نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سهر العامري

 

 

 

 

الجمعة 17 /3/ 2006

 

 

 

الشيطانان يلتقيان !

 

سهر العامري

يبدو أن الشيطان الصغير ، إيران ، قد اقتنع الآن بوجوب الجلوس في حضن الشيطان الكبير ، أمريكا ، وذلك بعد رفض لهذا الجلوس العلني دأبت إيران عليه منذ سنوات ، رغم سياسة الكواليس التي كانت تجري ما بين الطرفين على هذه الشاكلة أو تلك ، وأبرز حالات التفاهم التي تمت بين الشيطانين كانت بعد سقوط نظام طالبان في أفغانستان قبل سنوات ، حيث كان خليل زاده ، السفير الأمريكي في العراق الآن ، هو ذاته الذي قاد تلك المباحثات حول الوضع في أفغانستان ، حينما كان سفير لأمريكا في بلده الأم ، أفغانستان .
لقد كانت طهران حتى وقت قريب تتشرط على الشيطان الأكبر في الوصول الى تفاهم حول العراق ، ومن خلال عملائها فيه ، بوجوب انسحاب كامل للقوات الأمريكية من العراق أولا ، ثم بعد ذلك يمكن الحديث عن هذا التفاهم الذي طلبته أمريكا بداية ، وعلى لسان سفيرها في العراق ، خليل زادة ، منذ شهر تشرين الثاني / نوفمبر من السنة المنصرمة ، ولكن إيران ظلت على عنادها المعروف ، والمزيف ، ذلك العناد الذي سرعان ما يتحول الى إذعان تام ، تتنكر فيه لكل حلفائها ! وأصدقائها ! من بعض التنظيمات التي تدعي أنها تمثل هذه الشريحة ، أو تلك من شرائح المجتمع العراقي .
لقد عرف عن إيران سياسة التراجع عن مواقفها هذه ، ليس في زمن الجمهورية الإسلامية وحسب ! وإنما منذ زمن الشاه المقبور ، وذلك حين سحب هذا الشاه دعمه للحركة الكردية في شمال العراق إبان قيادتها من قبل الراحل ، مصطفى البرزاني ، على إثر توقيع اتفاقية الجزائر ، تلك الاتفاقية التي فرط صدام المجرم فيها بالكثير من المياه العراقية في شط العرب ، وببعض من الأراضي العراقية الواقعة على الحدود الشرقية للعراق ، ثم رحل الشاه ، وجاء الخميني بعده ، لتقوم الحرب الدامية ما بين العراق وإيران ، تلك الحرب التي استمرت سنوات ثمانية ، أزهقت فيها ملايين الأرواح من شعبي البلدين الجارين ، وكل هذا ليس فقط بسبب من الجريمة الكبرى التي قام بها صدام حين أعلن تلك الحرب ، ولكن بسبب من العناد الإيراني الذي أظهرته السياسة الإيرانية ذاتها في وجوب مواصلة الحرب الى الساعة التي ستسقط فيها القوات الإيرانية عاصمة العراق ، بغداد ، وتقيم حكومة عميلة فيها على غرار حكومة ولاية الفقيه في إيران ، معتمدة على بعض العناصر التي تدعي أنها تمثل الشيعة في العراق ، خاصة تلك العناصر التي ظللتها الدعاية الإيرانية النشطة ، والموجهة بعناية الى أبناء الشيعة في الجنوب والوسط من العراق ، هؤلاء الذين اعتقدوا أن إيران لن تفرط بهم على حساب مصالحها القومية التي تدعيها في العراق ، ولكن اعتقاد هؤلاء ما كان إلا أضغاث أحلام سرعان ما تبددت ، وذلك حين تجرع الخميني كأس السم ، ووافق على وقف إطلاق النار في تلك الحرب ، بعد أن تيقن أن النصر في تلك الحرب على العراق صار مستحيلا في ضوء المخطط المرسوم لها من قبل الشيطان الأكبر ، أمريكا ، والذي يرسو على نتيجة مؤداها : حرب ليس فيها غالب ومغلوب !
