| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سامي العامري

alamiri60@yahoo.de

 

 

 

 

الأحد 19/8/ 2007

 




قراءة في كتاب

الكتاب : الآثار الكاملة
المؤلِّف :
محمد الماغوط
الناشر :
دار العودة . بيروت .

قراءة : سامي العامري

كتابنا يقع في 614 صفحة من القطع الصغير , غُفْلٌ من تاريخ النشر ورقم الطبعة لسببٍ ما لم أهتدِ اليه ولكن أستطيع أن أخمّن أنه صدر في تسعينيات القرن الماضي , يحتوي على ثلاث مجاميع من قصائد النثر الأولى المعروفة للماغوط { حزنٌ في ضوء القمر } {غرفة بملايين الجدران } { الفرح ليس مهنتي } ومسرحيتين { العصفور الأحدب } و{ المُهَرِّج }

أحسدُ المسمارَ
لأنَّ هناكَ خَشَباً يضمُّهُ ويحميهِ .

                                             الماغوط

{*} السهل الممتنع هو واحدٌ من أصدق التعابير التي تنطبق على كتابات هذا الشاعر , ليس كُلّها وإنما أغلبها وفي هذا بحدّ ذاته النجاح عينهُ , فالموهبة تحفةٌ نادرة حقّاً وتكثر ندرتُها إذا ارتبطتْ بالإخلاص
للعمل الذي يتصَدّى له الإنسان .
والماغوط الكاتب العبقري الساخر والشاعر النازف أبداً والذي كان واحداً من أهمِّ الذين أحدثوا إنقلاباً كبيراً في طبيعة الكتابة الشعرية العربية في هذا العصر من حيث البُنية والمفهوم , كشفتُ يوماً لأحدهم حوله , حول هذا الكاتب قائلاً : حين فهمتُ هذا الشاعر الفهمَ الأعمق قلتُ مع نفسي اذا كان الألم يوصل الإنسان الى هكذا سُموٍّ روحيٍّ وشاعريٍّ فحبذا ذلك الألم !
ولماذا لا ؟ وقد قال نيتشه من قبل : لا أعتقد أنَّ هذا الألم يقودنا نحو الأفضل ولكنهُ يزيدنا عمقاً .
إنّ بعضاً من المتتبِّعين لكتابات الماغوط قد أوهمتهم صرخاتها فحسبوها إجتماعيّة سياسيّة تعنى بالواقع العربي لا غير لكونها ضاجّةً بها ولكونها أوّل ما تطالعنا من خلال القراءة المتعجّلة فتخفى علينا آلامهُ كإنسانٍ , ولو أن همومه كانت إجتماعية سياسية فحسب لكان أقرب الى المحال بالنسبة له أن يجعلها تصدح شعراً ولكنه الفنان – الذات والمُتَضلِّع في فن تحبيب المأساة !
هل أنَّ المأساة هي الأب الروحي للفن العظيم ؟
نعم !
التجربة البشرية توكِّد هذا ولكنّها تؤكّد في ذات الوقت أيضاً أنَّ التمارين الصوفية الشاقة , والتجارب العاطفية العميقة والشذوذ وعالم المخدِّرات والخمر , كلُّها منابع أساسية في مجال إرباك الوعي , تعميقهِ , رميهِ في حضن المجهول , إرعابهِ , جعل إستجاباتهِ للأشياء والظواهرأرهفَ ومختلفةً كليَّاً ودون حدودٍ ما دام الكون دون حدود وهو يجد بهجةً او لذّة في كلِّ هذا وهذه اللذّة وإن كانتْ أغلب الأحيان تلوح خاطفة كالبرق في صميم الإنسان ولكنها مع ذلك عميقة ذاهلة , ومن هنا يجد الدافعُ العنيفُ للتعبير منطلقاتِهِ وأسسَهَ , وقد أخَذَتْ هذه المنطَلقاتُ عند الكثيرين حتى معانيَ دينية ولكن نحن اليوم بصدد الحديث عن عالم الإبداع فإذا كانَ صاحب التجربة التي تحدّثنا عنها سريعاً الآن- الرؤيا- يمتلك موهبةً أي مطبوعاً فبلا شكٍّ أنه سيحسن التعبير عن جزء من هذه التجربة ويسعى الى قطف بعض ثمراتها في حياته القصيرة الزائلة فهي- أي الرؤيا - إنْ لم يحصل من خلالها إدراكٌ غامضٌ لغاية الوجود كما عبَّر البعض فهي بالتأكيد واحدة من أهمِّ تجلِّياتها وهي بعيدة الغور لشدَّة إرتباطها باللاشعور .
نحن بلا ريبٍ كعرب وعراقيين لسنا بحاجة الى مزيدٍ من الخراب النفسيّ والحياتي فكُلُّنا أساتذة في هذا المضمار, ولكن الفارق هو في الإستجابة , هناك مَن يلهمهُ اللهُ البلادةَ فلا يتأثّر إلاّ لماماً وهناك مَن لا يقرب جفونَهُ النومُ الإّ بعد إطمئنانه بأنه عبّر عن همومه تلك او جسّدها بكيفية ما , أمّا الإبداع الفنيّ , الأدبي فلن يكون دون مَلَكةٍ مُضافاً اليها قوة الخيال لذا فمن العبث إرهاق الذات بأمر لا طائل تحته . قد تجد لدى البعض جواهر إبداعية هنا وهناك ولكنّها مخنوقةٌ بركامٍ من ثرثراتٍ ولغوٍ , لذا فهي تعاني الغربة والوحشة وتشكو اليُتم !
وسبب هذه الثرثرة حسب رأيي هو أنّ لحظة الكتابة عندهم لم تنضج تماماً وَوَهْمَ النشر السريع يتربّص بِطاقاتهم وما الى ذلك ورغم أنّ الأمثلة أكثر من أنْ تُحصى ولكني سأورد مثالاً حضرني الآن كنموذج بسيط : قرأتُ لأحدهم عنواناً جذّاباً لقصيدة طويلة هو{ الساعة الواحدة بعد منتصف الطريق } فحسبتُ أنّ القصيدة جذّابةٌ أيضاً كعنوانها فقرأتُها بحرصٍ ولكنّ أملي خاب إذْ وجدتُ النصَّ في مجمله لا ينطوي على شيءٍ مُلفِتٍ عدا العنوان , ولو كان كاتب ذلك النص يمتلك نوعاً من الحِذْق الفنيِّ لجعلَ العنوان آخرَ سطرٍ او شطرٍ في نصِّه لكي يمتصَّ من تَذمُّر القاريء في ختام القراءة على الأقلّ ولكني أستطيع أن أحزر أنّ بعضهم قد أثنى أمامهُ على اللعبة اللغوية في { بعد منتصف الطريق } فأغرى الثناءُ الكاتبَ فوضع هذه اللُّعبة عنواناً لتواضع خبرتهِ . وقد يكون كاتب النص السابق يَعِدُ بمقاطعَ او قصائدَ ذات شأنٍ مستقبلاٌ ولكن ما بالك بمن يُدَبِّج الحذلقات ويُنَظِّرُ لها ؟ فهذا واحدٌ يتعزّى بـ { سورياليتهِ } نفرٌ من الواهمين يهدي على سبيل المثال واحدةً من روائعه الى صديقه الشاعر الإسرائيلي أمير اور: { مُسَيَّجٌ بملتويات الحواس , الضباب والظلال المائلة عند مدرج الألفاظ . غُرَفٌ متلاصقة واحدةً بالأخرى . تسير الأفكارُ وحائطهُ , تتجاسد وإيّاه بسخامها الحلمي في صالة الإعجاز } اقول : كلُّ شيءٍ جائزٌ طالما أنه { ليس الرأس ولا اليد ولا الذراع ولا حتى ذاك التراث وإنما خصلة تأريخ في مهب الأوراق يسرّحها مشط الإختلاف } !! ثُمّ لاحِظْ ما الذي يرمي الى قوله في عبارة ( صديقي الشاعر الإسرائيليّ ) والأمرُ الباعث على التسلية كذلك هو أنه ينبري لـ { نقد} السورياليين العالميين المعاصرين على طريقة :
