| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

رفعت نافع الكناني
 refaat_alkinani@yahoo.com

 

 

 


 

                                                                                   الثلاثاء 17/1/ 2012

 

طريق كربلاء الشهادة ... وشهامة اهل العراق

رفعت نافع الكناني

وانا في طريقي نحو كربلاء المجد والشهادة ، كنت ارى تلك الحشود البشرية تزحف نحو هدفها المعلن كالطوفان ... راياتهم خفاقة تعانق السماء بشموخ متفرد ... صوت هادر متكبر على الحزن بأباء ( لبيك ياحسين .. لبيك ياحسين .. لبيك ياحسين ) . انها رسالة للعالم وللانسانية تفصح بوضوح ان العراقيين هم حملة راية الحرية والتضحية في سبيل المبادئ والقيم الخيرة وانهم يمثلون روح الاسلام المتسامح وجوهره الحقيقي المتمثل بالخير والمحبة والسلام ، والرسالة الحسينية هي رسالة الامة الاسلامية في نصرة المظلوم ومواجهة الظالم والمتكبر وبث روح التسامح والمحبة بين الشعوب ... في هذة الاجواء كانت تطرق مخيلتي اسئلة عديدة ، افرد منها ، 1 - ماذا تعني هذه الحشود المليونية التي تطوي الفيافي والقفار والمسافات الطويلة ؟ 2 - ماذا لو انيطت مهمة تغذيتها وخدمتها لجهة حكومية ؟ 3 - ماهي الجهة السياسية التي اجبرت واغرت هذه الجموع لاداء هذه الفريضة وبهذا الحجم الخيالي ؟ 4 - ما نوع الرسالة التي تريد ايصالها هذه الجماهير والى من ؟

كانت هذه الحشود المليونية تعبر وبصدق لا يمكن اخفاءه من ان العراقي يتفرد عن باقي شعوب الارض بحضارته وتراثة وارثه المميز بحبه للحرية ومقارعة الظلم ونصرة الحق ورجاله ، وانه يتوحد ويتمسك بوحدته ووحدة ترابه مهما اشتدت المحن والمصائب عليه ، لذلك عندما بدأ هذه المسيرة نحو رمز كرامته ( الامام الحسين وصحبه الابرار ) اثبت دوام استمراريته وحيويته وعطاءه السخي غير المنقطع، واعطى مثلا لما يكتنزه من خير وبركة كنهر دائم التجدد . كانت هذه الجموع تمثل طيف واسع وعريض من فسيفساء النموذج العراق الفريد الذي نفتخر بمواصفاته وخصوصياته ، وترعب الطرف الاخر بكل مسمياتهم من ارهابيين وتكفيريين وسلطويين المرعوبين من رياح الحرية والديمقراطية وقرب انتهاء عصر العبودية والوصاية على الشعوب بحجج مختلفة ، ويبذلون المستحيل لفرط عقد هذا التحالف والتكاتف والتآلف الابدي ... فكان الشيعي يتكئ على كتف السني بعد عناء السفر الطويل ... وذاك الشيعي يقدم لاخيه السني ما لذ وطاب من الغذاء والشراب ورأيت المسيحي والصابئي يسارع الخطى في الوصول اولا ... وتذوق الجميع كباب اربيل وكبة الموصل ودليمية الرمادي وقيمة اهل النجف وعنبر الفرات ... وارتوينا من برتقال بعقوبة وكربلاء .

