| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الجمعة 7/9/ 2012

 

البصرة من منظور التنمية الشاملة

سنان أحمد حقّي * 

نحن أهل البصرة ونخصّ القديمين منهم نرحّب بأيّة أفكار من شانها أن تُعيد لهذه الحاضرة العربيّة الإسلاميّة دورها الحضاري والإنساني الذي لطالما تميّزت من خلاله ، وغنيّ عن الذكر ما تمتّعت به البصرة من أهميّة على صعيد العلم والمعرفة والثقافة فمع أنها تقع من عراقنا الغالي موقعا فريدا من حيث الأنشطة الإقتصاديّة والإجتماعيّة ألاّ أن دورها تاريخيّا كان مميّزا جدا في النواحي الثقافيّة والعلميّة ، وليس في مقالنا هذا متّسعٌ للخوض في هذا التاريخ المجيد منذ أن تم تشييدها حوالي سنة 14 للهجرة أي حوالي 635 م. وهوحتّى قبل تمصير الكوفة بسنتين على الأقلّ، ومنذ ذلك الوقت وهي تواصل عطاءها العلمي والثقافي رغم ما مرّ عليها من إحَنٍ ومحن واحتلالات ومجاعات وأمراض وفتن كبرى وما تزال كثير من المشاهد قائمة فيها لتدللّ على حضورها العلمي والثقافي والحضاري لما يزيد على أربعة عشر قرنا بشكل مستمرّ ومن غير شك فإن إستمرارها على هذا النهج الذي واصلته للقرون الطويلة هو ما يُسعد البصريين ويمدّهم بالحماس والتفاعل مع أسباب البناء والإعمار والتقدّم لمصلحة شعبنا الأبيّ  .

لقد خرج من البصرة في العصر الحديث كثيرٌ ممن واصلوا العطاء الإنساني والحضاري إلى يومنا هذا فمنهم السياسيون والإقتصاديون والخريجون والأدباء والفنانون ومنهم العلماء والأطباء ومختلف المبدعين وليس هذا بغريب على من تمتلك كل هذا التاريخ العريق والمتفاعل مع الرقيّ الحضاري .

ومع أنه يُسعدنا أن تتمتّع بأهميّة إقتصاديّة كبيرة بالنسبة لعراقنا الغالي لكنّنا نريد أن يُنظر إليها بمنظور حضاري شامل أي ( Comprehensive) ونأمل أن القارئ الكريم يعلم أن لا علاقة بين هذا الإصطلاح وبين (Totalitarian) الشمولي ، فالمقصود هو التنمية الشاملة التي يتحدّث عنها معظم منظري التنمية المستدامة وأصحاب النظريات التنمويّة الحديثة .

إن إتباع منهج التنمية الشاملة في منطقة أو إقليم واسع النطاق والفعاليّة مثل البصرة يُحقق أو يُساعد على تيسير خطى التنمية المستدامة في البلاد برمّتها ولطالما كانت هذه مهمتها حضريا وإقليميا فإن البصرة كانت لقرون طويلة كما أسلفنا تتمتّع بأهميّة إستثنائيّة من جميع الجوانب وقد كانت حدودها في العهود الماضية كبيرة وواسعة بما يتناسب وحجم دورها الستراتيجي البارز ففي العهود الإسلاميّة الأولى والوسيطة كانت تمتدّ من شمال عدد من الحواضر العراقيّة الجنوبيّة الحاليّة حتّى عمان وحتّى بحر العرب والمحيط الهندي وإلى يومنا هذا ما زال قارئوا التاريخ يقرؤون عن كبار البحارة وعلماء البحار من أمثال إبن ماجد وإبن فضل النجدي وغيرهم ويكتشفون ان التاريخ يضعهم مع أهالي البصرة في حين أنهم نشأوا وولدوا في عمان أصلا كما أن قصص ألف ليلة وليلة والروايات القديمة لا تنفكّ تذكر البصرة وتصفها وتصف أهلها والحياة الإجتماعيّة فيها ويكفينا ما يُروى من رحلات السندباد البحري وهو وإن عرفناه شخصيّة من شخصيّات أدب الرحلات والروايات الشعبيّة ألاّ أن بعض الباحثين يؤكّدون أنّه شخصيّة حقيقيّة كما بلغنا من أن بعضهم مَن أشار إلى أن بيته بالبصرة يمكن الإستدلال عليه وتحديده فعلا وفي العصر الوسيط وعندما نشأت عمان كدولة وامتدّ نفوذها في بقاع مختلفة من المنطقة فمن الطبيعي أن تنكمش حدود هذا الإقليم الواسع إلى ما يُقارب  حدود الإمارات العربيّة الحاليّة وقد إمتدّ نفوذها الإقتصادي والثقافي والعلمي إلى  أجزاء واسعة جدا من جزيرة العرب فمعظم نجد كانت تحت سيادة البصرة إلى أيّام قريبة ولو إطّلعنا على حدود ولاية البصرة في أواخر العهد العثماني والتقسيمات الإداريّة التابعة لها لوجدنا أنها ولا ية مترامية الأطراف تمارس سيادتها ونفوذها على إقليم كبير وقد كانت طوال الأربعة قرون التي مضت هدفا لإقامة حكم عربي يضم كافة المناطق من جنوب بغداد حتّى جنوب الأحساء والقطيف ومن أهوار الحويزة وحتّى بطون نجد أوحتّى نفوذ أشراف مكّة المكرمة والمدينة المنوّرة ومن يُريد أن يطّلع على تفاصيل تاريخها فإن الأمر يسير .

