| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الأثنين 19/12/ 2011

 

إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان هي القضيّة..!

سنان أحمد حقّي *

أوّل ما يدعو أي إنسان لاتخاذ موقف من قضيّة الإستغلال الإجتماعي والإنقسام الطبقي هو الجانب الإجتماعي ونعني به الظلم وإنصاف المظلوم فنحن بطبيعتنا الإنسانيّة السويّة نحب أن نقف إلى جانب المظلوم والمعتدى عليه واسمحوا لي أن أوضح هذه المواقف بعض الشئ فلو وجدنا أنفسنا أمام شخص يقوم بسرقة شخص آخر فلا بدّ أن نسارع للوقوف مع من يُسرق لا مع السارق وهكذا فنحن عندما نعلم بشئ إسمه الإشتراكيّة فإننا نستفهم عن هذا التعبير فإن قيل لنا أنها نظام اجتماعي يتلاشى فيه استغلال الإنسان لأخيه الإنسان فإننا نجده شعارا يترجم طموحات أوسع الجماهير ويجعلها تلتفّ حول من يدعو إلى ذلك ولكن ماذا لو قيل لنا أنه نظام يبيح الكفر ويدعو إلى التنكّر للدين والتحلل الأخلاقي وما إلى ذلك فهل سيحتفظ جماهير دعاة الإشتراكيّة بحماسهم في تأييدها؟

ليس من أهداف هذا المقال التوفيق بين الأديان والإشتراكيّة أو الشيوعيّة أو اليسار والفكر التقدّمي ولا أن أدافع فيه عن الفكر الديني ولا التعرّض له وكذلك عن أي فكر سواه ولكنني أقول هنا إن ما يستقطب الناس والشعب بفصائله المختلفة حول دعاة الإشتراكيّة هو إنصاف ضحايا الإضطهاد والقمع والشرائح المستغلّة التي يُسرق جهدها جهارا نهارا ويقضون زهرة شبابهم أمام الآلة مقابل ما لا يسدّ الرمق .

يقول النشيد الأممي الذي نسمعه في صدر موقعنا الموقّر الحوار المتمدن (هبّوا ضحايا الإضطهاد، ضحايا الجوع باضطرار!) هي دعوة لإنصاف أولئك الجياع الذين يجوعون رغما عنهم لا لأنهم كسالى أو لا يرغبون بالعمل بل رغما عنهم بإشاعة البطالة وغلق سبل العمل أمامهم ، هكذا دعوة هي التي تجذب أبناء الشعب وتوحّدهم ضدّ مستغلّيهم وهؤلاء الذين يقع الإضطهاد والجوع والقهر بحقّهم ، فيهم من كل الأديان والمذاهب والطوائف والقوميات وفي لحظة الإصطفاف الأولى خصوصا يجد كلٌّ منهم أن من يقف إلى جانبه من الجياع باضطرارهو أخوه وقريبه ولا ينظر إلى دينه أو مذهبه أو طائفته أو قوميته ، ولن يدخل منهم أحد للمناقشة في أمر الفلسفة أو الماديّة من المثاليّة ولا الجدليّة من الصوريّة أو سواها

هكذا انتظم معظم مناضلوا ودعاة الإشتراكيّة الأوائل وفهموا معنى الأمميّة وإن كان بعضهم من المؤمنين أو غير المؤمنين في أولى أيام النضال المبكّر انتظم في صفوف الحزب الشيوعي كثير من رجال الدين لأنهم كانوا ينظرون إلى الإستغلال على أنه مبدأ مرفوض وليس لأنه يتّفق مع الدين أو لا يتّفق وبسبب كون الوعي الشخصي والإجتماعي لم يكن يتوفّر إلاّ لدى فئة صغيرة من المثقفين فقد انبرى كثير من رجال الدين باعتبارهم جزء من شريحة المثقفين لتوعية الناس ضد الإستغلال والظلم الإجتماعي

لقد بلغني أن أحد الشيوعيين كسب أحد رجال الدين يوما ما وهو في السجن فقط لأنه ذكّره كيف يقبل أن يأكل وجاره يتضوّر من الجوع فأخذ ذلك الرجل يبكي بكاءا مرّا ويحثو التراب على وجهه ويسبّ ويشتم نفسه إن هو قبل ذلك !