أُعَلِّمهُ القوافي كُلَّ يومٍ ... او : أُعلِّمهُ الرمايةَ كلَّ يومٍ ...
وياليتَهُ تَعلَّم ! وَقِسْ على ذلك .
أذكرُ هنا بإعتزازٍ رسالةً وصلتني من الشاعر والكاتب فوزي كريم قبل نحو ثلاثة عشر عاماً جواباً على رسالةٍ بعثتها له مُشْيداً فيها ببراعة تشبيهه الشاعرَ ميووش بالبريكان , يقول في جوابه عن بعض مظاهر الوسط الثقافيّ الذي يطلق عليه هو السياق السائد : إنه أحتفالٌ مفتعَل يرطن داخله أدباء بلغةٍ كاذبة , إنهم ( أدباء ) يعرفون شيئاً عن أسرار الصنعة ولكنّهم دون حواسٍّ مرتبكة , دون لوعاتٍ حارة , دون نزيف , أصحّاء الأجسام والنفوس , لم تُثْقِل أرواحَهم أمراضُ الحيرات والتساؤلات .
كلام الشاعر هنا يُغني عن أشياء كثيرة في حين لا يُغني عن شيءٍ طرحُ ما يسميه البعض إشكالية النصّ – المُتَلقّي , والذي يعني فيما يعني رَدَّ اللّوم على القاريء في الغالب , فانا أعتقد أنَّ الأديب إذا كان ذا موهبةٍ ويحترم لغتَهُ فلديه دائماً قُرّاء محترمون .
كان هذا عن البعض مِمَّن أشرتُ الى تهاونهم والى قصائدهم التي تنتمي الى فصيلة الرَخَويّات !
بينما الشاعر والكاتب الذي أنوي الحديث عن بعض كتاباته اليوم ( وفضيحةٌ أن أقارنَ هنا ) تقول عنه مثلاً رفيقةُ دربهِ الشاعرة الراحلة سنيّه صالح التي كتبتْ مقدِّمةً قصيرة للكتاب هذا ما يلي : عندما قَدّمه ادونيس في أحد إجتماعات مجلة (( شعر )) المكتظة بالوافدين وقرأ بعض نتاجه الجديد الغريب بصوتٍ رخيمٍ دون أنْ يُعلن عن اسمه , تركَ المستمعين يتخبّطون (( بودلير ؟ .. رامبو ؟ ... )) لكنّ ادونيس لم يلبث أن أشار الى شابٍّ مجهولٍ غير أنيق , أشعث الشعر وقال : هو الشاعر ....
من الشعراء الذين أحببتُ الكثير من كتاباتهم الشاعر الراحل جان دمّو
وحديثاً جدَّاً عدّة شعراء مُهمّين أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر محمد حيدر الذي يقول :
أيتها العجوز التي كانتْ أمّي
يوماً ما سأكوّمُ خرابي في حضنكِ
وأنا أبكي بلا ذاكرة .
كان هذا مقطعاً من قصيدة مُركَّزة بديعة .
انك تكتشف الشاعر الحقيقي من السطور الأولى .
أستعيد هنا نصّاً معروفاً للماغوط ولا بأس أنْ نَتأمَّلَ مرّةً أخرى الإبتكار والمعاناة الصادقة وروعة الحبكة الشعرية او تجانس السطور:
في فمي فمٌ آخر
وبين أسناني أسنانٌ أخرى
يا أهلي .. يا شعبي
يا من أطلقتموني كالرصاصة خارج العالم
الجوع ينبض في أحشائي كالجنين
انني أقرض خدودي من الداخل
ما أكتبه في الصباح
أشمئزُّ منه في المساء
مَن أصافحهُ في التاسعه
أشتهي قتله في العاشره
أصابعي ضجرةٌ من بعضها
وحاجباي خصمان متقابلان
لقد نسيتُ شكلَ الملعقة
وطعمَ الملح .......

