نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سهر العامري

 

 

 

 

الأربعاء 22 /2/ 2006

 

 

 

مضحك من مضحكات الوضع في العراق !

 

سهر العامري

ذات صباح نزلت قرية من القرى السويدية لغرض ما ، وبعد فرغنا أنا ومن كان في رفقتي من انجاز غرضنا ذاك توجهنا حيث موقف الحافلة التي ستقلنا الى المدينة الكبيرة التي نسكنها . في الموقف ذاك كانت هناك امرأة سويدية قد بلغت من العمر عتيا ، حييتها ، وكان هناك سؤال واحد يدور في رأسي منذ أن نزلت تلك القرية الجميلة التي تتوفر فيها كل متطلبات الحياة العصرية ، مثلما تتوفر في مدن السويد الكبيرة اليوم ، وقتها وجدت الفرصة سانحة أمامي ، والزمن ما زال فيه متسع على وصول الحافلة ، ولهذا قررت أن أطرح سؤالي على تلك السيدة العجوز التي تراكضت في وجهها سنوات كثيرة ، مخلفة على وجنتيه غبار الوقائع على حد تعبير شاعرنا الجواهري .
قلت لها بلغتها : لدي سؤال ، هل يجوز لي أن أطرحه عليك ؟
ردت هي علي بأدب جم : تفضل !
سألت أنا : أين ذهبت ناس قريتكم ، فأنا لا أرى بشرا يتحرك فيها سواك ، مع أن الشمس تتدلى في كبد السماء ؟
قالت : نعم . أتعرف أنني استوطنت هذه القرية منذ نعومة أظفاري ، وها أنا قد ذرفت على السبعين من العمر ، عملت في مدرستها الوحيدة معلمة ، وتزوجت فيها ، وقد رحل زوجي قبل سنوات خمس عني ، أخذه الموت ، وقد خلفت منه ولدا وفتاة رحلا هما عني ، وعن القرية كذلك ، استهوتهما المدن الكبيرة ، وها أنا راحلة لزيارة ابنتي ، وما حدث لي حدث لأسر كثيرة في هذه القرية ، فالكبار من أهلها رحلوا رحلتهم الأبدية التي لا عودة بعدها ، والشباب منهم استوطنوا المدن ، فلم يبق فيها إلا أنا وبعض العجائز والشيوخ الذين لا يغادرون بيوتهم بسبب من العجز إلا اضطرارا ، ونحن ، على ما تشاهد ، بانتظار الغوص في هذه التربة ، لنرقد فيها رقدتنا الأخيرة ، قالت هذا بعد أن خطت على الأرض بحذائها .
هذا هو واقع الحال مدن تزول ، ومدن تكبر ، ناس يذهبون منها ، وآخرون يأتون إليها ، أليس هو هذا ديالكتيك الوجود الذي عبر عنه منذ ألوف السنين الفيلسوف اليوناني هيراقليطس في قوله : أنت لا تستطيع أن تسبح في النهر مرتين ! وهو ذات الديالكتيك الذي أوقفه كارل ماركس على قدميه ، بعد أن كان استاذه هيجل قد أوقفه على رأسه .
وبمجمل العبارة أن ديدن هذه الحياة هو التبدل والتغير في كل لحظة تمر علينا من هذا الزمن السرمدي بسرمدية المادة الذي هو صفة من صفاتها ، مثلما يفصح علم الفيزياء عن ذلك . ومن هنا أضحكني بيان منشور على أحد المواقع ، وموقع من أهالي كربلاء ، وهو على ما يبدو موقع من أو بدفع من أولئك العائدين إليها من إيران ، بعد أن هجرهم صدام الساقط منها ، وذلك بسبب من أصولهم الإيرانية ، وقد سمى أصحاب ذاك البيان العراقيين الشيعة من العرب الذين استوطنوا تلك المدينة من أبناء جنوب ووسط العراق بالغرباء ، وطالبهم بالتخلي عن جميع مناصبهم في المجلس البلدي ، ولا يجوز لأحد أن يتسنم منصبا في ذلك المجلس ما دام غير مولود في تلك المدينة ، ولا يخلو البيان ذاك من لغة التهديد الذي تطالب العراقيين من العرب الشيعة الغرباء ! بالعودة من حيث أتوا ، وتناسى هؤلاء أن العراق بلد لجميع العراقيين ، ويحق لكل عراقي أن يسكن في أية بقعة منه ، وها هم الإخوة الكورد في السليمانية أو أربيل يرحبون بأبناء الشيعة من جنوب العراق ، ووسطه ، وذلك حيث توفرت لهم فرصة عمل في المدن الكردستانية من شمال العراق ، بعد أن كانت هذه الفرص قد أعدمت في محافظاتهم في ظل حكومة الجعفري ، وقد سبق لأبناء العراق