| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. سيّار الجميل
www.sayyaraljamil.com

 

 

 

السبت 11/12/ 2010

 

إلى متى يبقى العراق في نفق مظلم ؟

أ.د. سيّار الجميل
 
بعد مرور قرابة ثمانية أشهر على الانتخابات العامة في العراق ، صادف العراقيون خلالها صراعات سياسية داخلية وإعلامية وفكرية بين قوى مختلفة النزعات والاتجاهات ، وحدثت خلالها أعمال عنف وإرهاب وقتل ضمن عجلة دائرة منذ العام 2003 .. اتفقت القوى السياسية التي فازت على الرئاسات الثلاث للبرلمان والجمهورية والوزراء ضمن نفق صعب ومرهق جدا ، ولم يخرجوا منه حتى الآن ، إذ يبحثون اليوم عن كيفية تشكيل وزارة محاصصة بين القوى نفسها ، وهم يعانون من مشكلة قلة حقائب ومناصب عليا أمام جحفل من طالبيها تحت غطاء الحق الانتخابي ، علما بأن لا شيء جديدا سيحدث ، بدليل وجود القوى السياسية نفسها على الساحة ، ومنها ما هو ملطخ بدماء العراقيين من خلال مليشياته ! ومنها ما هو متهم بالفساد ونهب المال العام ! ومنها ما هو غارق حتى أذنيه بالتخلف والتكلس ! ومنها ما كان ولم يزل يسعى لتمزيق العراق وقهر وحدته الوطنية ! وكلها أدوات جاهزة لإرادة احتلال هذا أو نفوذ ذاك .. ويعتقد الناس أن الانتخابات كانت مجرد غطاء لا أكثر ولا اقل ، لعملية إبقاء السلطة في أيدي جماعات وقوى معينة ، مع كل ما فعلته من التفافات وخروقات ومناكفات ومساومات .. ولم تزل حتى اليوم تمارس أساليبها نفسها ، لتشكيل حكومة كتلك التي شكلتها قبل قرابة خمس سنوات ، وقد رأينا ما الذي فعلته بالعراق ، والعراق يتراجع من سيئ إلى أسوأ ، أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا وثقافيا .. وستبقى المشكلات على حالها ، بل ستتفاقم مخاطرها كثيرا في ظل عدم الاعتراف بالأخطاء ومعالجتها ، أو محاسبة كل الذين قصّروا في أداء مهامهم وأساءوا كثيرا للمال العام والمؤسسات والخدمات .. ناهيكم عن ميليشيات مسلحة لقوى سياسية تعبث بالمجتمع . لقد انهزم التيار المدني بجماعاته وقواه أمام التيار الديني بأحزابه وتكتلاته .. وبالرغم من أضحوكة الشراكة التي ينادون بها ، فان العراق سيحكمه شخص واحد لا أكثر ! والسياسة ستبقى على حالها ، إن لم تتراجع إلى الوراء في ظل صراعات القوى والأحزاب على المصالح والسلطة والنفوذ .. سيبقى العراقيون يعانون الأمرّين من انسحاق الخدمات وانعدام الكهرباء والبطالة المكشوفة والمقنعة .. سيبقى التلاعب بأموال العراق مفضوحا من دون حسيب ولا رقيب .. سيبقى الفقر مدقعا عند ثلاثين في المائة من أبناء العراق .. سيبقى العراقيون يأكلون مستورداتهم ، ولم أجدهم يزرعون وينتجون ويصنعون ويبدعون ! ستبقى مشكلات النفط تدور من كل الأطراف ، بل وستزداد ضراوة بين الفرقاء في كل من المركز والإقليم . سيبقى الدستور كسيحا من دون إصلاح ، كما وعدت الجماهير بذلك ، وكما اقر في نهاية الأمر ! ستبقى المعضلات السياسية معبرّا عنها مذهبيا وطائفيا وقوميا ودينيا ، ما دامت التشكيلة الحكومية ستمثلها نفس القوى ضمن أجنداتها المتصارعة ! ستبقى العلاقات مع دول الجوار متذبذبة ، ما دامت المؤسسة السياسية في العراق مشلولة في تحديد علاقاتها على أسس وطنية للصالح العام ، ورهينة لتوجهات هذا الحزب أو تلك الكتلة والجماعة ! سيبقى الإرهاب مستمرا ، ما دام هناك انعدام في الشفافية ، وانعدام لكشف الحقائق ، وإبقاء المجرمين من دون عقاب .. والتعمية عليها مع بقاء الحواضن الدسمة لتغذيتها ، وانتشار السلاح والتجاوز على القانون والنظام في البلاد ! ستبقى الثروات ضائعة ، والنهب مستمرا وعلى أعلى المستويات ، ما دام اغلب المسؤولين العراقيين قد جعلوا المال العام مباحا ومن دون أي محاسبة ، ولا مساءلة ، ولا تحقيق ، ولا عقاب .. وسيتدهور وضع البيئة أكثر مما هو عليه الحال اليوم ، وستغدو بغداد ومدن العراق الأخرى أكثر بدائية مما هي عليه اليوم ! سينشغل كل القادة والمسؤولين بقضايا تافهة ومستجدة ، من دون تنفيذ أي قوانين ينبغي أن تشّرع سريعا ، وسينشغل المجتمع برمته بتلك التفاهات التي تمتص طاقة العراقيين ، وتسحق قدراتهم وآمالهم ببناء العراق وتطويره . إن تشكيل الحكومة كلها على أسس محاصصات طائفية وعرقية ، وضمن إرادات خارجية وأجندات إقليمية ، سيقود العراق للبقاء في النفق المظلم ، بعيدا عن أي فرصة للخلاص ! إن من يثبت فشله في الحكم أو الوزارة أو الإدارة .. فعليه أن يتيح الفرصة لمن هو أفضل منه ، بل ويحاسب كل مقّصر عن تقصيره في أداء واجبه .. وهذا ما عرفته تجارب الأمم الديمقراطية الأخرى ، إلا العراق ويا للأسف الشديد ، فهو باق يجدد نفسه ويبقى في المسؤولية !

