| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الأربعاء 16/4/ 2008

 

توفي يوم 5/12/ 2012 المعماري العالمي والبرازيلي الشهير أوسكار نيميير ، ولأهمية التراث المعماري والعالمي الذي تركه هذا المعماري العظيم ولأهميّة المادة التي ترجمها الاستاذ سنان أحمد حقي قبل عدة سنوات عن المعماري الراحل ، نعيد نشرها مرّةً أخرى تذكيرا بهذا الإرث والصرح الذي لا يتكرّر ومواكبةً للأحداث لأهميّة المناسبة لأهل العلم  والثقافة والهندسة والحضارة على حدٍّ سواء ...  موقع الناس 7/12/ 2012
 

 أوسكار نيميير
ملك عمارة المقوسات والمنحنيات الحديثة

ترجمة : سنان أحمد حقي *

في كانون الأول الماضي مرّ عيد ميلاد المعماري العالمي الكبير أوسكار نيميير المائة وبهذه المناسبة نشرت الغارديان البريطانية مقالا ومقابلة معه أجريت في الثالث من آب عام 2007
ولأهمية المقال وأهمية أعمال المعماري الكبير وحياته الحافلة أقدم هذه الترجمة المتواضعة للمقال المذكور عن الإنكليزية مع مجموعة صور انتقيتها من شبكة المعلومات العالمية توضح أسلوب المعماري الأشهر ومميزات بعضٍ من أعماله الخالدة.


مبنى الكونغرس


ألتقط قلمي ... يظهر مبنى
يخضع القول للجدل أنه أعظم معماري في العالم مازال على قيد الحياة.إن أوسكار نيميير يستعد لكي يطوي سنته المائة،لقد أهدى جوناثان كلانسي مقابلة نادرة ونظر وراءه إلى سيرة فوق إعتيادية
نشرت صحيفة الكارديان هذه المقالة في الأول من آب سنة 2007
(فيدل كاسترو أرسل لي هذا الصندوق في الأسبوع الماضي وهو يحتوي على سيكار هافانا ) قال أوسكار نيميير ،وهو يبدو أنيقا في بنطلون أزرق حريري وقميص أسود ذي أزرار فضّيّة
قابضا على فضاء في الستوديو الخاص به في ريو دي جانيرو،واستطرد عملاق المعماريين (وقفازا الملاكمة هذين، وكانا إلى جوار علبة السيكار عليهما توقيع بطل العالم للملاكمة الكوبي.ذات مرة زارني فيدل في ساعة متأخرة من الليل وتعطّل المصعد.إنه قديم جدا،لذا فقد هاتفت جاري وسألته إن كان زائري الصديق يستطيع أن ياتيني عن طريق شقّته ؟لقد كان بالبيجاما ،أنا أعتقد أنها كانت مفاجأة أن ألحظ أربعة رجال حماية من العمالقة ثم كاسترويخطو عبر غرفة نومه .كاسترو أعطاه سيكارا.)

