| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الجمعة 16/11/ 2012

 

كيف يتم تطبيق الشريعة؟

سنان أحمد حقّي * 

أيها الأخوة والأخوات الكرام

يرفع عدد متزايد من المواطنين في بلدان متعددة من الشرق الإسلامي هذه الأيام شعار تطبيق الشريعة ويُطالبون بتطبيق الشريعة وأنا أحد الذين يحترمون مطالب المواطنين خصوصا لو تحقّقت لهم الأغلبيّة النزيهة ولكن دعونا نتحاور في شأن كيفيّة تطبيق الشريعة؟

فالمسلم بعد أن يعلم أنه مسلم أو بعد أن يُشهر إسلامه عليه النطق بالشهادتين وهذا أهم ركن للإبتداء به ويتم فور النطق بكلمات قليلة وبسيطة هي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمدا رسول الله ليتم إعتباره  من تلك اللحظة مسلما ولا أحد يفضله بل يتساوى في ما له وما عليه مع سائر المسلمين ويبدأ بتعلّم الصلاة ويُصلّي أي يأمر نفسه بالصلاة ثم يقتنع بأركان الإسلام الخمسة وهي الصوم والصلاة والحج والزكاة والشهادة وهذه الأركان تُسمّى بالفروض أو الفرائض أي هي الأمور التي فرضها الله على المسلم كائنا من يكون ولكنها كلها يؤدّيها المسلم على قناعة منه وإن لم تتوفّر القناعة فلا أحد يُراقبه إن كان حريصا عليها أم مبدّدا لها فالصائم لو لم يكن مقتنعا فإنه يستطيع أن يظهر أمام الناس بحال الصوم ولكنه عندما يخلو لنفسه يتناول من الطعام ما يحلو له ، فما الذي يمنعه؟ وكذلك الصلاة فإنه يستطيع أن يؤدّي بعض الأوقات ويترك البعض الآخر مما لا يعلم به الناس فكيف يمكن أن نخضعه للمراقبة والفحص ؟ وكذلك الزكاة والتي يبدو اليوم أن كثيرا من الناس يُغمضون أعينهم عن إدائها حبّا بالمال وطمعا بالدنيا وهكذا.. وهذه أوّل الفرائض فكيف بالإحتكام إلى النصوص القرآنيّة والشريعة في أمر المعاملات والتجارة والتقاضي في مختلف الشئون وأمور الأحوال الشخصيّة ؟ وامور الحكم والسياسة والإدارة وغيرها ؟

لا يمكن أن نوكل شتّى الأعمال الإنسانيّة للمراقبة وأن نراقب من نستعملهم لذلك أيضا بهدف تحقيق العدالة إذ سنحتاج إلى جيش جرار من الشرطة والمراقبين ومن الذين نفوّضهم أمر تنفيذ تلك التعليمات.

ولكن الشريعة تبدأ مع بدء الإيمان في قلب المسلم فهو يُفترض به أنه إستعرض هذا الدين وأفكاره واقتنع بها ونزلت في قلبه منزلاعظيما ولهذا هو يحرص على تطبيقها وأوّل من يحرص على تطبيقها عليه هي ذاته أو نفسه فيبدأ بالحرص على الصلاة في مواعيدها حتّى لو لم يكن هناك من يقول له قم للصلاة ويصوم رمضان حتّى لو لم يطلب منه ذلك أحد ويُخرج الزكاة حرصا منه على طهارة ما كسب من المال للعام المنصرم وهو بذاته يُقدّر إن كان مستطيعا للقيام بالحج أم أنه لم تتحقّق له الإستطاعة من جميع الوجوه وكذلك موقفه من الجهاد عندما يُنادي منادي الجهاد فهو الذي يعلم كم هو مؤهّل للقتال فيخرج له ،  من حال عدم أهليّته لمرضٍ أو عُذرٍ مشروع ولنفترض أن مسلما ما وقع بينه وبين امرأته ما يجعلهما في شك من مشروعيّة مراجعة بعضهما فماذا يفعلان؟ هل يكتمان الأمر ويمضيان في ممارسة حياتهما الزوجيّة كما كانا معتادين وكأن شيئا لم يكن؟ إذا هما ليسا مسلمين (فهذه أمور تترتّب عليها نتائج جسيمة منها أن الولد الذي سيولد بعد مثل هذه الأوضاع لا يأتي نكاحا مشروعا بل سفاحا فضلا عن أن علاقتهما تكون زنا وليس زواج)أمّا لو كانا مسلمين حقيقيّين فإنهما يعرفان إن كانا حقّا قد وقعا في المحظور فيخرج الرجل إلى غير عودة أو تخرج الزوج إلى أهلها وذويها ولا تُعاشر زوجها حتّى لو كانت متعلّقة به أشدّ التعلّق إذ أن أمر الله أدعى عندها للطاعة أمّا لو كان لديهما أو لدى أحدهما شكّ أو أن شيئا ما قد أُغلق عليهما أو على أحدهما فإنهما يُراجعان أحد العلماء لكي يأخذا رأيه في وقوع الطلاق وأنهما قد حرما على بعضهما أم لا وهنا يسلك العالم سلوك رجل العلم الحقيقي فيسمع لهما جيدا ويُخبرهم إن كان المحظور قد وقع أم لا ، أو إن كانت هناك حالة يمكن أن يعودا معها إلى مراجعة حياتهما الزوجيّة من جديد وفي المعاملات فإن الرجل إذا وجد أن بائعا ما قد أعطاه أكثر مما يستحق من البضاعة أو المال فإنه عليه أن يُرجعه إلى البائع وأن الغش محرّم والربا من أشد الأعمال حرمة وكل هذه الأمور تقع في مسؤوليّة الأفراد ويتعاملون في أمرها وحدهم إلاّ إذا حصل نزاع .