ومع أن نشوب الحرب العالميّة الأولى ادّى بالوضع إلى نشوء وقيام دول جديدة وإمارات متعدّدة كان معظمها على حساب الولايات الكبرى كالبصرة ألاّ أن البصرة بقيت تتمتّع بأهميّة ستراتيجيّة عظيمة وقد كان تشكيل الدولة العراقيّة الحديثة قد نشأ عبر ضم الولايات العثمانيّة الثلاث( بغداد والموصل والبصرة) مع بعض التعديلات المتنوّعة والتي جرت تدريجيا ولهذا فإن البصرة كانت وما زالت أحد ثلاثة أحجار رئيسة تكوّنت منها وقامت عليها الدولة العراقيّة الحديثة .

ولكن معظم سكان المناطق التي كانت تحت إدارة ولاية البصرة بقيت تنظر للبصرة نظرة الأطراف إلى المركز طيلة سنوات طويلة والدليل على هذا قيام ونشوء معظم الشركات والأعمال التجاريّة الرئيسة وقد كانت معظم دول الخليج الحاليّة تستورد إحتياجاتها عن طريق ميناء البصرة وبواسطة التجار البصريين حتّى خمسينيات القرن العشرين كما أعلمني بهذا بعض رجال الأعمال، كما أن للبصرة الريادة في إصدار الصحف وإستيراد المطابع وتوزيع المطبوعات ولم يكن ينافسها بعد الحرب الأولى سوى جدّة وهي نفس الميناء السعودي الحالي وأقيم أو أنشئ في البصرة أول مطار حديث في المنطقة وكان مطارا مزدحما وكثير الحركة في تلك الأيام التي لم تكن التنقلات بالطائرات شائعة كما هي عليه الآن وقد ساعد هذا على سهولة توزيع الصحف العالميّة والعربيّة والمنشورات والمطبوعات المختلفة فكان من اليسير أحيانا أن تحصل على الصحف والمجلات البريطانيّة والمصريّة في وقت صدورها وذلك بسبب النقل السريع بالطائرات . وبالرغم من وجود موانئ خليجيّة من الجانبين العربي والفارسي كالبحرين وأبي شهر وبندر عباس والمحمّرة وموانئ المنطقة الشرقيّة كالدمام ألاّ أن ميناء البصرة بقي ميناءً نشيطا لزمن طويل أثار حسد كثير من الجيران وكانت مكاتب الشركات البحريّة تملأ المدينة وغالبية الخطوط البحريّة تستهدف البصرة وميناء معقل كمحطة نهائية.

لم يتم إنشاء وفتح مدارس حديثة في عموم المنطقة المجاورة قبل الحرب الأولى إلاّ في البصرة حتّى تم فتح مدارس متنوّعة للمراحل المختلفة ليتخرّج فيها الرعيل الأول من رجال العلم والثقافة والسياسة ورجال الدين في مختلف البلاد المجاورة ولا سيما البلدان الخليجيّة بل حتّى اليهود الذين تبوّأوا فيما بعد مناصب عليا في إسرائيل نفسها وما زال كبار المثقفين وأوائل الخريجين يتذكّرون أيام دراستهم في البصرة وتقول إحدى الفضليات العربيات وقد كانت تلقت تعليمها في البصرة وقتذاك أنها شاهدت أول فيلم سينمائي في البصرة بصحبة بعض بنات العوائل الرفيعة  أيّام كان المشاهدون يفهمون الإنكليزيّة ولم تكن هناك ترجمة ولم ترد بعد الأفلام العربيّة وقد عجبت للعدد الكبير الذي كان يرتاد دار السينما ويفهم اللغة ويضحك على ما يدور من النوادر والطرائف في لحظتها وقد أصبحكثير من أولئك الذين تلقوا تعليمهم في البصرة في بلدانهم الآن روّاداً .

