| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. سيّار الجميل
www.sayyaraljamil.com

 

 

 

الثلاثاء 5/10/ 2010

 

التاريخ المرئي لعهد الملك فيصل الثاني
1953- 1958

(4)
بعثرة عراقية لتاريخ سياسي

أ.د. سيّار الجميل
 
نوري السعيد والوزراء
هل كان وزراء وشخصيات ذلك العهد لم يعرفوا أسلوب المحادثة ولا المجالسة ولا الاتيكيت ؟ وسعيد قزاز وزير الداخلية الشهير لم يدرس في بريطانيا ، بل تدرج في المسلك الإداري من مدير ناحية إلى قائمقام إلى متصرف ثم اختير وزيرا للداخلية ، وكان عصبي المزاج وقوي الشخصية وعنيدا ، ولكنه متواضع جدا .. كان إداريا حازما ولم يكن سياسيا في يوم من الايام ، وقد كرهه الشيوعيون العراقيون بسبب مواقفه ازاءهم رفقة طاقمه الذي وقف على رأسه بهجت العطية وعبد الجبار فهمي وثلاثتهم اعدموا شنقا حتى الموت في سجن بغداد المركزي بعد محاكمتهم من قبل العقيد فاضل عباس المهداوي بعد قيام الجمهورية ، وقد وصفت لي الاستاذة زكية حقي اسلوب بهجت العطية انه كان ساديا في تعامله مع المعتقلين .. ولقد ظهر في المسلسل امام عبد الاله ينبهه الى قيام حركة مسلحة ضد نظام الحكم ، فصعق عبد الاله ورمى الاوراق بوجه بهجت العطية ، ولم يكن لمثل هذا التصرّف أي اساس من الصحة !

ومرة اخرى يخدعنا المسلسل بصراع شديد بين عبد الاله ونوري باشا ، وقد بدا الخلاف البسيط اكبر من حجمه بمسافات كبيرة .. كما أن المسلسل صوّر العلاقة بين نوري السعيد وصالح جبر ، وكأنها صراع شديد ، والأمر ليس كذلك . المعلوم ان الاثنين ليس في ميزان واحد كي يتقابلان من دون ان يسّلم احدهما على الآخر ! لم تحدث أي مشادة بين عبد الاله ونوري كما صورها المسلسل ( الحلقة 16 ) . ثمة نقطة أخرى تظهر في المسلسل عن نوري السعيد وعلاقته بخليل كنه ، وكأن نوري لا يعرف احد من ساسة العراق ، ولا يجتمع بأحد الا خليل كنه ؟ بل ويزيد المسلسل في ذلك بحيث يجعل نوري ينادي خليل كنه بـ " خلاوي " لعدة مرات ! وكأنهما جالسين في علاوي الحلة ! وأريد أن اذكر بأن خليل كنّه لم يكن قليل الاتكيت حتى يذكر عبد الاله باسمه من دون لقب وبحضوره ! أو أن خليل كنه يقول للملك : " جلالة الملك ، عذروني من أي وساطة وّيا الباشا " ! وتمادى المسلسل كثيرا في تشويه العلاقة بين نوري والأمير الى درجة استقبال نوري لعبد الاله بقلة أدب وحماقة وصلف في باريس ! ان نوري السعيد لا يمكن ان يزيّف تاريخه أو أن تمسخ شخصيته بهذه الطريقة من اجل التلميع . انه بالرغم من كل ما وصف به ، فهو رجل بغدادي يعرف مع من يتكلم ، ولم يكن يبال بنقد الآخرين له ، ولا بالمظاهرات ضده ، ولا بالنكات او السخرية عليه ، كونه يثق بنفسه وقدراته كثيرا ، انه لم يتكلم ابدا بمثل هذا التجريح مع عبد الاله .. لم يكن عنجهيا ، ولم يعيد ويكرر أفضاله على المملكة !

