| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. سيّار الجميل
www.sayyaraljamil.com

 

 

 

الثلاثاء 29/1/ 2008



ضرورات العراق لاستراتيجية جديدة

د. سيّار الجَميل

دعوني أسأل واجيب : كيف نعيد التفكير ببناء العراق مستقبلا ؟ اذ لا يمكن ابدا ان يبقى هكذا على حاله لخمس سنوات اخرى .. ولا يمكن لكل القوى السياسية ان تبقي اجندتها من دون اي تغيير ، وبلا فرز للمبادئ عن المصالح ؟ لا يمكن ان تبقى الاوراق مخلوطة وبمشيئة امريكية صرفة .. وينبغي للوعي بالمستقبل ان يستفيق من غيبوبته .. فالتغيير مسألة حضارية ولا يمكنها ان تبقى سياسية ، والسياسة العراقية ترمومتر للمجتمع بيد قوى لا يمكنها ان تبقى مهترئة لخمس سنوات قادمة .. ان العام 2008 سيحمل اثقالا اخرى وسط دوامة الاعصار الذي شل حياة المجتمع وحركته . فالتغيير لابد ان يجد البدائل الحقيقية لاعادة البناء .. لقد اعتمد على بدائل هشة لم تصلح له ابدا وقد عولجت ضمن اجندة عدم الاستقرار وتبلور الاهواء المتصارعة والارادات الجديدة التي لم يصلح بعضها للحكم أبدا كما لم يصلح بعضها الاخر للمعارضة ابدا ..

ان الاستقرار السياسي والامن الاجتماعي لا يمكنهما ان يسودا بالحديد والنار والدم ، وكذلك لا يمكن شرائهما بالمال والسلاح من ميليشيات حزبيين او اناس قبليين او مرتزقة طفيليين .. ان اي دولة تحترم نفسها لا يمكنها ان تعيش بلا قانون يحمي حدود وطنها ، ويؤمن على مؤسساتها ويدافع عن مجتمعها .. والقانون لا يسود بلا قوة عسكرية او قوة بوليسية .. ان مجرد وجود مليشيات دينية او غيرها في العراق ، هو مدعاة للصراع والتمزق بين القوى السياسية ، فكيف اذا اصبحت بين القوميات والعشائر ؟ انه احياء للاهواء والعصبيات وما تنتجه من امراض طائفية وعرقية وفئوية وتحزبات دينية ومحليات .

ان هندسة العراق الاجتماعية ان لم يكن من ورائها عقل عراقي مدبر وارادة وطنية صرفة ، فستبقى الحالة غير مستقرة وغير آمنة وسيبقى العراق يزدحم بالصراعات وتهديدات الجيران .. ان الانطلاق من الاسلوب الذي رسمه الامريكيون اعتمادا على محاصصة المكونات الطائفية والعرقية هو اسلوب خاطئ في عملية التغيير والبناء .. ونحن نرى منذ قرابة خمس سنوات ، كيف طفحت المكبوتات وانفضحت المخفيات . ان الامور لا يمكنها ان تتصّفى من تلقائها من دون اي حساب للتفكك الداخلي وللتدخل الاقليمي .

ان التعايش السلمي لا يؤسس سريعا ، فالعراقيون بأمس الحاجة اليوم الى نسق تفكير جديد يلتزمه مسؤولون اكفاء يبتعدون تماما عن اي نزعة طائفية ، وعن اي اثارة انقسامية .. اذكياء يدركون وسائل التعامل والخطاب مع المحتل .. ويترجمون عوامل التجانس والالتقاء بديلا عن هوس الاختلافات والتباينات .. ويتدرجون في معالجة المشكلات خطوة خطوة ، ولا يمكنهم ممالئة الحزب والطائفة والاثنية على حساب الجميع .. ولا يخلطون الاوراق هروبا ، ونريدهم يبتعدون عن الفساد والاختلاسات وسرقة المال والارض والانسان ..

ان العراقيين بأمس الحاجة الى الايمان بمبدأ الشراكة ، وابعاد كل من يستغل الاحقاد الاجتماعية ادوات للحكم .. وتطال المسؤولية ايضا كل الاعلاميين العراقيين وقدرتهم في ترجمة ضرورات المستقبل باستراتيجية متفق عليها لمعالجة الجراح لا التنكؤ لها .. اعلام له وطنيته وموضوعيته وحياديته وشفافيته في كشف كل الاخطاء وادانة كل الفاسدين وعدم استخدام الماضي للاخذ بالثارات او التنطع بالمفاخرات .. ان الاعلاميات اليوم آلية مدمرة للعراق سواء كان منطلقة من الداخل او من الخارج ..
واخيرا : هل يمكننا ان نجد تغييرا عراقيا حقيقيا نحو الافضل ؟ هذا ما ستجيب عنه الايام القادمة !

مجلة الاسبوعية ، يناير 2008
 



 


 

Counters