نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سهر العامري

 

 

 

 

الخميس 20 /4/ 2006

 

 

 

قراءة في رسالة إزاحة الجعفري !

 

سهر العامري

يبدو أنه صار من المؤكد أن تنحي الجعفري عن الترشيح لكرسي الحكم في العراق كان إزاحة بالقوة ، وليس تنحيا ، أو رغبة منه في مساهمة لحل عقدة تشكيل الحكومة في العراق ، تلك العقدة التي كان أول من قام بعقدها ـ على رأي أكثر المراقبين السياسيين للعملية السياسية الجارية في العراق ـ هو الجعفري نفسه ، وذلك برفضه لجميع المحاولات التي بذلت من أجل استبداله بشخص آخر ، ومن ذات الكتلة التي ينتمي إليها هو ، وهي كتلة الائتلاف العراقي الموحدة ( الشيعي ) ، لكنه لساعات قريبة خلت ظل متمسكا بترشيحه ذاك ، مدعيا أن الله هو وحده الذي اختاره للجلوس على كرسي الحكم في حديث له مرة ، وفي أخرى قال : أن شعبي هو من اختارني لهذا المنصب ، وذلك في مغالطات تشبه الى حد بعيد المغالطات الكثيرة التي كان يتبجح بها صدام للآن ، وهي أنه هو وحده رئيس العراق الشرعي ، والقادم للحكم عن طريق تفويض من الشعب نفسه الذي اختار الجعفري من بعده .
لقد ظل الجعفري ، مثل صدام ، متمسكا بهذه المغالطات ، واغماط الحقائق الجلية ، رغم علمه الأكيد من أنه قد فاز بفارق صوت واحد على منافسه ، عادل عبد المهدي ، في ذات التكتل الذي ينتمي له هو ، وذلك بحصوله على 64 صوتا في مقابل 63 صوتا ، يضاف الى ذلك أن كل الكتل والأحزاب العراقية الأخرى كانت ولازالت رافضة على الدوام لترشيحه كرئيس للوزراء في الحكومة القادمة ، هذا بالإضافة الى الرفض الأمريكي له ، ورفض كل دول الجوار كذلك ، باستثناء إيران التي حرصت أشد الحرص على أن يعود الجعفري الى رئاسة الوزارة في العراق من جديد ، وذلك من خلال تحريضها لجماعة مقتدى الصدر في الوقوف الى جانب ترشيح الجعفري ، ومن خلال تهديد أطراف أخرى في الائتلاف العراقي الموحد بعدم رفض ترشيحه ، حتى ولو كان فوزه بصوت واحد فقط في تلك المنافسة .
وعلى هذا اعتقد الجعفري أن إيران ستكون معه الى النهاية ، وأن الأمريكان لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا حياله ، وبناء على ذلك فقد استمر هو برفض كل الدعوات التي انطلقت ، غير ما مرة ، من قبل الكتل ، والأحزاب العراقية الأخرى ، والتي شارت عليه بوجوب التنحي ، وإفساح المجال أمام شخص آخر من الائتلاف العراقي الموحدة ، ليكون بديلا عنه ، على اعتبار أن رئيس الوزراء هو رئيس وزراء العراق ، وليس رئيسا للائتلاف العراقي الموحدة ( الشيعي ) فقط .
لقد ظل الجعفري على عناده ورفضه هذا الى ساعات قريبة من كتابة هذه الحروف ، فهو الذي أعلن أمس ، ومن خلال مؤتمر صحفي ، وضعت على المنصة التي كان يقف هو وراءها في ذاك المؤتمر ذات الورد التي توضع أمام رئيس جمهورية إيران الإسلامية ، أحمدي نجاد .
من وراء تلك المنصة كرر الجعفري بثبات هذه المرة أنه لن يتنحى عن الكرسي الذي رشح له من قبل الائتلاف العراقي الموحد ، رافضا من جديد كل الدعوات التي وجهت له ، والتي انطلق بعضها هذه المرة من داخل تكتل الائتلاف ، لكن المفاجأة الغريبة قد أتت بعد هذا الإصرار بساعات ، وذلك من خلال رسالة كتبها الجعفري نفسه الى الائتلاف نفسه يعلن فيها طواعية أنه قرر رد ترشيحه الى الائتلاف العراقي الموحد ، ثم طرح فيها بعد ذلك مبررات غابت عنه طوال الفترة التي أعقبت آخر انتخابات جرت في العراق ، والتي زادت على أربعة أشهر ، تعرض فيها الناس في العراق الى حمامات متواصلة من الدم بسبب من التسيب الكبير الذي حل بالواقع السياسي العراقي المتسيب أصلا .