ولا ادري لماذا تكلم كاتب النص من عندياته مختلقا أشياء لا وجود لها ، وليس لها أي مجال من الصحة . نوري السعيد ليس كما ظهر في المسلسل مكابرا ومتوترا دائما ، والحقيقة انه كان صاحب نكته ومزحة ! ولم يكن احمد مختار بابان شابا ، بل رجل كبير السن .. كما ان صالح جبر لم يخاطب نوري السعيد بلا كياسة أو باسمه الصريح ، فلقد تدرج صالح جبر وظيفيا عندما كان نوري زعيما سياسيا .. هل أن كاتب النص متأكد أن فكرة مجلس الاعمار تعود للجمالي كما أورد ذلك على لسان الجمالي وهو يخاطب الملك ؟ وهل فكرة استصلاح الأراضي الأميرية للجمالي ايضا ؟ (كما جاء في الحلقة 14 ) ومن الفلتات الأخرى التي وردت في المسلسل قول الجمالي للملك : " أي قرار ما يصير قانون في مجلس الوزراء اذا مو جلالتكم توقعّون عليه " ( الحلقة 17) . إنني أسالكم بالله : هل هذا كلام عقلاء ؟ هل كان فيصل الثاني يتحكم في مجلس الوزراء ؟ هل كان يوقع على قرارات أم على إرادة ملكية ؟ هل القوانين يصدرها فيصل الثاني ام مجلس الوزراء ؟ ام يشرّعها مجلس الاعيان بعد أن يسنّها من مجلس النواب ، لتتم المصادقة والتوقيع عليها من الملك وتنشر في الجريدة الرسمية ؟ أسئلة أوجهها لكاتب النص . من طرف آخر ، ليس من الصواب كما جاء على لسان الملك قوله للدكتور الجمالي في المسلسل : " قبل أن انتخبناكم رئيسا للوزراء " ! ونقول : الملك لا ينتخب الأشخاص ، بل الأصح أن يقول المؤلف على لسان الملك : " قبل ان كلفناكم او قبل تكليفنا لكم .. " ! لقد وجدت المرحوم الجمالي الذي التقيته عدة مرات في عقد الثمانينيات المنصرم في بيته بمنطقة المنزه بتونس رفقة زوجته مسز ساره باول جمالي ـ رحمهما الله ـ ، وحدثني طويلا عن أوضاع الخمسينيات ، ومدح كثيرا بنوري وقوة علاقته به . اما شخصية تحسين قدري ، فقد بدت في المسلسل اقل من عمرها الذي كان في الخمسينيات ، وله قدر كبير من الهيبة كونه احد مرافقي الملك فيصل الأول العرب الأوائل الذين قدموا معه ، وكان يستشيره القصر في مسائل عدة .

الجادرجي ورموز الحركة الوطنية
ليس من الصواب ان يقول المؤلف على لسان الزعيم السياسي كامل الجادرجي وهو يصف عبد الاله : " الدول البورجوازية تسانده .. " . ان البورجوازية طبقة وليس دولة يا عزيزي كاتب النص ! وليس من الصواب ان تقول على لسان الجادرجي ايضا : " انا لا املك سيارة .. انا استخدم مصلحة نقل الركاب " . وهل قال الجادرجي كما ورد في المسلسل : " نوري والجمالي كالحية والبطنج .. شلون راح يتوالمون " ؟ من اين اتيت بهذه الاقوال ؟ وبعد ذلك كله ، منح المسلسل دور الريادة الوطنية لكامل الجادرجي مستصغرا زعماء سياسيين ، آخرين مثل حسين جميل ومحمد صديق شنشل من دون ان يبرز لنا دور محمد مهدي كبة او محمد حديد او اسماعيل الغانم وغيرهم من زعماء الحركة الوطنية المحسوبين على البرجوازية الوطنية .. نعم ، كان الجادرجي عدوا لدودا لنوري السعيد ، ولا ادري لماذا لم يتطرق المسلسل الى مذكرته التي تضمنت 15 شرطا للاصلاح السياسي ؟ لماذا لم يشر المسلسل الى انه حكما صدر عليه بالسجن ثلاث سنوات وقد نفذها ؟

