| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الثلاثاء 29/4/ 2008

 

تسييس الخدمة العسكرية الإلزامية


سنان أحمد حقّي *

قوام ومادة الجيوش والقوات المسلحة هم الرجال المحاربون الذين يتخذون من القتال لهم مهنة وحرفةً كما يتّخذ الأطباء مهنة الطب والمهندسون مهنة الهندسة وهكذا ..ولكي يصحّ هذا القوام ويكون فعالا ومؤثرا فإنه يلزم حُسن التدريب والكفاءة وحسن التأهيل العلمي والفني سواءً في نظريات إدارة المعارك أو في استخدام الأسلحة المتطورة أو في العلوم العسكرية المختلفة ،ولهذا وبسبب لزوم تحقق الكفاءة في التخصصات العسكرية والمران والتدريب فإنه يلزم أن ينهض بالهيكل العام للقوات المسلحة أولئك الرجال الذين وصفناهم باحتراف مهنة القتال وبطبيعة الحال فإن هذا هذا الإحتراف يتطلب اجتياز مختلف المدارس والكليات والأكاديميات التخصصية العسكرية العالية على مدى سنين طويلة فضلا عن اجتياز دورات الترقيات والتدريب على المناورات وأصول التعبئة العسكرية وعمل الخطط وابتكار الأساليب المختلفة ,وغني عن القول أن هذا لا يأتي بيسر وسهولة بل بجهد فائق وفطنة وذكاء ومقدرة لا تتوفر إلاّ لندرة من الموهوبين في مجال القيادة ولما كانت القيادة مفهوم له تسلسل هرمي(Hierarchy )وهو مطلوب في المجموعات الكبيرة والصغيرة ضمن قوام القوات المسلحة ..لهذا يستلزم الأمر حُسن تدريب تلك القيادات ابتداءً من عريف الفصيل حتى قادة الفرق والفيالق ..
ولم يكن في أي وقت من الأوقات أي رجل يرتدي البزّة العسكرية يصلح لأن يُسمّى عسكريا ،كما أن من الخطورة بمكان جمع حشود من الناس ممن لا يصلحون لمهنة القتال والحرب وتسميتهم بالجنود..
إن الأمر يتطلب كثيرا من الجهد والتدريب وبذل مجهود طويل لكي نجعل من الفلاح جنديا أو من العامل جنديا أو من أي شخص لم يسبق له أن امتهن مهنة القتال والحرب جنديا ،إنه واقع مختلف يتطلب خبرة ودراية وعلوم وإتقان استخدام الأسلحة التي أصبحت في هذا اليوم أعقد مما يتصور الكثيرون و أكثرمن أي يومٍ مضى
لهذا فإن تشكيل الجيوش والقوات المسلحة يجب أن يقوم على أكتاف تلك الشريحة المؤهلة من الناس الذين احترفوا حرفة القتال والحرب وليس على أي حشود كيفما اتفق ،وهذه هي ميزة الجيش المقتدر عن كتائب الأنصار والأفراد الذين قد تنجم الحاجة إلى الإستعانة بهم في أحوال قتالية متنوعة..
قد يستعين الجيش المدرب والمتطور بأفراد الشعب في الدفاع عن البلاد ولكن على أن تبقى القيادة والإمرة الأساسية والهياكل العامة بيد أولئك الذين اعتبروا حرفة القتال والحرب حرفتهم الأساسية في الحياة ..
ولهذا فإن العودة إلى الخدمة الإلزامية في أوقات دقيقة يتم فيها البدء من جديد في بناء الجيش والقوات المسلحة أمرٌ غير محمود .بسبب عدم حسم أمور ومعضلات صاحبت نشوء الجيش الجديد وتهدد قوامه الأساسي وهي على سبيل المثال تسرب بعض الميلشيات وكذلك لم يُحسم لحد الآن بشكل جاد ونهائي موضوع الولاء حيث أن كثيرا من العسكريين الجدد كانوا قد ترشّحوا للقوات المسلحة عن طريق مكونات سياسية معيّنة وبالتالي فإن ولائهم للدولة والوطن والشعب بكل فصائله ما زال أمرا في موضع تساؤل!؟خصوصا بعد أن شكّلَ هذا الأمر كما تبين قاعدة لظواهر مؤسفة على مدى سنين مضت ولهذا فإن الدعوة لإعادة الخدمة الإلزامية بهدف إحداث نوع من التوازن !؟ في الوقت الحاضر سيعيد فتح باب جديد للإصطفاف الطائفي والعرقي وقد يؤدي إلى تصفيات مستترة لما تتيحه الأنظمة العسكرية من صلاحيات مطلقة للآمرين,,
وبالتالي إما أن نقضي على الجيش الجديد ونحكم عليه بالفشل أو أن ينتهي الأمر به إلى العودة إلى ممارسات الإنقلابات والصراعات التي ستستهدف إغلاق ساحة القوى الفاعلة لصالح إحدى القوى السياسية وتدفع بالبلاد مرة أخرى لكي تدفع ثمنا باهضا .
