| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. سيّار الجميل
www.sayyaraljamil.com

 

 

 

الأثنين 13/12/ 2010

 

هل وجدتم على امتداد تاريخ الإسلام دولة دينية صرفة؟

أ.د. سيّار الجميل

إنهم وراء انغلاق الحياة

عندما ولد ما أسمى في ما بعد بـ«الإسلام السياسي»، ومن خلال جماعات وأحزاب وفرق وتكتلات.. منذ أكثر من مائة سنة، ومنذ أن نودي بأفكار الجامعة الإسلامية على يد السيد جمال الدين الأفغاني ورهطه، حتى تلاقحت تلك الأفكار بعد ثلاثين سنة، وعلى يد الإمام حسن البنا وجماعته منادين بالإخوان المسلمين وصولا إلى حزب التحرير الإسلامي ومرورا بحزب الدعوة الإسلامية على يد السيد محمد باقر الصدر في العراق، ومرورا بدعوات أبو الحسن الندوى في الهند وباكستان، وانتهاء بما كان ينادى به الإمام الخمينى في إيران، والأفغان العرب ممثلا بأسامة بن لادن وطالبان في أفغانستان.. فضلا عن عشرات الجماعات التي تفاقم وجودها في عموم العالمين العربي والإسلامي.. كلها وقفت إزاء الدولة والمجتمع وقفات ساخطة ورافضة رفضا كاملا حياة العصر كونها منسوخة عن الغرب الذي اعتبروه كافرا! وعليه، فإن القرن العشرين هو «الجاهلية» بعينها كما وصفوها!

وكم كان ضروريا أن تبقى تلك التشكيلات الدينية اجتماعية صرفة، تخدم الناس وتوظف طاقاتها من أجل زرع المثل وتقويم الأخلاق بدل الانخراط في السياسة، وتكون رسل محبة بدل تشويه الإسلام والمسلمين ليس في العالم فقط، بل حتى عند المسلمين أنفسهم! كم كان ضروريا أن يثروا الإسلام الحضاري من خلال جملة هائلة من التوجيهات والبرامج والمشروعات نحو التغيير وإتاحة الفرص التاريخية للاجتهادات والإبداعات والأعمال الإنسانية ، كي تسلك مجتمعاتنا مسالك أخرى غير تلك التي سلكتها فأضاعت الطريق مع الإسلام السياسي.
 

تيارات ضد التاريخ

كنت قد انتقدت تلك الفصائل والجماعات والأحزاب الدينية في أمور شتى منها أن عناصرها قاطبة لم تفهم التاريخ فهما حقيقيا ومنطقيا، بحيث طالبتها الإجابة عن سؤال مهم جدا يقول: هل وجدنا على امتداد تاريخ الإسلام والمسلمين دولة دينية صرفة؟ هل تسلم السلطة رجل دين في يوم من الأيام؟ وحكم أي دولة في تاريخنا؟ إنهم لو يبحثون حقا، سيجدون حتى دولة الرسول - صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدين في المدينة قد جانست بين الدين والدنيا! ولو استعرضنا كل الدول والكيانات السياسية في تاريخ العالم الإسلامي ، لوجدنا أنها جميعا كانت دولا سلالية حكمها ملوك ، أو أمراء ، أو خلفاء ، أو سلاطين ، أو شاهات ، أو خانات ، أو خديوات ، أو شيوخ ، أو رؤساء .. الخ على امتداد رقعة العالم الإسلامي ومنذ دولة الخلفاء الراشدين حتى يومنا هذا لم نجد فقيها أو حجة أو إماما أو ملا .. الخ حكم أي بلد إسلامي ، كما لم نجد على امتداد تاريخنا أي حزب ديني ، أو جماعة دينية قد تسلمت حكم أي بلد من بلاد المسلمين ..  فكيف يمكننا اليوم أن نقبل بدول دينية صرفة ؟ وكيف نقبل بدولة تتناصف بين الدين والدنيا كذبا ورياءً ونفاقا؟ هل تقبل أن تتلون حسب أهواء هذا أو ذاك في المجتمع، فتزداد تناقضاتها؟ كيف يمكن للأحزاب الإسلامية أن تقبل ممارسة ديمقراطية وتتعامل مع صناديق الانتخاب.. وهى لا تؤمن بالديمقراطية أبدا؟ فالشورى التي قال بها الإسلام لا يمكن مقارنتها بالديمقراطية أبدا .. وأن المبايعة هي غير الانتخابات! فلماذا ترفضون روح العصر وتتشبثون ببعض أساليب هذا العصر من أجل السلطة؟ ولنكن واضحين في الجواب على من يبرر وجودكم سياسيا ، ويمنحكم شرعية الممارسة السياسية وهو يقارن وجودكم بغيركم من الأحزاب الدينية في أوروبا، وكأن تلك الأحزاب تحمل نفس أفكاركم، وتتبع نفس أساليبكم؟ الجواب: لا، أبدا إنها أحزاب اجتماعية وعلمانية، ولا علاقة لها بأي كهنوت، ولا برجال تابو، ولا بقسس ورهبان.. إنها أحزاب لها أنظمتها الداخلية التي لا تستمد موادها من نصوص دينية، ولا من كتب مقدسة على عكس ما تتضمنه بنود أنظمتكم الداخلية لأحزابكم.
 

