| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلمان عبد

 

 

 

الخميس 31/1/ 2008



قصة كاريكاتيرية

حين بكى حمار الاستاذ عدي

سلمان عبد

المشهد الاول
تفتق ذهن احد اعضاء اولمبية عدي عن اقتراح لاقى القبول الحسن والسريع من قبل الاستاذ ويقضي هذا الاقتراح بأن يتم البحث عن حمار يعربي السمات ومن صحراء نجد بالذات و تجرى بواسطة هذا الحمار مراهنات تدر ارباحا على الاولمبية بعيدا عن اللوتو والبكبك الاصفر،وذهبت اللجنة واشترت حمارا حساويا عربيا اصيلا يزهو بالشمم والاباء و مشهود له بالصبر ، ووُضع الحمار على منصة / مسرح/ في ساحة الفردوس، وابتدأ السباق بحضور تلفزيون الشباب وكل المحطات المرئية والمسموعة وقاد الحملة الاعلامية الاستاذ الصحاف الاعلامي الجهبذ بما عرف عنه بإدارة مثل هذه الامور بأقتدار .
تقدم مذيع الحفل ليعلن شروطها والتي تقضي بأن يدفع المتسابق مبلغ ورقة (25 الف دينار) للاشتراك وتوضع مبالغ المشتركين في سلة امام الحمار الرابض وما على المتسابق سوى ان يحاول ان يجعل الحماريضحك وعندها يستحوذ على جميع النقود حلالا زلالا .
وتقدم خلق كثير للاشتراك ممن عرفوا بحسهم الكوميدي وادائهم المتميز للنكات ومنهم من سُجن بسببها ، بعد ان طفحت السلة بالفلوس من كثرة المشاركين ، تقدم المتسابق الاول وارتقى المنصة واخذ يلقي النكات المضحكة والتي كما يقال (تخرب ضحك) وتعالت ضحكات الجمهور ، ضحكا مجلجلا صاخبا ،اما الحمار فلم يهتم وصمد صمود الجبال الرواسي امام الرياح العواتي ولم يتأثر ابدا وخسر المتسابق ونزل من المنصة بين صيحات واستهجان الجمهور ثم تلاه اخر واخذ يقدم حركات بهلوانية يلقي النكات ويمثلها واجهد نفسه لتقديم وصلة كوميدية جعلت الجمهور يغرق في نوبات الضحك المتواصل فكان قمة الكوميديا حقا وكانت نكاته (تموت من الضحك) حتى ان بعضا من افراد الجمهور اغمي عليه ونقل الى المستشفى وقيل ان البعض الاخر قد مات فعلا ! اما الحمار العنيد فكان مقطب الجبين عابسا بوجهه العروبي الحاد القسمات يمارس عادته في (الاستمطاء) التي تنم عن تعالي عن مثل هذه الصغائر ، وهكذا توالى على المنصة المشتركون الواحد بعد الاخر وحمارنا حزينا قانطا وكأنما فرض عليه تسديد ديون حروب القادسية وما بعدها . انفرجت اسارير الاستاذ وهو ينظرالى الفلوس المتناثرة :
- عجل يابة ، اقتغاح ماكو مثلو ، اشلون حماغ هذا؟ وغدة ، (ناظرا الى صاحب الاقتراح) اشــذكغك بالحماغ عافغم عافغم .
وتقدم المذيع لكي ينهي المسابقة وليعلن عن خسارة المتسابقين ، صاح احدهم من بين الجمهور واراد الكلام فسمح له وهذا يدرأ التهمة الامبريالية الصهيونية بأن النظام لا يسمح لاحد بالكلام وطلب المذيع منه (لنسميه صاحبنا) بالتقدم الى المنصة وليتكلم بكل حرية واعتلى صاحبنا المنصة وقال للمذيع جئت توا ولم يتسنى لي الاشتراك هل من الممكن ان اشترك ؟ واستل صاحبنا من جيبه الورقة النقدية وهنا نظر المذيع للاستاذ فقال الاستاذ :
- خلو خلو يشتـغك
وضع صاحبنا الورقة النقدية في السلة التي فاضت بالاوراق وتقدم الى مقدمة المنصة واخذ ينظر الى الجمهور ووقف ازاء الحمار الرابض ثم انحنى واخذ يهمس في اذنه ، وهنا فقط قفز الحمار وراح في نوبة من الضحك مكشرا عن اسنان بيضاء وكأنها اللؤلؤ ثم اخذ يخبط الارض بحوافره حتى سرت عدوى الضحك الى الجمهور والحمار يضحك حتى سقط على قفاه . تقدم صاحبنا لمقدمة المنصة بخيلاء وقال :
- اعتقد اديت المهمة حسب توجيهات القائد حفظه الله ورعاه .
حار المذيع ونظر الى هيئة الحكام فتحاشت نظراته ووقف الاستاذ من مكانه :
- غوح اخذ فلوسك ، تستاهل
اخرج صاحبنا من جيبه كيسا كبيرا ولملم الاوراق النقدية ووضع الكيس الضخم الممتليء على ظهره وغاب.