ويبدو أن هذا الموقف الأمريكي هو الذي أقنع الساسة في إيران في نهاية الأمر بضرورة قبول وقف إطلاق النار ، وجلوس مع صدام الكافر ! ، مثلما كانت تصفه الدعاية الإيرانية خلال سنوات الحرب ، واليوم يعود الموقف الأمريكي المتمكن بالتفوق الهائل على إيران ، ليجبرها على التحدث الى الأمريكيين ، والإصغاء لهم بأذني حصان ، وفيما يخص الوضع القائم في العراق الآن ، وذلك بعد أن تكشف للإيرانيين أن بعضا من عملائها العراقيين غير قادرين ، متفردين ، على حكم العراق بطريقة ولاية الفقيه الإيرانية ، سواء أتى هذا الحكم عن طريق الميليشيات التي دربتها وسلحتها هي ، مثل ميليشيات بدر ، أو سواء عن طريق الانتخابات التي لم تأت بنتائج حاسمة وفق التصور الساذج الذي قبلت به إيران ، وبعض من الدائرين في فلكها من العراقيين بالمخطط الأمريكي الهادف الى إسقاط نظام صدام المجرم في العراق ، ذلك التصور الذي برروا به تعاونهم فيه مع الشيطان الأكبر ، أمريكا ، بقولهم : دع أمريكا تسقط صداما ، وسنأتي نحن الى الحكم في العراق عن طريق الانتخابات ! ويضيفون : أليست هذه هي الديمقراطية التي تريدها أمريكا !
هذه التبريرات صارت أوهاما الآن ، خاصة في ظروف الصعبة ، المحيطة بجمهورية ولاية الفقيه ، والمتمثلة في الوضع الاقتصادي المتدهور ، وتصاعد الوعي القومي لدى الكثير من الشعوب الإيرانية ، هذا بالإضافة الى العزلة الدولية التي وضعتها أمريكا فيها . هذه العوامل وغيرها ، مما سأاتي عليه بعد قليل ، هي التي اضطرت القيادة في تلك الجمهورية الإيعاز الى عبد العزيز الحكيم ، وباتفاق مسبق ، كي يقوم بتوجيه دعوة لإيران من أجل إجراء مباحثات مع الأمريكان بشأن العراق ، تلك الدعوة التي وجدت استجابة فورية من الجانب الإيراني ، وعلى لسان رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي لارجاني الذي قال : ( إن إيران قد وافقت على تلبية مطلب الحكيم لحل مشاكل وقضايا العراق وصولا الى تأسيس حكومة عراقية مستقلة . )
ورغم ذلك فإن علي لارجاني ما كان صادقا أبدا في زعمه الفائت ، والقائل إن موافقة إيران على إجراء مباحثات مع الجانب الأمريكي كانت تلبية لمطلب عبد العزيز الحكيم ، أو من أجل الرغبة الإيرانية في تأسيس حكومة عراقية مستقلة . فدعوة الحكيم تمت ضمن تمثيلية إيرانية ـ أمريكية يراد منها حفظ ماء وجه إيران المذعنة للقدر الأمريكي المحيط بها الآن ، يضاف الى ذلك أن لارجاني يعلم علم اليقين ، المبين ، الناصع ، الجلي ، أن العراق لن تقوم به حكومة مستقلة أبدا مع الوجود الأمريكي فيه ، سواء ساعدت إيران في ذلك ، أو لم تساعد ، فكل الحكومات القادمة في العراق ستكون تحت الهيمنة الأمريكية دون أدنى ريب ، حالها في ذلك حال حكومات كثيرة ، تخضع لتلك الهيمنة في عالم اليوم ، خاصة في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث .
وإذا كنت قد طرحت من قبل بعضا من الأسباب التي دفعت إيران للقبول بالجلوس في أحضان الأم الرؤم ، أمريكا ، وبهذا الشكل العلني ، فحري بي أن أستعرض أسبابا أخرى لهذا الإذعان الإيراني الغير مفاجيء أبدا ، وهي :
1ـ قناعة إيران التامة بأن عملاءها في العراق لن يستطيعوا ، الآن أو مستقبلا ، أن يحكموا العراق لا عن طريق قوة ميليشياتهم ، ولا عن طريق صناديق الانتخابات ، ولا حتى عن طريق ما يصدره مراجع الشيعة من فتايا في العراق .
2ـ قناعة إيران بأن هؤلاء العملاء قد أظهروا من الهزال والضعف ، وعدم المقدرة ، في إدارة دفة الحكم في العراق ، وبعد أن مكثوا بالحكم لأكثر من سنة سادت فيها فوضى عارمة ، وتدنت فيها درجات أمن المواطنين العراقيين الى الحضيض ، يضاف إليها الضائقة الاقتصادية التي تأخذ بخناقهم .
3ـ قناعة إيران بأن التدهور المريع والسريع الذي تشهده الساحة العراقية قد يفقد هؤلاء العملاء زمام الأمور فيها ، مما يؤدي الى عودة أنصار صدام ، أو أطراف من سنة العراق الى الحكم في العراق ثانية ، وبتفاهم مع الأمريكان كذلك ، خاصة وأن صور من العناد للمخططات الأمريكية المعدة للحكم في العراق ، قد أظهرتها أطراف تدعي تمثيل الشيعة فيه ، وهو عناد مستمد من الموقف الإيراني قبل أن يطلق الحكيم دعوته الأخيرة لها ، فقد وجدت إيران أن الضغط على عملائها في العراق بوجوب التمسك بعنادهم ذاك قد يدفع أمريكا بعيدا عن هؤلاء ، والى عملاء جدد من العراقيين ، ومن حملة السلاح الذين فتحت أمريكا صفحة للحديث معهم ، مثلما ذكرت بعض الأنباء ، ولكن ، وعلى ما يبدو ، أن هذا الحديث متوقف الآن .
4 ـ إرباك الاندفاع الأمريكي نحو عرب الخليج العربي ، هذا الاندفاع الذي تجسد بزيارات المسؤولين العسكريين أو المدنيين الأمريكيين المتكررة لأقطار هذا الخليج ، يضاف الى ذلك تعزيز التواجد العسكري الأمريكي فيه ، حيث شهد هذا التواجد في صوره الأخيرة وصول حاملة الطيران الأمريكية المسماة ، ريغان ، والمصنعة سنة 2003 م ، الى موانىء دولة الأمارات العربية .
5 ـ إرباك الموقف الدولي من قضية الملف النووي الإيراني الذي أحيل الى مجلس الأمن قبل أيام ، انتظارا لإصدار قرار من المجلس ذاته بهذا الشأن يتوقع أن يكون حازما ، مثلما عبر عن ذلك رئيس وزراء بريطانيا ، توني بلير ، في آخر حديث له عن الملف النووي الإيراني ، ولهذا كان الأمريكان على بينة من هدف الإذعان الإيراني هذا ، فبادروا الى القول : إن المحادثات بين أمريكا وإيران ستنحصر في نطاق ضيق ، هو نطاق الشأن العراقي ، ولن تتعداه الى الملف النووي الإيراني ، وبهذا القول أوصلت أمريكا رسالة طمأنة لحلفائها الغربيين : بريطانيا وفرنسا ، هؤلاء الحلفاء الذين حاولت إيران أن تشقهم عن الموقف الأمريكي بشأن ملفها النووي في محادثات عقيمة دامت سنوات فيما بينها وبينهم ، ولكنها انتهت في نهاية الأمر الى فشل تام ، وها هي الآن تسعى الى شق الأمريكان عن شركائهم الغربيين ، وذلك بعد وصول ملفها النووي الى مجلس الأمن ، وعن طريق الورقة العراقية التي استلمتها من عملاء لها في العراق ينفشون بريشهم مثل الديكة أمام عدسات التصوير على أنهم حكام العراق الجديد !