| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الأثنين 24/3/ 2008

 

الزجاجة الطائرة
ميس فان دير روهه! فضاء لامحدود وعمارة نقيّة وصافية وبلّوريّة

سنان أحمد حقي *
 

   
فان دير روهه                                                          فيللا برشلونة
 

 
فيللا برشلونه                                                      معرض للفنون                      

   

فيللا                                                     فيللا برشلونه



 فيللا برشلونه


منزل المعماري نفسه


تفاصيل معماريّة لسقف بيت


معرض الفنون


مباني عالية الإرتفاع في المرحلة ألأمريكية


قاعة كراون في معهد ألينويز للتكنولوجيا

أسلوبه!
يقول أحد المعماريين المشهورين :عندما يزورني أحد في بيتي أقول له أُسكت وانظر! (
Shut up & look )
وكما يرى القاريء العزيز فإن أعمال المعماري الأشهر ميس(Mies )وتُقرأ (Mees )فان دير روهه تتميّز بالنقاء والأناقة والدقّة والصفاء الراقي والطاغي فهو كما قيل طاهرٌ وأعماله يُسمّيها البعض بالزجاجة الطائرة
يستعمل الحديد بمقاطع رشيقة جدا وبهياكل متعامدة بسيطة ومستقيمة وكل هذا مغلّفٌ بزجاج من معظم الجهات مع سقوف مستوية أما القواطع الداخليّة فهي غالبا ما تكون من الحجارة أو المرمر الخالص أو الزجاج أيضا وهي غالبا أيضاً ما تكون متحرّكة حيث لا تتحمّل أيّة أحمال ،لهذا فإن القواطع الداخليّةمحدودة وتؤدّي ما هو ضروري جدا من الوظائف العضويّة
يعتني ميس جداً بالتفاصيل فهو على خلاف المثل الإنكليزي الذي يقول أن الشيطان يكمن في التفاصيل إذ يكرر دائماً أن الرب هو الذي يكمن في التفاصيل ويجد القاريء العزيز أن عنايته بالتفاصيل كما هو موضّح في أحدى الصور تجعله يقدّم تفاصيل بسيطة ومختصرة وذات كفاءة عالية في إداء الوظيفة كما يظهر في تفاصيل سقف إحدى الدور
أهمّ ما يتركه الإنطباع الأول هو ذلك التلاحم بين البيئة الداخليّة للإستخدام مع البيئة الخارجيّة المحيطة بأعماله فنجد أن الحدائق تتخلل مجلس ومعيشة مستخدم البيت وكأن التخطيط المحيط يتدفق إلى داخل البيت وكذلك فإن استخدام الحديقة أو التصميم الخارجي لا ينفصم عن الإستخدام والوظائف الداخليّة وذلك بسبب وجود القواطع الزجاجيّة التي تسمح بالتداخل الفعّال بينهما وهو يُضيف إلى ذلك استخدام الماء والبعض من الجدران التي يتم بناؤها من الحجر .
لا يتردد ميس في اعتماد التماثل في التصميم وهو يؤدّي بذلك قصداً مهما ولازما لأعماله حيث أن معظم أعماله كما ذكرنا مشغولة من الحديد والزجاج والماء وهي شفّافة وبلّوريّة ولذلك فإن اعتماد أفكار فيها اختلال للتماثل في المظهر العام تدفع البصر إلى القلق والأحساس بعدم الثبات والإستقرار والتوازن ولهذا فإن التماثل مقصود عنده لإضافة عوامل الإحساس بالثبات والإستقرار وإقناع الرائي بالمتانة وأن استخدام المواد الشفّافة المذكورة لم يأتِ على حساب المتانة وقوّةالمقاومة، وعلى عكس ذلك يكون الأمر مع المعماريين من أمثال لوكوربوزيه حيث أن العمارة كالنحت تتعامل مع متناقضين هما الكتلة والفراغ أو الفضاء ولمّا كان لو كوربوزيه يعتني بالكتلة فإنه يتّجه لكسر التماثل لأن الكتلة تمكّن النظر من الشعور بالتوازن والإستقرار ومن المفيد والممكن إضفاء شيءٍ من الحركيّة أو كما نقول (الديناميكيّة)