المشهد الثاني
تنادى مجموعة من الشباب المهجرين لتأسيس منظمة مدنية تدافع عن حقوقهم وانتشالهم من الهوان الذي اوجدتهم فيه التيارات الاسلامية المتصارعة (بشقيها) واستقر رأيهم على تأسيس منظمة اسموها (ضيم وقهر) وفي اول اجتماع لها استمعت الى مقترح :
- يا جماعة شتكولون لو انجيب مطي عدي وانسوي مسابقة ، تدرون اشكد راح نجمع فلوس؟
- لكن وينة هو مطي عدي؟ ما تدري بالحواسم ما خلو مطايا ولا خرفان ولا نمورة ولا بعران، ما تكلي وين نلكاه ؟
وبعد اخذ ورد قر رأيهم على الاستعانة بالاستاذ موفق الربيعي جهبذ الاستخبارات وبالقوات الصديقة ايضا !!! ولهذا انبرى احد الاعضاء لتعزيز موقفه :
- ما يقصرون موهمة يكولون (
friend indeed friend in need) يعني الصديق وقت الضيق .
وفعلا بعد وقت قصير جدا جاءت نتيجة التحقيق، وهي اول نتيجة تحقيق تعلن بعيدا عن الحجية (مساومة) التي تخفي او تمزق كل تقارير اللجان ، والنتيجة تقول ان الحمار حي يرزق وفي احسن حال بين اهله وعشيرته ، انه في العوجة ، اشترته رغد بمبلغ كبير كذكرى طيبة عن الايام الخوالي وغدر الزمان ، واجهت المنظمة مشكلة اخرى، اذ كيف يمكن لهم استعادة الحمار وله هذه الاهمية من التقدير والاحترام ؟
- اني اكول محد يكدر يطلع البعير منهم غير الاستاذ طارق الهاشمي والاستاذ عدنان الدليمي لما لهم من روابط فكرية ووشائج فلسفية مع اصحاب الحمار. وفعلا تم ذلك وبسهولة وكسبت التوافق نصرا سجل لها يفيدهم في الانتخابات القادمة ، لكن من يحمي الحمار حتى ايصاله الى بغداد؟ وهو حمار يمثل مرحلة تاريخية ومن المقتنيات التي سوف ترعاها اليونسكو ، وجاء الحل سريعا :
- على طريقة المحاصصة يا جماعة ، موكل شيء عدنة يتحاصص ، انخليهم يتحاصصون ، حيث من كل جماعة خمسة مقاتلين .
وهكذا كان ، حددوا حراس الحمار المتكون من جيش المهدي والبيشمركة وقوات بدر والصحوة وجيش محمد وكتائب ثورة العشرين والمقاومة بشقوقها الشريف وغير الشريف والنص نص ، ووصل الحمار بسلام مما يدحض قول المتخرصين والمتصيدين بالماء العكر من ان المحاصصة والمليشيات وبال على العراق .
واقامت منظمة (ضيم وقهر) مسرحا في ساحة الفردوس مشابه لما مضى وحضرت الجماهير غير خائفة بعد ان استتب الامن بجهود القوى الامنية لا غيرها ، وظهر المذيع ليقول :
- يا جماعة ، نفس الشروط السابقة لكن الاختلاف فقط هو من يستطيع ان يُبكي الحمار هذه المرة لا ان يضحكه. ضج الجمهور الحاضر واعلن احتجاجه على هذا التغيير فرد عليهم :
- سابقا كان العراقيون حزانى ومشتوين شوي ولهذا كانوا يبحثون عن من يضحكهم ، اما الان فالامر مختلف فالناس يتمنون البكاء لكثرة ما يضحكون .
