| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رفعت نافع الكناني
 refaat_alkinani@yahoo.com

 

 

 

الأثنين 19/10/ 2009

 

 عندما يغوص القلم في الوحل !!

رفعت نافع الكناني

القلم الذي بين يديك أخي القارئ ، له مهام جسام وغايات وأغراض كثيرة متعددة ومتنوعة ، فالعلماء والباحثين يسطرون ما تجود به عقولهم وعصارة افكارهم من ابحاث واكتشافات واختراعات لخدمة البشرية وتقدمها ، وهناك من يستعمل هذه الاداة الساحرة في وضع لمساته الرائعة لكتابة قصيدة شعرية او نثر او قصة او مقالة سياسية او اجتماعية او تسجيل مراحل تاريخ البشرية وما مرت بة من تطورات في كافة العلوم والمعارف ، والتوقيع به على كتاب تعيين او ترقية او مكافأة، والتوقيع على النتائج والشهادات الدراسية المعتمدة ، او ما تخطه اقلامنا فوق ورقة الانتخابات من الانحياز بوعي وبدونة لاي من المرشحين ، او ما يقوم به الطبيب في كتابة وصفة علاجية تجلب لنا الصحة والسعادة ، وكل تلك الاستخدمات التي مر ذكرها او لم تذكر... تبدأ اناملنا بالتدريب عليها منذ نعومة اضفارنا عندما ندخل المدرسة اول مرة ، ونبقى ننهل من يراعه الكثير في كل مرحلة دراسية نجتازها وكل مرحلة من مراحل الحياة لاحقا .

وهناك استخدام من نوع آخر لهذا القلم المسكين ، يستخدمه نموذج آخر من الكتاب لغرض الاساءة للاخرين وأيذائهم وترويعهم والحط من شخوصهم وكرامتهم وشرفهم بشتى السبل والاساليب الرخيصة ، واستخدامهم لغة غريبة عن الحوار والمنطق أساسها الكذب والتلفيق وصياغة الخبر والمعلومة المفربكة . وقد وصفها البعض من الكتاب ب ( لغة الهراوات ) التي تتحدى وتتجاوز كل الطرق الواعية في التفاهم والحوار الهادئ ، اما بسبب مرض نفسي مستعصي ألم في نفوسهم او بسبب اعتقادهم وايمانهم بنظرية ( اكتب لمن يدفع أكثر ) او ( اكذب اكذب حتى يصدقك الناس ) المعروضة في دكاكين المزادات الواهنة ، والذي انتشرت في العقد الاول من هذا القرن بسبب التطور العلمي الهائل وما افرزه هذا التطور من تقنيات كثيرة في مجال الاعلام والاتصالات ، ابتداءا من خدمات شبكة الانترنيت والاتصالات وانتهاءا بالقنوات الفضائية المنتشرة في ارجاء المعمورة، والسهولة في حصول المواطن على تلك الخدمات .

من خلال استعراض هذين الاستخدامين المتقاطعين والمتعارضين لوظائف القلم ومهامة ، يتوجب علينا ان نكون على استعداد للتخلي عن رأينا اذا ثبت عدم صوابه او مجانبته الحقيقة، وأن لا نقبل في الواقع اية حقيقة او مقولة لمجرد ان صدورها قد تم من قبل جهة واحدة او شخص مسؤول او سياسي ممن يطلق عليه الان (مصادر مطلعة ) ، وان نتعلم ان نجمع الادلة والبراهين الكافية لدراسة اية حالة يراد مناقشتها وتحليلها قبل اصدار الاحكام النهائية ، حيث ان حالة التعميم تعتبر نوع من الخطأ الفادح اذا استند على مقارنة حالة واحدة او اعتمد بصورة نهائية على ملاحظات عابرة واشارات غير دقيقة . حيث يلاحظ ان اغلب الاخبار والردود والتحليلات تعتمد المصدر الواحد الذي لا يمتلك الحقيقة كلها، وعندما لا تمتلك الحقيقة كلها لا يمكنك ان تقول الحقيقة كلها . لان التحيز لفكرة واحدة ونهج سياسي واحد وبطريقة لا شعورية ، يفهم منه اقصاء الاخرين والانتقاص من ارائهم ومناهجهم .

