| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

رفعت نافع الكناني
 refaat_alkinani@yahoo.com

 

 

 


 

                                                                                   الأربعاء 25/1/ 2012

 

 الخطر الايراني ومعسكر المعتدلين في المنطقة !!

رفعت نافع الكناني

عند نهاية الحرب العالمية الثانية في منصف الاربعينيات من القرن الماضي شاع مصطلح ما يعرف ب ( الحرب الباردة ) لوصف الصراع والتنافس وحالات التوتر واضطراب العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها وبين منظومة الاتحاد السوفييتي وحلفاءه ، وانتشرت حدة هذا الصراع ليشمل العالم اجمع في عملية صراع ومحاصرة ومنع افكار ومؤيدي كل طرف للاخر . في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي كان الغرب الاوربي والولايات المتحدة الامريكية توهم وتخُوف العرب وامارات الخليج العربي من خطر ونفوذ واطماع الاتحاد السوفييتي من التقرب لمياه الخليج الدافئة والسيطرة على منابع النفط وتسويق افكاره وسياساته . واستثمرت هذه المخاوف في تلك الفترة لتحقيق غاياتها ولتحصل على ما تريد من دعم بشري ( مقاتلين ) ومادي على شكل هبات ومساعدات مالية بمليارات الدولارات لدعم مجاهدي افغانستان المتمثلة بالاحزاب الدينية والتي يطلق عليها اليوم ( طالبان ) والتي كانت تنطلق من قواعدها في باكستان نحو الحدود الافغانية لدحرالغزو السوفييتي لهذا البلد ، الذي بدأ منذ دخول قواته العسكرية في كانون الاول من عام 1979 لدعم حكومة كابل الموالية لموسكو ، واضطر للخروج مهزوما من افغانستان في شباط 1989 نتيجة اشتداد المعارك والخسائر الكبيرة التي لحقت بقواته ... وفي عام 1991 تفكك الاتحاد السوفييتي وانفرط عقده في عهد الرئيس غورباتشوف ، وانتهت بذلك فترة القطبين من تاريخ العالم واشِرت لنهاية حقبة الحرب الباردة وتفرد الولايات المتحدة الامريكية بهذا العالم.

اصبحت الولايات المتحدة الامريكية القطب الاوحد والمهيمن على الساحة الدولية بعد غروب شمس الاتحاد السوفييتي ، وجاءت احداث الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 لتسجل مرحلة جديدة من الصراع في عهد الرئيس بوش ، وتبدأ الحرب على طالبان في اكتوبر 2001 وفي 13 نوفمبر من العام نفسه سقطت كابل واندحرت حركة طالبان ... استغل التيار المحافظ الجديد ( نائب الرئيس ديك تشيني ومستشارة الامن القومي كونداليزا رايس ووزير الدفاع رامسفيلد ونائبه بول وولفتز الذي يعتبر مهندس ستراتيجية الهجوم ضد اسلحة الدمار الشامل في العالم الثالث والمؤيد لاسرائيل ) هذه الاحداث لبسط الهيمنة الامريكية الفعلية على العالم ورفع شعار المواجهة العسكرية لما يسمى الحرب على الارهاب . وفي 19 يناير 2002 هاجم الرئيس بوش في خطابه ( رسالة الاتحاد ) محور الشر (Axis of Evil ) الذي يتكون من العراق وايران وكوريا الشمالية ، وهذه الدول يعتبرها حسب اعتقاده تدعم الارهاب وتسعى للحصول على اسلحة الدمار الشامل . وفي 2003 تتوالى الاحداث وتدخل امريكا محتلة للعراق وتسقط نظام صدام حسين لتخرج نهاية العام 2011 من العراق بعد ان احالته ركاما وفي وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي يرثى لة ، ولم تفي بما وعدت به من ارساء لدعائم اقتصاد مزدهر واحلال الامن والسلام في ربوعه وحماية حدوده من شر الارهاب والجماعات المسلحة ومن يدعمها من دول الجوار وبناء تجربة ديمقراطية ناضجة على اسس حقيقية في بناء الدولة الحديثة .