إن إنتهاج منهج التنمية الشاملة هو السبيل الذي ياخذ بيد المدينة العريقة هذه إلى مرافئ التقدّم والمجد المنشود وأننا لا ننسى أن توقيع مشاريع كبرى ومتنوّعة في البصرة سابقا قد عاد بنتائج ليست كلها حسنة ومن تلك النتائج أن الإستثمارات الكبرى التي تم إقتراحها في عهود سابقة عملت على زيادة عظيمة في عدد السكان بما لا قبل للمنطقة على إستيعابه فلم تكن هناك قدرة لا محليّة ولا إقليميّة على توفير كامل الخدمات الحضرية منها والإجتماعيّة ايضا لمثل تلك الزيادة فحدث إنقلاب إجتماعيّ إن صح التعبير بسبب ذلك وتغيّرت التركيبة الديموغرافيّة للمنطقة كمّا ونوعا ووفد كثير من أبناء المحافظات الأخرى على المنطقة بسبب حرمان مناطقهم من مثل تلك الإستثمارات وتبع ذلك تغييرات مهمة في البنية الإجتماعيّة الإقتصاديّة للمدينة وإقليمها معا فمعظم أراضي المدينة بإقليمها الواسع تكاد تكون محجوزة لمختلف المهمات فمنها نفطيّة ومنها آثاريّة ومنها محرّمات لخطوط النقل والمواصلات كالطرق والسكك ولخطوط نقل الطاقة ولأغراض أخرى شتّى كالموانئ والأغراض الستراتيجيّة والعسكريّة أو من حيث عدم صلاحيتها للإستثمار نظرا لظروف تربتها أو ملوحة أراضيها كما قلنا وانغمارها بمياه المدّ المالحة والتي تُسمّى بمياه( الموح)او بسبب الأراضي البور والتي تسمّى بالسباخ و أغلب أوقات السنة ؛ ولهذه الأسباب فإن أي رغبة في التوسّع ستكون في مواجهة مصاعب غاية في التعقيد والتكلفة، واليوم وبعد تزايد عدد الوافدين الهائل خصوصا بعد تغيير النظام الذي حصل عام 2003 حيث تضاعف عدد السكان أضعافا مضاعفة  فإن توقيع إستثمارات هائلة في نفس المنطقة سيضاعف مشاكلها البيئيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة كما أن تأثيرات شحّة المياه وانقطاع كثير من وارداتها المائيّة سيسبب كما يتوقّع كثير من خبراء التنمية التابعين للأمم المتحدة سيسبب تزايد الهجرات الجماعيّة فيما بين المحافظات وبالتالي فإن البصرة مرشّحة أيضا لاستضافة عدد متزايد منهم بسبب كونها المركز الأكبر الذي يمكن أن يوفّر فرصا أكبر للعمل ويحصل هذا في الوقت الذي إنكمشت فيه الأرض الزراعيّة والتي كانت سلّة خضار منطقة واسعة منها كثير من الدول المجاورة فمناطق النخيل أتت عليها الحروب وانقطاع المياه وملوحة التربة التي باستمرارها لآماد طويلة دون معالجة تحوّلت إلى تربة قلويّة أي أصبحت بورا تماما وبسبب قطع المياه من الوافد الواقعة خارج الحدود ومنها ما آلت إليه المناطق في الوجه الصحراوي والتي أصبحت في المرحلة التالية مصدرا لتمويل العراق بالطماطة ومختلف الخضروات  حيث يشكو أصحابها الآن من ملوحة الآبار التي كانوا يسقون منها زروعهم ويُعانون من تركة الحروب المختلفة وآثارها وهم الآن يؤجّرون ويستخدمون كثيرا منها لأغراض صناعيّة وحرفيّة .وهكذا يضيّق يوما بعد يوم المسرح الذي تقوم عليه كافة الفعاليات الإجتماعيّة الإقتصاديّة .

إن تكريس هذا الواقع دون تخطيط ودراسة دقيقة ودون ضوابط شديدة،لا شكّ سيؤدّي إلى تفاقم المشاكل الإقتصادية في البلاد وإلى إعداد خارطة حضريّة جديدة وإلى نشوء دواعي أكبر لإعادة رسم السياسة الإقليميّة من جديد .

