نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رشاد الشلاه

 rashadalshalah@yahoo.se

 

 

 

 

الأحد 6/8/ 2006

 

 


من اجل كسب ثقة مفقودة


رشاد الشلاه

لا يتفق المسؤولون الأمنيون مع من وصف الخطط الأمنية السابقة بالفشل، وهم يشيرون إلى نجاحات عديدة تحققت هنا وهناك أثناء تطبيق هذه الخطط. ومع التقدير للتضحيات و الجهد الذي تبذله الأجهزة العسكرية والأمنية في مكافحة استشراء الإرهاب والجريمة المنظمة، إلا أن من وصف تلك الخطط بالفشل يستند إلى واقع دموي يومي يطال المئات من الأبرياء، واستهتار بكل الأجهزة الأمنية العراقية الحديثة التكوين، و إلا كيف يفسر تكرار عمليات اختطاف جماعية تقوم بها عصابات "مجهولة" تستقل ما لا يقل عن عشر سيارات في قلب بغداد وتتوارى عن الأنظار هي وغنائمها؟.

إن تلك الجرائم التي تشهدها بغداد ومدن العراق الأخرى ببشاعتها ودقة تنفيذها و"مجهولية" منفذيها وشدة تسليحهم وقدرتهم المادية، تذكر بالجرائم الكبيرة التي نفذتها عصابات المافيا في الولايات المتحدة الأمريكية في العقدين الأول والثاني من القرن الماضي، تلك العصابات التي تمكنت من أدوات الجريمة المنظمة، في الوقت الذي كان فيه مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي يعاني من الضعف وبدايات التكوين. كما تذكر أيضا بعصابات المافيا الروسية التي نهبت روسيا والجمهوريات المتحدة معها فيما كان يدعى بالاتحاد السوفيتي اثر انهيا ر نظامه في العام1991.

فراغ السلطة الذي عانى منه العراق بسبب تدمير مقومات الدولة على أيدي قوات الاحتلال، وحداثة الأجهزة الأمنية، والفساد الذي تعاني منه، كان فرصة ذهبية لنشوء عصابات الجرائم العادية والسياسية والاقتصادية والطائفية، تلك العصابات التي تحولت إلى مافيات تمتلك إمكانيات مادية هائلة وتحظى بدعم إقليمي علني. و بسبب تفجر الوضع الإقليمي الحالي، لا يصبح من باب تكرار القول إن استقرار الوضع الأمني والاقتصادي في العراق ونجاح تجربته الديمقراطية على عيوبها غير القليلة، يقلق العديد من أنظمة دول الجوار ويهدد مستقبل ديمومة بقائها. لهذا فهي تناصب النظام الحالي العداء سرا وتساهم في عدم استقراره، رغم الادعاء بحرصها على وحدة و مصالح الشعب العراقي.

التوجه الجاد اليوم من قبل الحكومة والرئاسة ومجلس النواب لمكافحة المافيات الإرهابية، عبر تحقيق المصالحة الوطنية، والمواجهة المسلحة مع قتلة أبناء شعبنا وفق خطط أمنية جادة ومكثفة، واقتران ذلك بالإصلاحات الاقتصادية التي يجب أن تصب في مصلحة فقراء الشعب العراقي الذين أعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية في الثاني من آب الحالي أن الإحصائيات تشير إلى وجود 20% من اسر الشعب العراقي تعيش دون خط الفقر و20% أخرى تعيش بمستوى الفقر، و أن نسبة البطالة في العراق بلغت 50% وهي متمركزة في صفوف الشباب دون الـ 25 سنة. كل تلك الخطوات ضرورية للمساهمة في إنقاذ الوطن من دوامة الفوضى و الدم، لكن الأهم هو إشعار المواطن بأهمية دوره و تفعيل هذا الدور في مكافحة أدران الإرهاب والفساد والميلشيات والطائفية، لذلك فانه من الملح كسب ثقة المواطن بالحكومة، تلك الثقة المفقودة منذ عقود عديدة وأدت إلى السلبية في تفاعله مع مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، والسبيل الأسلم لكسب هذه الثقة، هو المصارحة وبشفافية عن ما يحدث، فالمواطنون وفي مناطق عدة لا يعرفون من يقتل من، ولماذا، والكل" في حيص بيص".

إن من بين الأسباب الرئيسية لهذه الحالة عدم قيام أجهزة الدولة المسؤولة بمصارحة الجماهير بما يحدث بالوضوح المطلوب، مما يستلزم كشف أسماء المجرمين ودوافع إجرامهم سياسية كانت أم اقتصادية، هؤلاء الذين أحالوا أيام وليالي العراق إلى جحيم. فليس غير التعتيم و العتمة بيئة خصبة لتكاثر عصابات المافيا والتمادي في جرائمها المنكرة.