وبما أنّ هناك مَن يحسب أنّ إكتمال القصيدة لا يتمُّ إلا بالتراكم فأراني أُلحُّ على أنّ الإطناب كثيراً ما يكون على حساب الصورة الشعرية الجميلة لذلك تَقَصَّدتُ بإنْ أفتتحَ قراءتي هنا بجملة شعرية أو صورة شعرية واحدة للماغوط لأنها حسب تقديري قصيدةٌ لوحدها .
عندما كنّا في ايران كلاجئين هاربين من حروب النظام السابق العبثية عام 1984 تعرّفتُ الى شاعر ومسرحيٍّ حسن الثقافة , فَذّ الشخصية هو نصيف فلك ومن خلاله تعرّفتُ الى العديد من الأدباء والشعراء ومُحبي الشعر,
وكانت تجربتي آنذاك غير مستوية بحُكم السنّ وحياة العسكرية وكنّا جميعنا نتألّم بصدق وقد وجدتُ أغلبهم حين يأتي الكلام عن الشعر الحديث سرعانَ ما يشير الى قصائد الماغوط ومقالاتهِ بل وأيضاً الى أقواله التي يدلي بها الى هذه المجلة او تلك الصحيفة وكنتُ أصغي الى ما يقولونه بشغفٍ وقلقٍ فخمّنتُ أنك بقدر ما ترفع من نبرة صراخك في القصيدة فأنك الشاعر – الفَلْتة – وبقيتُ سنواتٍ على هذا التصوّر بسبب السفر وإنعدام الإختلاط بالشعراء الحقيقيين وندرة الكتب والدواوين .
ولكن لاحقاً بدأتْ بعضُ معاولِ النقد لكتاباتي الأولى تترى ,
وكنتُ أرفض هذا النقد وانسبُهُ الى الحسد !
على أني انتبهتُ فيما بعد الى أنّ الشعر شيءٌ آخر غير الصراخ المَحْض وأنّ ما يبدو مباشرةً في كتابات الماغوط هو ليس مباشرة ولكنْ هناك سِرٌّ . وكان هذا درساً مهمَّاً في حياتي .
وانا تكلّمتُ هنا بعضَ الشيء عن محطة في حياتي لأبيّنَ ما فعله هذا الكاتب المدهش في فترة شبابي الأوّل ومدى تأثيره عليّ وعلى جيلٍ من الشعراء والمثقفين وقد كافحتُ كثيراً حتى تخلّصتُ من تأثيره عليَّ بتغليب قصيدة الوزن أوَّلاً وتطويعها , رغم أنّ شكل النصّ وزناً او نثراً يهبط عليك عفويّاً ويرتسم تَبَعاً للحالة النفسية .
عند الحديث عن قصائد الماغوط غالباً ما أفضّل أن أدرجها كما هي فكلّ تعقيب مني أخشى أنْ يُبسّط او يُسيء :
الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين
حيث لا شيء يفصل جثث الموتى عن أحذية الماره
سوى الإسفلت
سأتكيء في عرض الشارع كشيوخ البدو
ولن انهض
حتى تُجمع كل قضبان السجون
وإضبارات المشبوهين في العالم
وتوضع أمامي
لألوكها كالجَمَل على قارعة الطريق ,
حتى تفرَّ كلُّ هراوات الشرطة والمتظاهرين
من قبضات أصحابها
وتعود أغصاناً مزهرة (( مرة أخرى )) في غاباتها .
أضحك في الظلام
أبكي في الظلام
أكتب في الظلام
حتى لم أعد أميّزَ بين قلمي وأصابعي .
كلّما قُرِعَ بابٌ او تحرّكتْ ستارة
سترتُ أوراقي بيدي
كبَغيٍّ ساعةَ المداهمه
مَن أورثني هذا الهلع ؟
هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ ؟
ما أن أرى ورقةً رسمية على عتبه
او قبّعة من فرجة بابٍ
حتى تصطكَّ عظامي ودموعي ببعضها
ويفرّ دمي مذعوراً في كلّ اتجاه
كأنّ مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات
تطارده من شريان الى شريان
آه يا حبيبتي
عبثاً أستردّ شجاعتي وبأسي
فالمأساة ليست هنا
في السوط او المكتب او صفارات الإنذار
انها هناك ... في المهد , في الرّحِم
فانا قطعاً ما كنتُ مربوطاً الى رحِمي بحَبْل سُرَّةٍ
بل بحبل مشنقه .

