| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الأثنين 8/10/ 2012

 

بين عصر المسرح وعصر الطابعة 3D..!

سنان أحمد حقّي * 

نُسلّم بالقول الذي يُفيد بأن المسرح هو الأساس وأن القاعدة الراسخة لكل أنواع الدراما إنما هو المسرح وهو المدرسة العمليّة والتطبيقيّة لعموم المهارات التمثيليّة وملحقاتها ولكننا أيضا نُدرك تماما أن التطوّر قد شمل مختلف الفنون والعلوم وأن السينما قد غزت الأعمال الدراميّة بشكل كاسح منذ مطلع القرن العشرين بل انها قد تترك كثيرا من مواقعها الأساس للتلفزيون وللشاشة الصغيرة قريبا ، والتي توشك أن لا تصبح صغيرة تماما ولا ندري بعد هل يترك الجميع ساحتهم للكومبيوتر والمواقع الألكترونيّة بما يُشبه وضع الصحافة والنشر فيأتي يوم نجد فيه عددا كبيرا من المواقع الألكترونيّة وهي تعرض نتاجات دراميّة وتمثيليّة كما هو حال المواقع الحاليّة بالنسبة للأخبار والصحافة والأدب والكتابة المختلفة كبديل ووريث شرعي للصحف والمجلات.

فهل سنظل نجري وراء المسرح؟

ربّما سيبقى كمرحلة أوّليّة تعليميّة أو لتدريب وممارسة الفنانين والفنيين ولكن الأمور تجري جريان الماء في الأنهار والدماء في العروق وليس من المعقول أن تقف أو  نقف نحن وكل شئ يتجدد ويتبدّل
هذا فضلا عن إمكانيّة إنتاج وإخراج شخصيات مبتكرة وصناعيّة سيتم إحلالها محل الممثلين كمرحلة تتابع وتكمّل شخصيات (أفاتار) وبأشكال مبتكرة ومتجددة وحديثة تلبّي طموح المشاهد ، إن التقنيات المستحدثة والجديدة سوف تجعلنا ننسى أو ندع جانبا كثيرا من أسس الفنون التي سادت في الماضي ومنها المسرح للأسف ، أنا من كثر محبّي المسرح ورومانسيّة وانبهار طريقة التلقّي في المسرح وعمق تفاعل الحضور إلى جانب جموع من الناس وأنت تستعدّ للمشاهدة فضلا عن مشاعر الإبهار والتأثير النفسي بل والتحضير النفسي وما توفّره تقنيات المسرح من مؤثرات على الحضور ..إلخ ولكن ظهور السينما قدّم ما هو أكثر تأثيرا وإنبهارا فلقد أحدثت السينما بفنونها وتقنياتها الواسعة إثارة لم يسبق لها مثيل واستقطبت عموم الناس صغيرهم وكبيرهم مثقفهم ومتنوّرهم إلى جانب محدودي الثقافة والمعرفة وجعلت الجميع يشعر بالإقتناع بما تقدّمه ولكن التطوّر سرعان ما أصبح سريعا فلم تمضي سوى عقود محدودة حتّى بدأت السينما تترك الساحة لصالح التلفزيون نظرا للمزايا التي وفّرها التلفزيون وأشبعت حاجات الناس وأقنعتهم أكثر فأكثر فلم تعد هناك أيّة حاجة للإستعداد للسهرة والتأنّق وتكبّد الذهاب إلى أي دار لا المسرح ولا السينما بل أصبح ممكنا أن نأتي بالسينما أو المسرح إلى البيت وأن نشاهد كل تلك الفنون ونحن بثيابنا الإعتياديّة بل ونحن نتحادث ونمرح أو نعلّق على ما نُشاهد وأحيانا ونحن نتناول بعض المرطبات أو الحلويات أو بعض الوجبات السريعة ..إلخ من المزايا المفيدة والتي توفّر علينا كثيرا من العناء ولا يُنقص ذلك من إنتفاعنا واستمتاعنا الثقافي والفنّي بل أمكننا أن نشاهد أكثر مما كنّا نشاهد أيّام السينما والمسرح بكثير وبتكاليف أقلّ كثيرا أيضا.

