| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

رفعت نافع الكناني
 refaat_alkinani@yahoo.com

 

 

 


 

الأثنين 1/11/ 2010

 

نوًرث أولادنا ... شئتم أم أبيتم

رفعت نافع الكناني

ظاهرة التوريث في الحياة السياسية اصبحت سمة العصر الراهن الذي نعيشه ، وامسى تكرار هذه الظاهرة الجديدة القديمة يأخذ مساحة كبيرة في عالم السياسة وفي كثير من دول العالم على اختلاف انظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية . فهناك توريث سياسي معروف منذ قديم الزمان في البلدان التي تأخذ طابع الدول الامبراطورية والملكية والاميرية والوراثية العائلية . وغالب هذه البلدان يتكون النظام السياسي فيها على سطوة وقيادة المجتمع ومفاصل الدولة المهمة من نخبة حاكمة وابناءهم اوجبتها ظروف انشاء وخلق كينونة تلك البلدان ، وبالمقابل من ذلك هناك العكس في دول ملكية دستورية تعرف التوريث في قمة الهرم ( الملك ) ولكن النظام السياسي فيها يتصف بالعراقة ويأخذ الطابع الديمقراطي والنظام البرلماني في ادارة شؤون الدولة من خلال عملية انتخاب برلمان كل اربع او اكثر كما هو حاصل في المملكة المتحدة وهولندا والسويد ودول اخرى ملكية اغلبها في اوربا ، اذن نستطيع القول ان التوريث في تلك الدول المتقدمة لا يتعارض مع النظام الديمقراطي وآلياته المعروفة في صيانة واحترام حقوق الانسان . .

لو تتبعنا المرحلة الزمنية التي انتعشت فيها فكرة التوريث ، لامكننا القول ان الاحداث التي اعقبت انتهاء الحرب الكونية الثانية في عام 1945 ، اضفت الى خلق ظروف جديدة تختلف كليا عن الظروف التي سبقت الحرب . وبموجب نتائج هذه الحرب تلاشت دول وتقسمت بلدان وانشأت اخرى ورسمت حدود جديدة لاغلب دول العالم ، وتقاسمت العالم قوتان هما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية ، ودخل العالم في صراع ايدولوجي بين القوتين الكبيرتين ونتج عن ذلك ما يعرف ( الحرب الباردة ) اضافة لنشوء الصراعات والحروب بالنيابة بين اعوان المعسكرين وبدعم من تلك القوى العظمى ، وهذا ما حصل بالفعل عند قيام الحرب الكورية والفيتنامية ولاوس وكمبوديا ومناطق اخرى من افريقيا وامريكا اللاتينية . وكان من نتائج الحرب العالمية الثانية احتلال فلسطين وانشاء الدولة اليهودية على اراضيها.

كل هذه الاحداث وما رافقها من تطورات احدثت نوعا من الوعي السياسي في كثير من دول العالم وخاصة منطقتنا العربية ، واخذ الوعي الفكري والسياسي ابعادا كبيرة ، وفي ضوء تلك التبدلات جرت عدة انقلابات وقيام ثورات اشترك فيها الشعب بجانب قواته المسلحة لتغيير الانظمة الملكية واحلال بدلها النظام الجمهوري الذي كانت الجماهير تحلم به لنيل حريتها وكرامتها وتحسين اوضاعها الاقتصادية !!! . وهذا ما حدث في مصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر وبلدان كثيرة في بقاع اخرى من العالم. لقد كانت هذه الثورات والانقلابات تتم بواسطة القوات المسلحة وبقيادة بعض الضباط الكبار ، فتحاول هذه القوى الجديدة وبدعم من قوى اخرى لا تؤيد خيارات الشعب في الحرية والتحرر، ان تتمسك بالسلطة وتسيطر على كافة التنظيمات السياسية التي كانت تثقف الشارع بالحريات والسعادة التي تنتظرها الشعوب من هذه الانظمة الجمهورية. او ان تشكل احزاب وتجمعات سياسية تخضع لسلطة الحكومة وتنفذ اجندتها التي تؤدي لامتصاص المطالبة بالحريات السياسية وتسويف اي نوع من الحراك السياسي نحو اقامة مجتمع يؤمن بالتداول السلمي للسلطة وارساء اسس الديمقراطية الحقيقية التي ضحت الشعوب من اجلها طوال تلك السنين.