في الوسط والجنوب قد احتضنوا من قبل المبعدين من الكورد في مدنهم إبان عهود الدكتاتورية والتسلط ، وكاتب الأحرف هذه قد حذق الكثير من اللغة العربية في مرحلتي : المتوسطة والثانوية على يد مدرسي اللغة العربية من الكورد المبعدين هؤلاء ، ثم أن أبناء الجنوب والوسط قد رحبوا بالشيعة من الإيرانيين الذين اختاروا العيش بينهم ، وأشهر هؤلاء الشيعة المنحدرين من أصول إيرانية في الناصرية مثلا هي أسرة حاج طالب ، تلك الأسرة التي صار ابنها ناجي طالب رئيسا للوزراء في العراق . ثم هناك الكثير من الأسر الإيرانية التي قدمت من مدينة دزفول في إيران ، واستوطنوا مدينة العمارة وحواضرها ، ولا زال أهل العراق ، وأهل العمارة بشكل خاص ، يطلقون تسمية : الدسابلة ( تحريف عن اسم مدينة دزفول في إيران ) على هؤلاء الذين انتسب بعضهم بالولاء الى بعض القبائل العربية القاطنة في تلك المحافظة ، ومنهم صولاغ ، وزير الداخلية في العراق اليوم ، وقبله كان المجرم ، قاتل الشيعة والسنة ، ناظم كزار ، مدير الأمن العام على زمن حكومة المقبور أحمد حسن البكر ، أو أولئك الذين اعتمروا الكوفية العربية بعد أن صبغوها باللون الأخضر ـ مثلما يكتب الرحالة الإنجليزي ولفريد ثيسجر في كتابه عرب الأهوار ـ وكان الصبغ ذاك علامة على انتسابهم لآل البيت في لعبة محبوكة النسج ، وطمعا بالخمس الذي كان يخرجه لهم فلاحو الجنوب المعدمين من غلة القمح والشعير التي يزرعونها في ظل ظرف طبيعي قاس ٍ ، وهم جالسون لا يحركون ساكنا .
يبدو أن العائدين من إيران الى كربلاء والنجف كانوا يعتقدون أنهم سيجدون المدينتين كما كانتا زمن ترحيلهم عنهما ، وما دروا أن كل المدن في العراق قد تغيرت بشكل ملفت للنظر ، سواء أكان ذلك في عدد أحيائها ، أم في أعداد سكانها ، وتصاميم خرائطها ، وذلك لجملة من الأسباب التي لا تخرج عن ديالكتيك الحياة الذي مررت عليه من قبل ، وإذا كانت المدن والقرى في السويد البلد المستقر ، والذي يتفاخر أهله بأنهم لم يدخلوا حربا منذ مئتي سنة ، قد تغيرت من النواحي التي ذكرتها آنفا ، فكيف يريد أصحاب البيان الذي وقعوه زورا باسم أهالي المدينة ، ورفعوه الى الحكومة في بغداد ، تلك الحكومة التي تضم الكثير من العائدين من إيران في صفوفها الآن ؟ كيف يريدون أن يغيروا واقعا مضت عليه سنون طويلة بجرة قلم من بيان لا يخجل كاتبه من عنصرية فارسية ، طافحة فيه ، تطالب أناسا استوطنوا العراق منذ ألوف السنين برحيل عن وطنهم ، بحجة أنهم غرباء عن مدينة كربلاء ؟ وأصحاب البيان ممن استوطنوها قبيل سنوات بعد أن ضاق بهم العيش في بلدهم إيران ، فحلوا قرب ضريح الإمام الحسين عليه السلام من أجل جمع الثروة والمال .
لقد حاولت السلطات الإيرانية ، وعملاؤها في العراق ، وبعد سقوط الطاغية صدام على يد قوات الاحتلال الأمريكية ، أن تدفع بالشيعة العرب القاطنين في مدينة كربلاء ، والنجف الى مدنهم في الجنوب والوسط ، وذلك عن طريق إغرائهم بالألوف من الدولارات ثمنا لشراء محلاتهم وبيوتهم ، حتى وصل ثمن البيت الواحد في أطراف تلك المدينة الى مئة وخمسين ألف دولار بعد أن كان ثمنه خمسة آلاف دولار زمن صدام الساقط ، وكان الهدف من ذلك استثمار تلك البيوت والمحلات اقتصاديا ، حيث كان هؤلاء المستثمرون قد اعتقدوا أن كربلاء أصبحت مدينة إيرانية تحت ظلال القوات الأمريكية ، وحيث كانت السيارات الإيرانية تدخل أفواجا ، أفواجا إليها ، وصار مألوفا أن تسمع صوت السواق الإيرانيين ، وهم ينادون في ساحاتها على المسافرين الراغبين بالسفر الى المدن الإيرانية ، فالعراق أصبح مجتاحا من أكثر من طرف ، وأكثر من جيش !