نحن البشر قد آمنا بالعلم كوسيلة لرفع مستوى تفكيرنا والتغلب على دواعي التأخر الاجتماعي الذي غلف عقولنا وأثر علينا لمدد طويلة، وهدم اجزاء كبيرة من وعينا وثقافتنا في نواحي كثيرة ، لا يمكن عدها او احصاءها، ومن ادوات هذا العلم هو القلم وما ينتجه من انواع الكتابة لغرض طرح مشاكلنا وايجاد الحلول المناسبة التي من شأنها تقليل الاضرار من خلال تنمية الاتجاهات العلمية القريبة من الواقع ، والابتعاد قدر الممكن من الاحكام الجاهزة المغايرة للحقيقة والتي ادمن البعض مما يسمى بالكتاب والباحثين في الشأن السياسي على سياسة الشتم والانتقاص من الاخرين واسهل هذه الطرق تلك التي تصف الفريق الاخر او بعبارة ادق الرأي الاخر بالعمالة والخيانة وأنه غير معروف الاصل والفصل ، وما شابه ذلك من تلك التوصيفات والالقاب التي اضحت لغة وصفة للشعوب الجاهلة غير المتمدنة والتي تبحث عن اي طريق سهل للوصول الى مبتغاها في غمط حقوق الغير وتسفية ارائهم وافكارهم التي تتعارض معهم .

هذه الاقلام ذات الطبيعة الغادرة اثبتت أنها لا تمتلك الشفقة والرحمة اذا ما حددت الهدف المطلوب الانقضاض عليه بطريقة بربرية وهمجية تفصح عن مكنونها وطبيعتها الغجرية، انها اقلام استلمت الثمن بطريقة المزايدة السرية ، وواجبها تسطيح الحقائق وتشويهها وتسويغ الفكر الواحد المتطرف ، كيف لا وأنها استخدمت وتستخدم في اسلوب عملها نوع من انواع الكتابة الخطرة التي تجرد الاخرين حملة الرأي المغاير والافكار الواقعية من كل خصائصهم وفضائلهم وانسانيتهم ، انها تلجأ الى شعاراتها البالية واعلامها المتهالك البعيد عن المنطق .... اقول لهذا النوع من الكتاب علموا انفسكم لغة الحوار والعقل الذي اساسة الاخلاق ، وان تتعلموا مجال الدقة وحدودها وأن تكون لغتكم بسيطة ومفهومة للناس وتخاطب العقل لا العواطف، وان تتعلموا ان لا شيئ اسهل من الاساءة للغير. وقد وصف الاستاذ الدكتور احمد ابو مطر في مقالة ( قراء مناضلون وكتاب عملاء ) هذا النوع من الكتاب في اعبر توصيف لهم ما يلي " لا استسلام لفريق الشتامين وكونها ظاهرة عربية، لا مفر من مواصلة الكاتب لمهمته رغم الشتائم واتهامات العمالة والخيانة ، والشتائم لا نتيجة لها سوى تعميم الخلق السيئ ".

كنت كغيري من الكتاب اكابد صمت الاشياء من حولي وأرقب نزيف بلادي الذي يحتضن الجرح بأباء ، ولكنني اعطف على تلك الاقلام الصغيرة لانها تختفي بعيدا تحت مسميات شتى، وتظهر مرة ثانية بغطاء ورداء آخر ، بالرغم من انني اكتويت بلظى تلك الاقلام وما تسطره في حملاتها المستمرة من عدوانية تستهين بالعقل والمنطق ... ولكنني كالاخرين من اخواني الملتزمين، لم استسلم لرغباتهم واهدافهم ، فالتفاؤل خياري الوحيد في جعبتي ، والحلم قاعدتي التي استند عليها في هذه الحياة، برغم أرَقي من الحزن العميق الذي يلفني ويجس كل المواجع ... صحيح ان قلمهم يؤرق السعادة والنشوة التي احس بها عندما اكتب رأيا وموقفا يعبر بصدق ويصطف مع تطلعات شعبي وبلدي الجريح، ولكنه لا يستطيع ابدا ان يكسر الامل والرضا الذي اكتسبه من محبة واحترام الناس الاخرين وتمنياتهم .

اخيرا لتلك الاقلام البائسة ( الشفقة ) لانها ستغُير موقفها وآرائها ومنطلقاتها الفكرية بمجرد سحب الغطاء عنها وتسريحها ، وكما يقول المثل العراقي على الشخص الغبي غير النافع ( امسًرحينة بالكنافذ ) * اي انه يليق به ان يقود قطيع من القنافذ في البرية . وعندما تجف منابع الدعم المالي والاعلامي عن تلك الاقلام المؤُجرة تصبح اشبة (بالجراب) ** المفرغ من الهواء تطلب الشفقة والعذر والصفح من الاخرين، ولكنني اعتقد ان تلك الاقلام لا يمكنها من النهوض من كبوتها ثانية بعد ان غاصت بعيدا في الوحل !!!
 


* القنافذ جمع قنفذ
** القربة المصنوعة من جلد الماعز والاغنام


 

 

free web counter