ما منجزاتكم التاريخية والحضارية؟

دعوني أسألكم: ما المنجزات التاريخية التي قدمتموها في عدة تجارب حكم لكم في العصر الحديث؟ ولماذا أخفقت تجاربكم كلها في حكم المجتمعات، عندما جعلتم الدولة والنظام السياسي والسلطات بأيديكم، فاصطدمتم مع حياة العصر صدمات قوية، ربما لم تشعروا بها، كونكم تعيشون هوس شعاراتكم، وقوة عواطفكم؟ لقد أخفقت تجارب الحكم الديني في منطقتنا منذ القرن التاسع عشر، ولم تنجح حركات الإصلاح كما أسموها، فانكمشت على نفسها محليا، فتحجرّت الوهابية، وتيبسّت المهدية، وضمرت السنوسية ،  وأخفقت فكرة الجامعة الإسلامية، ولم تحقق ما نادت به في أي مكان من العالم الإسلامي.. وفى القرن العشرين، تصل إلى السلطة عدة نماذج دينية من أحزاب وجماعات سنية وشيعية لتؤسس أحكامها على أسس ما نادت به في مراحل متعددة من القرن العشرين ،  وكان بعضها مطيّة بيد هذه القوة العالمية أو تلك، ولكنها أخفقت جميعا في أهدافها وغاياتها، بل الأخطر من كل هذا وذاك أنها أساءت للإسلام إساءات تاريخية بالغة لا يمكن أن تمحوها الأزمنة.. إنني أعتقد أن القرن الواحد والعشرين سيشهد رفضا عالميا للإسلام والمسلمين، ويا للأسف الشديد جراء ما فعلته الأحزاب والجماعات الدينية بالإسلام والمسلمين وما قدمته للعالم من تشوهات، وما أنجزته من أحداث مأساوية، وما أثارته من مشكلات، وما سكتت عليه من الإرهاب، وما ساهمت به من التخلف وإرجاع المجتمعات إلى الوراء، وما قامت به من تشويهات لصورة المرأة وصورة الحريات وصور التعايش.. إلخ.
 

دعوة إلى الاستنارة

إنني أدعو كل العقلاء منهم لا المتعصبين ولا الطائفيين ولا المتزمتين.. أدعو من لهم سماحة ومنطق، ليقولوا كلمتهم في الذي أحدثه الإسلاميون من طالبان في أفغانستان، عندما أرجعوا الحياة إلى العصور الوسطى.. وماذا يقولون في تجربة أسامة بن لادن التي قدمت الإسلام للعالم بصورة مشوهة ودموية.. وإذا اعترض علىّ أحد من غير المسلمين أن بن لادن اعتمد النصوص القرآنية في مشروع قتل العالم، فإنني أجيب متسائلاً عن سر التعايش بين المسلمين وغيرهم في حياتنا على امتداد أكثر من 1400 سنة؟ أيضاً أدعو كل العقلاء ليقولوا كلمتهم في تجربة إيران الإسلامية، وهل ما يجرى في إيران باسم الإسلام قابل للنقاش، أم إنه صفقة من الأوهام التي تحكم بلدا عظيما بحضاراته باسم ولاية فقيه؟ وهى تضحك على الناس بادعائها الممارسة البرلمانية؟! انظروا تجربة السودان المريرة، وما طبق من أحكام فاشلة باسم الدين مما هدد البلاد وأفنى العباد! انظروا تجربة العراق عندما يقف حزب ديني على رأس السلطة باسم الديمقراطية والشراكة السياسية وهو حجر عثرة أمام الحداثة وجها لوجه، بغلقه المنتديات وتحريمه الفنون وأبسط مستلزمات الحياة الحديثة! انظروا تجربة فلسطين، بوصول حزب ديني مثل حماس إلى السلطة، وإخفاقاتها في التقدم خطوات معدودة إلى الأمام، ليس بمشروع استسلامي، بل بمشروع تحرري أو تقدمي؟ وحماس تختلف عن حزب الله في لبنان سواء في الأسلوب أو الأجندات بالرغم من مباركة المسلمين لكل من التجربتين الدينيتين باسم الجهاد تارة وباسم الوقوف ضد إسرائيل تارة أخرى .. أما تجارب الجماعات الدينية في مصر وتركيا والجزائر واليمن والمغرب وتونس وسوريا والأردن وموريتانيا والصومال.. فهي فاشلة كلها، إذ لم نجد أي واحدة منها وقد تقدمت بمشروع حضاري وسياسي متطور منفتح على روح العصر ويحكمه العقل والمنطق ويستلهم روح الاستنارة والتعايش والأخوة الحقيقية والمحبة واحترام حقوق الإنسان .. بل ويقف بقوة ضد الإرهاب باسم الدين.. بل لم نشهد إدانات حقيقية لمشروعات القتل ولم نشهد أي حوار حقيقي في فلسفة التعامل مع الغرب أو الشرق!
 