كانت لنيميير حياة حافلة.قبل خمسين عاماً بدأ العمل على ما أمسكت به عيناه من نُصبٍ مدني لبرازيليا (عاصمة البرازيل الحديثة) كان ذلك هو قصر ألفورادا فاتن الجمال .المقر الرئيسي لإقامة الرئيس البرازيلي ولم يكن لمثل ذلك المبنى مثيلٌ في العالم الحديث.لقد تم تجديده قبل وقت قريب،هذا الهيكل الشفاف يقع في شبه جزيرة ويُطلّ على زورقٍ ذي ساريةٍ مشرعةوعلى بحيرة (بارانوا )الصناعية ،يومض من الجانب الآخر البعيد بساطٌ مخضرٌّ أنيق متناهي الدقّة الهندسيّة .وخندق متقطّع يستر الطيور المسقسقة ومدخلا حديثا مهذّبا.كل هذا يعزل هذه المستوطنة البنائية عن باقي برازيليا ،إنه واحدٌ من أكثر المواقع تفوقا على الإعتياديّة في كل كوكبنا.
تبقى برازيليا تحديا معماريا فذّاً وتخطيطا حضريا ثوريا وأرادةً سياسية.إنه مركز مستقبلي واليوم هيوموقع تراث عالمي
لقد حثّه الرئيس البرازيلي ذو الشعبية الواسعة( جوسلينو كوبيجيكت-كي جي) وتعهد بعد تسلمه موقعه أن يختصر خمسين عاما من الإزدهاروالتقدم في خمس سنوات
ولم يخذله الذين كانوا معه في المسؤولية في إظهار ملامح أحلامه
مدينة الرئيس التي افتتحت عام 60 كان قد مخططها المعماري البرازيلي (لوتشيو كوستا)الذي عرض رعا ية نيميير هبة العصر المعمارية
إن تصميم المباني المحددة لواحدة من المدن المميزة في العالم و بشكل لا يوصف.
وهنا كان أقوى تأثير رمزي لمبنى الكونغرس وهناك أروقة قصر العدالة وهنا رئاسة الوزراء الصقيلة وهناك الكاتدرائية الثورية والفاتنة وبلوكات الشقق فائقة الحداثة
وحيث كانت برازيليا التي مازالت مستمرة في الإنشاء فإنها لم تكن كافية لأن تشغله حيث يقول نيميير اليوم أن لديه أعمال جديدة كثيرة،إن رئيس أنغولا دعاني لتصميم عاصمة لبلاده بما يعادل أربعة أضعاف حجم برازيليا (إن أربعة أضعاف برازيليا قد تستغرق أربعة أضعاف العمل الذي تم في برازيليا أي قد تأخذ 16 ستة عشر عاما! قلت :16 عاما! ربما تستطيع أن تفعل ذلك في أمد أقل؟
إبتسم نيميير .فلو استغرق عمله فيها 16 ستة عشر عاما فإن إنجازها سيكون بعد أن يبلغ المعماري 115 عاما من العمر في حينها
المعماري يبلغ في ديسمبر عام 07 مائة عام من عمره وهو ما زال يزاول عمله يوميا في مشغله هذا القائم في أعلى عشرة طوابق من بلوك ممشوق والسبب مفروغ منه حيث أنه في مركز ريو دي جانيرو وعلى ساحل كوباكابانا هنا يرسم ويتحدث إلى زملائه،عائلته وأصدقائه ويتناول طعامه وهو يتطلع إلى رمال الساحل البيضاء وإلى تدفق الأطلسي وهو يدخن سيكارا صغيرا ويحتسي كاسا من الخمر وهو يخطط بقلمه،إنه يستمتع برفقة الكتاب والفلاسفة والعلماء والصحفيين وكذلك السياسيين ذوي الطراز الخاص لقد كان الرئيس كاسترو هنا عدة مرات وليس منذ زمن بعيد فان الرئيس الكوبي قال:(نيميير وأنا نشكل آخر اثنين من الشيوعيين في هذا الكوكب) إذ أن نيميير انتمى للحزب الشيوعي البرازيلي في عام 1945 وحاز على جائزة لينين للسلام سنة 1963
