نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سهر العامري

 

 

 

 

الخميس 17 /8/ 2006

 

 

إيران تدق عطر منشم بين شيعة العراق *

 

سهر العامري

قبل أيام من الآن صرح مسؤول أمريكي أن إيران ستعمد الى إثارة شقاق واسع بين الشيعة في العراق إن هي لم تفلح في تجنيدهم ضمن مخططاتها الجهنمية التي ترمي من ورائها الى جعلهم وقودا في حربها مع المجتمع الدولي بشأن ملفها النووي ، تماما مثلما جعلت من شيعة لبنان وقودا في معركة لم يحصدوا منها غير الدمار والخراب والموت ، وأما حكاية الانتصار التي تحدثت بها بعض الأبواق فقد استعارها السيد حسن نصر الله ، الذي سلم صباح هذا اليوم امبراطوريته الإيرانية في الجنوب للجيش اللبناني في نهاية الآمر ، من صدام حسين ، أو ومن وزير إعلامه القابع مندحرا في دولة الإمارات العربية المتحدة ، ذلكم هو محمد سعيد الصحاف الذي كان يزف الانتصار تلو الانتصار ، بينما كانت الدبابة الأمريكية تطوف شوارع بغداد ، وعلى بعد أمتار منه .
وفي أقل تقدير أن السيد حسن نصر قد استعار لغة الانتصارات تلك من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي قال بعد هزيمة الخامس من حزيران الشنيعة قولته المعروفة : خسرنا معركة ، ولم نخسر الحرب !
أقول إن إيران بدأت حربها على شيعة العراق بجنود منظمة بدر التي نشأت وقامت في إيران ، محاولة في بداية الأمر سلخ الهوية العربية عن الشيعة العرب في العراق ، وذلك بإطلاق كلمة شيعة فقط عليهم ، أو إطلاق لفظ : أتباع أهل البيت ، مع العلم أن أهل البيت لكل المسلمين سواء كانوا من الشيعة أو من السنة ، والذي يزور مسجد الإمام الحسين عليه السلام في القاهرة سيجد المسلمين هناك وهم من أهل السنة أكثر ازدحاما على زيارته من المسلمين من شيعة العراق في زيارتهم لضريحه في كربلاء ، وقد رأيت أنا ذلك بأم عيني ، وقبل شهور من كتابة أحرف مقالتي هذه .
لقد بدأت حرب إيران على شيعة العراق أول ما بدأت بقتل كل شيعي عربي يعارض نفوذها أو نفوذ عملائها في العراق ، ولا فرق في هذا بين شيخ عشيرة من العشائر العربية في جنوب العراق ، حيث كان آخر من سقط من هؤلاء هو الشيخ فيصل الأسدي شيخ عشائر بني أسد ، تلك العشيرة العربية التي قارعت الغزاة على مر العصور ، أو بين استاذ في جامعة أو رجل دين شيعي على علو منزلته ، ولا غرابة في ذلك ، فالحكومة الجائرة ، والظالمة في إيران قد أنزل جورها على رجال دين كبار في إيران يأتي في مقدم هؤلاء أية الله العظمى ، علي منتظري ، الذي كان من المؤمل أن يكون خليفة للخميني كمرشد أعلى للدولة .
لقد قامت المخابرات الإيرانية بعمليات التصفية تلك بعد أن فشلت بتحريك ملف الاعتراف بالقومية الفارسية كأحد مكونات الشعب العراقي ، وعلى اعتبار أن الجالية الفارسية في العراق كان عددها بدء قيام الدولة العراقية الحديثة في العشرينيات من القرن الماضي خمسة وعشرون ألف شخص ، ورغم أن المخابرات تلك تعلم علم اليقين أن تلك الجالية ، على قلة نفوسها ، قد تسلمت الآن في العراق من المناصب في الحكومة وفي البرلمان وفي إدارات المحافظات ومجالسها البلدية ما يفوق كل مكونات الشعب العراقي من عرب شيعة وسنة ومن كورد وكلدواشورين وصابئة وغيرهم ، وذلك نسبة لعدد أفراد تلك الجالية التي نزحت من إيران الى العراق من أجل تحسين ظروف حياتها المعيشية ، والتي عاشت بدعة واحترام بين العراقيين من السنة والشيعة ، وقد أعتلى بعض من أفرادها مناصب متقدمة في الدولة العراقية ، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر السيد ناجي طالب الذي تسنم منصبا رفيعا في الجيش العراق ، كما أنه أصبح رئيسا للوزراء في العهد العارفي ، وذلك حين عاد صنديدا من صناديد القومية العربية في العراق !
في سياق الاستحواذ على المناصب الكثيرة في العهد الأمريكي في العراق من قبل تلك الجالية فقد اشتكى مثلا أحد شيوخ آل خوام من محافظة المثنى قائلا : إن ثلاثة من الأعضاء الخمسة الذين يمثلون تلك المحافظة لا يعرفهم أبناء تلك المحافظة لا من قريب ، ولا من بعيد . فكأننا ، والحالة هذه ، قد عدنا الى زمن برلمان العهد الملكي حيث كان الشاعر معروف الرصافي ممثلا عن محافظة الناصرية في البرلمان ذاك وقتها ، مع أن الرصافي لم تطأ أقدامه أرض الناصرية الميمونة أبدا .
