| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الخميس 15/11/ 2012

 

الوجود الروسي شرق المتوسط (تعقيب ثالث)

سنان أحمد حقّي * 

بعد أن بيّنّا رأينا في مقال الأستاذ فلاح علي حول الموضوع المشار إليه في أعلاه وبعد أن بيّن الأستاذ المكرّم رأيه فإنه كان من رأينا أن ينتهي المقال عند تلك الطروحات ولنترك الآراء للقراء الكرام ولكنّ الأستاذ العزيز يبدو أنه يرغب في التوسّع قليلا ، ومع أنه يُحاول إستخدام البناء الأكاديمي لمقاله وأنا أختلف معه في هذا أيضا حيث أرغب أن أحتفظ بشكل ما أكتب كمقال سياسي والمقال كما تعلمون له مميّزاته الفنيّة المختلفة .

يذكر ويُفصّل أستاذنا الكريم في التطوّر النوعي لوضع الإقتصاد الروسي ونحن بالتأكيد نفرح بما نسمع من أخبار طيّبة عن التقدّم المضطرد في المجال الإقتصادي الذي تفضّل على ذكر عدد من تفاصيله وكذلك التقدّم الستراتيجي فنحن نعتبر روسيا بلدا صديقا وتربطنا مع الشعب الروسي أمتن العلاقات قديما وحديثا وأننا بالتأكيد بسبب كون عراقنا جزء من شعوب الشرق الإسلامي فإننا جيران وبيننا تاريخ مشترك وحضارة تفاعليّة عريضة ولهذا فإن أي تقدّم وفي أي مجال يستطيع أن يُحقّقه الشعب الروسي فإنه سيكون مصدر سرور لنا ولأصدقاء الشعبين أينما كانوا.

بيد أنني ومع أنني أنتمي لأهل العلم فأنا مهندس بالإضافة لاهتمامي بالشئون الثقافيّة لم أعد أثق بالأرقام كما كنت في مطلع حياتي المهنيّة وأدعو إلى البحث فيما وراء الأرقام بالقدر الذي توضّحه الأرقام أيضا فلو وجدنا أن نسبة النمو الإقتصادي بلغت في قطاع ما وفي بلد ما 6.1% بعد أن كانت 4% مثلا فهذا قد لا يُعدّ إنجازا ذا معنى إن لم يرتبط بمعدلات النمو في القطاعات الأخرى إذ أن هذه النسبة تتآكل وقد يبتلعها أي إنخفاض ولو بسيط في نمو قطاع آخر كما أن من المهم أن ننظر إلى نسب التضخّم فلو بلغ التضخم حجما كبيرا فإنه لن يدع أي فرصة للإستفادة من تلك النسب البسيطة ولو تركنا كل هذا فأنا كمواطن بسيط عشت بين الناس البسطاء قد لا تهمنّي تلك الأرقام بل أريد أن أعرف متوسط دخل الفرد وأريد أن أعرف القوّة الشرائيّة لمدخول الفرد فنحن هنا في الخمسينات كان من يتقاضى خمسين دينارا وهي قُل مائة وخمسون دولارا تقريبا يمكن أن يعيش حياة فوق المتوسّط والقوّة الشرائيّة لمدخولاته عالية جدا حيث تتيح له إيجار دار حديثة ودفع كافة نفقات الحياة من غذاء ودواء ونقل ويرتاد النوادي والمتنزهات وعموم ما يحتاج هو وأسرته ولكننا الآن لا نستطيع أن نقيم أود أسرة بسيطة ولا بثلاثمائة دولار  فضلا عن العجز المستمر في موضوع إيجاردار السكن وهكذا فلا نستطيع أن نقول أنه تحقّقت نسبة نمو في الإنتاج الفلاني أو سواه فضلا عن كوننا كنّا نسمع في الماضي بنفس هذه الأرقام أو مثيلاتها بل ما هو أعلى منها وأقصد أيّام الإتحاد السوفييتي وأنه يوشك الإتحاد السوفييتي أن يوزّع الخبز والحليب مجّانا أو أنه سيجري تسييل الحليب كما هي حال الغاز إلى البيوت وسمعنا كثيرا مما تبيّن أنه لم يكن صحيحا أبدا.

إننا لسنا غافلين الآن عن التظاهرات التي تخرج بين الوقت الآخر في موسكو وبعض المدن الروسيّة للإحتجاج على السياسة الروسيّة ونعلم جيّدا ماذا حصل هناك بعد إنهيار الدولة السوفييتيّة وكيف قفز رجال معدودين إلى أوضاع أصبحوا يتصرّفون فيها بمليارات الدولارات بين ليلة وضُحاها وكيف أن نهج الخصّصة أتى على مشاريع عملاقة بناها الشعب الروسي بعرق جبينه لسنوات طويلة وإذا بها تُصبح في ليلة واحدة ملكا لأشخاص لا ندري كيف استطاعوا تأمين أثمانها ونحن نعرف جيّدا أن معظم وسائل الإنتاج وحتّى المحدودة منها كانت مؤمّمة بل حتّى سيّارة التاكسي  أو بعض الدكاكين البسيطة فكيف يؤمّن أشخاص كل هذه المليارات؟

نحن نعلم جيّدا أن أجهزة الخدمة السريّة قد أصبحت منذ زمن طويل هي الحزب القائد البديل . واستولت على مواقع القرار السياسي والإقتصادي.