وقبل عدة أسابيع حضر هوكو شافيز زعيم فنزويلا إلى هنا لقضاء بعض الوقت مع نيمييرويمر هنا معماريون شهيرون لعذرٍ أو آخرإذ ليس هناك أشهر من نيمييرنفسه،إنه آخر أبطال حركة الحداثة.. لو كوربوزية وميس فان دير روهه وفرانك للويد رايت وألفار آلتوالذين كانوا مندهشين من هذا الشاب المتفرد البرازيلي الذي حوّل العمارة إلى منحنيات وأقواس حسّية ونورا لكتل لا تُنسى
وحتى بعد ذلك لم يفهموا أساليب نيميير في تحويل حركةالعمارة الحديثة إلى ما يناسب الشروط البرازيلية
لقد جاء والتر كروبيوس ليراني في بيتي في كانوي بأعلى ريووكنت صممته بتتابع أقواس طبيعية تتدفق إلى داخل وخارج الطبيعة الموقعية وقال إنها رائعة ولكنه لا يُمكن أن تُنتج بشكل متكرر وصناعي! وكانني كنت أقصد ذلك! يا له من غبي!
يسكن نيميير الآن في ما يسمى بشقة إعتيادية في كوباكابانا قريبا من مشغله
بيت كانوس يقع بين أشجار الفواكه والموزوإلى جانب نهر ينحدر مع مشاهد المحيط، إنه الآن مقر أوسكار نيميير
يقول:-أنا لا أحب أن أتكلم عن العمارة فالحياة قصيرةٌ جدا بالنسبةِ لذلك نستنشق أو نتنسّم العمارة وهذا كل ما يهمّ أكثر من المباني نفسها (يبدو هذا أمرٌ مستغربٌ قوله من قبل رجل صمّمَ بعضا من أعجب وأجمل المباني خلال السبعين سنةٍ الأخيرة،ولكن بالنسبة لمن تنسّم العمارةمثل ما فعل قليلٌ آخرون وعمّرَ في معاصرته الطويلة (كل أصدقائي وأجنحتي التي شاركتني العمل، كلهم الآن متوفون ) ،وهكذا تكلمنا عن الحياة والوجود ،الكتب ،السياسة ،حتى شعرتُ أنه ربما يبطيءنحو العمارة.
لقدتاُثِرتُ تأثيرا كبيرا بأعماله منذُ أن كنتُ في سن المراهقة وكان أعظمُ ما امتلكتهُ من ثروةٍ هي رسوم عملها لمتحف نيتروا للفن المعاصر
بناية لما بعد الحداثة تُطِلّ من خلال خليج كوانابارا من ريو وتبدو مرفرفةً على صخرةٍ تعلو ما يشبه طبقا طائرا .
المبنى هو الأكثر إثارة وجاذبية في الخمسين سنةً الماضية،تفيضُ بطاقةِ الشباب
في حينها كان نيميير في التاسعة والثمانين من العمر وعندما افتتحت في عام 1996 قال(شعرتُ وكأنني لم اتجاوز الستين من العمر) قالها نيميير الذي تزوج للمرة الثانية في السنة الماضية وعروسهُ هي مساعدته لفترةٍ طويلة،في عمر الستين عاما (فيرا لوتشيا كابريرا)(إن ما كنت أفعله في الستين من عمري ما زلتُ أستطيع أن أفعله الآن أيضا)
أكثر ما أحبه في مبانيه هو أنها تبدو وكأنها تنبثقُ توّاً كما تشكّلت في ذهنهِ ويدهِ وعينه
إنها كما هي لا تستطيع أن تتصورها ممكنة الحصول بطريقةٍ أخرى
إنها تنبعُ من مواقعها الطبيعيّة سواءً ما كان في الميادين المدنيّة المتوهجة في برازيليا أو في التلال الجبلية فوق ريو.
أول بناية متكاملة التقوس والإنحناء هي كنيسة أسيس /سان فرانسيسكو في بامبلها ،تبدو وكأنها تتكون من خط واحدٍ منساب ،إنه اختراع سعيد ،بناية تتحرك ،تبدو مصممةً مرةً واحدةً ،بدون أدنى شك في ذهن المعماري أساسا
هكذا كانت ،قال نيميير (العمارة بالنسبةِ لي كانت تبدأ بالرسم وعندما كنت صغيرا جدا كانت أمي تقول أنني كنتُ أرسم بأصابعي في الهواء.إحتجتُ إلى قلم رصاص وما إن حصلتُ على واحدٍ حتى أصبحتُ أرسم يومياو منذ ذلك الوقت كلما أرسم تظهر بناية
