| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الأثنين 26/12/ 2011

 

تخطيطات سريعة لملامح السياسة الدوليّة الحاليّة!

سنان أحمد حقّي *

لقد قرأنا واستمعنا كثيرا عن مشروع الشرق الأوسط الكبير وقد اجتهد كثيرٌ من المحللين في تفاصيل هذا المشروع كما أن عددا آخر منهم بلغ به الإجتهاد حد وضع خرائط تفصيلية و أن انتهاء الحرب الباردة وانكفاء الدول التي نتجت عن انفراط الإتحاد السوفييتي من جهة أخرى فضلا عن أن التقدم في مشروع الإتحاد الأوربي لا يحقق اضطرادا أو نموا مقبولا مضافا لذلك ما تواجهه الصين من جهود أمريكية كبيرة لوقف تسريع النمو الإقتصادي فيها ثم إذا أضفنا الأزمات الإقتصاديّة في البلدان الأوربيّة مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال حيث ألقت أعباءا ثقيلة على إقتصاد الأوربيين الأكثر تطورا مثل ألمانيا ثم انبثاق ما يُدعى بالربيع العربي والذي اجتاح معظم منطقة الشرق الأوسط يجعلنا ننظر إلى العالم وفق متغيّرات جديدة ومؤشرات تختلف تماما عن ما كانت عليه الأوضاع عند مطلع الألفيّة الثالثة ويمكن أن نرسم تخطيطات سريعة للأوضاع السابقة وما استجدّ عليها فقد كان التنافس الإقتصادي المشروع بين أوربا وأمريكا لم يتّخذ بعد شكل تنافس سياسي واضح كما هو عليه الآن كما أن انحسار دور الإتحاد السوفييتي السابق واختفاء دوره السياسي حفّز في البداية الأوربيين على التفكير بالتقدّم إلى جانب الأمريكيين لاحتلال مناطق الفراغ التي خلّفها ما كان يٌدعى بالمعسكر الشرقي وحصلت فعلا خطوات إلى الأمام وانبثقت العملة الموحدة الأوربيّة وازداد عدد الدول التي انظمّت إلى الإتحاد وتم بعد ذلك الإتفاق على اختيار رئيس للإتحاد فضلا عن منسّقة للشؤون الخارجيّة وظن كثيرون أن الأمر سيؤدّي إلى ظهور قويّ للإتحاد إقتصاديّا وسياسيا وكنّا نراقب التقارب الأوربّي الصيني باهتمام لعلّه يحقق مطامح الطرفين في تعزيز النمو الإقتصادي والذي من شأنه تعزيز الحضور السياسي لكل منهما من جهة أخرى والحقيقة لا يظهر لحد الآن أي طموح صيني في مدّ نفوذها كثيرا فيما عدا تأمين احتياجاتها من النفط وبعض الموارد الإقتصاديّة بيد أن الأوربيين لهم طموحات أكبر بكثير فهم فضلا عن رغبتهم في مدّ نفوذهم إلى كافّة المستعمرات السابقة أي في العهد الكولونيالي فإنهم أصبحت لديهم الجرأة لمنافسة الأمريكيين عندما بدا ذلك واضحا في أفكار أمريكا حول الشرق الأوسط ، كنّا نعتقد أن أوربا تطمح إلى الإلتحام مع الصين ذات الطموح الوثّاب بهدف تكوين قوّة اقتصاديّة وسياسيّة كبرى تستطيع أن تقف أمام التمدد الأمريكي خارج نصفها المعتاد وأن الإلتحام المنشود أصبح ممكنا بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وحدوث فراغ سياسي وتنموي( تحت التطوّر) في عدد من الأقطار التي انفرطت عن الإتحاد السوفييتي وتبيّن للجميع أن الإتحاد السوفييتي لم تكن له قوّة إقتصاديّة حقيقيّة كبرى بقدر ما كان له مستوى عالٍ من التسلّح ولذلك