| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

السبت 18/10/ 2008



ماهي مؤشرات ومعالم تلاشي شبح الحرب الأهليّة؟!

سنان أحمد حقّي *

عندما تواجه قطعتان عسكريتان متعاديتان بعضهما البعض الآخر فإن أيّاً منهما ستقوم بعمليات عسكرية ومحاولات لفتح النار أو لقتل بعض من يواجههم من المقاتلين وتفعل القوة المقابلة نفس الشيء وليس بعد هذا سوى جمع جثث القتلى والمصابين وإحصاء عددهم ثم تعود كل جهة للثأر لمقاتليها بعمليات أخرى أو لمعاودة السعي لتحقيق أهدافها ومقاصدها الرئيسيّة،حتّى تُخضع إحداهما الأخرى لإرادتها أو يتم تدخّل جهة محايدة لوقف إطلاق النار عند عدم تمكن الطرفين من إخضاع الطرف الآخر لإرادته تماما ، ولن يكون هناك أي تحقيق ولا من أي حهة كانت لمعرفة الباديء بالأفعال او المعتدي لأن كل العمليات ستكون بنظر مرتكبيها أعمال أو عمليات مشروعة للدفاع عن النفس والوطن ولتحقيق مكاسب محددة وأهداف مرسومة، سواء كانت ستراتيجيّة أو تكتيكيّة وهذه هي الحرب!.
ولكن أعمال العنف الأخرى ومن أي نوع كان في ظل حكومة شرعيّة معترف بها ستخضع بعد ذلك إلى تحقيق مفصّل لمعرفة الباديء ولجمع الأدلّة والبيانات لرفعها إلى القضاء وإحالة المتهمين إلى مواجهة عواقب أعمالهم واعتداءاتهم .
من هنا ندرك أن أي شكل من أشكال الحروب سواء النظاميّة أو الأهليّة أو حروب العصابات أو غيرها لا يكون فيها حيّز للتحقيق ولا إلى تشخيص الجناة ولا إلى وضعهم تحت طائلة القضاء بل ينصرف كل طرف إلى إحصاء الخسائر الماديّة والخسائر بالقوّة المقاتلة ونفهم من هذا أن الفارق الأساسي بين الحرب وأعمال العنف الأخرى التي تتم تحت ظل حكومة قائمة إنما هو عملية التحقيق وتشخيص الجناة ووضعهم تحت طائل القانون.
فإن توقفت أعمال التحقيق وتشخيص الجناة وووضعهم تحت طائلة القانون فإن الأوضاع تكون تقترب شيئا فشيئا من الحرب الأهليّة وكلما استطاعت الحكومات أن تقوم باعمال التحقيق والتشخيص كان شبح الحرب الأهليّة يبتعد شيئا فشيئا ، لأن المجنى عليهم في أيّة عمليّة من عمليات العنف إن لم يستطيعوا أن يستوفوا حقوقهم التي استحقّت لهم فإنهم سيجدون من المشروع بنظرهم أن يردّوا بأي شكل على من اعتدى عليهم أو تسبب في تحقيق أي نوع من الأذى ولذلك فإن المؤشر الواقعي والحقيقي الذي يشخّص اختفاء شبح الحرب الأهلية هو بالتأكيد الشروع بتقديم الجناة إلى العدالة وإن التهاون في مثل هذه الأمور لا يؤدّي إلى تحقيق الإستقرار الحقيقي بل إلى ما يُشبه الهدنة وإلى تحيّن الفرص واغتنامها في أي فرصة مقبلة لتوجيه ضربة ثأر أو انتقام وهذا ما يعيشه المجتمع العراقي بصورة عامّة ويتّضح بشكل أوسع في مجتمع جنوب العراق حيث تتحوّل النزاعات بين الناس والقبائل والفرقاء المتنازعين إلى مسلسل ثاري لا نهاية له يستهدف فرض الإرادة .
ومن هنا يكتسب التحقيق وعمل القضاء والعدالة أهميّة قصوى كما يجب التنويه إلى توخّي العدالة الحقيقيّة النزيهة دون استعمال وسائل بعيدة عن الحقّ والعدل ولا سيما الوسائل الإستخباريّة والأمنيّة التي غالبا ما تتعامل بأسباب الغش والتمويه وما يشبه ذلك بسبب تعلق عملها بمثل تلك الوسائل ، كما أن عددا من عناصر الأجهزة الأمنيّة لا يصلح للشهادة للأسف بسبب كونها تنفّذ أوامر مرؤوسيها حتّى لو تطلّب الأمر أن يُؤدّوا القسم القانوني زوراً تلبية لأوامر قادتهم وبسبب نفس الظاهرة نتمنّى على القضاء أن يامر يتسجيل شهود الزور وتعميم عدم اهليتهم على مؤسسات العدالة في عموم البلاد ، وغنيٌّ عن الذكر أن العدالة هي النزاهة بعينها فإن افتقرت إلى النزاهة فإن العدالة تكون غائبة تماما.
ومن ناحية أخرى فإن حياديّة أجهزة الحكومة والقضاء امرٌ في غاية الأهميّة وان التزام جانب القانون والنظام هو مهمتها الأساسيّة لكي يقتنع الفرقاء المتنازعين كافة بالسلطة كمرجعيّة ممكن القبول بها والإحتكام إلى إجراءاتها، ولذلك فإن دفع بعض الأجهزة الأمنيّة لعدد من المتعاملين معها إلى دفّة القضاء بشيء من الخفاء والسريّة أمرٌ يُسيء تماما إلى العمليّة القضائيّة وإلى جوهر العدل في الحكم ويجب تحرّي عدم حدوث ذلك أبداً وعند التأكّد من حدوثه فإن القضاء ملزم بإقصاء هؤلاء عن منصّة الحكم والقضاء لعدم أهليتهم وعدم حياديّتهم.
ولهذه الأسباب مجتمعةً نوصي بفتح ملف لكل عملية تستهدف الإخلال بالأمن والنظام أو تستهدف أي مواطن مهما ضئلت ،خصوصا عند تقدم المواطنين بالشكوى ومن ثمّ الإيعاز بالتحقيق التفصيلي وعند الوصول إلى نتائج وافية يجب تقديم الجناة الحقيقيين إلى العدالة ووضعهم تحت طائلة القانون وهذا يؤمن سحب البساط من تحت كافة النزاعات عن أن تتطور إلى أشكال من العمليات الحربيّة التي تُجسّد ظهور شبح الحرب الأهليّة خصوصا في ظل الظروف الحالية التي تعيشها البلاد
أما في حالة الإكتفاء بإحصاء الخسائر الماديّة والخسائر بالأرواح فقط فإن الأمر لا يكون سوى استمرار لحالة التقرّب لظهور شبح الحرب الأهليّة أو مهادنتها لا سمح الله.
حاولتُ هنا أن أوضّح شيئا من التعقيد الذي يكتنف الأوضاع الأمنيّة الخطيرة وببساطة كبيرة لكي نكون على بيّنة من أمر التهاون في سوق الجناة اللاعبين بالإستقرار والعابثين والمستهترين بالنسيج الإجتماعي للبلاد بلا شعور بالمسؤوليّة أو الأخلاق.

 

* مهندس ومنشغل بالثقافة

 

free web counter