تظهر المباني على الورق بالطريقة التي تصفها ولكن ليس كنتيجة للمسة فرشاة كيفما اتفق! القلم تقوده أفكار متعددة مختزنة جانبا في مكتبة العقل .لكن عندما أنظر إلى موقع بناية آخذاً بالإعتبار مقدار التخصيصات والأفكار المتعلقة بالطريقة التي يمكن أن يتم تشييدها بها وكيفية الإسراع بإخراج التصميمات والرسوم .ألتقط قلمي ،ويتدفق ظهور بناية.هاهي ،ليس هناك أكثر من هذا لقوله
طبعا أنا أورثتُ مهندسيَّ بعض الصداع على مدى سنوات ولكنهم مستمرون معي ولطالما أردتُ لمبانيَّ أن تكون أخفَّ ما يُمكن كي تمسَّ الأرض برفق لتنقضَّ ولتُحلّقَ ولِتُدهِش.
العمارة اختراع ،يجب أن تهبَ السرور .والممارسات العمليّة،إذا كنتَ مشغولا بالوظيفةِ فقط فإن الرائحةَ ستزكم الأنوف بعد قليل.
كثيرٌ من بناياتي سياسيّة أو نُصُبٌ مدنيّة ولكن ربما وهبت الناس الإعتياديين ،الناس ذوي القدرة والإحساس ربما وهبتهم البهجة.
هذا ما تستطيع العمارة أن تفعله وليس أكثر من هذا.
عندما أعود لزيارة متحف الفن المعاصرأقوم بالتحدث إلى الزوار الذين ياتون من مختلف الخلفيات الإجتماعية بضمنها الفقيرة والمعدمة لريو.ويبدو واضحا أنهم يُسرّون لذلك والمتزوجون حديثا ياتون ليلتقطوا الصور إلى جانب بعض الأعمال ، والأطفال يتقافزون على أكتافهم وسواعدهم الممدودة للعناق المميّز وهم يرحبون بالبناية لأول وهلة
عمل الفن يوجد فقط في هذا الجانب من الرسوم الكارتونية
في بعض الأحيان تتجه أعمال نيميير الآنيّة نحو العفويّة أو إلى وجهة ليس لها هدف وظيفي كما في سمات المتحف الوطني الجديد في برازيليا ، حيث تغطّي قبة من ثمانين مترا من الخرسانة ما تُحيط به من فضاء داخلي وخارجي مع سلالم ملتوية ومرتفعة ؛إنه غرورٌ متفوّق ولكن بدون أشياء نجدها في داخلها ودون محتويات فيما عدا معرض واحد .البناية هي في الحقيقة تحفة معروضة بحد ذاتها وهنا نشعر أن البناية يجب أن يكون لها وظيفة وطالما أن نيميير غزير العطاء في تكوين الكتل والأشكال فهو مع ذلك بحاجة إلى التحدي وإن لم يُلجم عنانه يجب أن يخضع لضوابط الطلب الهادف والمختصر.
تلك هي أسباب التقوسات والإنحناءات في المباني الرئيسة لجامعة قسنطينة في الجزائر بتفويض من الرئيس الهواري بو مدين.أو القبة الفسيحة لمقر الحزب الشيوعي الفرنسي في باريس والتي تملأ الشاغل بالقناعة!
تلك هي مباني فتّانة ومميّزة تم العمل بجهد لتوفير ديمومة لها وهي تُبهج كل من يدور في فلكها
نيميير بزغ من الحجب والتعليم الكسول كواحد من أكثر الموهوبين الأصليين والأصيلين من بين كل معماريي حركة الحداثة بحدس معلوم ومعرفي وبوعي بقدرات البناء بالخرسانة المسلحةفي موطنه البرازيل ،لقد كان الحديد نادرا جدا وباهض الثمن لكي يُستخدم في مباني الأغلبية في حين أن الخرسانة لم تكن هي المادة الرخيصة الوحيدةولكنها كانت ذات قدرة لتطويعها إلى حدود لا يمكن تخيّلها في حالة صبّها أو وجعلها تأخذ شكل قوالب معيّنة من قبل عمال غير ماهرين في البناء بالخرسانة ،وجد نيميير طريقةً لا تكون حديثةً فقط بل أن تكون صدى للطبيعة البرازيلية المحيطةوالتي أحبها والتي طالما كان يرسمها باضطراد وبهيئة أنثى متلوّية ميساء
