| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سامي العامري

alamiri60@yahoo.de

 

 

 

 

الثلاثاء 3/7/ 2007

 

 

سلسلة : كتابٌ قرأتُهُ

استعانةً بمكتبتي الخاصة البسيطة ومكتبة الزميل هيثم الطعّان المُكتَنِزة نحاول بَدءاً من اليوم إعتمادَ إسلوبٍ متعارفٍ عليه في العديد من المجلاّت والصحف ألا وهو التعريفُ قدر الإمكان بما نراه جديراً بالإهتمام من الإصدارات الجديدة التي تصل الينا ومن الكتب قديمها وحديثها , وللقاريء طبعاً الحرية الكاملة في إبداء وجهات نظرهِ واقتراحاته , واذا كان لنا مَطلَبٌ فهو فقط توخّي الحرص واللغة غير المُتشنِّجة فهذه الصفحة كما قلنا تُعَرِّف بالمطبوع ما استطاعتْ ولا تعرِضُهُ كامِلاً  .

كتاب لهادي العلوي


 سـامي العامري

الكتاب : مدارات صوفية
المؤلِّف : هادي العلوي
الناشر : مركز الأبحاث والدراسات الإشتراكية في العالم العربي . الطبعة الأولى 1997

الكثير من المؤلَّفات تموت ومؤلِّفوها أحياء والكثير الكثير من المؤلَّفات تُشَيَّعُ بتشييع مؤلِّفيها فأمّا الأُولى
فداعي موتها مُشَخَّصٌ فهي بائسةٌ او دعيّة وبدون نصير وأمّا الثانية فهي تحمل نفس العلامات الفارقة ولكن مع وجود النصير, والنصير هنا هو إمّا السياسي او رجل المؤسسّة وكلاهما بحاجة الى مَطيّةٍ لذلك كان العَلَف وكان إزدهار تجارة الكتاب – الإعلان .
الأولى بدون نصيرٍ لأنها [ غشيمة ] والثانية والتي تتصَدَّر الواجهات تتقنُ حرفتها , لسانها في ميدان النفاق والتملُّق ذَرِبٌ ذَلِقٌ .
المُبدِع الحقيقي لا يُصاب بالإحباط او اليأس لمجرَّد أنه لم يُفْهَم من قِبَل عصره بل قد يكون الأمر معكوساً فالعديد من المبدعين العرب وغير العرب تُوفّوا إبداعيّاً بمجرّد أنْ عاشوا تحت نوعٍ مُعيَّنٍ من الأضواء وحتى لا يتحوّل كلامنا الى كلام إنشائيٍّ نقول : المبدع الحقيقي هو السائر على جسده , هو مَن يُبدِع للغد شاء أم أبى وإلاّ فحُطام الدنيا مبذولٌ للإنسان المبذول .
الكتاب الذي بين يديّ يَروي جهدَ مؤلِّفه وإهتيام روحه وقد عاشَ مضيئاً في حياة مؤلِّفه بكيفية ما ونراه يزداد بريقاً كلّما ابتعدتْ المسافة الزمنية بينه وبين حياة مؤلِّفه الحافلة بالمصاعب. أقول : عاشَ مضيئاً في حياة مؤلِّفهِ لأنَّه بالإضافة الى غوصه في متاهات جديدة كانتْ بعكس ما يُنتظَرُ منه , إكتسبَ روحَ العلوي فالراحل العلوي كما يروي عنه معاصروه من الكُتّاب وغيرهم كان كجُبران سَمِحاً طيِّب المَعشَر رقيقاً جدّاً حتى اذا تفرّغَ للكتابة لاح فيه النبيُّ المُخَرِّب , خلافاً للكتَبَة الذين ترى كتاباتِهم تستعير لوعة المَشوق المُتيَّم بالحديث عن شموس ونوارسَ وورودٍ فَتَفترضُ فيهم الأريحيةَ والنُبل بينما هُم في حقيقتهم أمهَرُ مَن يقود الجرّافات التي تكتسح الورود وتأتي على ألوان الربيع .
إنَّ العلوي لا يَدَعُ لك مجالاً لكي تُحَذِّرَه !
ذلك أنه يستهلُّ كتابهُ هذا [ مدارات صوفية ] منذ البداية بالتفاتةٍ تنمُّ عن بصيرةٍ بتأكيده مثلاً على ما يلي: الشيوعية لا صلةَ لها بالفكر بل هي ليستْ من الثقافة في شيءٍ , وإنما هي موقفٌ وجدانيٌّ .
بل وأكثر من هذا إنه يُناصِبُ الشعراءَ العَداء !
وطبعاً هو يعني شعراءَ بعد صدر الإسلام حيث مفهوم الحبّ عندهم كان جسديّاً كما يرى وبعد أمثلةٍ عديدة وتعقيبات يستند الى بيتٍ شعريٍّ يقوله أحد شعراء ذاك العهد حولَ مجيء حبيبته اليه متلهِّفةً قلقةَ الروح عندما سمعتْ أنه يحتضر في حين أنه لم يكن يفهم الوصل إلاّ وصل الجسد :
               أتَتْ وحِجابُ الموت بيني وبينها         وجادتْ بوصلٍ حيث لا ينفع الوصلُ
فيستنتج المؤلِّف أنها هي التي كانت تتمتّع بذوقٍ صوفيٍّ لا الشاعر .
لهادي العلوي الكثير من الآراء والتحليلات التي تبدو للوهلة الأولى شطحاً ولكنها- كما نرى- الرؤيةُ الأصوَبُ والأعمق وكان هذا واحداً من أسباب خلافه مع العديد من مُجايليه مثقّفين وذوي تصوّرات وآيدولوجيات يعتبرونها فوق النقد , وأذكر هنا مقولةً أعجبتني لأدونيس في هذا المجال : كلُّ فكرٍ كبير إذا دخل عقلاً صغيراً يصغر , فماركس العربي هو ليس ماركس الحقيقي .
الكتاب هو بحث شائق في التصوف كما فهمه وعاشهُ متصوّفٌ آخر ذو رؤىً وطِباعٍ مغايرة منها كونه عاش نباتيّاً ومنها رغبته العجيبة التي لم تتحقّق وهي أنْ يُطلى جسدُهُ , بعد الموت , بالنبيذ ثمّ يُحرَق ويُذرُّ رمادُهُ في الفرات , وتجدر الإشارة الى أنّ العلوي عاشَ ردحاً من الزمن في الصين وتأثّر بفلسفتها القديمة مثلما تأثّر ببعض المتصوّفة الغربيين .
في الكتاب أيضاً والذي يقع في 260 صفحة من القطع الكبير , تَتَبُّعٌ لسِيَر المتصوفة والشخصيّات ذات النزوع الروحي المعروفة منها والمتفرقة أسماؤها في بطون كتب التأريخ إذ يقف المؤلِّف عند شذراتٍ من أشعارهم وأقوالهم متناولاً إيّاها بالتعليق والإستفاضة في الشرح كلّما عَنَّ له ذلك فهناك التصوف الفلسفي وأقطابه والنبوّة والولاية ووحدة الوجود وديالكتيك التاو وابن عربي ثم ابن عربي والمرأة , ابن سبعين , عبد الكريم الجيلي , الكيلاني , لاوتسه , تشوانغ تسه ويسوع الناصري ثم مزدك وأبو ذر وسلمان الفارسي , ابراهيم بن أدهم , الحلاج , النفّري وأبو العلاء وابن الفارض حتى زين العابدين ونساء متصوفات ثم غوته وتولستوي والسويدي يوهانسن وأخيراً شيءٌ عن ملحمة [ مم وزين ] للأديب الكردي أحمد خاني ومصطلحات الصوفية .
وبعيداً عن بعض الأحلام التي راودتْ العلوي في مجال الإصلاح الاجتماعي , كالمشاعية التي بدَّدتْها - كما نظنُّ – الأشكال الجديدة في العلاقات الدولية وما اليها فالكتاب هذا كشأن كتبه الأخرى نبراسُهُ التجديد والإختلاف وإعلاء قيَم الروح وذلك بلغة فيها الكثير من الشفافية والمَرَح .

كولونيا - تشرين أول – 2006

يُطلَب الكتاب مباشرة من المنتدى العراقي في كولونيا أو الكتابة على عنوان السيد هيثم الطعّان .
www.irakischerkulturverein.de