لقد جاء في رسالة الجعفري الى تكتل الائتلاف ما نصه ( ان الائتلاف يمثل عنده قيمة عليا يحرص عليها ويعتقد انه الممثل الحامي لمصالح الامة وانه على استعداد كامل للعمل بكل السبل وتقديم كل التضحيات تحقيقا للمصلحة الاسلامية العليا ". واوضح الجعفري:"وامام هذا المشهد اقول لكم انتم اخترتموني وانا اعيد هذا الاختيار اليكم لاتخاذ ما ترونه مناسبا وستجدونني على اتم الاستعداد ان شاء الله للتفاعل مع قراركم حماية لوحدة الائتلاف وتحصينا له وسأبقى مضحيا في اي موقع من مواقع المسؤولية خدمة لشعبنا الابي في سبيل الله تعالى". )
ولا أراني بحاجة الى مناقشة الأفكار الواردة في الرسالة التي تنم عن روح طائفية مقيتة ، وذلك حين تشطب الشعب العراقي ، وتجعل من الائتلاف هو الممثل وحامي حمى الأمة ، وتتجاهل كل القوى السياسية المشاركة مع الائتلاف في الحكم ، ومع ذلك فالرسالة على اقتضابها تنضح بهذا الشطط الفكري ، رغم أنها قد صيغت بلغة الدجل الدبلوماسي ، هدفها حفظ ماء وجه الجعفري بعد أن أرغم على التنحي ، وأزيح بمنطق القوة الذي أزيح بموجبه صدام الساقط من قبل ، بعد أن عصا وتجبر ، ويبدو أن السطوة الأمريكية المهيمنة على الشأن العراق الآن ، والتي طالما حُذر منها الجعفري ، هي التي كانت وراء إزاحة الجعفري ، وإجباره على كتابة تلك الرسالة التي يعلن فيها إزاحته عن المنصب المرشح له ، هذا بغض النظر عن لغة الرسالة التي أشرت عليها من قبل ، ( ومن يدري ؟ فقد يكون الجعفري الآن رهن الاعتقال ، أو تحت الإقامة الجبرية ، أو أنه أصبح منبوذا من قبل أمريكا بالطريقة التي نُبذ بها الجلبي من قبل . )
عل سائل يسأل لماذا سكتت أمريكا طوال هذه الفترة عن تمادي الجعفري برفضه التنحي طواعية ، مثلما طلب منه أول الأمر ؟
قبل الإجابة عن سؤال كهذا دعونا نمرّ على الساعات التي سبقت إذاعة رسالة الجعفري هذه ، تلك الساعات التي شهدت اجتماعا عاجلا في بغداد ، ضم كلا من : رئيس الجمهورية ، جلال طالباني ، السفير الأمريكي ، خليل زادة ثم رئيس قائمة الائتلاف العراقي الموحد ، عبد العزيز الحكيم . ويبدو أن الأمريكان ، ومن خلال السفير زاده ، وأمام جلال الطالباني ، قد أبلغوا عبد العزيز الحكيم بموقف أمريكي حاسم ، صارم ، هو وجوب تنحي الجعفري عن ترشحه لمنصب رئيس الوزراء ، وإلا سيُزاح عن طريق القوة ، ولهذا فقد شاهدنا أن رئيس الائتلاف ، عبد العزيز الحكيم ، قد خف على عجل الى مدينة النجف الأشرف ، ليضع الأمر بين يدي المراجع فيها ، بعد أن صنع الائتلاف منهم نمطا من أنماط ولاية الفقيه الإيرانية ، ولكن بعد زيارة الحكيم الخاطفة هذه الى النجف وجدنا الجعفري قد ظل مصرا على موقفه في عدم التنحي طواعية في مؤتمره الصحفي الذي عقده أمس ، فما كان من الأمريكان ، وبعد إنذارهم الذي حمله عبد العزيز الحكيم الى النجف ، وبعد إعلان الجعفري تمسكه بالمنصب من جديد ، إلا القيام بإجبار الجعفري على رسالة حفظ ماء الوجه تلك .
والسبب الذي دفع الأمريكان للتعجيل بهذا الفعل ، على ما يظهر ، هو إعلان طهران عن نجاحها في تخصيب عنصر اليورانيوم الداخل في تصنيع القنبلة النووية ، وهو ذاته ، أي الإعلان ، الذي حمل الأمريكان على التحرك السريع في الرد على إيران على الصعيد الدولي ، وعلى صعيد العراق الذي يمثل الآن بالنسبة لهم الخط الأمامي المهم في جبهة المواجهة بينهم وبين الايرانيين ، وعلى هذا فقد تحتم على الأمريكان حسم الأمر لصالحهم في العراق ، وإبعاد أصحاب الولاءات التي تهيم بالعشق للأسياد في طهران عن المراكز الحسّاسة في السلطة العراقية .