ولا نبحث هنا ما للشعب الروسي الصديق وما عليه فإننا كما قلت نكون مسرورين لو أن الشعب الروسي قد إستطاع سريعا إستعادة موقعه الدولي الذي يستحقّه بعد ما عمله من أجل الإنسانيّة ولو فقط على سبيل دحر خطر النازيّة ، فضلا عن الوقوف إلى جانب الشعوب المضطهدة والمستعبدة.

ولكن نناقش التحولات السياسيّة الكبيرة التي تجري ونناقش كيف كان الإتحاد السوفييتي منارا ونصيرا للشعوب المضطهدة والمستعبدة وعونا لها فهل حضرتكم تتذكّرون يوم أطلق الإتحاد السوفييتي أول تابع فضائي في التاريخ عام 57 وفتح عصر الفضاء بإنجازات سال لها لعاب كل من كان يُعاديه  وكيف كان يطلق على تلك التوابع أسماء لها معاني موحية فمثلا كان إسمه الشرق (روستوك) وهكذا يوحي لشعوب الشرق بالنهضة وبدء إنطلاقة جديدة،وكيف كان البسطاء من الناس عندنا وفي مختلف بقاع الأرض مسرورين بهذا النجاح الباهر والعظيم وكيف أطلقوا الأهازيج والأغاني بهذه المناسبة وكأنها عرس عالمي؟ لماذا؟ لأن معظم المظلومين كانوا ينظرون للإتحاد السوفييتي وكأنه أمل الفقراء والكادحين والمظلومين ولكن هل تجدون من هو معنيّ بما تذكرون من إنجازات روسيّة الآن؟ ما السبب؟

أنتم تعلمون أن مختلف الشعوب لم تعد تنظر لروسيا على أنها نصير لقضاياها بل إنها تُحاول اللحاق بركب الدول الرأسماليّة وبركب الهيمنة العالمي والإنغمار بعالم الأطماع.

ذلك هو جوهر الموضوع !

لا نعتقد أن الشعب الروسي لا يستطيع أن يستردّ أوضاعه الإقتصاديّة فهو شعب عريق ولا شك ، ولديه ثروات طبيعيّة هائلة ولكننا ننظر إلى المواقف السياسيّة وكيف تخسر الشعوب المغلوبة صديقا لم يتبيّن أن هناك عودةٌ له لنصرة شعوبنا في أمر قضاياها العادلة بل هو اليوم يتصرّف كدولة رأسماليّة تبحث عن مطامح قوميّة وتوسّعات إقليميّة وعودة إلى القطبيّة الثنائيّة وهذا لا يهمنا بقدر ما يهمنا الوقوف مع شعوبنا بوجه النهب والتسلّط والعبث باستقرار بلداننا لكي نستطيع أن نبدأ بصفاء ذهن في معالجة قضايا التنمية ولإنجاز حياة ديمقراطيّة تليق بالإنسان وتكّرمه .

لا يشغلنا نهوض روسيا جديدة تخيف مجاوريها من أجل أن تعود قطبا يحتل موقعا أولا أو ثانيا بل يهمنا نهوض روسيا التي تتعاون بنزاهة مع جيرانها وأصدقائها من أجل التقدّم والسلم والإزدهار .

لم يكن الإتحاد السوفييتي السابق ليقيم قواعد عسكريّة ولا يبحث عن سوح جديدة لإدارة الصراعات المحتملة حتّى لو طلبت منه بعض البلدان ذلك فبرغم علاقة الروس بمصر فإنهم لم يُقيموا قاعدة عسكريّة فيها ولا في العراق ولا في أي مكان بل إنهم سعوا إلى التخلص من جميع القواعد وسياسة القواعد ولكننا اليوم نستمع إلى تحركات لمواجهات ستراتيجيّة في المتوسّط والأستاذ الكاتب يُخبرنا عن ألاسكا أيضا ويقول أن الوجود هو في جانبين الأول الإقليمي والثاني ان هناك بين دولتين إتفاق ، نقول طبعا وهل هناك قاعدة عسكريّة تم بناؤها في العالم دون إتفاق بين جانبين؟

إن الردع النووي فعلا لا يجعل أية دولة كبرى بحاجة إلى مواقع إقليميّة بهدف المواجهة والتوازن مطلقا ولكنها مناطق النفوذ لتستطيع روسيا أن تخرج على العالم وهي دولة عظمى ،لها أتباع ، دولة قوميّة (يقول الأستاذ الكاتب أنه بدأت تظهر المشاعر القوميّة والحقيقة أنها لم تظهر إلاّ في روسيا فقط أمّا البلدان الأخرى فقد ظهرت فيها دعاوى إسلاميّة وليست قوميّة، وهذا له مغزى كبير ليست هذه مناسبة بحثه) إن هذه المنطقة منذ مخططات سايكس بيكو وحتّى يومنا هذا خضعت وتخضع إلى رغبات ونوايا دوليّة متنوّعة شرّحت جسدها تشريحا وكل يوم تطلع علينا نوايا جديدة ويبدو أنهم يخوضون لعبة كاللعبة التي كان بعض الشقاة يلعبونها فإنهم بعد أن يجلسوا للعب الطاولة ويضع كل واحد خنجره جانبا يقول أحدهم للآخر من أي شئ نلعب ؟ أي ما هو الرهان؟ فيتفكّرا هنيهةً ثم يتلفّت أحدهما فيجد شخصا ضعيفا مسكينا وحيدا جالسا إلى جوارهما فيصرخ ضاحكا : من يفوز يستطيع أن يوسع هذا(المنبوذ) ضربا.

تقبّلوا وافر تقديري.

 

* مهندس ومنشغل بالثقافة

 

 

free web counter