حظّهُ في التألّق والشروق جاء في عام 1938عندما كلّفَ كوستافو كابانيما الوزير البرازيلي المثالي للتعليم كلّفَ لوتشيو كوستا بتصميم البناية الحديثة الأولى في البلاد وهي مقرات وزارتي الصحة والتعليم في مركز ريو وقد سعى كوستا وكابانيما للحصول على نصيحة من لو كوربوزية أعظم معماريي عصر الحداثة قاطبة .طار المعماري الفرنسي السويسري الحالم إلى ريو في منطاد زبلن (يقول نيميير) وبالرجوع إلى سفينة الهواء الألمانية الرائعة تلك والتي هي بطول 237مترا والتي حلقت ما بين عامي 1928 و1937 عابرةً الأطلسي حوالي 143 مرةً دون أية عقبات ،قال نيميير (لقد ذهبتُ للقائه )وأردف نيميير:
نزل لو كوربوزيه من الجو أو من السماء وكأنه إله عظيم يزور عباده وقال نيميير لقد بدا الأمر وكأنه كذلك لقد أقثتت زيارة كوربوزيه أنها غير متوقعة تلك الزيارة أنتجت تصميمين لوزارة كابانيما ، واحدةً مثالية لموقع لا يُمكن التوفر عليه بجانب المحيط الأطلسي والآخرى بناية غير عالية لم تستطع أن تلتقط فكرة البرازيل الجديدة ولا البرازيليين الجدد لقد كنا نريد شيئا مميّزاً جداً ،هكذا قال نيميير (ربما لكي نقول أننا نختلف شيئا ما عن الهنود الأصليين الذين كانوا راقصين مزهوين بألوانهم بالنسبة لأوربي أو أمريكي شمالي .
عمل نيميير بدون مقابل وبالإعتماد على عائلته حيث كان والده فنانا تشكيليا وجدّهُ قاضيا في المحكمة العليا.
لقد حوّلَ نيميير هيكل كوربوزيه ومخططه إلى مبنى عالٍ رائق يُزيّن الآن مركز ريو.
إنه نُصبٌ وطنيٌّ وقد أعيدت تسميته إلى قصر كابانيما. لقد تأثّر كوربوزية بذلك كثيرا وأثّر به ظهور مواهب نيميير المعماريّة .
مع أن مُثُل نيميير ثابتة كما سيبدو فيما بعد فإن القصر مليءٌ بالأقواس داخليا وخارجيا ،إنه مزيَّنٌ ببلاطات جداريّة مُبهِرةتُصوّر بعض الكائنات البحريّة وفرسان البحر ومُظلّلة بكاسرات لأشعّة الشّمس هي صالحةُ بشكل هائل للتصوير السينمائي،باندماج فخم من العمارة والهندسة والتخطيط الموقعي .هذه المباني ذات الثقة العالية بذاتها تم استلامها ببهجة واحتفال عام 1943
وبهذا فإن نيميير تم تشجيعه بهدوء من قبل لو كوربوزيه لتقديم الأقواس في تصاميمه وقد طوّر أسلوبه الطليق والذي لا يقبل الخطأ بموجة من المباني في بامبلها في برازيليا على مدى خمسة عشر عاما ،فقد أوجد توازنا بين أقواس الكاتدرائية الجديدة وبين قبة بناية الكونغرس بالزوايا القائمة تلك التي تتوسط مركز المدينة بعشرين بناية وزاريّة متماثلة تبطن المحور التذكاري للمدينة ببلوكات الشقق الفاتنة والتي لا تعد ولا تحصى.
كانت برازيليا ذلك الزمن الرائع ،هكذا قال :لقد صممتُ غرفة قيادة خشبية لنا لنعيش فيها ـأنا والمهندسون والأصدقاء الزائرون ،لقد كنا نسميها (كاتاتينهو) وهي الآن نصبٌ وطني .طار (جي كي) ليلتحق بنا في السفانا حيث نبني مدينته .
