| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الثلاثاء 29/5/ 2012

 

شايف وعايف..!

سنان أحمد حقّي *

الحياة خِبرٌ وتجارب وربّما تكون هي السبب وراء الأخطاء والخطايا التي يرتكبها الناس فمنهم من يُخفيها طول العمر أي يتعلّم أن يعيش معها ومنهم من يتجاوزها تماما ومنهم من ينتفع بها كخبرة وتجربة فيحللها وينتفع بما جلبته من معارف فتكون تلك إيجابيات تُضاف إلى خبراته ويتجنّب ما ينتج عنها من سلبيات ولولا أن مسّ الإنسان الناروانكوى بها وعلم حرارتها ما انتفع بها ولهذا أجد أن قول الرسول الكريم (ص) (كلكم خطّاؤون وخير الخطّائين التوّابين) قول فيه من الحكمة ما لا يوصف فليس الخطأ بثرة على خدّ المرء ُتعوره وتشينه بل ربما جعلها الله عند صلاحه حسنة أو (شامة) تزيّنه ومن الناس من يستطيع جمع أموال غير قليلة في حياته ولكنه يستثقل همّها فيعتزل هذا الهمّ ويكتفي بما عنده ويتّجه للإنتفاع بها في إشباع حاجاته وحاجاته الأساسيّة ومنهم من يصل إلى مناصب ليست في متناول كل الناس ولكنّه ينصرف وهو في أوج نشاطه إلى أسرته وشئونها ويترك سباق المناصب لغيره ومنهم من يُفلح في الحبّ وينجح في بناء علاقات مع النساء يُحسد عليها فعلا ولكنّه يترك كل هذا المجد الخفيّ إلى زوجة متواضعة الحسن وأولاد يملأون عليه حياته ولا أريد أن أسرد تفاصيل تنازل ملك بريطانيا الملك أدوارد عن ملكه كلّه في سبيل سعادته ومحبوبته ومنهم ومنهم وهكذا ومثل هؤلاء يًسمّيهم الناس أو يُلقّبونهم بلقب جميل وواضح (شايف وعايف) وهو يُترجم سيرتهم بكلمتين فقط فقد عرفت أشخاصا تمكّنوا من أن يصلوا إلى إدارة مؤسسات ليست بسيطة ثم اختاروا مجموعة أصدقاء يتسامرون معهم في المقهى القريب أو من خلال زيارات حميمة ويتبادلون النوادر وذكريات الأمس والأغاني التي يُسمّونها بأغاني الزمن الجميل ، أعرف شخصا طلبه عدد من الناس إلى عضويّة مجلس النواب يوم كان هذا المنصب شيئا لا يحلم به كثير من الزعماء السياسيين ولكنه رفض وحاولوا إقناعه ولكنه أصرّ ليس لسبب سياسي أو مخالفته للوضع القائم آنذاك ولا لأي سبب آخر سوى أنه قال أنا أريد أن أنصرف لتربية أولادي! وهكذا وكلهم كانوا شايفين وعايفين فعلا ولكنّي اليوم أتذكّر آخرين من الشايفين والعايفين ومن نوع آخر وهم الذين يُحاولون أن يُنزّهوا أنفسهم من أبسط التجارب الإنسانيّة وبشتّى الوسائل ظنّا منهم أن جهودهم هذه تستطيع أن تضعهم في مصافّ الملائكة أو المرسلين من السماء ولا يكاد أحدهم يُصدّقك عندما تذكّره أنّه كان لا يُنظّف أنفه عند الإصابة بالزكام أو أنه إلى الآن يتبرّز وأن الناس جميعا تفعل هذا ولا عيب ولا عار في ذلك فعلى هذه السجايا خلقنا الله وسنبقى هكذا إلى ما شاء .