إن واقع مدينة البصرة وإقليمها ونقصد حاليا عموم المحافظة قبل أن تتأثّر بمدن المحافظات المجاورة كمسرح للفعاليات الإجتماعيّة الإقتصادية يسمح لحجم محدود فقط منها وليس بوسعنا أن نعمل على التوسّع بلا حساب فلو حسبنا تشييد منشآت كبرى فلابدّ أن تكاليفها ستمتصّ ما هو بمقدور الخطط التنموية  تخصيصه وتتجاوزه  بسبب وضع الأرض والتربة وملوحة التربة القلويّة وارتفاع المياه الجوفيّة وحرارة الجووبسبب صعوبة توفير مياه لا صالحة للإستخدام البشري فقط بل غير صالحة للإستخدام الصناعي والزراعي أيضا فضلا عن مشاكل توفير الطاقة التي سيكون الطلب عليها هائلا فيما إذا تم توقيع صناعات كبرى في الإقليم آخذين بالإعتبار درجات الحرارة  التي تبلغ الآن صيفا أكثر من إثنتين وخمسين درجة مئويّة وبسبب قلة الأمطار المتساقطة في عموم السنة وكذلك بسبب تقادم غالبيّة الأبنية التحتيّة ولا سيما الحضريّة مما يتطلّب التفكير بإنشاء أبنية تحتية جديدة كليّا .

النظر إلى البصرة بمنظار النشاط الإقتصادي فقط لا يسرّ أهاليهالأنهم سيظنّون أننا ننظر إلى بقرةٍ حلوب وحسب إذ أنها بحاجة ماسّة إلى نهضة شاملة ولاسيما العلميّة وهي وأهلها جديرون بذلك بسبب بلائهم تاريخيا في مختلف العلوم والفنون والآداب  وبسبب سبقهم في المساهمة في بناء الدولة والكيان السياسي الحديث فلقد كان على الدوام رجال بصريون يُشاركون في الحياة السياسيّة في العراق ومن الأسماء التي ما زالت عالقة بالذهن على إحترامنا لميولها ووجهات نظرها السياسية المختلفة ، نضرب مثلا طالب باشا النقيب والأستاذ محمد زكي رئيس مجلس النواب والشيخ صالح باش أعيان البصرة عضومجلس الأعيان وعضومجلس الوصاية على العرش سابقا والأستاذ برهان الدين باش أعيان الوزير السابق وعبد اللطيف باشا المنديل الوزير لوزارتين معا في وزارة النقيب الأولى قبل عهد المغفور له الملك فيصل الأول واسماء كثيرة لامعة أخرى سواء من المسلمين أو المسيحيين أو اليهود أو الأديان والطوائف الأخرى الذين كانوا يسكنون البصرة هذا فضلا عن العديد جدا من الشخصيات الوطنيّة من مختلف الميول والتيارات السياسيّة والتي قدّمت الغالي والنفيس بل بذل كثيرٌ منهم حياته ومستقبل أبنائه في سبيل هذه البصرة الزهراء ومناضلوا الحركة الوطنيّة العراقيّة ما زالوا يتذكّرون أولئك الأبطال بكل إعتزاز وفخر، ، كما أن عوائل عريقة كثيرة جدا  أخرجت للبلاد وللمدينة وللأمة رجالا مقتدرين وأكفاء ولامعين في ميادين مختلفة كالتجارة والصحافة والتعليم والعسكريّة من أمثال بيت النقيب والرديني وباش أعيان البصرة والمناصير والإبراهيم والذكير والصالح والسعدون و بيت الميرزا والزهيروالنعمة وبيت الشيخ خزعل وغيرها كثير نخشى أن ننسى بعضا منها فنُعرّض أنفسنا للعتاب ولا ننسى جهود أبناء العشائر والقبائل المختلفة التي ساهمت بأدوار في ظروف مختلفة ومازالت تذبّ بالغالي والنفيس دون هذه الحاضرة المجيدة وفي سبيل رقيّها ورفعتها وكذلك المئات من العوائل الكادحة وأبناء الطلائع الثوريّة والعمال الذين اسّسوا أوائل الخلايا الثوريّة وبذلوا رغيف خبزهم في سبيل مجد هذه الحاضرة الغالية.وسجّلوا بالنور والدماء إخلاصهم ووطنيّتهم إلى جانب قضاياهم الطبقيّة.

