| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الأربعاء 28/12/ 2011

 

تعقيبا على مقال لا أغلبيّة في العراق!

سنان أحمد حقّي *

كتب الأستاذ كفاح محمود كريم مقالا ممتازا عن الأغلبيّة في العراق وحكم الأغلبيّة وبودّي أن أُعقّب على مقال الأستاذ الكريم حيث أن الديمقراطيّة توفّر وتتيح حكم الأغلبيّة فقط حين تحمي الأغلبيّة ُ (بالضمّ)الأقليّة (بالفتح)َ فضلا عن ما توفّره من سبل الإقتراع المباشر وتداول السلطة وبناء دولة القانون وإشاعة مفهوم احترام الرأي الآخر وما إلى ذلك مما هو معلوم لدى المثقف اللبيب.

وتشترط معظم الأنظمة والقوانين في الدول التي تتبع المسارات الديمقراطيّة في قوانين أحزابها أن لا تنشأ الأحزاب أو الجمعيات السياسيّة لا على أساس ديني ولا طائفي ولا عنصري، وأن غالبيّة المنافسة السياسيّة تقوم على أساس البرامج السياسيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة دون المسّ بالثقافات والأديان .

أمّا إذا تأسست الأحزاب السياسيّة خلاف هذا فإنها حين تتسلّم السلطة فإنها بطبيعة تكوينها الدينيّة أو الطائفيّة أو العرقيّة ستقوم بلا أدنى شك بالسعي لسحق الأقليات الأخرى وإخضاعهم لثقافة تلك الأغلبيّة وإرادتها وحتّى قد ترغب بسلوك تدابير الإبادة وهذا كان منهج الحزب الواحد أيضا وسيجري ما جرى سابقا في إخضاع عموم الناس إلى فكر ومنهج ودين وطائفة وقوميّة وحيدة وما أظنّ أن أحدا سيرضى بإعادة تلك السياسات القهريّة والقسريّة التي تتبع صهر الإثنيات المختلفة في الأغلبيّة والتي لم تنتج سوى المآسي والظلم.

إن ما ينتج عن حكم الأغلبيّة في ظل عدم توفير حماية للأقليّات الأخرى إنما هو ما يُدعى بدكتاتوريّة الأغلبيّة على أن كل أشكال الدكتاتوريّة أمرٌ رفضه شعبنا بكل مكوناته نهائيا.

وإننا إن لم نتقبّل هذه الأفكار الديمقراطيّة الصميمة فإننا سنمضي طائعين أو رافضين إلى تشكيل الفدراليات التي قد تأخذ شكلا جغرافيا في بداية الأمر ولكنها عند استمرار تفاقم الصراعات الإثنيّة ستتطوّر إلى فدراليات إثنيّة وهذا ليس بغريب إذ أن ما حصل في يوغسلافيا ما زال عالقا في ألأذهان ولا يكفي أن نقول أننا لن نفرّط بوحدة العراق قولا بل يجب أن نعمل على الأسس التي ذكرناها في مطلع مقالنا لكي لا نفرّط بوحدة العراق ومنها عدم التمييز بين المواطنين لأي سبب واحترام المكونات لبعضها صغيرها وكبيرها وأن لا حكم للأغلبيّة في العراق لأن أغلبيّتنا إثنيّة طائفيّة ودينيّة وعرقيّة وليست سياسيّة تقوم على تباين المناهج السياسيّة ، فعند تحكّم الإثنيات الموصوفة فلا مجال لتداول السلطة لأن أبناء المكون الديني أو الطائفي أو العرقي لن يتأثروا بالإعلام ولا بالثقافة ليسعوا إلى تغيير دينهم أو طائفتهم كما هو الأمر بالنسبة للمكونات السياسيّة إذ أن فشل سياسة أحد الأحزاب في تحقيق أهدافها التي تعلنها للجمهور يتيح الفرصة للمكون الآخر أن يستخدم الإعلام للتأثير على الشعب وكسب تأييده في الإقتراع التالي ليفوز بالسلطة وهكذا ولكن عندما تكون المكونات إثنيّة وطائفيّة فإن مفهوم الديمقراطيّة يتعطّل تمامالأننا لن نجد من يتقبّل تغيير دينه أو طائفته أو قوميّته مهما كانت المبررات ولا يتبقّى سوى التفريط بوحدة البلاد بسبب تعطّل مفهوم تداول السلطة وهذا ما نخشى أن نصل إليه في بلادنا .

أمّا من يؤمن بمبادئ الدستور ويعمل بها حينا ولكنّه عندما يواجه صعوبة في تحقيق أهدافه في ظل الدستور فإنه ينادي بكل بساطة بتغييره فإن هذا المنهج لا يشير إلاّ إلى أن المقترعين ليس لهم إرادة ولا إعتبار لهم لأنهم من غير المعقول أن يغيّروا آرائهم الستراتيجيّة كل يوم إلاّ إذا كان هكذا دستور غير نابع من صميم خيارات الشعب أو يمثّل إرادة بعض السياسيين والمثقفين أو المتنفذين وخلافه يجب أن يُحترم على مدى طويل نسبيا حتّى تحصل تغييرات اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو تحولات حضاريّة مهمّة .

إننا إن رفضنا حكم الأغلبيّة كما فصّلنا هنا فإننا نكون نتجنّب سحق الأقليات وإبادتها ومحو ثقافات متعددة لها حضورها الحضاري والثقافي ولكننا عندما نسعى إلى إغراءات حكم الأغلبيّة وسط إثنيات متعددة نكون حكمنا على البلاد بالتقسيم والتفكك فضلا عن أن منهجا كهذا سوف لن يحقق أيّة مصلحة حقيقية للشرائح الشعبيّة العظمى بل قد يلبّي مصلحة بعض النخب فقط وتحقق لهم اعتلاء سدّة الحكم وبعض المنافع الضيّقة

إن مقال الأستاذ كفاح محمود كريم مقال سديد ويأتي في وقته وأدعو إلى تعضيد المفاهيم الواردة فيه وأشكر الأستاذ الكاتب وأدعو له بالموفقية والتوفيق.  

 

* مهندس ومنشغل بالثقافة

 

 

free web counter