إن الخدمة الإلزامية بحاجة إلى أن يتم صرف النظر عنها حاليا ولفترة طويلة حتى يتم بناء الجيش والقوات المسلحة على أساس الكفاءة والولاء الوطني وإزالة الآثار الأيديولوجية مع ضمان عدم التدخل في السياسة
كما أن قانون الخدمة الإلزامية هو الآخر يحتاج إلى إعادة صياغة بل استبدال فإن واضعي القانون النافذ كانت غايتهم عسكرة المجتمع ولم يعد هو نفسه قانون الخدمة العسكرية أيام العهد الملكي ولا عند بدء العهد الجمهوري.يجب أن نستبعد كل الأجواء والتقاليد التي من شانها طبع الخدمة الإلزامية بتقاليد العبودية والخضوع الأعمى للأشخاص بغية عدم نشوء طبقة اجتماعية داخل القوات المسلحة ذات تقاليد أبوية أو إقطاعية!
إن المعاملة المتوازنة في المأكل والمشرب والملبس والإمتيازات الشخصية الممنوحة للجنود والضباط يجب أن تكون هي الأساس وأن يحضر حضرا نهائيا امتهان كرامة الجندي بأي شكل من الأشكال لأن الجندي إنما يُقاتل بكرامته وليس بدونها وأن يتم الإصرار التام على أن تكون مطاعم الجنود والضباط موحدة كما هي الحال بالنسبة للجيوش الحديثة في كل الأمم.
ويستلزم الأمر السماح بالتقاضي بين الجنود والضباط في المحاكم العسكرية وبترافع محامين يتوكلون عن كل طرف حسب آليات خاصة.
كما يجب أن يُعاد النظر بخدمة الخريجين جذريا فإن كانت هناك بهم حاجة يجب إعطاؤهم رتبا تمكنهم من إنفاذ ما تحتم عليهم واجباتهم.
ولا يجب أبدا تحطيم خصائصهم القيادية التي سيحتاجونها بعد انتهائهم من الخدمة الإلزامية فهم قياديون في تخصصاتهم ويجب تنمية تلك الخصائص والقدرات لا سلخها عنهم وتحويلهم إلى بيادق ليس من شأنها اتخاذ القرارات إن القانون النافذ لحد الآن استهدف شرائح المثقفين والمتعلمين فما زلنا نتذكر مواد تُليت من على شاشات التلفزيون حول قواعد ترقية الجندي الأول حامل شهادة الدكتوراه ومخصصاته وأشياء من هذا القبيل والتي لا يمكن أن يُشمّ منها سوى بعض الروائح غير الطيبة!
في الوقت الذي كان فيه اشخاص لم يتأهلوا في اية مدرسة عسكرية يتسلقون أعلى الرتب والمناصب
ومن ناحية أخرى فإن تحسين أحوال الجنود والعسكريين المادية أمر ضروري جدا وغني عن القول ما عاد به إهمال هذه النواحي من فتن على عموم جيوش الأرض
أما من الناحية الجوهرية فإنه يجب أن يوضع في الحسبان بشكل دقيق أن المشاكل الاساسية التي تستعصي على الحل لا يجب ابدا أن أن نرمي بها إلى سلّة العسكريين أو نورثها القوات المسلحة فعندما يستعصي موضوعٌ على السياسيين سواء ما يتعلق بالمشكلة الطائفية أو العرقية فإنه لا يجب أبدا أن نرحلها إلى المؤسسة العسكرية !إن هذا سيضاعف من احتمالات الفشل في تأسيس قوة دفاعية مقتدرة وفاعلة ويسهم في فتح باب واسع لدخول المشاكل السياسية إلى المؤسسة العسكرية التي يراد لها أن تنآى عن السياسة حفاظا على وحدة البلاد وتأمينا لحدودها الخارجية من الأخطار المتعاظمة !..
وتجدر الإشارة إلى ضرورة حضر الإنتماء إلى الجيش والقوات المسلحة على من ليس هو من أبٍ وأمٍّ عراقيين وأن يدين بالولاء للوطن والشعب والدستور.
بعد كل ما جاء ذكره يمكن أن نعيد النظر بتطبيق الخدمة الألزامية من جديد أي يعد أن يستكمل الجيش هياكله الأساسيبة ومستلزمات عمله بالرجال الحرفيين الذين يتخذون من الحرب والقتال مهنة لهم أساسية طوال حياتهم..
على هذا الأساس نجد أن تسييس الجيش والقوات المسلحة عن طريق ترحيل المشاكل السياسية لسلة القوات المسلحة لا يساعد أبدا على التعجيل بحالة الإستقرار المنشودة وأن تُعالج كافة المتطلبات العسكرية بمنظور عسكري مهني صرف لا تخالطه الأغراض السياسية والأهداف التي تضرّ ببناء القوات المسلحة حفاظا على وحدة البلاد والشعب  .

*
مهندس ومنشغل بالثقافة
 

Counters