| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سربست مصطفى رشيد اميدي

 

 

 

الجمعة 9/12/ 2011                                                                                                   

 

ثقافة الديموقراطية والتسامح ... أم ثقافة البلطجة

سربست مصطفى رشيد اميدي 

أحداث يوم الجمعة في 2/12/2011 في زاخو وسميل ودهوك بحرق ونهب وسلب مركز للمساج ومحلات بيع المشروبات الكحولية وعدد من الفنادق ،وحتى عدد من محلات قص الشعر وكوافير النساء ، من قبل جموع غاضبة من الشباب ونتيجة تحريض عدد من الملالي لهم . تسببت في انطلاق مجاميع أخرى بحرق مقار حزبية ومراكز إعلامية للاتحاد الإسلامي الكوردستاني في زاخو وسميل ودهوك ، ومن ثم في ناحية قسروك ونهب أثاثها وأجهزتها . كعملية رد فعل ضد حرق محلات بيع المشروبات التي تعود ملكية غالبيتها المسيحيين والايزيديين! ، ولكني اعتقد جازما انه لم يكن هنالك أي شخص من أبناء الطائفتين ضمن المجاميع التي هاجمت مقار الاتحاد الإسلامي .

على اثر هذه الأحداث خرج عدد من مسؤولي الأحزاب الإسلامية والشخصيات الاجتماعية والثقافية ، ليعلنوا أن عادة الحرق والسلب والنهب للمحلات ولمصالح العامة والخاصة ومقار الأحزاب الإسلامية ، هي عادات دخيلة على مجتمعنا الكوردستاني ولا تمت بصلة إلى عقلية وسماحة هذا المجتمع ذو الخلفية الفكرية الإسلامية والقومية .
في الحقيقة هذه الأحداث وتكرارها جعلتنا نعيد التفكير في هذه الآراء التي تطرح كأنها مسلمات ، وان أحداث بهدينان ما هي إلا سحابة عابرة في جو صيفي مشمس ، جعلتنا نشكك بهذه الآراء ومدى صدقتيها من حيث الواقع المعاش . فعمليات الحرق والسلب والنهب لم تتوقف في كوردستان ، ولا نذهب إلى التاريخ البعيد بل سنشير إلى بعض الحالات في التاريخ المعاصر أو حدثت منذ سنوات . ففي خضم نضال حركة التحرر الوطني الكوردستاني ومنذ حركات الشيخ محمود ، مرورا بحركات بارزان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي ، وثورة أيلول وحتى في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، كانت عمليات حرق القرى الكردستانية ونهبها وسلبها تتم من قبل قوات الفرسان الكورد (الجحوش) ،التي كانت دائما في مقدمة القوات العراقية المهاجمة. علما أن تلك القوات كانت عائدة لرؤساء عشائر كوردية ، هذه العمليات كانت تنجز بالأخص من قبل ( ايلجي ) رؤساء العشائر الكوردية . هذه الكلمة التي تعني أفراد وأتباع الأغوات المخلصين الذين كانوا يكلفون بمهمة جباية الإتاوات على الفلاحين وإحضار الأشخاص المطلوبين أمام الأغا . وهي كلمة تركية الأصل ومتممة لكلمة ( البلطجية ) التي تتكون من مقطعين ( البلطة ) وهي آلة الذبح ، ومع مقطع (جي) يصبح المعنى (الشخص القائم بالذبح) . والتي دأبت بعض النظم ورجال الأعمال وحتى بعض الأحزاب السياسية في بعض الأقطار العربية يلجئون للاستفادة منهم بين الحين والأخر . وبرز استخدامها بعد ثورة 25 يناير في مصر بعد ضرب المعتصمين في ساحة التحرير بالقاهرة من قبل بلطجية الحزب الوطني المنحل في الحادثة المعروفة ب( واقعة الجمل ).

وإذا كان من الممكن تفهم عمليات الحرق والسلب والنهب للقرى الكوردستانية من قبل الفرسان الأكراد ، باعتبارها كانت جزءا من سياسة أنظمة الحكم في العراق تجاه الحركة التحررية الكوردستانية . لكن هذه الظاهرة استمرت بعد ذلك ، فقد تكررت حرق وأعمال السلب والنهب لمقار حزب البعث ومؤسسات ودوائر الدولة خلال انتفاضة آذار1991 من قبل الجماهير المنتفضة ، هذه الأعمال يمكن أيضا أن (تفهم) باعتبارها كانت تعبيرا عن غضب الجماهير الثائرة في كوردستان وباقي أنحاء العراق ، تجاه القمع الطويل للنظام وأجهزته بحق أبناء الشعب العراقي.

أعمال الحرق والنهب استمرت بعد ذلك ، حيث ظهرت ثانية أعمال حرق ونهب ممتلكات مقار شريكي الحكم ، الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني في أيار 1994 من قبل أنصار ومؤيدي الحزبين ، في بداية الاقتتال الداخلي بينهما . وكذلك تكررت بعد إسقاط النظام في 9 نيسان 2003 ، ونقلت بعض مشاهدها مباشرة من قبل القنوات الفضائية ليراها القاصي والداني .