أعماله تتضمّن عنصر النزاهة وحب الأصالة وعدم استخدام الأعمال والمواد المغشوشة ولذا نجده يتجنّب المواد التي يتم صنعها موقعيّاً ويحبّ استخدام الحديد والخرسانة مسبقة الصبّ والمواد المثيلة الأخرى كما أن تصاميمه تتوخّى البساطة المتناهية والتي منشؤها الإستقامة
لم يندفع ميس إلى النحت كثيرا فهو يقول دائماً: إننا نُدير أعمالاً ولسنا فنانين وفي هذا الصدد يختلف عن زميله لو كوربوزيه والذي اشترك معه في أعمال كثيرة وكانا إلى جانب بعضهما يتقاسمان الريادة في العمارة الحديثة بكل جدارة
يؤمن ميس بأن المبنى إذا ما أُريد له أن يكون اقتصاديّاً فإنه يجب أن يُنفق عليه أكثر وقوله في هذا مشهور:الأقلّ في الأكثر(
Less is More )
لقد استطاع بالبساطة الشديدة والأناقة والصفاء أن يؤسس للغة معماريّة جديدة وأن يكون أحد أعمدة العمارة العالميّة المعاصرة
انقسم المجتمع الهندسي الأمريكي إلى قسمين فمنهم من يرى أن أعماله خياليّة و من المتعذّر قبول العيش في مبانيه ومنهم من وجد فيها عمارة المستقبل وأنها تحتاج إلى ثقافة عالية وفكر خلاّق
إنها صوفيّةٌ جديدة تعتمد النقاء في المظهر والطهر وتلبّي حاجات المفكّر والمثقف الرفيع جداً جداً ولا عجب أنه سبق له وأن صمم لعدد من المفكرين والفلاسفة بيوتا هي الآن من فرائد تصاميمه
عندما بدأ بتصميم مبانيه عالية الإرتفاع(ناطحات السحاب)لم تفارقه أفكاره العامّة بل استمرّ باستخدامها كلما أمكن ذلك ولهذا فإن مرحلته الثانية في الولايات المتحدة الأمريكيّة حازت على نقد إيجابي ومتميّز أيضا
بالإضافة إلى عمله المعماري فإنه كان معلّماً من طراز خاص إذ كان يعتني بطلبته في قسم العمارة وبالعاملين معه في المكتب ويتفاعل معهم بما يساعدهم على النجاح في أعمالهم ومساعيهم ولا يتوانى عن منحهم الوقت والجهد المطلوب
وقد اعتنى كثيرا بتصميم الأثاث باعتباره الوحدات الأساسيّة للأعمال المعماريّة واشتُهِرَ بكراسيه وأريكته التي استخدم فيها الجلد والحديد أو الأضلاع الحديديّة أو الكروم وكان الكروم مادّته الموحية في التصميم
إنه مصمم الدور والمباني البلّوريّة
ولكنه بعد أن توفّيَ آل المكتب إلى حفيده لوهان الذي شغف بمذهب ما بعد الحداثة وعمل عددا مما استوحاه من تلك الأفكار ولكنها لم تجد طريقها إلى الشهرة بل يعتقد بعضهم أنها أساءت إلى مستوى ميس
ومن أقواله المأثورة أيضا(أن تكون جيدا خيرٌ من أن تكون أصيلا)و(إن تصميم كرسي أصعب عندي من تصميم ناطحة سحاب)و(تبدأ العمارة حين تضع حجارتين على بعضهما البعض )
إن أعماله باختصار شديد هي عبارة عن موسيقى ..موسيقى من طراز ما كتبه مندلسون أو بعض أعمال ماهلر وموزارأو بعض مؤلفي المرحلة الكلاسيكيّة
وهذا هو شان العمارة الرفيعة..إنها موسيقى
إذ كان ريتشارد فاغنر يقول : إن الموسيقى هي وحدها التي ترفع أو تحطّ من قدر المكان الذي نحن فيه!
ويجدر أن نقول كذلك أن العمارة الراقية هي التجريد الخالص الذي بالرغم من ذلك يتضمّن وظائف حقيقيّة واضحة ومضمون واضح جليّ..