والآن نعيش زمن الكومبيوتر والنت وكما تحوّلنا من شراء الصحف اليوميّة  وشراء المجلات وبعض الكتب أصبح بإمكاننا صباح كل يوم أن نطالع عددا من الصحف المختلفة وعددا آخر من المجلات والإطلاع على تفاصيل إخباريّة لم يكن ممكنا الإطلاع عليها إلاّ عن طريق جانبي أو شبه خفي وأصبحنا نقرأ آراءً مختلفة منها ماكان كثير من السلطات يحرص على التعتيم عليه أو إخفائه بل أننا أصبحنا نشاهد كثيرا من الأفلام السينمائيّة والمسرحيّات الكلاسيكيّة وبعض الأعمال التمثيليّة وأمكن أن نشاهد كثيرا من الأوبرات والباليهات والمسرحيات الغنائيّة التي لولا الكومبيوتر والنت لم يكن ممكنا أن نشهد ونحن في بيوتنا مثل تلك الأعمال ولا بعد قرن من الزمان ولولا حاجز اللغات الذي يأخذ بالتصدّع يوما بعد يوم لأمكن الإطلاع على فنون وآداب وثقافة عدد من الأمم التي لم نكن نفكّر بالإطلاع عليها ولا بعد زمن طويل.

إننا نوشك أن ندخل عصرا جديدا فعلا يمكّن المختصين بالدراما على أنواعها أن يضعوا ويقدّموا أعمالا متكاملة بدءا من النص إلى الممثلين الذين يتم تصميمهم رقميّا إلى إخراج العمل حتّى النهاية ومع كافة مستلزمات العمل الدرامي من موسيقى ومؤثرات وصوت وغيره بواسطة فنان واحد أو أكثر قليلا ثم نتلقّى مثل تلك الأعمال بواسطة النت عن طريق الكومبيوتر ونحن جالسين في البيت نشرب المرطبات ونتناول الفشار وقد نستطيع اختيار مواقع مختلفة تقدّم أشكالا من الفنون التمثيليّة عن طريق مواقع متخصّصة أسوة بالمواقع الأدبيّة والفكريّة والسياسيّة والأخباريّة الجارية هذا اليوم، وكما نفعل في شبكات التواصل الإجتماعي ( فيس بوك وتويتر وغيرها ) حيث نتعرّف على أصدقاء ومعارف لم يكن ممكنا التعرّف عليهم أو يمكن ، ولكن ليس بهذه السهولة والسرعة.

أيّها القارئ العزيز إننا اليوم مقبلون على عصر جديد بحقّ فلقد أصبح الآن ممكنا أن نصنع العالم الذي نحب أن نعيش فيه ونصمم كل ما يُحيط بنا وكل ما يلزمنا من أشياء وأعني كل شئ تماما فها هي الطباعة ثلاثيّة الأبعاد توشك أن توضع في متناول الناس بعد أن يتم إنجاز الإبتكارات اللازمة لجعلها من الناحية الإقتصاديّة في متناول أيدينا وغنيّ عن القول أن الطباعة ثلاثيّة الأبعاد هي إنتاج الأشياء المجسّمة التي يُشكّلها المبرمج داخل الكومبيوتر بالأبعاد الثلاثيّة وأعني عندما نضع تصميم ملعقة مثلا فإنه سيكون بمستطاعنا أن نتجها بالتمام والكمال عن طريق طابعة ثلاثيّة الأبعاد باستخدام بعض المواد التي يتم تزويد الطابعة بها كما نزوّد الطابعة الليزريّة التي أمام مكتبي الآن بالأحبار أو الأحبار الملوّنة وننقر على آيكون الطابعة لنحصل على الصور أو الأشكال وقد تم طبعها وبالألوان وفي الطابعة ثلاثيّة الأبعاد فإنه يتم إنتاج الجسم الذي يتم تزويد الكومبيوتر بتفاصيل شكله وأبعاده الهندسيّة ليتم إنتاجه بواسطة الطابعة الثلاثيّة الأبعاد فعلا وحقيقةً فإذا طلبنا طبع ملعقة مثلا كما قلنا فإنه سيتم إنتاج ملعقة كالتي طلبناها تماما ولكن بمواد موحّدة هي نفس المواد التي تم تزويد الطابعة بها ولا أعلم لحد الآن ما هي المواد المتاحة لعمل هذه الطابعة الآن ولكن توجد بدائل كثيرة منها البوليمرات وبعض المواد البلاستيكيّة وهذا لن يكون عائقا أبدا .