هذه الأعمال تجعلنا نعتقد أن ثقافة الديموقراطية والتسامح التي استمرت الأحزاب الكوردستانية تدعو إليها في برامجها لم تترجم إلى الواقع لبناء وعي شامل بذلك من قبل أنصار تلك الأحزاب . كذلك فان الأحداث الأخيرة تجعلنا نقف أمام التأثير المفترض للجامعات والمعاهد في الإقليم وتخرجها لمئات الآلاف من أبناء المحافظات الثلاثة. وكذلك تجعلنا نتساءل عن الدور الذي تلعبه عشرات الاتحادات والنقابات المهنية إلي تشمل مجال نشاطها اغلب شرائح وفئات المجتمع ، وكذلك العشرات من منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في الإقليم. التي تدعو وتعمل لنشر ثقافة الديمقراطية والتسامح، وقبول الآخر وعدم إلغاءه، الذي باعتقادنا تعني (هضم الآخر) لدى أغلب الأحزاب السياسية في العراق اجمع. وكذلك تعمل على نشر ثقافة احترام حقوق الإنسان ، وفي مقدمتها حرية الدين والمعتقد ، وحرية التعبير عن الرأي ، وحرية تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها ، واحترام حقوق وحريات الآخرين ، واحترام حق التملك وحق الآمن والأمان ، واحترام الحفاظ على حق الخصوصية في المسكن وحرية التنقل، والحفاظ على سرية المراسلات البريدية والالكترونية وغيرها .

هذه الأحداث تجعلنا نشكك بدور كل هذه المؤسسات والمنظمات والأحزاب والمعاهد والجامعات في نشر الوعي الديموقراطي والتسامح ونبذ العنف بين شرائح الشعب ،لا ثقافة البلطجة وإسكات الغير ، وفرض آراء ومعتقدات الأغلبية على الأقلية ، والاعتداء على أموال الآخرين ،والاستهانة بحقوق وحريات الغير وسلب راحة المواطنين .

فهذا الشخص الذي يقوم بحرق أو نهب أموال الغير، يجعلنا امام تساءل مهم جدا مفاده ألا يسال نفسه أن هذه الأموال هي ملكية إنسان قبل كل شيء، ويشاركه في الوطن والتاريخ والحضارة.

هذا الإنسان الذي يقوم بحرق مقر حزب آخر أو نهب ممتلكاته، بمجرد أن هذا الحزب يختلف مع انتمائه الحزبي في الفكر والنهج السياسي. ألا يسأل نفسه انه لا يوجد في تاريخ البشرية من شريعة أو قانون أو عرف حضاري حق إلغاء (حرق) الآخر وسلب أمواله، هذا الآخر سواء كان شخصا طبيعيا أم معنويا.

هؤلاء البلطجية برأي يجب ألا يكونوا تابعين لأي حزب سياسي سواء كان في السلطة أم في المعارضة ، ومن المعيب أن يتم بناء توجهات وسياسات الأحزاب استنادا لخدمات هؤلاء كقوة ضاربة وجهة غير رسمية ، وحاضرون في كل مكان وربما في كل زمان . وباعتقادي أن هؤلاء هم نفس الفئة التي كانت تهاجم مقرات الحزبين الحاكمين ربيع عام 1994 ، وهم نفس الفئة التي هاجمت محطات الوقود في زاخو ومن ثم كمارك إبراهيم الخليل قبل سنوات ، وبعد ذلك مهاجمة عدد من محطات الوقود في قضاء عقره . وهم أيضا نفس الفئة التي هاجمت مقار الاتحاد الإسلامي الكوردستاني في 6/12/2005 في محافظة دهوك وبعض مناطق محافظة أربيل ، وكذلك هم نفس الفئة التي قامت بسلب ونهب مقرات حركة التغيير (كوران) في محافظتي دهوك وأربيل .

ولهذا أرى من الواجب علينا في الإقليم وعموم العراق أن نعترف أن ثقافة الديموقراطية والتسامح لا تزال بعيدة عن فكرنا وسلوكنا وتصرفاتنا في البيت والمدرسة والشارع والمؤسسات الحكومية، وفي النهج السياسي للأحزاب القائمة. وان ثقافة البلطجة وإلغاء (حرق) الآخر هي السائدة ، بدل التعايش السلمي المشترك .وانه لابد من الاعتراف بأننا نعيش في خضم أزمة عميقة وآخذة بالاستفحال والتوسع ، هذه الأزمة التي لابد لنا كمواطنين ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات والنقابات ومؤسسات الحكومة ، وكذلك الأحزاب السياسية ، أن يعملوا بجدية وبصورة واضحة وشفافة لإيجاد السبل اللازمة لمعالجة هذه الأزمة . هذه السبل لابد أن تكون هديها وبرنامجها هي الثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والعيش المشترك، وعدم إلغاء الآخر. خاصة ونحن نمر بمرحلة زمنية من الصعب التكهن بمستقبل المنطقة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وتمر بمرحلة تغييرات مستمرة ومتعاقبة ، وان إقليم كوردستان والعراق عموما لن تكون ولا تستطيع أن تكون بمنأى عنها .


دهوك / 12/2011



 

free web counter