عندما انتهت الحرب الباردة واستقرّت الأمور نحو انهيار الكتلة الشرقيّة وتم تفكيكها بالكامل فقد كان ممكنا التفكير بمدّ النفوذ الأوربّي نحو الصين كما نتصّور لكنّ الأمركيين كانوا جاهزين لطرح مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي وصفه عدد من السياسيين على اختلاف مشاربهم من المغرب حتّى أفغانستان وهذا المكون السياسي الكبير لا شكّ يضم إيران وتركيا وباكستان وربما بعض الجمهوريّات التي انفرطت عن الإتحاد السوفييتي السابق ويضمّ إسرائيل أيضا وهو على النمط الأمريكي طبعا، حيث يؤمّل أن يُسمّى بالولايات المتحدة الأمريكيّة ، إن مثل هذا المشروع ليس جديدا بالكامل فنحن نعرف أن حلف بغداد السابق كان يضم تشكيلة متنوّعة أيضا مثل العراق وتركيا وإيران وباكستان فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكيّة وبريطانيا ، إن طرح المشروع الأمريكي حول الشرق الأوسط الكبير لم يصاحبه أية إضاحات أو تفصيلات ولهذا اجتهد عدد من المحللين حسب ما أوحى لهم به خيالهم ولم يعتمدوا معطيات الواقع والبيانات المتوفّرة على وجه الدقّة ، إن تصميم مثل هذا المشروع يتيح التحضير لمكونات ثانويّة توفّروتحقق الطموحات القوميّة والإثنيّة لعدد من تلك المكونات ضمن المكون الكبير على شكل ولا يات كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكيّة والتي تتألف كما معلوم من أكثر من خمسين ولاية وعلى النمط الأمريكي بحيث تقوم على إتحاد فدرالي أو اتحادي ويضمن لكل ولاية مواردها وثرواتها مع شكل واسع من اللامركزيّة الإداريّة .إن مثل هذا المشروع يقوم على توفير منافع ومطامح كثيرة تنشدها البلدان التي تطمح للتطوّر والتقدّم الحضاري الحديث فيما لو تم مناقشة ومفاوضة ومفاتحة ذوي الشأن من الشعوب ولكن المشكلة أن شعوب المنطقة لا تتوفّر لها قيادات وأنظمة تقوم على أدنى حدّ من الديمقراطيّة لكي يتم الإتفاق مع جبهات متينة وصلبة ومعظم الأنظمة دكتاتوريّة ونفعيّة وتقوم على أساس يضع مصالح بلدانها العليا في آخر قائمة المهمات ومع ذلك فإن المشروع يقوم في نفس الوقت على مصالح مهمّة للولايات المتحّدة الأمريكيّة وهي وضع قدم راسخة في المنطقة التي تتمتّع بأهميّة بالغة في العالم لأسباب عديدة ومنها النفط وقوّة العمالة والعمالة العلميّة المتقدّمة المتوقّعة ولكن كل هذا لا يوازي أهميّة الموقع الجغرافي ونعني به توسّط منطقة الشرق الأوسط فيما بين أوربا والصين وما لهذا المحور من أهميّة في التواصل الأوربّي الصيني الموصوف في مقدّمة المقال حيث يستطيع مثل هذا المكون أن يقطع التواصل والطموح الأوربّي وقد حاولت إيران أن تقدّم إغراءات للأوربيين عن طريق مقترحاتها حول إعادة الحياة إلى ما كان يُدعى طريق الحرير وهذا يعني استعدادها لتوفير ممر للتواصل لا يقوم على روسيا ولا على أي من جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق ولكن مثل هذا المشروع يُعتير صغيرا جدا أمام مشروع أوربا ـ الصين الكبير.

