| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الأربعاء 18/6/ 2008



مستلزمات المفاوض و المعاهدة الأمريكيّة العراقية!

سنان أحمد حقي

في الحقيقة إن الوضع السياسي الراهن سواء داخليا أو إقليميا أو عالميا قد طرأ عليه منذ عام 2003 تغيّرا جوهريّا وليس من الجديد أن نقول أن عالم اليوم ليس عالم الخمسينات وقد صاحب انهيار سلطة الإتحاد السوفييتي السابق غليان سياسي ادّى إلى صعود وهبوط قوى سياسيّة متعددة ونجم عن ذلك تهميش لعدد من القوى وكذلك وفي الوقت نفسه أدّى إلى تصاعد قوى كانت قد تهمَّشت وانعزلت لفترة طويلة والمهم أن نعرف أن الواقع السياسي الحالي لم يعد يشابه الواقع الذي كان قائما بعد الحرب العالميّة الثانية مطلقاً،فها هي روسيا تطمح الآن إلى الإنضمام إلى حلف الناتو بعد أن قادت العالم ردحا طويلا من أجل نبذ سياسة الأحلاف !،وكان من نتيجة كلّ هذه المتغيرات أن حصلت مناطق تخلخل أمني متعددة أغرت عددا من القوى الإقليميّة على إبداء حراك أمني كمحاولة لإشغال هذه الفراغات ومن أهمها الفراغ الأمني المزمن المتمثّل في مجموعة دول الخليج العربيّة والتي لم يكن من الممكن لها أن تملاْ ذلك الفراغ الأمني والسياسي بسبب عدم توفر المستلزمات الأساسيّة في الواقع الديموغرافي ومستلزمات الدفاع الذاتي حيث انصبّ اهتمامها جميعا على اعتبار قوّة المال (وهو مودع ومستثمر في مصارف ومؤسسات بلدان أخرى) بديلا عن القوّة العسكريّة والسياسيّة وكذلك بسبب تراجع التحالف العربي وتصدّعه، وبسبب ضعف التحالف الخليجي ،وبسبب عدم رغبة عدد من المتحالفين الخليجيين من الإبتعاد عن العراق وإنكار كونه دولة خليجيّة حقيقيّة.