كانت المخابرات الإيرانية وعملاؤها في العراق تعلم ، ويعلمون أن الشيعة العرب اليوم هم ليس شيعة الأمس الذين كانت السلطات الحاكمة الذاهبة غالبا ما تصفهم بالتخلف والجهل وعدم مقدرتهم على المشاركة في إدارة دفة الحكم في بلدهم ، وهي ذات الذريعة التي يروج لها عملاء إيران الآن في العراق ، فقد نقل لي صديق من داخل العراق ، أن هؤلاء العملاء ينظرون الى الشيعة العرب في الجنوب على أنهم مجاميع من المعدان لا يفقهون من الحياة شيئا أبدا .
قلت إن إيران كانت تخطط لحرق الشيعة في العراق تحت هذا المسمى أو ذاك خدمة لمخططاتها ، ومصالحها القومية ، وهي في سبيل ذلك قامت وستقوم بقتل أي شيعي عراقي يقف بوجهها ، ويرفض هيمنتها وتسلط عملائها ، فحين ارتفعت أصوات الشيعة العرب من العراقيين منددة بالتسلط الإيراني على مقدراتهم ، وتدخلها في شؤونهم الداخلية ، ومن خلال أجهزة مخابراتها التي تعيث في العراق الآن فسادا قامت هي وعلى الفور بضرب الجماهير المنتفضة في مدينة كربلاء ، وبأسلحة نفر من شرطة المدينة الذين هم في الأصل من عناصر منظمة بدر الإيرانية الذين انضموا الى وحدات الشرطة المشكلة في العراق حديثا ، وبمباركة أمريكية – إيرانية مشتركة رغم أن أمريكا وإيران طرفان يغني كل واحد منهم على ليلاه في العراق . وكدليل على ما مر هاكم أقرؤوا هذا الخبر : ( اندلعت يوم أمس أوسع تظاهرات في مدن متعددة جنوب العراق تندد بالدور الإيراني المحرض علي اشعال الفتنة السياسية وردد المتظاهرون في الحلة وكربلاء والكوت شعارات تهاجم " الأيدي الايرانية الخفية التي تدفع نحو استهداف التوجهات العراقية في حوزات المراجع الدينية ومسارات العمل السياسي " حسب منشورات وزعها المتظاهرون. وقال عبد الزهرة المعموري أحد منظمي التظاهرات الاحتجاجية والمصاب بجروح في يديه في كربلاء لمراسل (الزمان) (هناك حالة من الرعب.. يريدون اخافتنا بالمخابرات الايرانية التي تسيطر علي كل شيء وتكمم افواه الجميع حتي المراجع ولكن لن نسكت لأننا اتباع حوزة ناطقة عراقية عربية خالصة ). ويضيف هذا المواطن الكربلائي الجريح الى ذلك قوله : ( لا مطالب لنا سوي الافراج عن المعتقلين الذين يريدون توكيد الهوية العراقية للبلد ونطالب بحيادية الشرطة وعدم خضوعها لمراكز القوي السياسية المرتبطة بايران مباشرة)
لقد شنت إيران حربها العلنية على شيعة العراق ابتداءً من مدينة كربلاء التي تعتبرها إيران مدينة إيرانية لتواجد جالية إيرانية كبيرة فيها ، وذلك فيما سلف من الأزمان ، ولهذا السبب بالذات فقد طالب بعض من عملائها بوجوب ترحيل جميع الشيعة العرب الذين انتقلوا لها لسبب أو لآخر في السنوات الأخيرة ، ومن مدن مثل البصرة والعمارة والناصرية ومدن جنوبية أخرى .
لقد انصبت ضربة إيران الأولى في تلك المدينة على أتباع السيد محمود الحسني البغدادي ، بعد أن حاول الأعلام الإيراني تشويه صورته ، والتلفيق عليه ، وذلك حين جند لهذا الغرض رجل دين لبناني يدعى علي الكوراني الدارس في النجف الأشرف ، والمقيم الآن في حضرة جهاز المخابرات الإيرانية ( اطلاعات ) في مدينة قم الإيرانية ، والسبب في ذلك ، وكما يقول الناس في كربلاء إن حزب الولاء الإسلامي بقيادة محمد الحسني قد اتسعت شعبية ، وكثر أنصاره ، ليس في مدينة كربلاء وحسب ، وإنما في عموم المحافظات الجنوبية العراقية ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن هذا الحزب وقف بصلابة ضد التشيع الصفوي الذي يخدم مصالح الدول الإيرانية القائمة حاليا ، وفي الوقت نفسه يعتبر تشويها للتشيع الجعفري ، وهذا ما قال به حتى رجال دين إيرانيون .
لقد لعبت جماعة عبد العزيز الحكيم في مجاز كربلاء دورا بارزا سواء كان ذلك على صعيد القمع أو على الصعيد الإعلامي الذي حاول مسؤول الإعلام في مدينة كربلاء ، والذي هو صهر الحكيم ، التستر على أخبار تلك المجاز والاعتقالات التي طالت الكثيرين ، والى الحد الذي ضاقت به السجون في كربلاء ، فنقل الآخرون والذي زاد عددهم عن المئة معتقل الى سجون مدينة النجف التي تخضع إدارتها للسيطرة الإيرانية متمثلة بمجلس الحكيم ، وبمحافظها الذي ينحدر من أصول إيرانية .


* العنوان في جزء منه يشير الى بيت الشاعر المخضرم زهير بن أبي سلمى القائل :
                                تداركتما عبس وذبيان بعدما .... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم ِ