فلنسأل من الذي طبّق الشريعة في أمر الصلاة؟ ومن وراء أمر الزكاة؟ أو الحج؟ أو الصوم؟ أو الجهاد؟ أو الأحوال الشخصيّة ؟ أو المعاملات بين الباعة ومن يبتاع منهم ؟ كل هذه طبّقها المسلمون وحدهم دون رقيب أو حسيب.

إن تطبيق الشريعة الإسلاميّة ليس ككل القوانين أو التشريعات الوضعيّة الأخرى فهو أمرٌ مرتبط بالإيمان ومرتبط بمرتبة الإحسان فلو كان بيننا رجل مسلمٌ صادق وحسن الإسلام فإنه لا يرضى أن يسرق ولو قطعت عنقه ولا يرضى أن يزني ولو خسفت به الأرض ولا يقبل أن يُفطر نهار رمضان ولو إنطبقت السماء على الأرض ولا يرتضي لنفسه الكذب ولا النفاق ولا شهادة الزور ولا الظلم مهما تعرّض له من تعسّف وفتنة ، إن الشريعة أيها الأخوة يُطبّقها المسلمون المؤمنون أنفسهم بلا رقباء ولا رجال أمن ولا مفتشين والمسلمون الصادقون مع ربّهم يعيشون على هذا ويموتون وهم عليه مهما تبدّلت الظروف وتغيّرت الأحوال وحتّى لو لم يبقَ معهم رجلٌ واحد يقف معهم فيما هم فيه( بسم الله الرحمن الرحيم.من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا. صدق الله العظيم)، فمالذي يمنعهم من الكلام البذئ أو الشتم أو الغمز أو النميمة وهي أمور أيسر من السرقة أو القتل أو الظلم ؟ إنه الإسلام  أفلا يحفظهم من أقلّ من ذلك أو أكبر؟

تـَرى عزيزي القارئ أن تطبيق الشريعة موكولٌ بالأساس إلى كل مسلم لتطبيقه على نفسه وأهله وبيته بالرفق والتوعية والحسنى والتراحم والتثقيف العالي مع مراعاة الظروف الإجتماعيّة فلا ضرر ولا ضرار كما يُقال ولا تُطبّق الشريعة بالأمر وبالشرطة أو رجال الأمن أو المفتشين أو بواسطة عدد من المتطوعين الذين يخرقون الحرمات فالأصل مثلاأن المرأة حرمة ومعنى هذا أنها حرام على الرجل أن ينتهك عرضها ولو بكلمة جارحة فهي جزء من المحرمات الأساسيّة ولا يجدر بنا أن نتعرّض لها بما يضرّها أو يُسئ إليها بأي شكل وحقوقها مقدّمة على حقوق الرجال بسبب عدم قدرتها البدنيّة على منازعة الرجال ولا يُقلل هذا من كرامتها ولا قيد أنملة .

أنا لست من الإسلام على الأعماق الإيمانيّة التي أذكر هنا ولكنني أدركتُ منهم رجالا لو بقيت أصف لكم مكارمهم وأخلاقهم وصفاتهم الزكيّة والنبيلة لعجزت عن ذلك ولو بقيتُ أحدّثكم طيلة أيّامٍ وأيّام ، فكم كان منهم رجالٌ يأبون الأذى للحيوان ويحثّون أرباب وسائط النقل التي تستخدم الحيوانات على حُسن المعاملة مع دوابهم وأن قصابي أيام الزمن الجميل كما نقول هذه الأيام كانوا غاية في الرحمة فيدهم أخفّ على الذبيحة من الريشة الهفهافة رحمةُ بالحيوان ، ولم أرَ أشفق منهم على الطفل والعجوز والشيخ والعاجز والمعوز والفقير وكنت ذكرت في مقال قديم جدا رجلا كان قد بلغ من العمر مائة وخمسة وأربعين عاما وكان ذا دين وخلق فلم يتوقّف عن شراء الملابس وحمل الطعام في ساعات الفجر الأولى ليضعها على عتبات بيوت الأرامل واليتامى مع رقّةٍ بيّنةٍ في حاله ولا تصدّق أنه هو نفسه الذي يُساوم في الأسواق بكل عناد وجهد وكأنه أبخل البخلاء ولكنّه في ساعات الفجر يُسارع لتوزيع ما قدّره الله عليه من رزق على الذين يراهم في حاجة أو عوز.

أدركنا أولئك الذين يُسمّيهم القرآن بالذين يُسارعون في الخيرات وبدون منّ ولا أذى ، فمن كان يجعلهم يُطبّقون الشريعة؟ هل هي الحكومة؟ أم مفارز أمنيّة أم متطوعون؟

إنه إسلامهم وإيمانهم هو الذي يهديهم سواء السبيل ولا يحتاج الإسلام إلى المطالبة بتطبيقه إذا كان هناك مسلمون حقيقيون.

إن الله بالنسبة للمسلم إنما  يُريد منه أن يجعل من نفسه في الأرض خليفة له أي أن يسمو بأخلاقه وأفعاله وأقواله بما يعلو به عن سائر المخلوقات وكأنه كما نقول هذه الأيام (الانسان المثالي) فهل نبلغ تلك المرتبة العليا بالأمر وبرجال الأمن والمتطوعين ومنتهكي الحرمات؟

أم أن تطبيق الشريعة متاح للمسلمين والحقيقيين منهم على وجه الخصوص كسلوك ومنهج ذاتي؟

هكذا يتم تطبيق الشريعة وليس بالعصا والإكراه!

 

* مهندس ومنشغل بالثقافة

 

 

free web counter