إن العراقيين المعارضين سوف لن يفعلوا شيئا إزاء ما يحدث ، ولكن عليهم أن يسجلوا موقفهم المضاد ، خصوصا وإنني مقتنع تماما إن ثلاثين سنة قادمة سيعيش العراق خلالها بمصاعب كبيرة ، وسيمر بمحن تاريخية ، ومن المحتمل أن تنمو إستراتيجية وطنية من نوع جديد كي تتطور على حساب تآكل كل القوى الحاكمة والمتنفذة اليوم . إن الشعور بالتمدن والتغيير والحاجة إلى بدائل للوضع الراهن ، موجودة اليوم ولدى ملايين العراقيين ، ولكن إرادة العراق مرتهنة ومقبوض عليها .. وعلى العراقيين العمل على فك ذاك الارتهان ، لتحرير الإرادة وتأسيس جديد لإستراتيجية وطنية ومستقبلية يبشر للوعي بها في كل العالم ، شريطة أن تكون ضد الإرهاب وضد كل أنواع الجريمة المنظمة والمافيات والمليشيات والجيوش والجماعات المسلحة وضد حملة الشهادات المزورة .. الخ ، وان لا يخترقها أحد ممّن يحكمون اليوم أو ممن حكموا سابقا ، كون العراق لا يمكن أن يعيش إلا مدنيا وحرا ومستقلا بعد نصف قرن من البشاعات والدكتاتورية ، وحتى يستطيع أن يتنفّس وحده ويستعيد دوره الحضاري بين الأمم .

إن المعارضة السياسية والإيديولوجية ينبغي أن تنطلق باستقلاليتها الوطنية ، ليس فقط للعمل ضد النخبة الحاكمة اليوم ، بل لنشر الوعي ، وتنظيم العمل والوقوف ضد الإرهاب وضد كل الأخطاء والتجاوزات والفساد .. فالعراق بحاجة إلى معارضة وطنية حقيقية تكشف كل المثالب ، وتقّيم كل الأخطاء وتعريتها مع أصحابها ، وتطالب بالمزيد من حقوق العراقيين وتطبيق القانون والعدالة . إن النخبة العراقية الحاكمة اليوم لا تريد أبدا أية معارضة ضدها ، إذ أنها تبغي ارتهان الجميع لما تسمّيه بـ " الشراكة الوطنية " ، وهو مشروع مضحك ، إذ لا يمكن أبدا السكوت على ما يجري في العراق من دون حساب أو عقاب !
 

نشرت في البيان الاماراتية ، 9 ديسمبر / كانون الاول 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل

 www.sayyaraljamil.com

 

free web counter