المرحلة الجديدة من المواجهة بدأت ، واصبحت ايران ضمن الهدف المعلن الذي يطالب باسقاطه من خلال تجريده من اسلحة الدمار الشامل ومنعه من الوصول لاكمال برنامجة النووي وعدم فسح المجال له بامتلاك هذه التقنية العالية من حلقات العلم . وتوالت الضغوط الدولية والاقليمية على طهران في اشرس حملة دعائية وتسقيطية ، اعقبتها قرارات دولية بفرض الحصار بكافة اشكالة وحوصر النفط والاقتصاد الايراني وتوالت العقوبات التي شملت البنوك والمؤسسات المالية وتعددت اعمال الاغتيال لكبار علماء البرنامج النووي الايراني ، واستخدمت ضغوط وتهديدات لدول الخليج العربية والسعودية لتشارك الغرب في هذا الصراع وتأييده على اعتبار ان ايران تمثل خطرا كبيرا على الخليج ودولة وانها خطر على الهوية الخليجية من خلال نشر المذهب الشيعي ، والتي تبغي من وراءه الهيمنة السياسة والاقتصادية والعسكرية ، لتفرض نفسها في ان تلعب دور القوة الاقليمية الاولى في المنطقة والمهيمنة على اقتصاديات العالم من خلال التحكم بطرق امدادات النفط والغاز الى انحاء المعمورة . وهذا ما اعلن عنه فعلا من خلال تصريحات المسؤولين الايرانيين باغلاق مضيق هرمز ومنع امدادات النفط للسوق العالمية ان هي تعرضت لحصار او تهديد عسكري ، مما ادى الى زيادة التوتر في المنطقة والعالم وزيادة التواجد العسكري الامريكي والغربي في مياه الخليج في بادرة تنذر بخطر نشوب حرب سافرة في المنطقة ، تهدد وتخنق اقتصاديات الدول المطلة على الخليج وتهدد العالم بازمة طاقة كبيرة تؤدي الى زلزلة الاقتصاد العالمي .

هذا الواقع المضطرب في الخليج والتخوف من الخطرالايراني ، استغلته الولايات المتحدة والغرب لدعم اقتصادياتها المهددة بالركود وذلك بعقد صفقات اسلحة كبيرة للسعودية ودول الخليج بمليارات الدولارات ، حيث بلغت احدث صفقة بحدود 123 مليار دولار بحجة معادلة التفوق العسكري الايراني وخلق حالة توازن في المنطقة ، ابرمتها مع شركة بوينج لصناعة الطائرات وشركة ولوكهيد لصناعة الاسلحة . اضافة لتركيز الوجود الامريكي في المنطقة من خلال انشاء القواعد الدائمة ومحطات الخزن للمعدات الستراتيجية والاسلحة غير التقليدية ، وتواجد الاساطيل الامريكية في المياه الاقليمية والموانئ في الخليج . نحن نشارك دول الخليج تخوفها وتوجسها من هذا الخطر الايراني ، الذي لا نشك بان له تطلعات لبسط نفوذه السياسي والاقتصادي وله افاق في صياغة هذه الطموحات نحو الدول المجاورة على شكل كسب سياسي واقتصادي ونوع من استعراض القوة لما يتمتع به الجانب الايراني من قوة عسكرية هائلة وقوة اقتصادية متمثلة بالنفط والموقع الجغرافي ... والذي يبدو حسب النظرية الامريكية ان له مطامع توسعية لا تشمل المنطقة فحسب بل يشمل العالم باسره !!! فمخاطره وصلت لقلب القارة الافريقية ليشمل مصر وليبيا والسودان وزيمبابوي وموزنبيق وتنزانيا وزامبيا واثيوبيا وتونس والمغرب والصومال بعد ان سيطر على العراق ولبنان وسوريا وهناك قواعد قوية له في افغانستان وباكستان ودول جنوب شرق اسيا ، وشملت اخطاره دول مجموعة الاتحاد السوفييتي السابقة مثل تركمانستان واذريبجان والشيشان وامتد هذا الاخطبوط الخطير بعد ان عبر المحيط الاطلسي لدول امريكا اللاتينية والبرازيل وكوبا وفينزويلا والارجنتين .... ما عدا خطره على الغرب الاوربي وامريكا !!