هل سيمضي العالم كله إلى الإنتقال إلى قدّام، إلى أن يُصمم كل شخص عالمه وبيئته وما يُحيط به جميعا والذي يريد العيش فيه ويُنتجه؟ فإذا تم ذلك فهل نبقى نراوح في المسرح وأفكاره الرومانيّة التي تراكم فوقها تلال من المنجزات في الوقت الذي سيقوم فيه الفنان في باقي أنحاء العالم بإنتاج عمله كاملا من تأليف النص إلى الإخراج إلى تصميم الممثلين والمؤثرات المتنوعة وحتّى مختلف الفنون والتقنيات الأخرى ؟ وربما يقوم بكل هذا شخص واحد يستعرض فيه منظومة أفكار وإبداعات ويُقدّمها دون الحاجة إلى دار عرض ولا شراء أكسسوارات ولا تشغيل كومبارس ولا مساعدة من أي جهة أخرى.

المسرح هو الأساس وهو أبو الفنون ! نعم ولكن علينا أن ننظر إلى أمام وبعيدا أيضا ولننظر ما ستؤول له الحال بعد أن تتوالى كل هذه المجزات العصريّة!

لم ولن يكون صحيحا ولا عمليا مواصلة تبنّي الإبداع المسرحي وحده بل يتحتّم على جميع العاملين في المسرح أن يُتابعوا التقدّم ومسايرة الحركات العالميّة في الفنون التمثيليّة كافّة ولا ننسى أن ننبّه إلى حقيقة غفل عنها كثيرٌ من الفنانين وهي أن أعمالهم في المسرح مهما بذلوا فيها من جهود فهي عرضة للنسيان والضياع لأنها في الغالب غير محفوظة وهذا أحد أهم عيوب المسرح في الوقت الذي ما زلنا نستطيع أن نستحضر كثيرا من الأفلام السينمائيّة التي أنتجت في العشرينيات والثلاثينيات وما قبلها ، لقد قدّم فنانونا ومنهم من نستطيع أن نطلق عليهم عمالقة الفن العراقي ورواده قدّموا ركاما هائلا من الأعمال ولكن الجيل الجديد يفتقر إلى ما يجعلهم يتعرّفون إلى جهودهم فكيف بالأجيال القادمة ؟. من سيعلم ما ذا قدّم يوسف العاني للمسرح ولا ماذا فعل سامي عبد الحميد أو حقّي الشبلي أو زينب أو ناهدة الرماح أو غيرهم ممن أفنوا زهرة شبابهم في تشييد  وبناء فنّ المسرح والفنون التمثيليّة؟ لو سمح لي محبوهم ومحبوا المسرح أن أقول وأنا آسف ، لقد ضاع كل شئ وهذا ما يُنكره البعض ولكنّه هو ما حصل بالضبط.

إن المسرح جانب مهم لو توفّر له التوثيق والحفظ وهذا مضى عليه ما مضى فدعونا نحرص على الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والإستعداد للإنتاج المتطوّر الذي تُصاحبه التقنيات العالية والذي تتهيّأ له النت والكومبيوتر.

ليس هناك فرصة ولا إمكانيّة لأي نوع من الحراك ؛ إلاّ إلى أمام .

 

* مهندس ومنشغل بالثقافة

 

 

free web counter