عمد اعضاء منظمة (ضيم وقهر) الى الاندساس بين الجمهور لتحفيزهم على المراهنة ولعبوا على الورقة الطائفية الناجحة فقسم منهم ناصر الطائفة (س) وقسم الطائفة (ش) وقد فعلت فعلها هذه الفكرة فإندفع الطرفان بما يمتلكون من الفلوس (من غير وجع كلب ولا تعبانين بيهة وعن طريق الطائفية مستعدون للبذل وأي بذل !) وصارت مباراة سياسية حتى امتلأت السلة وفاضت على ارضية المسرح وهو امر اسعد المنظمة ، وابتدأ السباق .
صعد المتسابق الاول وهو يرتدي الغترة البيضاء والعقال وكأنه شيخ عشيرة بخدود منتفخة تشبه خدود العليان واقترب من الحمار مخاطبا :
- الحال يا مطينة العزيز يبجّّّّّّّّّي ، فلا كرامة ولا عزة ولا عروبة ولا بطيخ ولا ركي ، بل وصل الحد الى انتهاك العرض ، الم تسمع بالمصون (صابرين الجنابي) الم تسمع كيف انتهك حرمتها الصفويين ، ونزع عقاله ورماه على الارض صارخا :
- واعروبتاه وانتهاكاه (مخاطبا الحمار) يولو لو انت اعربي لازم اتشيل روحك واتدكهه ، اويلاه، واصداماه واعزتاه دورياه . (الحمار غير مهتم لا بل يبتسم على غير ما عرف عنه وكأن المشهد وصلة كوميدية ، لا بل امعانا في اغاظة المتسابق اخذ يقهقه ، فما كان من المتسابق الا ان يأخذ عقاله من الارض ويتوجه الى الحمار ويركعة ابتفلة)
- اتفو عليك يا صفوي يا ابن الصفوي، يا مطي يا ابن المطي ارد اشوف من هاذ اللي كال انت اعربي ، اتخسة وليخسأ الخاسئون .
نزل المتسابق بين صيحات الاستهجان من قبل جماعة (ش) لاحماء الجو ، وهنا صعد المتسابق الاخر وعلامات التحدي على محّياه ، وكان رجلا وقورا يضع على رأسه عمامة (ينفط الدم من اخدودة) وملابسه سوداء ينضح الحزن من جميع جوانبه و لحية سوداء اضافت على محّياه حزنا على حزن وكأنه مخلوق للحزن والبكاء لا لشيء غيره ! وحين وقف على المسرح بسمل وحوقل ودعى الجميع للصلاة على محمد وآل محمد ثلاث مرات ، ثم انخرط في البكاء ثم صاح بصوت شجي يبدو ان حنجرته متدربة عليه سنوات و سنوات :
- اويلاخ يا مطي ، انتة ابو كلب الرقيق اشلون ما تبجي على الابرياء المظلومين ، اناشدك بالله ما سمعت بالمفخخات اللي تحصد هالابرياء من اطفال رضعّ ونساء وعمال مسطر والبيوت حركوهة وجمالة يردون يخلصون علي كيمياوي من المشنقة اويلاخ ... اويلاخ (وهنا بلغ به الانفعال حدا سقطت عمامته على المسرح واخذ يلطم على صلعته وينوح ويبكي حتى ابتلت لحيته ثم صارخا بطريقة ملائية روزخونية ) ولك اشلون ما تبجي يا مطي ، ولك شنو من بشر انت (نسي انه حمار) اويلاخ يابة اويلاخ ... اسكبلك عبرة الخاطر الاطفال واليتامى . (الحمار ينظر اليه نظرات حمارية استخفافية مستمتعا ومبتسما ، ثم زادت حماوة المتسابق) احو .. احو ... احو... هيهات منا الذلة ... (لا فائدة ، فالحمار منفرج الاسارير واسقط في يد المتحدي ، انحنى ليلتقط عمامته ، وضعها على رأسه وتقدم من الحمار وهو في اشد حالات الانفعال ، بصق في وجهه) :