اذن اصبح الخطر الايراني هو التهديد الاول لشعوب وحكام المنطقة وانحسر الصراع العربي الاسرائيلي ليحل مكانه الحوار والتعاون والتخطيط لمستقبل جديد للطرفين لقيادة المنطقة بمباركة امريكية اوربية فاعلة ، ونسي العرب ما تهدف وتخطط له اسرائيل للمستقبل وما احدثته من جرائم ومأسي ضد الفلسطسنيين والدول المجاورة لها لاكثر من ستة عقود ... المستفيد الاول من هذا الصراع والتأجيج في المنطقة هو اسرائيل التي اصبحت حمامة السلام في المنطقة وتتخوف من الخطر النووي الايراني وتدعو العالم لنصرتها لالحاق الهزيمة بالايرانيين وسحقهم ... واخر تصريح قاله رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الخطر الايراني على بلده في يوم الاثنين المصادف 16 / 1 /2012 ان التغيرات الحاصلة في المنطقة العربية تؤدي الى زيادة المخاطر الامنية التي تواجهة اسرائيل ويمكن ان يستمر الوضع هذا الى سنوات عديدة وطالب بتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية وعلى الفور وهذا يتطلب اموالا كثيرة ، في اشارة للدعم الامريكي والخليجي المحتمل ، واشار نتنياهو بان ايران تسعى لاستخدام صحراء سيناء كمنطلق لشن هجمات على اسرائيل من خلال دعم حماس ، وان هناك عناصر ارهابية قد دخلت الى هذه المنطقة لاستخدامها قاعدة لانطلاق الارهاب ، وما صرح به نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية من ان موقف فرنسا وبريطانيا تتخذان موقفا صارما وتفهمان ان العقوبة على طهران يجب ان تفرض في الحال .

من جهة اخرى اتهمت كندا على لسان رئيس وزرائها ستيفن هاربر الحكومة الايرانية بانها تشكل اخطر تهديد للسلم والامن في العالم واضاف في تعليق على الاتهام الامريكي الذي زعم بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن ، ليس لدينا خصومة مع الشعب الايراني ولكن النظام القائم في طهران يشكل على الارجح التهديد الاخطر في العالم للسلام والامن . من هذه التصريحات والاحداث الجارية في منطقة الخليج يلاحظ المتابع للاحداث بان الغرب وامريكا قد نجحت نجاح باهر في زرع ثقافة الخطر الايراني القادم وتسويغ ثقافة التقارب والتعاون والاندماج الاقتصادي مع اسرائيل ، وابلغ تعبير نطقت به وزيرة الخارجية الاسرائيلية في مؤتمر الدوحة بالقول ( نحن المعتدلين في المنطقة كلنا اعضاء في المعسكر نفسه لمواجهة التحدي نفسه الذي يرفعه امامنا المتطرفون .. ومن المصلحة المشتركة للمنطقة العمل معا ضد التطلعات النووية لايران ) اي انها تقصد بان العرب والاسرائيليين في جبهة واحدة ضد العدو الايراني ، وبذلك نجحت امريكا في ارساء ثقافة جديدة في المنطقة العربية تؤسس لدمج الدولة العبرية بالمحيط العربي والتعاون معها لديمومة واستمرارية بقائها . ويبقى الخوف مسيطرا على دول الخليج العربية من التدخلات الكبيرة والمتعددة في شؤونها ، وتبقى الضغوط الغربية والاسرائيلية والاقليمية تمارس ضدها بعد ان اخفقت هذه الدول في احتضان وجمع شمل شعوبها ضمن وحدة وطنية حقيقية تحترم خصوصية مكوناتها الدينية والمذهبية والعرقية بعيدا عن سياسة الالغاء والتهميش مما يمكن ان يتسبب في المستقبل الى تشظي وانقسام هذه المجتمعات من خلال تفككها نتيجة الاستقطاب الطائفي وتطبيق الالغائية المذهبية للاخرين .
 

free web counter