من الشيعة العرب في العراق ، يرفضون علاقة تقوم على تبعية تشدهم الى إيران ، وذلك بعد أن لاقى الكثير منهم معاناة قاسية عند فرارهم من ظلم صدام الى إيران ، والى الحد الذي صرح به نائب رئيس جمهورية إيران الإسلامية ! ، حسن حبيبي ، وقتها ، ومن خلال وسائل الإعلام الإيرانية ، بقول : إن العراقيين ، ( وليس الشيعة العراقيين ) ضيوف غير مرحب بهم في إيران ، وما من عراقي عربي ، شيعي عاش في إيران إلا ويحمل في ذاكرته صورا مخجلة لسوء المعاملة التي تعرض لها ، حتى وصل الحال الى منع العراقي الشيعي من وسيلة عيش كان يريد من ورائها سد رمقه ورمق أطفاله من جوع مستديم ، تلك الوسيلة كانت بيع الطماطة على أرصفة الشوارع في المدن الإيرانية ، رغم أنه كان يعيش تحت ظلال حكومة الولي الفقيه ، تلك الحكومة التي جرت على العراق ، وعلى الشيعة في العراق ، المصائب والويلات ، وذلك عن طريق تدخلاتها المستمرة في الشأن العراقي .
وها هي اليوم تحاول ، وبكل ما أوتيت من القوة ، وعن طريق عملائها وجواسيسها في العراق ، جر فقراء الشيعة فيه الى هول عذاب جديد ، وذلك بعد أن راحت تسلح هذا الطرف منهم أو ذاك ، أو عن طريق إرسال أفراد من حرسها الثوري لغرض قيادة شغب ضد قوات الاحتلال الأمريكية والإنجليزية في هذه المدينة أو تلك، أو لغرض تعذيب وقتل العراقيين في السجون السرية التي أشادتها المخابرات الإيرانية العاملة في وزارة داخلية صولاغ ، أو لحرق مقر هذا الحزب العراقي أو ذاك من الأحزاب العراقية الوطنية ، والتي ترفض هيمنة الأجانب على العراق والعراقيين .
وعلى ضوء من ذلك جاء تصريح السفير الأمريكي ، خليل زاده ، الأخير الذي رأى فيه أن الميليشيات المسلحة من قبل إيران قد قتلت من العراقيين أكثر مما قتل الإرهابيون من الزرقاويين والصداميين في العراق ، وبذلك ، وجب على قوات الاحتلال التي تقودها أمريكا أن تتعامل بذات الطريقة مع الطرفين ، مثلما قال السفير الأمريكي ذلك ، ويبدو أن النهج الأمريكي الجديد هذا قد ترجم نفسه في اعلان الحرب على تلك المليشيات التي ربطت نفسها بإيران ، وبشكل علني ، وذلك حين صرح قائد مليشيات جيش المهدي ، مقتدى الصدر ، أن جيشه سيكون في أمرة إيران حال وقوع هجوم أمريكي عليها ، ثم حملت الأخبار بعد ذلك أن هناك تشكيلا جديدا تكون تحت اسم جيش الحسين بلغ تعداده خمسة آلاف مقاتل ينتمون الى حزب الله في لبنان ، وتيار الصدر في العراق ، وهذا التشكيل تم بإشراف إيراني مباشر ، وهدف هذا التشكيل الجديد هو التصدي للقوات الأمريكية المحتلة للعراق ، ثم جاء في الأخبار بعد ذلك أن أعدادا من أفراد الحرس الثوري الإيراني قد بدأت بالتسلل الى داخل العراق استعدادا للمعركة التي تريد إيران أن تزج أبناء الفقراء من الشيعة مع الأمريكان فيها ، وذلك ليس لمصلحة العراق والشيعة فيه ، وإنما لمصلحة إيران ، وخدمة لأطماعها في العراق ، تلك الأطماع التي أخذت تتكشف الآن ، حيث نقلت بعض المصادر الإيرانية أن حكومة طهران بدأت تزيل الغبار عن معاهد أرضروم الموقعة ما بين الدول العثمانية والدولة الصفوية ، تلك المعاهدة التي أباحت للإيرانيين ، وفي غفلة من العراقيين ، السيطرة على مدن : كربلاء ، والنجف ، والكاظمية من بغداد ، كما أباحت دخول الإيرانيين إليها بحرية ، ومن دون سؤال وجواب .
ولكن إيران تريد أن تضيف الآن الى تلك المصالح ، ومثلما نقلت بعض الأخبار ، استغلال حقول نفط مجنون العراقية ، وربط حقول نفط البصرة بمصافي عبدان في الاحواز من إيران ، بحجة حصولها على تعويضات الحرب التي شنها صدام الساقط عليها ، وبحجة أخرى هي أن الثروة النفطية في إيران ستنضب بعد عشرة سنوات من الآن ، هذا بالاضافة الى أنها تريد السيطرة على كامل مياه شط العرب العراقي .
ويظهر أن القوات الأمريكية ، واستباقا لمخططات إيران في العراق ، شنت أمس هجومين تجريبيين تركز الأول على مسجد وحسينية المصطفى في حي أور من بغداد ، تمخض عن قتل وجرح العشرات من أفراد جيش المهدي ، أما الهجوم الآخر فقد استهدف سجنا سريا من سجون وزارة صولاغ كان يضم سبعة عشر سجينا عراقيا ، وقد أفضى هذا الهجوم الى اعتقال أربعين من حراس السجن المذكور من قبل القوات الأمريكية . هذا في وقت شنت فيه القوات البريطانية العاملة في مدينة العمارة هجوما كبيرا على أحد أحياء المدينة أدى الى اعتقال عشرة أفراد من جيش المهدي ، وذلك بتهمة زرعهم لبعض العبوات الناسفة التي كانت تعترض طريق القوات البريطانية في تحركاتها ، تلك العبوات التي يعتقد أن إيران هي الدولة التي تزود بها المسلحين من أتباعها في العراق .
يضاف الى ما تقدم أن القوات الأمريكية بدأت عملية نزع الأسلحة التي هي في حوزة الناس الذين يقطنون في المدن القريبة من بغداد مثل مدينة المحمودية ، كما أن المخابرات الإيرانية قد أطلقت خبرا على بعض المواقع التي تديرها من داخل العراق يقول : إن القوات الأمريكية تقف على هبة الاستعداد ، وبمساندة من الطيران ، وثمانين دبابة ، لمهاجمة مدينة الثورة ( الصدر ) في بغداد ، والتي تضم الكثير من عناصر جيش المهدي الذين راحوا يتوعدون الآن في بياناتهم تلك القوات بالويل والثبور . فهل ستكون هذه المناوشات بداية لحرب تضع حدا لفوضى السلاح التي يشهدها العراق اليوم ؟
لقد باتت الناس في العراق تشتكي من فوضى السلاح تلك ، حتى أنهم أخذوا يعلقون آمالهم على السفير الأمريكي ، خليل زاده ، في تخليصهم من ظلم عصابات المليشيات المسلحة ، ولهذا السبب فقد رفع أهالي البصرة مذكرة وقعها مئة وخمسون من وجهاء المدينة تطالب السفير المذكور فيها بوضع حد للمأساة التي تعاني منها المدينة تحت حراب الميليشيات المسلحة .