تناقضات الممارسة والتفكير

لم نجد إجابات حقيقية وعلمية على مشكلات العصر! إنها تقف ليس ضد أنظمة الحكم لتغييرها، بل تقف ضد أنظمة المجتمعات لتشويهها، وباسم الدين من دون أن تقدم بدائل أو برامج حقيقية يمكنها أن تقنع الناس بما تريد أن تفعله حقا.. بعيدا عن الشعارات العاطفية والمفاهيم والنصوص الدينية التي يسبب اليوم تطبيقها صدامات ومشكلات كبرى إزاء حقوق الإنسان، وأنتم تشهدون التداعيات المريرة التي تنتجها الأحكام الدينية بقطع اليد، أو برجم الإنسان بالحجارة، أو جلده..!!

أنتم تشهدون ما الآثار الوبيلة التي أنتجتها مشروعات التكفير والتهجير والقتل والتفجير والأحزمة الناسفة للمسلمين وغير المسلمين باعتبارهم كفارا من دون أن أجد أية إدانة صريحة وحقيقية وجريئة من قبل هذا الإسلام السياسي ضد الإرهاب وضد قتل حقوق الإنسان! لم أجد فتوى واحدة تصدر من مؤسسات دينية كبيرة في عالمنا الإسلامي ويقف على رأسها أئمة ومراجع وشيوخ وسادة ومفتون.. تدين بعلانية واضحة كل موبقات هذه الأحزاب والجماعات! لم أجد أي رأى مضاد، ولا أي فتوى تحرّم أو تمنع هؤلاء عن غيهم! لم أجد أي رأس من الرؤوس الكبيرة التي تقف على قمة هذا التابو ، يتكلم بطريقة إنسانية عن حقوق الإنسان والحيوان بدل الكلام واللغو باسم فئة أو طائفة أو دين! لم أجد لا هؤلاء ولا أولئك الذين راحوا ينشرون الإسلام السياسي.. يقدمون يوما خطوة واحدة للعالم أجمع من أجل مصالح وطنية حقيقية! إن معتقداتهم وطقوسهم الراسخة تتقدم دوما على أوطانهم ومجتمعاتهم! إنهم سعاة إلى السلطة، لكي تكون بأيديهم من أجل العبث بمقادير الحياة بلا حدود وباسم الدين مع الأسف، فأين هي منجزاتهم منذ مائة سنة؟ أين هي إبداعاتهم وأفكارهم؟ أين هي مدارسهم وفلسفاتهم؟ أين هي مشروعاتهم ومستشفياتهم؟ أين هي خدماتهم للناس والفقراء؟ أين هو تسامحهم مع الآخرين؟ أين هي حواراتهم الفكرية والفلسفية؟ أين هي فتاواهم التي تفتح الأبواب الجديدة أمام الناس؟
 

 وأخيراً: أوهام متخلفين بعيدا عن الدين

لقد خرج العالم الإسلامي من قوقعة التكايا والزوايا والغرف المعتمة المنعزلة التي لا هم لها إلا الكرامات ، ليدخل خنادق الجماعات والتحزبات المتسلطة التي لا هم لها إلا السلطات! إنني أقول إن الإسلام السياسي سيبقى في أزمة مادام مشتتا وضائعا، ولا يمكنه أن يتوّحد أبداً بسبب تناقضاته.. وسيرحل بعد أن يفتك بكل مجتمعاتنا لما يثيره على الأرض من انقسامات وصراعات طائفية.. سيرحل بعد أن نجح نجاحاً باهرا في إبعاد حتى المسلمين عن دينهم! سيرحل بعد أن يخيب آمال الملايين من الناس الذين وثقوا به وبشعاراته.. ووهمهم أنه الوحيد الذي سيحرر البلاد والعباد ويقف ضد الاستعمار! سيرحل بعد أن يستنفد كل أغراضه وأهدافه من دون أي فلسفة جديدة للحياة! سيرحل بعد أن يكون واحدا من عوامل تحطيم مجتمعاتنا والحجر على نصف المجتمع، وسيرحل بعد أن تزيد إخفاقاته وعندما تنكشف كل أوراقه أمام الناس كونه ليس الممثل الشرعي والوحيد في إدخالهم الجنة على الأرض أو منحهم مفاتيح الجنة في السماء!

 

نشرت في مجلة روز اليوسف المصرية ، العدد 4305 - السبت الموافق - 11 ديسمبر 2010 ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل

 www.sayyaraljamil.com

 

free web counter