ويُذكر أن مجموعة ( الفرح ليس مهنتي ) كانت قد مُنِعتْ في العراق إبّان حكم صدام ليس بسبب إشارتها لحرب النظام العبثية مع إيران بالقول ( قادسية العجين ) ! فقط وإنما لأنّ إسم الماغوط وحده كان كافياً لتصديع عروشٍ وكَراسٍ حقّاً .
حول شعر الشاعر وقبل أن نشير قليلاً الى مسرحه نقول : إنهُ هو الذي تركَ قولَهُ يجري مَجرى المَثَل أو سارتْ به الرُكبان بتعبير القُدامى وذلك في مرثيَّته للسياب :
قبرك البطيء كالسلحفاة لن يبلغ الجنة أبداً ,
الجنة للعدّائين وراكبي الدُرّاجات .
أمّا المسرح العربي الهادف فهو بلغة الماغوط تصويرالمأساة العربية وضياع الإنسان العربي بأروع ما تكون عليه السخرية .
إنّ الماغوط وقد التقى بالفنان القدير غزير الثقافة المسرحية دريد لحّام وزملائه أعطى للمسرح ذائقته الخاصّة وأكّدَ على حيويته وقيمته الجمالية وأكسبه جماهيرية فلم يعد وقفاً على النخبة ولكن العربي البسيط عندما يتحدث عن ( كأسك يا وطن ) مثلاً يذكر الممثل دريد لحام وزملائه بموَدَّة وفخرٍ غير عارفٍ بِدَور الفنّان الآخر الذي يقف وراء هذا العمل البارع والمتكامل من حيث التأليف والحوار والإداء والإخراج وغيرها . لستُ متخصّصاً بالمسرح ولكنْ في الكتاب هذا مسرحيتان معروفتان أيضاً , لغتهما جد بسيطة تقترب من العامية إلاّ أنَّ افكارهما شديدة الشعرية وجديدة التناول ومناخاتهما كما هي عادةً مع الماغوط إمّا قفصٌ بشريٌّ مجهول في صحراء مجهولة , سماء شاحبة , غيوم رمادية , السجون او التعذيب او الفقر وشخصياتهما إما الشحاذ او المتَّهَم او صانع الأحذية او قزم او رجل كهل او حاكم تافه او مثقف تعس الحظ , الأولى هي { العصفور الأحدب } وهي من أربعة فصول
حيث نرى فيها ضمناً غربة الشاعر الحالم وجهل الناس والحكّام بروحه وتمزقه بين حريةٍ يريدها لنفسه ولوطنه وبين عدم إدراك الآخر لقيمة هذه الحرية لأنه لم يسبق له أن تمتّع بها , ولا ننسى لغة الحوار وذلك باللجوء في كثير من الأحيان الى المباغتة عِبْر جمع المتناقضات والتصحيف والنحت اللغويين بسخرية ( خبيثة ) وقلب المفاهيم والدلالات المتعارف عليها للأمثال والأقوال الخ .... رغم أنه يسفُّ بهذا في أحيانٍ قليلة فيتحوّل الى مَجّانية نوعاً ما خصوصاً في إسرافه باستخدام كاف التشبيه وهناك اللقطات الجميلة فيما بعد حيث تأخذ الدراما بعداً آخر بأن يصبح الكهل الغريب الذي كان معتقلاً , أميراً شابّاً وحاكماً مطلقاً ومصاباً بالشذوذ الجنسي وزميله في القفص قدّيساً وهكذا ... المسرحية هذه مترابطة الأجزاء بشكلٍ لا يسمح بالإقتباس .
أمّا العمل المسرحي الثاني { المُهَرِّج } فالأمر نفسه مع تأطير المواقف بمسحة تأريخية كوميدية تبدأ من صقر قريش وصديقيه عبيد الله وابو خالد وقد دخل عليه المهرّج وهو واحد من أحفاده ( الحاكم العربي اليوم ) فيُشْرَع بمحاكمته حيث المفاجأة في المواقف التي يرسمها او يضعها الكاتب لشخصياته الناجحة , منها الشرطيّ ومنها مدير الحدود البيروقراطي الأحمق , ورسول شارلمان والمطربة الخ ..... والعمل المسرحي هذا من ثلاثة فصول ذكّرني في فصلٍ منه بكتابٍ آخر للماغوط شديدِ الفكاهة في تناولهِ لمأساوية الحياة العربية يحمل عنوان { ديكٌ ومائة مليون دجاجة } اقتنيتُه قبل أكثر من عشر سنوات ولا أدري أين تبخّر .
في هذا الكتاب { ديكٌ و ...... } والذي هو عبارة عن مجموعة مقالات يقول المؤلِّف في واحدة من مقالاته هذه والتي تنحو منحىً قصصيّاً : آهٍ سيدي الشرطي , انا الكاتب العربي لو كانت لي حقوق كلب فرنسيٍّ او جروٍ إيطاليٍّ لصنعتُ المعجزات بقلمي البائس ودفتري المهتريء هذا ( كذا) .
وطبعاً للكاتب بالإضافة الى مؤَلَّفه هذا ( الآثار الكاملة ) هناك مجموعة شعرية أخرى هي ( البدوي الأحمر) وكتاب ( سأخون وطني ) وعدد من الأعمال المسرحية والسينمائية كفلم (الحدود ) والمسلسلات التفزيونية الأخرى كـ ( حكايا الليل) وكذلك المقالات والحوارات ويذكر الكاتبان السيّدان علي حسن الفوّاز ونعيم عبد مهلهل بأنّ للماغوط عملاً روائيّاً أيضاً سمّياه ( الأرجوحة ) صدر عام 1974 وبأنه صدرت عن دار المدى ايضاً الأعمالُ الكاملة للكاتب مُتضمِّنةً تلك الرواية وكان جميلاً أنْ أعدتُ قراءة ما كتبه الفوّاز ومهلهل حول الماغوط في مقاليهما الحَسَنَين الذَين نشرهما موقعُ - عراق الكلمة - في ربيع هذا العام , الأول يحمل عنوان : ( محمد الماغوط .... شاعر الرثاء الكوني ) والثاني : ( محمد الماغوط : الرحيل بعربة الدهشة والورد وشعر التشكّي الجميل ) .

كولونيا