كل هذه الملايين الزاحفة ، بعضها منذ حوالي الثلاثة اسابيع والباقي كانت مسيرته عدة ايام ، لبيت طلباتها من الغذاء الجيد الممتاز والشراب بانواعه وما اشتهت الانفس من فواكهة ومرطبات والدواء والتداوي والمبيت المشُرف وباقي الخدمات الاخرى بانسيابية عجيبة لا تقدر على ادارتها عدة دول !!! كانت هذه الخدمات الجليلة تشًرف بها متطوعون من اهل الكرم والجود من مختلف الملل والاعراق والقوميات وبادرت بدفع كل تكاليفها من جيبها الخاص ، وهذه سنة سنوية مستمرة تفتخر وتتبارى بها جموع العراقيين تريد الاجر والثواب خدمة لزوار الامام الحسين واخيه العباس . ماذا لو انيطت هذه المهمة لجهات رسمية حكومية كما صرح به بعض النواب والمسؤولين ... لكان الجواب الحاسم ان هذه الملايين ستعطش وتجوع وتمرض بسبب طغيان آفة الفساد المالي وكثرة السراق والحرامية حتى لو انفقت الحكومة بطيب خاطر مليارات الدنانير على هذه الفريضة ... هذا الكرم والسخاء والجود العراقي اغاظ على ما يبدو قناة BBC العربية التي ذكرت يوم 14/ 1 وعلى لسان احد مراسليها في بغداد بان بعض التيارات السياسية في الحكومة اعطت لمواكب العزاء الحسينية المكلفة بخدمة زوار الامام الحسين ما قيمته خمسة الاف دولار لغرض حث هذه الجماهير لدعمها في الانتخابات القادمة ان صحت هذه المعلومة !!! ونسيت هذه القناة ان هذا المبلغ لا يكفي لمصروف يوم واحد في اغلب مواكب خدمة الزوار الطوعية .

هذه الجموع بهذا التدفق المليوني وبمختلف الاعمار والاجناس والمذاهب والقوميات والبلدان ، لا يمكن لاية جهة سياسية او دينية او حكومية من احتوائها سياسيا او فكريا او عقائديا ، والسبب ظاهر وبادي للعيان ولكل من رأى وشارك في هذه المسيرة . انها تشمل اشخاص ذوو رؤى وافكار وعقائد وميول وتوجهات عديدة ومختلفة ومتباينة ، فهناك الاسلامي المتطرف والمعتدل وهناك العلماني وهناك الليبرالي وهناك الاكثرية من المستقلين وكثير من عديمي الرأي والموقف ... فترى المهندس والعامل والطبيب والمعلم والامي والعالم والموظف والاجير وهناك الطالب والفلاح والمحامي واستاذ الجامعة في باقة ازهار متناسقة في هذه الفعالية الرائعة لا تعرف التعالي او الخصوصية او الطبقية ، يأكلون على مائدة واحدة ويسيرون سوية واقامتهم في مكان واحد ، فاية جهة سياسية او حزب يقدر من لفلفة هذه الجموع بهذه المستويات المختلفة ، وما هي انجازاته واعماله لخدمة المواطن ليستطيع اقناع وادلجة هذه التيارات المختلفة الرأي والثقافة . هذه الحشود لا يمكن ضمها تحت اية عباءة فلها افكارها واستقلاليتها .

الرسالة التي ارادت هذه الملايين ايصالها للعالم هي ان العراقي ينبذ الظلم والاستغلال والارهاب ويعشق الحرية ويضحي من اجلها ... والحسين عليه السلام نموذجه الدائم على مر العصور ورمزا يقتدي به ضد الفساد والطغيان وسراق المال العام ومثيري الفتن والقلاقل ومفرقي صفوف الامة . وانه يمتلك الصبر الطويل والقرار الشجاع والعقل الناضج لمواجهة كافة الاحتمالات والتحديات التي قد تواجهه من قبل اعداء الداخل والخارج الذين يحاولون بشتى الطرق اثارة الفتن ورفع راية التقسيم والتجزئة لترابه ... وان مسيرته تلك تعبر عن وحدته واصطفافه خلف كل من يريد للعراق الرفعة والتقدم والتوحد والدفاع عن ترابه وسماءه ومياهه ... ويؤكد بان هذه الحشود المليونية لا تحمل رسالة تهديد لاية شريحة عراقية ولا تمثل استعراضا للقوة بل انها تحمل رسالة محبة وتعاون وغصن زيتون لكل اطياف الشعب العراقي من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ، ورسالة اخوة وصداقة الى كل دول الجوارالشقيقة والصديقة ... وتحذر من التدخل في الشأن العراقي بكافة اشكاله ... وان العراقي يحترم الاخر ويمد يديه لكل من يريد ان يتعاون معه بصدق ومودة وفق المصالح المشتركة للبلدين . لقد اظهرت هذه المناسبة المعدن الاصيل للعراقي باخلاقه وكرمه وشهامته ونخوته وبجوده الذي لا يعرف الحدود وسمو طباعه ورقه وانسانية تعامله ونبذه للطائفية والتفريق .

 

free web counter