| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

سلمان عبد

 

 

الخميس 14/6/ 2012

 

كلام كاريكاتيري

ما اتصير آدمي

سلمان عبد

من الظواهر اللافتة للانتباه ، هو ان ( بعض ) المسؤولين والذين يمسكون بالسلطة ، متهمون بانهم شياطين ، والصحفيون وطلاب الجامعات والمحللون في الفضائيات والناس في الاسواق والشوارع والتجمعات وركاب الكيّات والمكاريد ، كلهم ملائكة ! ولهذا ، فالملائكة تتهم الشياطين بالمنكر و فساد الذمم و التزوير و تسنم مناصب غير مؤهلين لها ابدا وجاءت بهم المحاصصة ، وكإننا قد غُـزينا من اغراب لا ذمة ولا ضمير عندهم ولا نعرفهم وكإنهم نزلوا علينا من كوكب المريخ ، بينما في الحقيقة هم اخوتنا واصدقاؤنا واقاربنا ومواطنينا ! لكنهم  حادوا عن الطريق القويم وانساقوا وراء مطامعهم الشخصية ، وتناسوا واجباتهم اتجاه مواطنيهم ووطنهم ، الم يكن كل واحد منهم سابقا ملاكا مثلنا كما نحن الان ؟ الم يشاركوننا النقمة على المفسدين والسراق ويكشفوا خياناتهم وسوء سلطتهم ؟ ، لا بل كانوا اشداء على المفسدين واكثر حماسة ، ومنهم من لاقى جزاؤه من الحكم الدكتاتوري وذاق المحنة بكل فصولها ،  الم ينتموا الى معسكرنا ويقفوا جنبا الى جنب معنا في مقارعة الظلم وانتهاك الحرمات وسلب الحقوق ؟  اذن ، ما هي القوة التي جعلتهم ينسون ماضيهم وعفتهم ونزاهتهم ويتحولوا من  معسكر الملائكة الى معسكر الشياطين ؟ يجب ان نتوقف عند هذه الظاهرة ونتأملها مليا كما تأملها حضرة جنابي وسألت نفسي :  ترى لو تهيأت لي الفرصة  انا الملاك  العفيف الشريف النزيه كما تهيأت للشيطان ، هل احتفظ واتمسك بملائكيتي ، واكون نزيها ؟ هل لدي القدرة على الثبات وتحدي الاغراءات والمغانم واصمد امام كل الوان الفساد ؟ ام انهار واستسلم واضعف امام جبروت السلطة واغراءاتها كما حدث للشياطين الان ؟ ، تحضرني الان حكاية بغدادية قديمة كان يتداولها الناس ، وهي تدلل على ان هناك بذور الشر مزروعة في نفوس البعض من الشياطين رغم لبوسهم اثواب العفة وذمهم للفساد لان الفرصة لم تكن قد واتتهم بعد :

يحكى ان رجلا كان يسكن في بغداد وفي محلة الفضل ، خلوقا وتقيا ورعا ، وله ابن كثرت مخالفاته ومشاجراته وانحرافه ، وكان والده يؤنبه بالقول ( ولك ما تصير ادمي ) ، وهكذا كان الجدال بينهما مستمرا ،  حتى ضاق الصبي ذرعا من معاملة والده فهرب من الدار وانتقل من بغداد الى الاستانة ، وتطوع جنديا في الجيش العثماني وكانت كلمات والده تدور في فكره ( انت ما تصير ادمي ) فاراد ان يخالف قول والده بان يصير ادميا ، فخدم في الجندية ورقي حتى اصبح ضابطا ثم نال الباشوية وعين واليا  في ديار بكر ،  وارسل برقية الى بغداد :

{ ارسلوا ( فلان ) الساكن في محلة الفضل الينا محفوظا ( مخفورا ) وفي الحال } فالقى الجندرمة القبض على ابيه وكبلوه في الحديد وارسلوه الى ديار بكر ، فوصلها بعد ان ذاق الامرين من الجندرمة ، فقال له الوالي : اتعرفني ؟ اجاب  : بالنفي ، فقال له : هل كان عندك ولد ؟ اجاب : كان عندي ولد وهرب منذ اربعين سنة ولم اسمع بخبره ولا وصلتني منه رسالة واكثر الظن انه توفى . فقال له : لم هرب ؟ اجاب : كان فاسدا وعديم الاخلاق  وكنت اؤنبه واقول له ( ما اتصير ادمي ) فتأثر من قولي وهرب ولم اعرف مصيره حتى هذه الساعة . فقال له : انا ولدك فلان ، كيف تقول لي ما اتصير ادمي والان انا صرت والي وباشا ! فاطرق الوالد مليا ثم رفع رأسه وقال له : انا ما قلت ما اتصير والي ، وما قلت ما اتصير باشا ، وانما قلت لك ما اتصير ادمي ، وانت حتى الان ما صرت ادمي ، فلو كنت ادمي لما جلبت والدك بهذه الحالة المزرية من التعسف .

free web counter