ويبقى وجه الجادرجي هو الوحيد الذي يطّل علينا ، وقد قال في احد اجتماعاته بأن " العراق مو مال ابو أحد " ! ان اقتصاره على رمز او اثنين لا يكفي ابدا ، اذ غيّب رموز من الشيوعيين العراقيين الذين كانت لهم نشاطاتهم المهمة في الخمسينيات ، ناهيكم عن البعثيين الاوائل . واريد التأكيد هنا بأن محمد صديق شنشل لم يكن ضعيفا ولا مهزوزا امام الجادرجي ، كما صوره لنا المسلسل ! ولا ادري من اين اتى الكاتب الفاضل وهو يكتب على لسان الجاردجي قوله : " استنكارنا المعاهدة بيننا وبين اميركا " ! أي معاهدة هذه بين العراق واميركا في الزمن الذي يتحدث فيه الجادرجي ؟ لقد دخلت اميركا الى حلف بغداد متأخرة جدا ، بالرغم من انها المهندس الاول له منذ العام 1951 . واريد ان اصحح ما ورد في المسلسل ذلك ان معاهدة بورتسموث اعقبتها ما سمي بالوثبة عام 1948 وليس انتفاضة ـ كما ورد على لسان صالح جبر . وكنت اتمنى ان يقوم الاخ المخرج على تدريب بعض الإخوة الممثلين على الأداء اللفظي لبعض التسميات ، وان يشّدوا السنتهم وهم ينطقون بعض الأسماء والكلمات والألقاب .. اذ لا يكن من العقل ان تصبح بورتسموث بـ بورتزموث ! لقد وصل الأمر بالاخ كاتب النص ان يجعل الجادرجي يصيح برؤساء الاحزاب قائلا : " ولكم شلون حجي هذا .. " ّ! وهذا ما نفته السيدة اميمة شنشل نفيا قاطعا ، اذ كان الاحترام يسود بين كل أولئك الرجال بالرغم من اختلافات اتجاهاتهم السياسية العميقة . كتب لي الصديق الاستاذ يقظان كامل الجادرجي الرسالة التالية :

عزيزي الدكتور سيار

تحية واحتراما

لم اتابع المسلسل المقصود (الملك فيصل الثاني) إلا بعض الحلقات منه, أربع أو خمس, وكانت آخر الحلقات تقريبا وذلك لانشغالي بأمور أخرى. بالإضافة الى الأخطاء التاريخية والسياسية ومشاهد غير معروفة وغير حقيقية, فان المسلسل رأيته ضعيف جدا بل الذي كتب المسلسل لم يعطي الحقبة التاريخية تلك أهميتها وثقلها فضلا عن التحيز الواضح لصالح جهة على جهة أخرى. بالإضافة الى ذلك فمن الخمس الحلقات التي شاهدتها فاستطيع ان اقول 40% أو اكثر كان محورها "أبو حيدر (سلمان)" ممول مطبخ القصر؟؟ عندما نتكلم عن الفترة ما بين 52 الى 58 فهل كانت شخصية سلمان مهمة الى هذا الحد؟ .. وحسب علمي المشهد الذي يتدخل فيه الملك فيصل الثاني بين الوصي والوالد عاري من الصحة . وقد أكد ذلك لي الاخ نصير.
أما من الناحية الفنية فرديء جدا ورجال تلك الحقبة, إن كانوا الموالين أو المعارضين للحكم, لا يستحقون ذلك. إن اهتمامكم للرد على هذا المسلسل أراه ضروري لإظهار الحقائق خاصة للذين شاهدوا المسلسل من جيل ما بعد ال58 الذين حُرمت عليهم القراءة والمشاهدة..