ولا أعتقد أن هناك مجالا للإقتداء بالمثل الإسرائيلي في الصمود بوجه المنطقة رغم الحجم السكاني المحدود وذلك بسبب اعتماد إسرائيل على قوّة العمل وليس المال وهذا غير متحقق في الدول الخليجيّة وسيحتاج إلى مدى واسع وجهود تستهدف التربية الشخصيّة والفكريّة للمواطن الخليجي، حيث مازال المواطن الخليجي يعتبر العمل ولا سيما العمل اليدوي نوعا من التحقير .
لقد وجد الجميع الآن أنفسهم في هذا المازق ويتهيّأ لبعض دول المنطقة أنها قادرة على احتلال الفراغ الموصوف ولكنّ مثل تلك القدرة مؤقّتة وسوف تتحلل سريعا بسبب عناصر الواقع الإقليمي وتناقضاته وليس من سبيل إلى إهمال التناقضات القوميّة والعرقيّة والدينيّة والأيديولوجيّة في هذا الشرق العجيب!
وبسبب الواقع الراهن ؛ ليس من الصحيح إنكار أهميّة عقد اتفاق أمني بعيد المدى مع الدول المتحالفة التي احتلت البلاد منذ 2003 كمحاولة لتجنّب حريق هائل قد يشبّ في أرجاء المنطقة برمتها بسبب الثروات الهائلة التي تتركّز في هذا المكان من العالم والتي ليس بوسع العالم أن يسمح بتعرّض اقتصادياته في عموم أرجاء المعمورة إلى تقلبات حادّة وعسيرة باتت محتملة يوما بعد يوم،خصوصا بعد ظهور شبح الكساد على سوح الإقتصاد العالمي وبسبب الإرتفاع الشاهق الذي تسعى إليه أسعار النفط والمواد الأوليّة والتي (تستطرق) * باقي أسعار المواد الغذائيّة والأوليّة الأخرى.
ومع أن طروحات قيام نظام أمني إقليمي يمكن أن تكون منفذا مقبولا لتجنب الحريق المتوقع لكن هذا الأمر لا يسع الدول العظمى أن تتقبّله بسهولة بسبب تعاظم طموحات بعض الدول إقليميا ورغبتها في الظهور على الساحة العالميّة كلاعب جديد في نادي الكبار ،إن هذا الطموح قد يكون أطروحة توفر نظاما جديدا في إلإقليم ولكنه ما زال مصدر قلق وحسّاسيّة باقي مكونات الإقليم كما أن لاعبين كبارَ آخرين مثل الصين وروسيا مازالوا يتململون من إهمال مصالحهم الحيويّة في المنطقة ومنها كون الصين مثلا أكبر مستهلك لنفط الشرق الأوسط !
وعلى هذا فإن مهمة الحكومة العراقيّة الحاضرة في الدخول في مفاوضات مع الجانب الأمريكي لعقد اتفاق أمني بعيد الأمد مهمة ليست مرفوضة،لأن القوى المتحالفة لم تقدّم كلَّ هذه الدماء والأموال من أجل سواد عيون أحد وأن سعيهاسيستمرّ لتأمين مصالح بلدانها الإستراتيجيّة في المنطقة بكلّ الأساليب ولو استدعى الأمر ما يستدعي من الجهود السياسيّة أو العسكريّة،ولأن رفض مبدا الإتفاقيّة ليس ممكنا في الوقت الحاضر ، ولكن المهام الحاليّة التي يتحتّم على الحكومة إنجازها قبل الدخول في التفاوض ممكنة التحقيق!و تتمثّل في وحدة الصفّ الوطني بهدف الوقوف على أرضيّة ثابتة توفر الموقف السليم والراسخ في سبيل الحفاظ على المصالح الوطنيّة ومن تلك المهام ،الإسراع بعمليّة المصالحة الوطنيّة على أسس حقيقية وبعيدة عن قبولها للمناورات والإلتفاف أو التراجع وكذلك الشروع بحلّ موضوع المهجّرين والنازحين وتحسين الخدمات العامّة ومعالجة مشكلة البطالة والإستمرار على ترصين الأوضاع الأمنيّة وتطبيق القانون و إعادة الإعمار والتثقيف المتواصل على نبذ النعرة الطائفية والعنصريّة وكل أشكال النعرات التي من شانها شقّ الصف الوطني وحلّ مشكلة شواغر الوزارة التي طالت أكثر مما ينبغي إذ كيف تتقدم الحكومة إلى التفاوض وهي كمن يسير على ساق واحدة إنها حكومة منتخبة ولكن من هو منتخب هو البرلمان وليس الحكومة فليس من الصحيح أن تعتبر الحكومة نفسها حكومة منتخبة في ظل أوضاع برلمانيّة مرتبكة جداومفكّكة كما هو قائم وفي ظل وزارة منقوصة وعليلة!.
ومن ناحية أخرى ومع أنني من الذين يرغبون في قيام علاقات طيبة مع جيراننا ولا سيما الإيرانيين ولكن الإقدام على عقد اتفاقات تسبق الإتفاق العراقي الأمريكي موضوع البحث وهو مازال مطروحا على البساط، ستجعل الجانب الأمريكي يشعر بأن النوايا غير مخلصة في التفاهم وسيؤدّي كل هذا الإرتباك إلى تدابير محتملة قد لا تكون في صالح المنطقة ولربما ليس في صالح شعبنا إذ أن الولايات المتحدة الأمركيّة دولة عظمى ولها القدرة والمرونةعلى الدوام أن تضع البدائل المختلفة وليس في مصلحة البلاد إشعارها بأن أحدا يُحاول أن يلعب على الحبال!فهم أوسع حيلة وأمضى وسيلةً ومن مصلحة البلاد أن يتم إرساء خطوط العلاقة بين البلدين على أسس من الصراحة والصدق واستهداف الصداقة والإحترام المتبادل .وإذا كان الرأي قد استقرّ على استهداف منظمة للأمن الأقليمي فإن الولايات المتحدة والدول المتحالفة مازالت قادرة على أن تفرض قيادتها لهذا التجمع الإقليمي ولن تسمح لأحد بأن يفرضه عليها كواقع حال !
إن قوة الحكومة العراقيّة تكمن في قوّة وتراصّ الشعب خلفها وهو الضمانة إن تم إشراك فصائله السياسيّة المختلفة في ذلك.
أمّا إذا كان لأي مكون إقليمي مصالح يريد أن يصونها فعليه أن يبادر إلى التفاعل سياسيا من أجلها مع الأطراف المعنيّة بنفسه.
إننا نُدرك أن المنطقة برمتها تحتاج إلى الإستقرار وانتهاج السبل السياسيّة والدبلوماسيّة في حلّ المشاكل عبر الأطراف المعنيّة بشكل مباشر وعلينا نحن أن نهتمّ بمصالح بلادنا وأن نتقوّى بشعبنالا بأي قوة أخرى مهما كانت ونتسلّح بإقامة أفضل العلاقات الوطنيّة عبر نبذ التعصّب والكراهية والعنف ونبذ مبدأ الإقصاء فإنه عنصر يثلم المنهج الديمقراطي الذي تسعى له البلاد.
إن أكبر ما يؤسف له أن الأمور تسير بسرعة تكون فيها مصالح بلادنا في آخر القائمة.
كما نحذّر من اتباع أي أسلوب ينطوي حاليا أو مستقبلا على منهج الخداع أو التلاعب فإننا لن نستطيع أن نجاري الكبار في قدرتهم على ذلك كما أن ديننا يحثّنا على صيانة العهود وخلافه يجب أن لا نخادع بل أن نطرح الحقائق كما هي فليس في الطرق الملتوية أي نفع لمواقفنا المشروعة وقديما قيل:

                   ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده          تصيّدَهُ الضرغام فيما تصيَّدا

إن السياسة الراسخة والثابتة والقائمة على احترام الآخرين هي التي يمكنها أن تُنتج إتفاقات نزيهةً ومشروعة يمكنها أن تدوم وتكتسب قيمةً أثمن من قيمة الأوراق التي تُكتب عليها كثيرا .
ونقول إن الرأي لو استقر على إيجاد منظومة أمن أقليمي فإن الولايات المتحدة الأمريكيّة تظل هي الوحيدة التي تمتلك القدرة على جعله هدفا ممكنا من عدمه ولن يكون بوسع أي طرف أن يتبنّى مثل تلك الأهداف الواسعة سواها.
وأتمنى على المفاوضين العراقيين أن يجنحوا إلى ترسيخ مباديء الصداقة واستهداف المنافع المتبادلة واحترام السيادة والإرادة الوطنيّة وإقناع المفاوض الأمريكي بأن ذلك ولا شكّ هو أوثق سبيل إلى ديمومة ما سيقوم بين بلدينا من اتفاقات وهو ولا شكّ اثمن من كل المصالح التي يُمكن أن تتحقّق بيننا.
 

* أعني بكلمة تستطرق أنها تعمل مع باقي العوامل والأهداف حسب قاعدة الأواني المستطرقة.


 

free web counter