| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الجمعة 23/3/ 2012

 

عصر فجر الكولونياليّة !

سنان أحمد حقّي *

فجر الكولونياليّة لم يبدأ لأسباب دينيّة بالنسبة لشعوبنا والشعوب التي ابتُليت به بل بدأ بثياب دينيّة في إعلام تلك الحقبة وما كان يُدعى بالدعاية وهو بالضبط ما حصل في عهد الحروب الصليبيّة فالعرب لم يدعوها بالحروب الصليبيّة بل حروب الفرنجة أي الفرنسيين (وكان ذلك الإسم يُطلق في وقتها على مختلف الأمم الأوربيّة) أمّا من أطلق عليها إسم الصليبيّة فهم الأوربيون ولا سيما الكنيسة لكي تثير حماس أوسع شريحة من الأوربيين للمشاركة فيها في تلك الحقبة و كانت في أوربا مشكلة تتجدّد بين الحين والآخر وهي توريث الحكم أو ما تُعرف بوراثة العروش فحيث أن الملك الذي يتوفّى يترك الحكم لأكبر أبنائه امّا الأبناء الآخرين فقد كانوا لا يرثون شيئا لا الحكم ولا الثروة حيث تؤول الأموال والملكيّة لذلك الأكبر بزعم أن الأخوة لو اشتركوا معه بالإرث وتم توزيعه لتم تقسيم الممالك وبالتالي تنتهي أي مملكة مهما كبرت بعد أجيال محدودة ولكن يُتاح للأخوة أن يلقّبوا بألقاب ملكيّة وأميريّة ويتم تعيين ممالك وإمارات لهم في أراضي مقترحة لم يقم فيها لهم ملك كأن يجري تسمية أحدهم ملكا للقدس أو ملكا لأنطاكية أو عكّا وهي بعد بيد العرب والمسلمين وبالتالي عليهم أن يخوضوا حروبا عدوانيّة مع تلك المناطق لكي يثبّتوا حكمهم فيها ويربطونها بممالكهم الأساسيّة وبذلك فكلما كبُرت أيّة عائلة مالكة فإنه سيتكوّن لها عدد أكبر من هؤلاء الملوك والأمراء الذين يملكون ألقابا ولا يملكون أيّة ممالك حقيقيّة حتّى يثبتوا حيازتهم لأراضي ومناطق وممالك جديدة وهذا ما لم يعمل به الإسلام حيث أن المسلمين يفعلون نفس الشئ مع الحكم والسيادة التي يتم نقلها إلى الأكبر من الأبناء ولكنّ الثروة يتم توزيعها حسب الشرع هذا يعني وجود تمييز بين الحكم كسيادة وبين المواريث من أراضي وملكيات .

ولهذا يحرص الحكام الغربيون أن يضفوا على حروبهم تلك عباءة دينيّة أي أنهم هم الذين يُعطونها ذلك اللباس وبقيّة الشعوب تعرف جيّدا أن المقصود هو الإستيلاء على بلدانهم وثرواتهم وليس الأمر ديني أو روحي فقط ولهذا وقف كثير من الطوائف المسيحيّة إلى جانب العرب في الحروب الصليبيّة وحتّى حروب فجر الكولونياليّة ولكن الأطماع الغربيّة وتطوّر وتعقيد المشكلة في توريث الحكم التي شرحناها تعقّدت كثيرا مما اضطرّهم أن يسفروا عن أطماعهم بشكل كالح ومباشر فكانت الكولونياليّة بدلا عن الحروب الصليبيّة وفيها أيضا نجد أن كثير من الطوائف المسيحيّة الشرقيّة لم تقف مع الكولونياليين بل شاركت في محاربتهم لأنهم عرفوا أن المقصود ليس الدين بل هو غطاء فقط وأن الثروات والأطماع هي المحرك الأساسي فوقفوا يدافعون عن بلدانهم وممالكهم وثرواتهم إلى جانب كل الشعوب التي تعرّضت للهجمات الكولونياليّة .

إن الأوربيين كانوا ومازالوا لا يملكون أراضي زراعيّة تسدّ حاجة الشعوب الأوربيّة من الغذاء ، لهذا توجّهوا مرارا إلى المناطق المجاورة بحجج ودعاوى لا نهاية لها طمعا في ما في يد غيرهم وهذا مستمرّ إلى يومنا هذا ولكن اللبوس الديني لم يعد ضروريا بسبب التقدّم التقني والفنّي والعلمي والتفوّق العسكري .

كما أن انهيار الحكم العربي الإسلامي في الأندلس عام1492سجّل أوج اتّساع الكولونياليّة وذلك بعد انفتاح أعالي البحار أمامهم ويوضّح ذلك كون طلائع الموجات الكولونياليّة بدأت من قبل الإسبان الذين أطاحوا بغرناطة ويتّضح أن العرب كانوا العقبة الرئيسة أمام الأوربيين ثم توالت الأطماع فدخل الميدان البرتغاليون والذين مازالوا يُعرفون في بعض الموانئ العربيّة بالبرتكيش ثم الهولنديون فالإنكليز فالموجة العارمة للأطماع الكولونياليّة العالميّة التي لم تنتهِ بعد، وقد خفّف اكتشاف أمريكا عن كاهل شعوب المتوسط والشرق الأوسط حيث اتّجهت الحملات الكولونياليّة إلى الأمريكتين ثم أستراليا فيما بعد .

ويأتي إسم أو مصطلح كولونياليّة من إسم كولونبس حيث أكّد هذا الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بيللا وكتب في أحدى مقالاته يقول أنه وجد أن إسم المكتشف كريستوفر كولومبس لم يكن يُكتب بالميم بل بالنون وهي تداخلات في اللغات الإيطاليّة والفرنسيّة والاتينيّة حيث أن حرف (M ) يُلفظ في اللغة السائدة في إيطاليا (N ) أو بالعكس في تلك المنطقة أو المدينة الصغيرة من إيطاليا والتي وُلدَ فيها المكتشف المذكور  كما ذكر ولست أحتفظ مع الأسف بما كان كتبه وبهذا يكون إسمه كما اتذكّر كولون بُس ، ومن هنا جاءت كولونياليّة .

ولكن يتّضح من مقالنا أنها أي الكولونياليّة كنظام سياسي عالمي كانت قد ظهرت قبل ذلك بعهدٍ بعيد.
 

* مهندس ومنشغل بالثقافة

 

 

free web counter