- اتفو عليك يا بعثي يا حقير ، يا شمر يا حرملة ، بس انتة مطي ابن مطي منين تجيك المشاعر .
نزل المتسابق بين صيحات جماعة (س) واستهزائهم ، وحمى وطيس المعركة وانهالت الاشتراكات من الطرفين وفاضت سلة الحمار وامتلأت ارضية المسرح بالاوراق النقدية وتحول السباق الى مناوشات وتحديات وكأنها معركة مصيرية بين الطرفين كان يجني ثمارها شباب المنظمة وهم فرحون. توالى المتسابقون كل يعزز موقفه ويحاول ان يستدر عطف الحمار غير المبال ابدا رغم الوصلات الحزاينية. تقدم المذيع لانهاء المسابقة :
- نظرا لعدم تمكن المتسابقين من .... (وهنا صاح احد الحضور)
- يمعود اني هسة احضرت انطوني فرصة
نظر المذيع الى لجنة التحكيم واومأوا برؤوسهم بالموافقة فلكل مواطن الحق الذي كفله له الدستور ، تقدم المواطن الى المسرح محييا وتعالت الصيحات من كل مكان وظهر انه (صاحبنا) السابق ،اقترب من الحمار وانحنى وهمس بأذنه كما في المرة السابقة فما كان من الحمار الا ان ينتفض وصرخ صرخة مدوية كأنه اصيب بمفخخة واخذ يلطم وجهه بحوافره حتى سال الدم من وجهه مدرارا وجرى الدمع من عينيه انهارا ثم (شال نفسة وركعهه) وسقط على الارض ودق عنقه ومات منتحرا .
علت صيحات الجمهور واسقط في يد منظمة (ضيم وقهر) على هذا الضيم والقهر الجديد وخيبة الامل (وين ما انروح بكبورنة عظام)، اخذ صاحبنا يلم الفلوس ، اقترب منه الصحفيون والمراسلون وسألوه :
- هل من الممكن لك ان تطلعنا على السر في تمكنك من جعله يضحك مرة و يبكي مرة اخرى ؟
- في المرة الاولى همست في اذنه وقلت يا مطي يا ابن المطي كيف توصف بالصبر ويسموك ابو صابر و العراقيين غلبوك بالصبر ، فما كان منه الا ان ضحك استخفافا بما قلت واستهزاءا ، وهذه المرة همست في اذنه قائلا ، يا مطي يا ابن المطي ، ها ؟ هالمرة مو غلبوك العراقيين من صدك ، يا ابو صابر يا بطيخ ، طم روحك احسن لك ، وعندها تيقن من حقيقة كلامي من ان العراقيين ضربوا الرقم القياسي بالصبر ولا يجاريهم احد فيه لا الاولين ولا الاخرين وصار مثلا لكل الشعوب (صبور كالعراقي) فأقدم الحمارعلى الانتحار .

الخاتمة
هل لصبر العراقي نهاية ؟ هل قدر العراقي (الضيم والقهر) ؟ منذ العهد الملكي والى الان ، نظام اسوء من الذي سبقه ! فقد فشلت اجمعها وجلبت الخراب والدمار والتخلف للعراق ، التيار القومي (البعث) سابقا والتيارات الاسلامية (بمذهبيهما) حاضرا .
هل هناك امل ؟
 


 

Counters