حياته
في مدينة آخن بألمانيا وفي 27 من شهر آذار سنة 1886 وُلِدَ لرجل يُدعى لودفيك ميس (Mies وتُقرأ Mees )يمتلك محلاًّ لتقطيع ونقش الحجر طفلاً حمل اسم ماريا.وبعد أن شبّ الصبي عمل مع والده في المحلّ المذكور، ثم التحق بمكتب برونو باول ببرلين.وفي عام 1908 التحق بستوديوبيتر بهرنز لغاية عام 1912وبتأثير بهرنزاستطاع ميس أن يطوّر محاولاته القائمة على التقنيات الإنشائية للكلاسيكيات البروسيّة،كما تأثّر وتعاطف مع المثل الجماليّة لكلٍّ من المذهب الروسي والهولندي،لقد استعار من كارل فردريك شنكل تصاميمه لمادتي الحديد والزجاج وتأثّر بأعمال فرانك لويد رايت،عمل ميس مع مجلةG ( ومؤسسات مثل نوفنبرج جروب وزيهنر رنك وآربايتسرايت فور كونست) التي بدأت في تموزمن عام 23 والتي كانت تدعم وتشجّع الفن الحديث والعمارة الحديثة كما كان يفعل الفنانون هانز ريختروأل ليزتسكي وسواهم وقد ساهم ميس بفلسفة العمارة لسنوات العشرينات والثلاثينات من خلال كونه مديرا فنيّاً وفي ذلك الوقت ساهم ضمن مشروع مستوطنات شتوتكارت الذي اشترك فيه كبار المعماريين الأوربيين بتصميم وحدات سكنيّة
أسس أول مكتب له عام 1912 وتزوج عام 1913
يُعتبر فان دير روهه إلى جانب كلٍّ من والتر كروبيوس ولو كوربوزيه ومن قبل وسط واسع واحداً من أبرز رواد العمارة الحديثة
بدأ بعد الحرب العالمية الأولى بدراسة تصميم ناطحات السحاب(المباني ذات الإرتفاع العالي)وقام بتصميم برج مبتكر وتصميم مباني عالية الإرتفاع باستعمال الهياكل الحديديّة وكانت واحدة من أعماله ناطحة سحاب شارع فريدريك شتراسةوالتي صممها من خلال مسابقة في عام 1921 ومع أنها لم يتم تشييدها لكنها حازت على نقد أيجابي وقد طبع أسلوبها أعماله في الأربعينات والخمسينات
عندما انتهى زواجه إلى الفشل في 1921قام بتغيير اسمه إلى إسمٍ هولندي هو فان دير واستخدم اسم أمّهِ روهه وهكذا أصبح اسمه لودفيك ميس فان دير روهه بعد أن كان اسمه لودفيك ميس
صمم في عام 1927 واحدةً من أهم أعماله وهو الجناح الألماني في برشلونة وقد عُرف بجناح برشلونة
عمل ميس ما يقرب من عشر سنوات مع مؤسسات الرايخ وتعاون معها
في الثلاثينات توقف تنفيذ أعماله بسبب المصاعب الماليّة التي كانت تعاني منها ألمانيا
لقد كان مديرا لمدرسة باوهاوسمنذ عام 30 حتى تم حلها في عام 33 بضغط من حكومة النازيين
إنتقل ميس عام 37 إلى الولايات المتحدة
شغل منذ عام 38 وحتى عام 58 منصب رئيس قسم العمارة في معهد آرمورالتكنولوجي في شيكاغووالذي تغيّر اسمه إلى معهد إلينويز للتكنولوجيا.في عام 40تم تكليفه بوضع تصاميم الحرم الجامعي والذي ارتقى به في تصاميمه التي يستعمل بها الحديد والزجاج وأصبحت له بذلك علاقة مع الفنانة لورا ماركس والتي استمرّت إلى نهاية حياته
في عام 44 أصبح مواطنا أميريكيا وفي هذه الفترة صمم واحدةً من أهم مبانيه وهي بناية عطلة الأسبوع خارج شيكاغو،لقد كانت عبارة عن صندوق شفّاف يقوم على ثمانية أعمدة حديديّةوداخله عبارة عن غرفة واحدةمع قواطع داخلية وكلها محاطة بالزجاج
كان قد صمم أول بيت في حياته عندما كان بعمر العشرين وكان البيت للفيلسوف ألواز ريهل
حاز على الميدالية الذهبيّة لمعهد المعماريين الأميريكيين عام 1960
درس حياة وأعمال معظم مفكّري وفلاسفة عصره لأنه كان يؤمن بأن عليه أن يُحيط بجوانب العصر الذي يعيش فيه وكان اهتمامه يفوق معاصريه من رواد العمارة الحديثة
خصّص الإتحاد الأوربّي باسمه جائزة سنويّة لأفضل الأعمال المعماريّة العالميّة منذ عام 2000
توفّيَ بألينويز بشيكاغو في 17 آب عام 1969وتم دفن جثمانه في مقبرة جريسلاند في ضواحي شيكاغووشاهدُ قبرِه يعبّر عن أناقته وصوفيّة أفكاره الأنيقة والشفّافة.


فيللا في برنو بجيكوسلوفاكيا


منزل ميس الخاص
 

* مهندس ومنشغل بالثقافة
 

Counters