عندما تصادر الحريات وتتركز السلطة في ايدي فئة قليلة ، ويصبح مفهوم الامن هو حجب الحريات وان اي نقد يوجه الى الحكومة او بعض المسؤولين فيها سيكون ويفسر على انه اخلال بالامن والنظام ومن شأنه ان يهدد امن الثورة والبلاد ، فتبدأ عمليات التضييق على الاراء والاعلام والصحف والمطبوعات وتنشأ الحكومة دائرة اعلامية وسياسية تروج لافكارها من قبل فئات تتسلم المناصب السياسية المهمة في الدولة. وتتبلور ظاهرة جديدة وهي ان الرئيس لا يوجد بديل مناسب لتولي منصبه ، وان الفراغ الذي سيتركه ربما سوف يؤدي الى فراغ سياسي ومأزق خطير وربما حربا اهلية وفوضى لا تعرف نتائجها. وتبدأ الاجهزة الحكومية التابعة للرئيس بنشر ظواهر جديدة في المجتمع هدفها تخويفه والوقوف بوجهه تثقيف الشعب وتغييبه عن ثقافة الحوار ومحاولة نشر مفاهيم تندد بمفهوم الحقوق المدنية وان سلامة البلاد واستقرارها هو ان تكون السلطات بيد الرئيس حصرا ، وبهذه الخطوات التي تأخذ وقتا طويلا من الزمن يسير مشروع التوريث بخطى حثيثة في بعض الدول العربية ويجري تثبيت اركانه بصورة سرية وعلى مراحل زمنية وبخطى ثابتة غير معلنة ليتمكن الوريث من التربع على كرسي الرئاسة عندما يكون السيد الوالد قد بلغ من العمر عتيا او انه فارق الحياة .

ان شيوع ظاهرة التوريث اخذ بالامتداد لمناطق واسعة من العالم وفي بلدان تختلف انظمتها السياسية ، فالتوريث ظهر بصورة جلية وفريدة في ( كوريا الشمالية ) البلد الذي يصنف على اساس انه من البلدان الشيوعية ذات الانظمة السياسية التقدمية والذي يفترض انه جاء لخدمة الجماهير ومصالحها الحقيقية. فاصبح كيم جونغ ايل خليفة لابية كيم ايل سونغ ، واليوم الرئيس الحالي يخطو بخطوات فعلية لتوريث ابنه الاصغر كيم جونغ أون، كما ان هذه الظاهرة امتدت لتشمل دول اسيا الوسطى التي كانت ضمن منظومة الاتحاد السوفييتي سابقا، مثل قرغيزستان وكازاخستان وتركمنستان . وخير دليل على توريث حقيقي يحصل الان في طاجيكستان بقيادة الرئيس رحمانوف لولده رستم امام علي الذي تم ترشيحه لخوض انتخابات المجلس التشريعي المحلي للعاصمة دوشنبة في اشارة على بدء خطة توريثه ، في بلد ينتهج سياسة احتكار السلطة وكبح المعارضة داخل البلاد . كما ان هناك دول مثل باكستان تعتبر مسيرة الديمقراطية تخطو بخطى واعدة بالرغم من بعض الانتكاسات جراء الوضع المعقد الذي يحيط بها ، حيث تم ترشيح نجل رئيسة الوزراء الراحلة بناظير بوتو والبالغ ( 19 ) عام لخلافة والدته لرئاسة حزب الشعب الباكستاني . وهناك حدث سياسي تم تسليط الضوء عليه في فرنسا والذي اعتبر سابقة تؤسس لنوع من التوريث السياسي وذلك بترشيح الابن الاصغر للرئيس ساركوزي ( 23 ) عام وطالب في كلية الحقوق بمنصب رئيس هيئة تطوير منطقة ( لاديفنس ) يثير موجة استياء في صفوف المعارضة واليمين الفرنسي بسبب ما وصفه البعض ( توريث سياسي ) واعتبره الكثيرون بأنه ( ندبا عميقا ) في الرأي العام الفرنسي.

ظاهرة التوريث السياسي لها اسباب وعوامل تدفع باتجاه ظهورها واتساعها في مناطق مختلفة من العالم بالرغم من اختلاف الايدولوجيات واشكال الحكم في تلك البلدان .. من هذه الاسباب ان التوريث يمكن حدوثه عندما يكون الدستور غير فاعل والالتزام به مجرد نشاط ترفيهي يتداوله القادة السياسيون في احاديثهم امام المواطنين من خلال دولة غائبة المعالم تسير وفق النموذج القبلي، وتارة تتحدث عن الشكل المدني وتربط اركانها مجموعات تريد ان تحقق مكاسبها على حساب المواطن والوطن . واتساع صلاحيات الرئيس وقدسية شخصيته وشرعيتها، ضعف وتحييد المؤسسات الدستورية وعدم تأثيرها، تحديد كافة الصلاحيات والسلطة الفعلية بيد الرئيس، ضعف الاحزاب السياسية والمعارضة وتعرضها للتهديد والاعتقال، عدم وجود اعلام حر ينتقد مؤسسات الحكم ويكشف الفساد الذي يسود البلد، كثرة الضغوط التي توجه نحو المواطن مثل البطالة والفقر والجهل والمرض والارهاب تجعله غير معني بما يحصل على ارض الواقع ، عدم تحديد الفترة الرئاسية من حيث عدد مرات الولاية او تحديدها بولايتين مهما كانت الاسباب . ومن المؤسف اننا نشاهد اليوم كثير من مؤسسات الدولة ودوائرها تطبق قانون التوريث للمناصب والوظائف على ابنائهم ومناصريهم وكأن الوطن اقطاعية خاصة لهم .

 

 

free web counter