عندما تم طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير من أفغانستان حتّى المغرب حدثت شبه صدمة أوربيّة للأسباب التي ذكرناها من حيث كونه مشروع يواجه الإلتحام الأوربّي الصيني وقد يتغلّب عليه لأسباب كثيرة إقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة أيضا وأنه سيمنع التواصل الأوربّي بكل تأكيد .

الآن لا نسمع كثيرا عن مشروع الشرق الأوسط أي بنفس الحماس ونفس النغمة ولكننا أيضا نرى حين نراقب أوضاع الإتحاد الأوربّي تراجعا في الحماس أيضا فهناك من يتوقّع الرجوع عن العملة الموحّدة وتفاقم الأزمات الإقتصاديّة في عدد من البلدان الأوربيّة يجعل الوحدة الأوربيّة تفقد بريقها  فهل يتراجع كل من الكتلتين عن مشروعيهما وإذا حدث مثل هذا فإن الإقتصاد الأوربّي لن يكون بمقدوره النهوض مجددا والوقوف على قدميه خصوصا في ظل عدم وجود رغبة أمريكيّة في المساعدة ، ، هل تقصد المسز كلينتون عندما تقول أن الولايات المتحدة تجد في نصف العالم الممتد من الهند حتّى سواحل أمريكا الغربيّة نصفا مغريا أنها أي بلادها قد صرفت النظر عن فكرة الشرق أوسط الكبير ؟ وأن المنطقة ستعود من حصّة النفوذ الأوربّي ولكن دون الصين ولا فكرة التواصل الصيني؟ وإذا كان هناك فعلا مثل هذا التراجع الواسع فهل يعود النظام الإقليمي ومن ضمنه النظام الإقليمي العربي إلى سابق عهده أي مناطق نفوذ بريطانيّة وأخرى فرنسيّة وأخرى إيطاليّة وأخرى أمريكيّة وهكذا كما كان الأمر قبل التدخّل الأمريكي في العراق ؟وهل كانت ثورات ما يُسمّى بالربيع العربي هي مجرّد رفع للغطاء الغربي عن القادة والزعماء الحاليين بهدف إتاحة الخيار والفرصة لحكّام جدد يُطرح أمامهم خيارٌ جديد ولم يرتبطوا بأيّة خيارات (بالية) .

إن الصحافة العربيّة والمحليّة قد أفاضت في التعليق على مصطلح الفوضى الخلاّقة واجتهدت فيه كثيرا وأصبح موضوعا للتندّر ولكن في الحقيقة لم ينتبه أحد إلى أنه مجرّد اصطلاح بديل لمصطلح الثورة الذي اتّخذ له مفهوما يساريّا فيما يطرح المصطلح الجديد تعبيرا يتّخذ له شكلا أكاديميا جديدا لا يساريّا ولا يمينيّا فالثورة كتعبير قديم لم تكن قبل الإشتراكيّة تعني شيئا سوى التمرّد أو العصيان وهكذا ولكن اللغة متواضع عليها وقد اتّخذ المنظّرون الأمريكون مفاهيم مستمدّة من حركة ما بعد الحداثة حيث يضعف الإيمان بأي شئ وتفقد بعض المفاهيم قوّة تعبيرها أي بمعنى شيخوختهافالعلم يتمدّد باتجاه التكنولوجيا والأدب والفن إلى التشفير وإلى مبادئ علم النفس والإعلام وهكذا فنحن الآن لم نعد نسمع عن الفلسفة إلاّ القليل وإذا سمعنا فإننا نسمع فقط عن الفلسفة الإغريقيّة واليونانيّة القديمة ، قد يكون لمفهوم الفوضى الخلاّقة معاني أخرى مضافة ولكن لا موجب لكل تلك الضجّة الإعلاميّة ، ولهذا فإن تلك المشاريع المختلفة ستظلّ قائمة وموجودة وعبر توفّر الشروط الموضوعيّة وقبول الرأي العام ، منها ما يخرج للتنفيذ ومنها ما يُحفظ في الأدراج حينا من الدهر ولكن عند توفر الشروط فإن كل شئ جاهزُ كما يُقال .

هل سيشهد العالم هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم؟ لا أعتقد ولكنها بكل تأكيد تستطيع أن تفرض إرادتها في شأن قيادة العالم وبشكل فعّال في أمدٍ قريب كما أن أوربا باتباع أسلوب المساومات المتسلسة والتراجع االمنظم المتكرر دون إحراز تقدّم واضح ستضمحلّ وتتلاشى وأن قضايا العالم الرئيسيّة ستتقرر في آسيا بصينها وشرق أوسطها وهندها وجمهوريات الإتحاد السابق هذا ما يتراءى لنا حاضرا أمّا إذا واصلت هذه الشعوب تباطؤها مختلف وتنوع الأشكال فإن مستقبلها سيكون مؤسفا إلى حد بعيد .

وأهمّ ما تحتاج إليه شعوب هذه المنطقة هو إصلاح أنظمة الحكم السياسي ومكافحة الفساد بكل أشكاله وإشاعة الثقافة والوعي وبناء نموذج تنموي قويّ ولكن يبدو أن هذا كلّه أمرٌ صعبٌ جدا ولا يتوفّر إلاّ قليل من الناس يؤمنون بهذه الأهداف .

وهل سنعود لنفكّر بمشروع الشرق الأوسط الكبير؟

أم نستمرّ في مناطق النفوذ المتنوّعة؟ وإلى متى؟

وهل انتهت مفاهيم السيادة الوطنيّة؟ أم جرى عليها ما جرى على الحداثة!

 

* مهندس ومنشغل بالثقافة

 

 

free web counter