| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سنان أحمد حقي

 

 

 

الأحد 13/4/ 2008


 

ستراتيجية العصر..في كل (جوكه) لنا خيّال!!!

سنان أحمد حقي *

حتى أعتى القادة السياسيين أوالمحللين ، فإنهم ما أكثر ما يُصابون بالحيرة والدهشة من غموض المواقف السياسية في عالم اليوم .
فلم يعد الأمر واضحا وبسيطا كما كانت كثير من المواقف عليه في الماضي القريب،تتداخل الخنادق وتثير المواقف الإستغراب والأسئلة الكثيرة، فالأوضاع السياسية سريعة التغيّر والحركة ولا يمكن التكهن بيسر بعلاقة أية جهة مع الجهات الأخرى وقد ساد الإعتقاد زمنا طويلا أن الكل يقوم بأدوار مسرحيّة أو تمثيلية فشاع استخدام مصطلحات مثل سيناريو وأدوار ولكن هذه الإصطلاحات مافتئت تختفي شيئا فشيئا بسبب الحملة الإعلامية ضد ما دُعيت بنظرية المؤامرة التي لم يقدم لنا أحد برهانا مقنعا على بطلانها بعد.
إذا ما هو التشبيه والتمثيل الدقيق لما يدور؟ إن لم يكن تأدية وتبادل أدوار مسرحية بناء على سيناريو مكتوب ومهيّأ مسبقا ويقوم مخرج متمرّس على إدارة وتوجيه العمل الفني ؟
ليس غريبا أن يبحث بعض السياسيين والباحثين في الملفات القديمة ليُعيدوا لبعض الأفكار المتوفاة روحا جديدة وبريقا. ولو تأملنا كثيرا من الهيئات السياسية وحتى بعض الدول كبيرها وصغيرها فقد لا نجد تفسيرا ولا تحليلا منطقيا مقنعا لأسباب تلك المواقف وخصوصا ما يتعلق بالتحالفات السياسية إذ لم يعد ممكنا أن نحكم أو نستنتج حقيقة العلاقات والتحالفات بين بعض الدول أو الهيئات السياسية لا دوليا ولا إقليميا ولا حتى محليا  .
وأحيانا تقدح في العقل أفكار نكبتها أو نقمعها ولكنها تظلّ تلح على الظهور حتى نتناولها بالفحص والتحليل فنقتنع بشيء كنا قبل قليل نقول عنها(مو معقولة!)؛اليوم نرى الجماعة الفلانية تشتبك مع أخرى وسرعان ما يهدأ الصراع ليحل محله تحالف ثم ينقسم ذلك التحالف ليقوم بمناورات سريعة للإستقطاب حول مركز جديد غامض ثم قد يقوم بتحالفات جديدة أو انقسامات وهكذا دواليك مرة بعد اخرى ولا نستطيع أن نتبين الأسس والقواعد التي قام عليها التحالف القديم من ألأسس السياسية ولا الفكرية التي تقوم عليها الإنقسامات  .
وقد بسّط بعض المحللين الأمر ووصفوه بالمطاردة والسباق على السلطة أو مراكز القوة، سواءً محليا أو إقليميا أو دوليا؛ إذ لا يتطلب الأمر بذل جهود في العمق السياسي ولا الفكري .
ولكن كل هذه المحاولات التحليلية لا تفسر الحركة البراونية والتيار المتفجر من أساليب العمل السياسي غير المعهود .
كان لي أحد المعارف من رجال العشائر وكان يمارس السياسة على طريقته الخاصّة عند تعدد المكونات في مراحل إنفراج الحريات فعندذاك كان كثير من الناس يقفون أمام أسئلة محيّرة ولا سيما من ليس لهم في الأمور لا ناقة ولا جمل وهؤلاء يبحثون عن السلامة أي على حد قول بعض الفلاحين في جنوب البصرة(سكار السلامة!)،وكان صاحبنا هذا يجمع أبناء عشيرته ويقسمهم إلى مجموعات كثيرة ويطلب من كل مجموعة أن تتبع إحدى المكونات السياسية فمجموعة مع الحزب الفلاني وأخرى مع العلاني وهكذا.. ويبدأ هو بمراقبة الأمور ومجرياتها ويوجه جماعته لاتخاذ مواقف بناء على سير الأوضاع العامة فإن بدأ تيارٌ أو حزبٌ بالتقهقر أوعز لجماعته أن ينسحبوا وينضمّوا إلى غيره أو فعل العكس ودفع بمجموعة جديدة إلى جانب المجموعات التي تتقدم الميدان وهكذا .
فسألناه يوما عمّا يفعله وما هي الأسباب قال: أنا أجعل في كل مجموعة فرسان أجعل لي خيالا فإن رأيت فارسي يقترب من الهدف أوعزت للباقي بالخروج من مجموعاتهم والإنضمام إلى الخيال المتفوق وهكذا يُصبح لي نصيب كبير مع المجموعة الفائزة وهو يُسمّي هذه العملية (بكل جوكة خيّال) .
لو طبّقنا نظرية بكل جوكة خيال على أوضاع اليوم سياسيا نجد أن لها نصيب كبير من الصحة فهناك عدد من الأحزاب أو حتى الدول تضع لها خيّالا مع كل مجموعة وبفوز أية مجموعة فإنه سيكون لها نصيب مع الفائزين  .
هذا هو منطق السياسة الحديث والجديد جدا ..لا تقوم العلاقات السياسية على أساس التحالفات المبنية على اللوائح والأهداف التي يتم الإتفاق عليها ولا على تقارب الأهداف ولا المناهج ولا أي شيء آخر .
إنه فن بدائي ينعته الكثير بالنهج الإنتهازي ولكن ليكن انتهازيا فبالنسبة لعدد ممن يجربونه يوميا فضائل كثيرة وبهذا لا يُفتّش الناس عمّن يمثل أو يُعبّر عن مصالحهم الحقيقية بل عمّن سيستطيع أن يُصبح في المقدمة ليكون معه سبيل الوصول إلى مركز القوة  .
نحن ننعتها بالوصولية وبشتّى النعوت النابية ولكن هذا ما يجري والجميع تتقلب مقلتاه يمينا ويسارا للبحث عن جوكة وكأنه يراهن على حصان سباق .
مع الأسف
إنها ساحة كساحة سباق الخيل ما دمنا نتعامل مع الخيّال!
بورصة للسياسة
والزحام شديد وسعر الإقفال أوشك على الإرتفاع
إين إذا المصالح الحقيقية وأين هي المباديء والمثل ؟ هذا هو السبب الذي جعل الأخلاق تختفي والمثل العليا تتآكل فهي لعبة والمهم فيها أن يكون لنا مع المجموعة الفائزة خيّالا!
أسهم الجوقة الأولى ارتفعت وأسهم الجوقة الثالثة انخفضت وأخرى واعدة وهبوط حاد في بورصة المجموعات السياسية!وربما نضيف إلى داوجونز أو نيكي مؤشّرا جديدا مختصا بهذا الشأن .
وما دام لنا في كل جوقة خيال فإننا لن نخسر اللعبة ولكن نحن مع ذلك نفتش عن جوقة أكثر حظا لتكون لنا الحضوة ولكي (يدير الفائز باله!)علينا  .
واظن الخيال الفائز سيقول لصاحبنا رجل العشائر: وجهك عليّ من الآن فصاعدا!
فهي ليست مسرحية ولا أدوار، الآن .. هي بورصة!


*
مهندس ومنشغل بالثقافة.
 

Counters