مع تحياتي

الطبقة العراقية المسحوقة
ثمة اشارة واحدة على مدى ثلاثين حلقة من مسلسل آخر الملوك الى الصرايف اطراف بغداد والحياة التعيسة فيها ! اما الحركة التقدمية والشيوعيين ، فقد اختزلهم المؤلف بكل من الشاعر حسين مردان والروائي غائب طعمه فرمان .. واين مكانهما ؟ وما تصرفاتهما ؟ ليس لهما مكان الا الميخانة ، كي يشربوا خمرتهما فيها ! حزب شيوعي عراقي قديم ربما اختلفنا معه ، ولكن وجوده حقيقة ، ونضاله تاريخ ، ومعارضته قديمة .. ان يختزل كل هذا وذاك ضد العرش وضد النظام ليبرز ممثلا بشخصين اثنين لا يمثلان صورتهما الحقيقية ابدا ، فلا حسين مردان كان بهذه الصورة ، ولا غائب كان بتلك الشمرة ! وهل اختزلت النخبة المثقفة من الجيل الجديد بمثل هذين النموذجين الاثنين ؟ لقد وصلت دار المعلمين العالية الى اقصى شهرتها ببروز عمالقة في رواقاتها ابان الخمسينيات . اين هم ؟ لست شيوعيا ولا قوميا .. ولكن الحياة السياسية في عهد فيصل الثاني شغلتها الصراعات الايديولوجية والفكرية والسياسية بين الجيل الجديد وبين الجيل القديم .. بين النخبة البورجوازية الناشئة ، وبين الارستقراطية العراقية القديمة .. بين من كان يصفق للشرق والمعسكر الاشتراكي والشيوعي وبين من كان ضالع مع الغرب وهو لا ينفك عن البريطانيين والاميركان .. ان مشاهد عدة اظهرت نماذج مسحوقة من العراقيين مثل شلتاغ وعمشه في سكنهما الوضيع ومأكلهما وعلاقتهما .. تظهر كل التصنّع ، بل ووصل الامر الى استخدام ما ليس عراقيا ، اذ يبدو ان الاخ كاتب النص قد تأثر بالمجتمع السوري عندما يقول على لسان عمشه : " طبخة محروك اصبعه .. اشوكت يحتركون ونخلّص " ( الحلقة 17) . هذا توظيف في غير مكانه ، فالعراقيون لا يعرفون اكلة حراق اصبعو .. وليس هذا بحقيقي على الاطلاق !

كلية بغداد والفاذرية
يجب ان يعلم الكاتب الكريم ان كلية بغداد في العاصمة بغداد هي التي اسسها الاباء اليسوعيون الذين دعاهم اهل بغداد بالفاذرية . وان مدرسة كلية بغداد كانت للبنين فقط ، ولم يكن مسموحا للبنات الدراسة فيها . عندما جعلت ابنة جنان زوجة المسواقجي طالبة في كلية بغداد ! هل تحريت قليلا كي لا تقع بهذا الخطأ ؟ وما علاقة طباخ القصر التركي يلماز بكلية بغداد ، حيث جعل المؤلف مسواقجي القصر يتوّسط لدى يلماز كي يتدخل في كلية بغداد من اجل ابنة زوجته ؟ ما هذه الحكايات التافهة ؟ ان كلية بغداد (Baghdad College، تختصر إلى BC) وكانت منذ تأسست في منطقة الاعظمية ببغداد عام 1931 على ايدي الآباء اليسوعيين الاميركيين ، وقد غدت كلية بغداد مدرسة ثانوية متميزة للبنين ( وليس للبنات ) ، فغدت من اهم مدارس العراق لقوة نظامها التعليمي والتربوي ، وقد تخرج فيها العديد من المثقفين والمهنيين والمبدعين المعروفين الذين يتوزعون اليوم في شتات العالم . وقد خرج منها الاباء الفاذرية بايعاز من السلطات على العهد السابق لتبقى مدرسة عراقية يديرها عراقيون .