كنا نذهب إلى نفس المراقص والبارات مع العمال،كان ذلك هو عصر الإنعتاق.لقد بدا كما لو أن مجتمعا جديدا يوشك أن يولد وأن كل التقاليد والموانع القديمة قد وُضِعت جانبا .لم تنجح. البرازيل الآن كبيرة جدا ،المستثمرون والرأسماليون كلهم يملؤؤنها،قاموا بتقسيمها وتخريب المدينة .برازيليا يجب أن تتوقف!
في عام 1964 استولى الجيش بالقوة على البرازيل .واختار نيميير منفاه لعدة سنوات وفي الغالب كانت باريس
هنا وبجانب خلق الصداقات الحميمة مع جان بول سارتر وأندريه مالرو كاتب ومغامر وبطل مقاومة وأول وزير ثقافة فرنسي بجانب هذا صمم نيميير بناية جميلة في غرب أوربا وشمال أفريقيا
ذلك لأنه معماري والمعماري يفضل البناء على كل شيء
كما استمر نيميير بتصميم المباني لزبائن برازيليين وما يحيّر هو أنه صمم مقر القيادة العامة للقوات المسلحة البرازيليةوهو يبدو غير راغب في توسيع الحديث عن الموضوع حيث غيّر سير الحديث بسرعة
نيميير رجل كما تبدو عليه مبانيه يرغب أن يكون متماسكا .
اليوم ومع أنه محاط بعائلته التي تشكل فريق يومه المحترف فإنه عاش عيشة عادلة .فهل يعود له إلهامه اليوم؟ هل يتناقش مع زملائه الشباب؟ هل يتابع أعمال المعماريين المعاصرين؟ (لا) يقول :أنا أتناقش مع نفسي داخليا . نحن دائما في الحقيقة شخصان على الأقل ،لذا فأنا عندما أرسم فإنه يوجد عندي ذلك الرجل الذكي الذي يتقاتل معي .إنه رجل عظيم ، إنه يحب البلاج والنساء والبحر . إنه يقول أنه يريد أن يحيى حياةً بسيطة .صيدٌ !. ولكنه يعرف أكثر منّي في العمارة وفي بعض الأحيان أتكلم معه بصوت عالٍ عندما أكون لوحدي وعلى لوحة الرسم العائدة لي. وغالبا ما نكون على وفاق من حيث ما نريد أن تكون عليه المباني وما يجب أن تكون عليه.
الرسوم تظهر .وأكتب نصا يتماشى معها ثم أعود لقراءته لأتأكّد أنه معقول! كمعنى عام ،وإن لم يكن فسيكون لي نقاش آخر مع نفسي لأنتج رسوما جديدة وعندما تُقرأ هذه بوضوح وبساطة ،تكون عندك بناية .وهكذا هو الأمر ، وليس أكثر من هذا.
هل هو قلق بشأن موقعه في كتب التاريخ ؟
عندما يسألني الناس هل أنني أكون سعيدا بفكرة أن أحدا سينظر إلى أعمالي في المستقبل ، أخبرهم أن مثل هذا الشخص سوف يتلاشى أيضا ،فلكل شيء بداية ونهاية ،أنت. أنا. العمارة.يجب فقط أن نحاول أحسن ما نستطيع ولكن يجب أن نبقى عصريين ولا شيء يبقى إلى الأبد.
فيما عدا نيميير نفسه طبعا!
أنا أجد صعوبة في التفكير بأن الرجل الذي أتركه على لوحة الرسم في ريو هو نفسه الرجل المعماري الشاب والذي ذهب للقاء لوكوربوزيه وهو ينزل من سفينة الهواء (منطاد زبلن) هنا قبل سبعين عاما .
ولكنه عندما يرسم رسومه البسيطة والمتقنة والمغرية فإن الرجل الكبير والرجل الشاب هما شخصٌ واحد وهو نفسه .
إنه أمرٌ صعب أن تكون أنت أسطورةً حيّةً وهي تفسّر كونك خلقت بعض المباني المقنعة والنصُب خلال سبعين عاما ؛نيميير يود القول أنه لا يحب التكلم حول العمارة ،ربما لأنه لا يحتاج للنظر إلى ما بناه!


*
مهندس ومنشغل بالثقافة

عن صحيفة الغارديان البريطانية
عددها الصادر في 3/آب /2007



 

Counters