| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الجمعة 19/9/ 2008



ثقافة الفساد!

سنان أحمد حقي

(من ليس عنده فلس لا يُساوي فلس!)أو (المدارس ما توكّل خبز!) وأقوال كثيرة ومتنوعة لا نعلم قائلها ولا شيئا عن عطائه الإنساني ، لكن كثيرا من الناس يتناقلون أقوالهم هذه خصوصا في أوضاع اجتماعيّة واقتصاديّة مترنّحة.
عندما تشيع مثل تلك الأقوال فتأكّدوا أن ثقافة الفساد تشيع وأن التأهّل لتخريب المجتمع بدأ بالحصول، والتحصّن دون إصلاحه أو ترميمه أصبح كذلك،وعندما يخرج الطالب من الإمتحان ليجد أن كثيرا من أقرانه كانوا قد حصلوا على أسئلة الإمتحان قبل وقت الأداء أو أن فرصة ما قد أُعطِيت لبعضهم دون الآخرين فإن الخراب يكون قد بدأ فعلا.
سألني أحد المدراء الحقوقيين يوما ،ما الضرر في أن يقدّم بعض المقاولين عطاءهم بعد استنفاد موعد تقديم العطاءات ؟ إذ أن ذلك برأيه قد يوفر للخزينة قليلا من التكاليف عند فسح فرصة من مثل هذا للتنافس ! ولم يعلم وربما كان يُغالط نفسه وهو يعلم إن عدم توفير الفرص المتكافئة وشعور المتقدمين بأنهم ليسوا أمام فرص متكافئة هو أسوأ ما يمكن أن يطبع العملية التنافسيّة وهو أهم من كل الجوانب الأخرى !لأنه من شانه أن يدفع المتنافسين إلى اللجوء إلى وسائل غير مشروعة.
وعندما يتقدّم طالب عمل ولا يجد الفرص متكافئة أمامه! وعندما يقف المواطن في طابورٍ ما سواءً في مؤسسات الحكومة أو في الأسواق أو بانتظار الباص أو عند الدخول إلى المسرح ولا يجد نفعا من هذا السلوك وأن كثيرين يجدون فرصتهم في المخالفة أكبر من الإنصياع للنظام العام ،وعندما نقول لبعضنا البعض :يا أخي (بحبح حالك!أو مشّي ؟!أو تساهل !) ،وعندما نلطم صاحب حقّ على فمه لكي لا ينطق بكلمة حقّ!، وعندما نستغلّ موقعنا الوظيفي أو الإجتماعي لتحقيق منافع إضافيّة أو نمنح أنفسنا حقوقا تفضل عن حقوق الآخرين بشكلٍ ولو بسيط ، وعندما نجد أن بإمكاننا أن نسيء إلى خصومنا بسبب تمكننا من الحصول إلى موقع اجتماعي أو حكومي مرموق ، وعندما نستخدم عبارات تهين كرامة الناس لا لسبب بل لأننا نجد أنفسنا في وضع أفضل أو فقط لأنه يمكننا من ذلك ،وعندما نستخدم عبارات نابية أو جارحة أو غير مهذّبة بسبب أو بغير سبب،وعندما نهين ونحتقر العالم والمفكّر وذوي الخبرة والإختصاص ونوقّر أصحاب المال فقط ، وعندما نلقب السارق والمختلس بالسبع أو الشاطر، وعندما نمارس الغشّ بلا حياء أو بحياء،وعندما لا نعود نخجل من السلوك الخاطيء ونمارس كل فعل منحطّ بسبب كون الناس جميعا يفعلون هكذا! وعندما نمنح التهور صفة الشجاعة والتبذير صفة الكرم والسخاء ،والبخل صفة الإقتصاد واللؤم صفة الحصافة ونزوّر كل المفاهيم والقيم ونعطيها معانٍ جديدة لكنها بعيدة كل البعد عن أي معنى ونفرغ المصطلحات من كل مفهوم!؛
نكون عندذاك قد أسسنا لشيء اسمه ثقافة الفساد إذ اننا نشيع قيما هي في أسفل القيم الإنسانيّة وكانت قد سادت حقبا طويلة من التاريخ دون أن تنتج سوى الخراب والتأخّر والمآسي ولمن يقرأ بطون كتب التاريخ نرجو أن يتصفح عمق المآسي التي جرّتها تلك الثقافة على أبناء الإنسانيّة!
ليس علينا أن نعلن رفض مثل هذه الثقافات البائدة فقط ولكن علينا أن نطرح البديل ونملأ الصحف والمجلات وساعات البث التلفزيوني والإذاعي وجميع وسائل الإعلام والمواقع الألكترونيّة بما يدحض هذه الترهات النتنة وبكل جرأة وبلا هوادة