وفي مقابل الهجرات الوافدة للمدينة فقد حدثت هجرات كبيرة أيضا إلى خارجها تواصلت منذ أكثر من قرن وقد إستقبلت بلدان الجوار عددا منها ولا سيما بلدان الخليج والمملكة العربيّة السعوديّة فضلا عن البلاد العربيّة ودول الجواربل حتّى كانت هناك هجرات إلى أمريكا في وقت مبكّر من إستقلال الولايات المتحدة الأمريكيّة ، ولكن تعاقب الهجرات لمختلف الأسباب جعل أثرها أي أثر الهجرات يتجاوز المنطقة في العقود الأخيرة وأصبحنا نجد مهاجرين عراقيين يُقيمون في أوربا وأمريكا وأستراليا وفي أقصى بقاع الدنيا، ويبدو أن الطاقة المؤثّرة في إحداث هذه الهجرات تتعاظم وتستمرّ وتتجدّد وستتجدّد بقوّة ما لم نركن إلى مبادئ التعايش والتسامح  ومبادئ التنمية الشاملة كما نحاول أن نثبت هنا.

إن النظرة وحيدة الجانب إلى هذه المنطقة ستخلّف مشاكل تنسحب على عموم البلاد بل وربما على ما جاورنا من بلدان لأن أي إنهيار ديموغرافي كبير لا شك سيُشظّي الكثير من الشظايا التي سيصل مداها بعيدا وبعيدا جدا وربما إلى كافّة بقاع العالم .

بكل تواضع ندعو إلى إعداد خطط وبرامج تنمويّة شاملة لعموم البلاد وعموم المحافظات لكي نُديم التنمية والنهضة في كل مكان ونحدّ من الهجرات بين المحافظات التي ستؤثّر حتّى على الأمن والشئون العسكريّة لمنطقتنا ولعموم البلاد المجاورة وأن مخطـِّطا مهما كان كفوءا أو منظـِّرا ستراتيجيا وخبيرا لن يستطيع معالجة أوضاع تتفجّر فيها هجرات متلاحقة وكبيرة ومتنوّعة ولن يخدم هذا الحال لا المخططين الستراتيجيين ولا السياسيين الذين سيجدون الأرض تنشقّ تحت أقدامهم وتضطرب بوصلتهم فلا يعودون يعرفون طريق النجاة.

إننا كبصريين نعرف كثيرا من مكونات واقع منطقتنا ونعتقد أن التنمية الشاملة هي سبيل النهضة المنشودة إذ ليس بوسع أحد أن يقوم كل يوم بتصحيح هيكلي للإقتصاد بعد أن تتشابك الخطى وتتعقّد ولذلك نرجو إستهداف منهج التنمية الشاملة ولا نقصد به معنى الشموليّة طبعا كما أسلفنا وأن يكون العلم والتعليم والخدمات والصحة والبيئة والثقافة والفنون هي أركان نهضة مدينتنا بالإضافة لمتطلبات البناء الإقتصادي الذي يخدم عموم البلاد وجميع المحافظات ونأمل أن لا يكون النفظ محط نظرنا الوحيد بل جميع الفعاليات الإجتماعيّة والإقتصاديّة والعلميّة ومردوداتها المختلفة .

إن بصرتنا تضمّ اليوم ومنذ عقود سابقة عديدة حركة ثقافيّة وفنيّة وأدبيّة أصبح لها تأثير على الحياة الثقافيّة ليس في العراق فحسب بل في المنطقة العربيّة والشرق الأوسط بل بالنسبة لبعضها كالحركة التشكيليّة والفنون التمثيلية فقد أستطاعت إلى جانب حركة الشعر والقصّة أن تنتشر في عدد من مناطق العالم البعيدة وذاع صيت شعراء البصرة وفنانوها وأدباؤها في منطقة واسعة من العالم كما يُشتهر بصريون في بعض بلاد العالم بالعلم والطب  وفي مختلف فروعه.

والبصرة أهلا بأهلها لذلك ! بشكل أوسع من مضمونها الإقتصادي وسمتها الإقتصاديّة بشكل منفرد ومنعزل..! ولذلك فالمطلوب هو برامج وخطط تنمويّة لجميع جوانب الحياة الإجتماعيّة والإقتصاديّة بفروعها الصناعيّة والزراعيّة والخدمات الحضريّة والإنسانيّة والنقل والمواصلات وغيرها بما لا يُحطّم ما تبقّى من أبنيتها الإجتماعيّة والفوقيّة كالأخلاق والأمن وحب الإستقرار والعلاقات الإنتاجيّة السامية والثقافة واحترام النظام العام والتسامح الديني والطائفي الذي كان مضرب الأمثال ليس في العراق وحسب بل في عموم المناطق المجاورة .
 

 دهوك في 5 أيلول 2012

 

* مهندس ومنشغل بالثقافة

 

 

free web counter