على أيّة حال

أعرض لكم نوادر من صورة الناس الشايفين والعايفين على طريقتهم الأخرى

حدّثني الراحل الأستاذ أمل ذنون أيوب نجل الأستاذ القاص والأديب الكبير الراحل ذنون أيوب يوما وكان محبّا للطرائف والنوادر ويرويها بشكل مشّوق وغريب حيث يمزج معها شيئا من الجدّ فيصوّرها تصويرا فذ ّا يقرّبه من موهبة سلفه القاص المجوّد فقال: كانت مجموعة من الطلبة الذين يدرسون في إحدى الجامعات العالميّة يُقيمون في قسم داخلي وتربطهم علاقات حميمة مع بعضهم رغم أنهم من شعوب مختلفة ومن مختلف القارات والألوان والأجناس وفي أحد الأيام جاءهم أحد الطلبة الأفارقة وقال : خذو حذركم من فلان فهو من قبيلة تأكل لحوم البشر! ففغر فوه الجميع وذ ُعروا وخاف كل واحد منهم على نفسه فبادر أحد العراقيين للتثبّت من الموضوع على وجه اليقين فافتعل مناسبة ودعا مجموعة من زملائه ومن بينهم ذلك المشكوك في امره وقدّم لهم الطعام والشراب حتّى أيقنوا أن صاحبهم قد أصبح مخمورا وأن مغاليقه قد أصبحت مهتزّة أو يكاد ، سألوه إن كان بين منطقتهم قوما يأكلون لحوم البشر فغضب وهاج وانفعل وصارحوه بأن أحدهم أخبر أنه أي الحاضر من تلك القبيلة فازداد غضبا ثم قال بهدوء محاولا إقناع الحضور : يا أخوان لم يعد في أفريقيا من يفعل هذا وما تقولونه كان يحدث عندما كنّا صغارا فقط أمّا الآن فلا يوجد هكذا شئ! وفي اليوم اللاحق إنتقل معظم الطلبة من ذلك القسم!

وقد مرّ علينا أن كنّا فعلا نشهد ظواهر غريبة منها أنّه عندما كان الجراد يكثر ويُهاجم المزروعات فيأكل كل شئ ، كل المزروعات بل كل شئ أخضر وكان أعوذ بالله يُهاجم مناطق بأكملها على شكل سحابة كبيرة تُغطّي قرص الشمس فيأتي على كل شئ كما قلنا بل أن الوجه الصحراوي من المدينة كان يُعاني أضعاف ذلك حيث أن الجراد يضع بيوضه في الرمال وعندما تفقّس تخرج تدبّ على وجه الأرض قبل أن تتعلّم أو تستطيع الطيران وتخرج شرهة جدا وجائعة تأكل أي شئ حتّى العيدان والديدان بل يُحكى أنها تأكل الأطفال الصغار أيضا حتّى إذا اشتدّ عودها واستطاعت الطيران إنضمّت إلى السحب الطائرة لتأتي على كلّ شئ وأعني ما أقول بكلّ شئ تماما ولهذا ففي تلك الأحوال يُصبح الناس فجأة وبلا سابق إنذار بلا طعام ولا يجدون ما يأكلون أبدا فيحار الناس في معالجة وضعهم المؤسف والمحيّر فيبادرون إلى أن يجمعوا ما يستطيعون من الجراد نفسه بكميات كبيرة ويطبخونه ويأكلونه فتجد الأسواق مكتظّة بأنواع الجراد وأحجامه ومنه ما يطيب أكله ومنه ما لا يكون كذلك ولكنّ الإناث تكون في الغالب طيّبة المذاق لأنها تحمل البيوض ويُطلق الناس على تلك الإناث إسم (المكن) وهي أغلى سعرا من (العصفور) وهي الذكورالتي تكون في الغالب هزيلة وهياكلها قاسية وتجد البائع يضع كميّة من الجراد المسلوق في كيس أو صحيفة ملفوفة بدلا عن الكيس وقد تجد كثيرا من الناس يتناولون الجراد وهم جالسين في المقهى أو عند الطرف القصيّ من الشارع وهم يتحدّ ثون  عن احتمال قرب الفرج.وأنا طبعا اتذكّر أنني تناولت شيئا من هذا الجراد في صغري وكان مذاقه بعد وضع قليل من الملح في سلقه كمذاق الحمّص بالطحينية الآن والشئ العجيب أن البعض بل العديد ممن كنت أراهم يأكلون الجراد في المنطقة أو المحلّة أو المقاهي عندما أصبحوا في نعمة وفيرة وخيرٍ مُحدث كانوا يُعيبون عليّ تذكّر هذه الأمور أمام الآخرين لئلاّ تتغيّر نظرة الآخرين لهم أو يشمئزّوا من فعلهم الموصوف!

وأن سياسيا سابقا لإحدى الدول العربيّة ظهر يوما في مقابلة تلفزيونيّة وسأله من كان يُقابله : أنت كنت في منصب مرموق ثم تم إقصاؤك وبعدها تم إعتقالك فترة طويلة جدا إلى جانب عدد من المعارضين قال السياسي: نعم حصل، قال الذي يُقابله: وتعرّضت إلى التعذيب كما تعرّض عدد من زملائك وقد لقي بعض زملائك حتفهم ولم يُعرف لكثير منهم مصير؟ قال السياسي: نعم حصل قال الذي يُقابله: ولكنّك الوحيد الذي خرج من السجن سالما قال السياسي: نعم صحيح ، قال الذي يُقابله: وجماعتك كلهم ماتوا في السجن فلماذا لم تمت أنت معهم؟ وهنا أطرق السياسي السابق قليلا ثم أردف قائلا: الأعمار بيد الله يا رجل!

 

* مهندس ومنشغل بالثقافة

 

 

free web counter