وحين فشلت مشاريع الاستثمارات الإيرانية نتيجة لاضطرابات الأوضاع في العراق ، ومعارضة موطني المدينة لها ، صدّر هؤلاء بيانهم مطالبين العراقيين العرب من الشيعة في المدينة بالرحيل عن وطنهم العراق .
أما المضحك الآخر هو أنني قرأت في موقع ألكتروني آخر أن ( وحيدا ) قد أسقط الحصانة عن جنود القوات البريطانية من قوات الحلفاء ، تلك الحصانة التي منحها لهم الحاكم السابق للعراق ، بول بريمر ، والذي لا يعرف وحيدا هذا ، أقول : هو عبد الجبار وحيد ، رئيس المجلس البلدي لمدينة العمارة العراقية الجنوبية ، ويبدو أنه من جماعة مجلس الحكيم ، وهاكم نص ما جاء في الخبر ذاك ( مجلس محافظة ميسان يقرر رفع الحصانة عن القوات البريطانية
GMT 16:15:00 2006 الأحد 19 فبراير
أ. ف. ب.
العمارة (العراق) : اعلن رئيس مجلس محافظة ميسان عبد الجبار وحيد اليوم الاحد ان مجلس المحافظة، وعاصمتها العمارة (365 كلم جنوب بغداد) قرر رفع الحصانة عن القوات البريطانية لمحاكمة جنودها المتهمين بضرب شبان عراقيين. وقال وحيد في مؤتمر صحفي عقد في مبنى المحافظة ان "مجلس المحافظة قرر رفع الحصانة عن القوات البريطانية التي تعسكر في محافظتنا والتي منحت اليها خلال تولي الحاكم المدني الاميركي بول بريمر" ادارة العراق. واضاف "سنطالب هذه القوات بتسليمنا اسماء جنودها الذين قاموا بالاعتداء على مجموعة من شبابنا من اجل مقاضاتهم في المحاكم العراقية . )
وليس لي بعد ذلك أن اعلق على هذا الخبر ، فالخبر نكتة مضحكة ، سيضحك عليها حتى وحيد وأعضاء مجلسه المؤقر ! !
والمضحك الثالث مما قرأت أنا في الأخبار عن اتهام جماعة الائتلاف " الشيعي " لسفير الولايات المتحدة ، خليل زاده ، بالطائفية ، وذلك على اعتبار أن خليل زاده من سنة أفغانستان أصلا ، وعلى هذا راحوا يتقولون عنه هنا وهناك ، وذلك بعد أن بسط الرجل سياسة أمريكا في مسألة تشكيل الحكومة الأمريكية القادمة في العراق ، وبشكل واضح ، وفي مؤتمر صحفي ، وعلى الهواء مباشرة ، مثلما يقولون ، تلك السياسة التي عبر عنها بصوت جلي أنه لا يمكن تسليم المناصب الأمنية في وزارة الدفاع ، والداخلية ، والأمن الوطني إلا لوزراء غير طائفيين ، ينظرون لكل العراقيين بعين واحدة ، ويبدو أن القناعة هذه تولدت لدى الأمريكان بعد التجربة التي مرت بها وزارة الداخلية العراقية زمن الوزير صولاغ الذي جعل من تلك الوزارة وكرا للمخابرات الإيرانية ، ومنطلقا لفرق الموت التي اعترف بوجودها حتى صولاغ نفسه ، وفي بيان بائس أذاعه على الناس في العراق .
تهمة خليل زاده بالطائفية هي نكران جميل من لدن أغلب تكوينات الائتلاف الشيعي ، فالرجل هو الذي جمعهم في مؤتمر لندن قبل سقوط صدام ، وحملهم من إيران معرفا العالم بهم ، وسقاهم من عذب شراب تلك المدينة ، وأطعمهم من لذيذ طعامها ، ثم التقاهم في بغداد بعد أن كان محرما على أكبر شارب فيهم ولحية دخولها زمن صدام المدحور ، وفوق هذا وذاك فالسفير ، كما هو معروف ، يعكس في آرائه التي يذيعها سياسة دولته التي لا يمكن له أن يتحدث إلا بما تمليه عليه تلك السياسة ، وعلى هذا يكون إلقاء تهمة الطائفية على السفير ، خليل زاده ، هي نكتة تستدعي الضحك عليها ، وتكشف عن أن مطلقيها من الذين يدعون أنهم يمثلون الشيعة في العراق تنطبق عليهم تهمة التخلف الفكري والثقافي ، وعدم التحصيل الدراسي التي ألصقها بهم الإنجليز إبان احتلالهم للعراق مطلع القرن المنصرم ، تلك التهمة التي بموجبها حرموا من تسنم أي منصب حكومي مهم على امتداد ثمانين عاما من تاريخ العراق الحديث .