الاغاني والاسطوانات والراديو
بالنسبة لأغنية يا ظالمني لأم كلثوم والتي كانت تسمعها الأميرة عابدية بحكم صداقتها بأم كلثوم ، فقد كانت قد غنتها ام كلثوم نهاية عام 1954 ، فكيف جعلها كاتب النص في العام 1953 ؟ ولم يكتف كاتب النص بذلك ، بل راح يجعل الأميرة عابدية وصديقتها مديحة الداغستاني تسمعان أغنية " لسه فاكر " لأم كلثوم في العام 1954 او العام 1955 ، علما بأن هذه الاغنية التي كتبها الشاعر عبد الفتاح مصطفى وقام بتلحينها الموسيقار رياض السنباطي ، قد غنتها ام كلثوم لأول مرة في حفل على مسرح حديقة الازبكية بالقاهرة يوم 7 ابريل / نيسان 1960 ، فكيف كانت الاميرة عابدية تسمعها في الخمسينيات ؟ وأسأل ايضا : اذا كانت اغنية " أروح لمين " لأم كلثوم ، وهي من كلمات الشاعر عبد المنعم السباعي والحان رياض السنباطي قد غنتها في نهاية العام 1958 ، فكيف كانت الاميرة عابدية تسمعها في العام 1954 ؟ كذلك لاحظت ان الاسطوانة الوحيدة التي كانت تعزف في كل الميخانات والمطاعم على طول المسلسل هي اغنية زهور حسين ( لولا الغرام ) ، وكأن ليس في الخمسينيات ببغداد الا مطربة واحدة اسمها زهور حسين ؟ ان وضع كرامفون قديم جدا في القصر الملكي لسماع الاسطوانات مثير للنقد ايضا ، فهذا الجهاز كان قد انتهى زمنه في الخمسينيات ، اذ حلّ بدله الاكرام ( الكاف تلفظ G) رفقة الراديو كبير الحجم ، فما هذا الخطأ الفني ايضا ؟ ومن متناقضات المسلسل انه يجمع الكرامفون القديم الذي كان قد انتهى زمنه ، وقد اظهره المسلسل لعدة مرات وآخرها في زفاف عبد الاله .. مع الراديو الترانستور الصغير الذي لم يخترع بعد ، فالترانسستور الذي اظهره المسلسل بيد المساعد المصري وقد وضعه على اذنه ليسمع قرار عبد الناصر في تأميم قناة السويس عام 1956 لم يكن له أي وجود .. ففي نهاية الخمسينيات اخترع الراديو الماسكت الكبير ذي البطارية الكبيرة ، وفي الستينيات اخترع الراديو الصغير الترانسستور !

فيضان بغداد
استطاع كاتب المسلسل ان يوّظف حدث فيضان بغداد عام 1954 من خلال ما فعله مسواقجي القصر لاغراض وطنية ، وكل ما قام به من اجل ان تنقسم بغداد بين كرخ ورصافة .. كذلك وظف حادثة الفيضان في القصر الملكي بخروج عبد الاله الى حدائقه تحت المطر الشديد وهو يخاطب السماء ان لا يكون هذا الحدث الجلل ( = الفيضان ) عقوبة لما كان قد اقترفه من ذنب ، وهو يتضرع الى الله ان يحمي فيصل .. وبالرغم من الاداء الممتاز للإخوة الممثلين العراقيين ، الا ان الفيضان لم ترافقه اية عواصف مطرية او رياح او رعود .. ففيضان دجلة في الربيع قد عرفه العراقيون منذ الازل ، وهو بتأثير ذوبان الثلوج سريعا ، وجريان دجلة السريع جدا .