وليس محرجا ولا معيبا أن نعود إلى تكريس المثل الأوليّة والمفروغ منها في أبجديّة الثقافة البنّاءة وإعادة مناقشة مباديء الخير والشر والفضائل وأسس وأصول المحادثة الراقية وإشاعة المثل المتمدنة ومهاجمة الأساليب الهمجيّة في أساليب العيش أو الملبس أو التحادث أو استخدام الممتلكات العامّة أو في احترام كبار السن أو العطف على الأطفال والمرضى وتمجيد التواضع وتعظيم البساطة وعدم التكلف وإشاعة سلوك عدم الإسراف وتحقيق أسلوب العدل في جميع أنواع وجوانب سلوكنا وعدم التهافت على الحياة الماديّة دون القيم الروحيّة والمثل الأخلاقيّة .
إن الفن والأدب هو أول من تُلقى عليه مسؤوليّة هذه المهمة فعندما تنحّى الأدب والفن بكل أشكاله عن مهمته ومسؤوليته الإجتماعيّة وهو الذي يخلق القناعات في الوجدان الشعبي والإنساني ولا شك نقول عندما بدا يتخلّى عن مهمته الأساسيّة فإن ما ندعوه بثقافة الفساد تكون بدات تنتعش!
أول ما يجب البدء به هم المبدعون والفنانون والأدباء والمفكرون والعلماء والفلاسفة والمثقفون فهناك من قال: وقّروا مبدعيكم فإن أجيال المستقبل سوف تتذكّركم عن طريقهم فقط!
وقد بلغني أن السياسي البارز سعد زغلول حضر حفلا أقامه الفنان المعروف محمد عبد الوهاب (وكان في مبتدأ حياته وشهرته الفنيّة) وعندما قوبل بالهتافات والتصفيق طلب من الحاضرين أن يهدأوا وأن يستمعوا إلى محمد عبد الوهاب قائلا: نحن سنذهب وسرعان ما ستنسوننا ولكنكم ستظلون تتذكرون هذا الفنان محمد عبد الوهاب!
إن الفن والأدب الصادق هو الوحيد الذي يقنعنا وجدانيا وضميريا باننا أصبنا أو أننا أخطانا في سلوكنا وأنه على حد ما بلغني عن ماركس أن الفن هو الذي يصنع اعلى مراتب الفرح!إنه يُطهّر النفوس !
إنه النشاط الذي يربطنا واقعيا وعمليا بالآراء ويدفع بلا كثير تفكير إلى القناعات !
إن إلقاء علبة سكائر فارغة في الشارع ليست أمراً هينا إذ أنها استهتارٌ في الحقّ العام سيؤدّي إلى ما سيؤدّي إليه من استهتار لاحق!
ولتكن المنافسة فيما نقدم من أعمال نافعة لغيرنا ولأنفسنا جميعا وليس فيما يخرب حياة ومستقبل بعضنا البعض!
عندما يشيع العدل ينتشر الجمال وعندما نكون على حقّ فإننا ولا شك سنشعر بامتلاء كبير ولكننا عندما نرتكب المعاصي ونتسبب بالضرر لغيرنا فإننا ولا شك سنشعر بالإستصغار والإحتقار لأنفسنا ولو بشكلٍ مستتر!
للنزاهة والإستقامة ثقافة وكذلك للفساد ثقافة !فإن لم نطّلع على الإجابات الصحيحة لما يواجهنا في حياتنا العمليّة عن طريق إنتاجات الأدباء والفنانين والمفكرين فإننا سنسمح لثقافة الفساد بالتسلل إلى منظومة سلوكنا وأخلاقنا وسنهدم المكونات البشرية والإجتماعيّة على طول الأرض وعرضها ولن يكون أمراً بسيطا إصلاح هذا الخلل بعد أن يشبّ ويشيخ الناس على أخطائهم ويتعوّدون عليها!
ولن يكون مكرورا ولا معيبا أن نعيد ونكرر ما كنا نحفظه في سنوات صبانا وطفولتنا (وإنما الأمم الأخلاقُ ما بقيت.....فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا)
إن الغالبية العظمى من أبناء شعبنا بحاجة إلى أن يتذكّروا هذه الأبيات والعبارات وإن أصبحت قديمة فإنها على كل حال ليست بالية وأن الظروف تُحيي مثل هذه الأفكار على بساطتها لأن شعبنا قد تراجعت فيه كثير من القيم والمثل السامية ونحن أحوج ما نكون لأن نستدعي ما أمكن من الفن والأدب قديمه وحديثه للوقوف بوجه أعتى موجة من موجات التراجع والإنكفاء الثقافي والأخلاقي ونحتاج إلى كل ما نملك من تراث وطني وإنساني لدحض أطروحات الفساد التي توشك أن تأكل ما بناه حشدٌ من المفكرين والمثقفين بل والأجيال على مدى عصور طويلة تكاد تكون هي التاريخ بعينه!
وليعلم الجميع أن الفساد هو القبح وهو الكراهية وهو التأخر والقذارة والنجاسة!(وأن من لا يملك فلسا فإنه قد يكون أثمن ما على وجه الأرض وأغنى العالمين!)و( أن المدارس توكّل خبز والفن والأدب والعلم هو الذي يؤمّن الخبز وليس الجهل بها!) فهل من مُجيب؟وهل من مُعين؟



 

free web counter