أنا أعلم أن المؤمنين لديهم فكر يختلف عن كثير من سواهم فهم يعتقدون بوجود حياة بعد الموت وأن هناك حساب وعقاب بعد أن يقابلوا ربّهم الذي سيحاسبهم على ما عملوا في حياتهم الأولى ولكن كثير غيرهم لا يصدّقون ذلك وهذا شان كل فريق منهم ولكن عندما تشتعل النار في دار أحدهم فإن هناك كثير من الناس يسارعون للإصطفاف بطابور طويل لنقل جرادل الماء بهدف إطفاء الحريق وهؤلاء هم الذين نعوّل عليهم عند الحاجة ولا ننظر إلى كونهم مؤمنين أو غير مؤمنين ولا ما هي مواقفهم من الشيوعيّة أو اليسار ! كذلك هو الأمر بالنسبة لمظاهر الظلم والإستغلال الطبقي والتجويع المتعمّد وكافّة أشكال الظلم الإجتماعي من تمييز طبقي أو تمييز في الجنس أو غيره فإنه ما يهمّنا هو من يقف معنا أوّلا ومن سيقف ضدّنا وكيف ننظّم جهودنا حتّى بلوغ غايتنا في إزاحة الظلم والإستغلال وهكذا نرى أن النقابات تعمل وهي أوّل وأحقّ تنظيم عملي وواقعي ضد الإستغلال الطبقي والظلم الإجتماعي أمّا الأحزاب السياسيّة فهي تأتي بالمرتبة التالية للتنظيم النقابي باعتبارها تضم الفئة الواعية والمثقفة والطليعيّة في فكر مناهضة الإستغلال وهو طور لكادر يعمل في الوسائل المتقدّمة في كيفية مناهضة ذلك الإستغلال وفي كل تلك المراحل لا يحدث أي تعارض مع الدين من حيث وجود عالم آخر بعد الموت أم لا لأن المبحث الأساس الذي جمع الناس عمالهم ومثقفوهم هو الإستغلال

إننا بعد أن نتعرّف على نظريّة فائض القيمة نكتشف كيف أن ربّ العمل يسرق العمال وعندما نحاول أن نضع حدّا لسرقات رب العمل ونناضل لانتزاع حقوق العمال في قوّة العمل المسروقة فإننا لحد تلك اللحظة لا شأن لنا بالعالم الآخر ولا الماديّة الجدليّة ولا أسبقيّة المادّة أم الفكرة المطلقة .

نعم إن البحث في الحقائق الكليّة أمرٌ ضروري لتنوير الطبقة العاملة وإضاءة طريقها لانتزاع حقوقها الكاملة ولكن ليس مهمتنا أن نترك النضال من أجل مناهضة الفوارق الطبقيّة وهو أمر موجود بشكل أو آخر حتّى في معظم الأديان ، نترك كل ذلك وننشغل بمحاولات البرهنة على عدم وجود عالم آخر ، هذا ليس من مهماتنا الطبقيّة إلاّ إذا تصدّى لنا من يريد أن يخلط وجود يوم للحساب بانتزاع حقوق الطبقة العاملة من أرباب العمل عند ذاك يجب أن تكون مهمتنا توعية الناس بضرورة المطالبة بحقوقه فمهمة إطفاء الحريق التي ضربناها مثلا في مقدّمة المقال تتمتّع بالأولويّة على سؤال الآخرين ما هي ديانتكم أو طائفتكم أو قوميتكم؟

إن الطبقات التي يقع عليها الإستغلال لديها مهمّة محددة وواضحة تتمثّل بانتزاع حقوقها المشروعة فمن يقف معها ومع حقّها هذا فهو كاي من أفرادها ومن يقف ضدّها فهو كأي عدوّ لها وليس لكل ذلك مجال لكثير جدال ومماراة عند تقديم الدفوع عن الحقّ

أزعم بتواضع شديد أن المواجهة التي نراها في كثير من الأحيان بين الفكر الإشتراكي والشيوعي وبين رجال الدين ليس لها مبرر إذ ليس في مصلحة الإشتراكيين إثارة جدال عريض فيما لا مصلحة لهم فيه على الأقلّ مرحليّا وأن العمل العلمي والفكري مستمرّ وقد يلتقي الفكران أو يظهر العلم فضاءً عريضا للتلاقي ولكن المرحلة الحاليّة تستدعي احترام كل ذوي فكر للآخر ولا نجد أن التعرّض والمباهاة في التعرّض للأديان وليس رجال الدين فقط هو أمرٌ صائب أبدا ولا يجدر بالإشتراكي أن يبرهن على اشتراكيته عن طريق المباهاة بإلحاده فليس بين الأمرين صلة أبدا

إننا أيها الأعزاء القراء نجد في كل عام أن إعلام الحزب الشيوعي وصحفه تظهر المشاركة بالمناسبات الدينيّة والطائفيّة مثل التعزية بمصاب الإمام الحسين (ع) أو الأعياد والمناسبات المختلفة فهل نشهد كل هذا ثم نهاجم الأديان والطوائف بعد يوم أو يومين ؟ بل السخرية الصريحة من الذات الإلهيّة ! هذا لا يدخل في باب المبادئ الراسخة والتي تعوّدنا على مثل تلك المبادي الصلبة منذ أن انتشر الفكر العلمي في بلادنا .

أدعو من موقعي الشخصي كل الهيئات والأشخاص الطبيعيين والمعنويين والاحزاب والسياسيين والإعلاميين  للإهتمام بمثل هذه الظواهر والنأي عن التعرّض للأديان والمذاهب بإسم الإشتراكيّة أو التقدّميّة خصوصا بما لا يتمسّك بالأسس العلميّة إنما فقط كما ذكرنا ليبرهن البعض على إشتراكيته أو شيوعيّته أو يساريته فإن مثل هذا الموقف يجعل عمل كافة التقدميين  في الوسط الشعبي صعبا للغاية ومحفوفا بالمخاطر الكبرى .

إن المهم هو الموقف من قضيّة مناهظة الظلم الإجتماعي والقهر والجوع باضطرار.

هذه هي مهمتنا .

وللحديث صلة والسلام عليكم
 

* مهندس ومنشغل بالثقافة

 

 

free web counter