الضباط الاحرار
19/ واخيرا اقول بأن ليس هناك منصب رئيس استخبارات الجيش في العراق .. ولم يكن هناك رتبة نقيب ( كما جاء في المسلسل عن النقيب ثابت يونس ) بل كان هناك رتبة عسكرية هي الرئيس .. وان صباح يوم 14 تموز لم تذاع المارشات العسكرية عبر الراديو ، بل بدأت الاذاعة بخطاب رقم (1) صادر عن القائد العام للقوات المسلحة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ، بصوت العقيد الركن عبد السلام عارف وقد تخلل ذلك نشيد الله اكبر ونشيد يا ويل عدو الله من ثورة الاحرار ولعدة ساعات مع توالي البيانات ، ودعوة عبد السلام الصارخة لجميع العراقيين الزحف على قصر الرحاب لاستئصال الخونة .. بعد ان قتل الملك وولي عهده وكل اعضاء العائلة المالكة ، فكان ان حدث ما حدث . ان قرارا قد اتخذ من قبل الثوار وعلى رأسهم الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف ومن رافقهما بقتل الملك وخاله عبد الاله وكل اعضاء العائلة المالكة رفقة نوري السعيد .. وان دفع التهمة الى عبد الستار العبوسي الذي نفّذ الامر مع سريته لا اساس له من الصحة ، اذ ان كلا من الزعيمين قاسم وعارف وقد حكا العراق لاحقا ، لم يصدر عنهما أي براءة بصدد الدماء الملكية التي سفحت فجر يوم 14 تموز 1958 في حديقة قصر الرحاب ، كما يشير الى ذلك العديد من الضباط والمسؤولين اللاحقين .

وأخيرا : ماذا اقول ؟
لقد ذهب الملك فيصل الثاني الذي حكم العراق خمس سنوات ، ضحية بسبب صراع خاله الامير ونوري السعيد واخطائهما .. بل ذهب ضحية اسباب لا حدود لها ، فهو ضحية للصراع الدولي والاييولوجي الذي تفاقم امره في الخمسينيات بين الشرق والغرب ، وهو ضحية الحرب العربية الباردة بين معسكر عبد الناصر والقومية العربية ومعسكر نوري السعيد والرجعية العربية ، كما اسموها ، وضحية الصراع الطبقي في العراقي بين الارستقراطية العراقية من الاعيان والاقطاع من طرف وبين البورجوازية الوطنية والطبقة المسحوقة من طرف آخر .. كنت اتمنى ان يكون المسلسل عنه اقوى بكثير مما اظهرته الشرقية هذا العام ، ولكن خاب أملنا فيها ايضا .
دعوني اقول ، سواء تقبلت قناة الشرقية رؤيتي النقدية لما قدمته من معلومات وتصويبات في دراسة تتألف من اربعة حلقات عن مسلسل تلفزيوني اسمه " آخر الملوك " .. ام انها ترفض ولا تقبل ذلك ، فان ذلك يؤشّر مدى دورها من اجل المصلحة العامة وتبرئة تاريخنا مما يرتكب ضده من اخطاء ! وسواء تقبل الاخ الكاتب ما رصدته على نصه من هنات وتصويبات أم لم يقبل مني ذلك ، فهو كاتب مسرحي عراقي اقدره وأثمّن امكاناته .. ولكن ما يهمنا جميعا هو مصلحة الحقيقة والتاريخ والناس والاجيال من بعدنا .. ناهيكم عن مخرج العمل الفنان القدير حسن حسني الذي له باعه في الاخراج المسرحي والتلفزيوني ، فضلا عن كل الفنانين العراقيين الاخرين الذين لا يمكن التقليل من شأنهم ابدا .

ان هذه " الدراسة " لا تخرج عن باب النقد التاريخي بلا اية دوافع سياسية ، او عوامل ايديولوجية .. متمنيا ان يفتح ما كان مسؤولا عن هذا العمل صدره رحبا لما كتبته على الرحب والسعة .. لكي نتعلم جميعا من هذه التجربة الثانية ، وكانت التجربة الاولى عن مسلسل الباشا نوري السعيد فاشلة هي الاخرى ، ولكن من دون ان يستفد احد من الأخطاء التي وقعت . انني اعترف بأن ظروف العمل خارج البلاد صعبة للغاية ، ولكن لابد ان نقول كلمتنا للتاريخ وخدمة للحقيقة التي لا يمكن ان يزعل منها احد ، فكتابة نص تلفزيوني عن الواقع شيئ ، ولكن عن التاريخ له مستلزمات اخرى ، وخصوصا ، في اعادة تاريخ مرئي مضى عليه اكثر من خمسين سنة !

 

تنشر على موقع الدكتور سيار الجميل بتاريخ 4 اكتوبر 2010

 www.sayyaraljamil.com

 

free web counter