| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

رفعت نافع الكناني
 refaat_alkinani@yahoo.com

 

 

 


 

السبت 11/12/ 2010

 

عندما ينكفئ المشحوف السومري ارضا

رفعت نافع الكناني

مرً عام وكأنه الدهر كله ، وهلً العيد في صباح يوم ندي ، وبدأ المهرجان الخامس لمؤسسة النور للثقافة والاعلام في 26 /12 / 2010 على ارض بغداد الحضارة ( قاعة المركز الثقافي النفطي ) وكان حضورا مميزا وفريدا ... جمع عدد كبير من المسؤولين وحشد رائع من مثقفي النور ، وجمهرة كبيرة من المثقفين والفنانين رافعي راية الثقافة العراقية الملتزمة. وصدحت لميعة العراق الشاعرة لميعة عباس عمارة برقيق كلماتها وبهار قصائدها ، من خلال فلم بث لها على شاشة المنتدى ... باعتبار ان الدورة الحالية تحمل اسمها تقديرا لها . وتوالت الكلمات والقصائد والعروض والتكريم ، واختتمت صفحة المهرجان البغدادية وسط دهشة الجميع لما يمتلكه موقع الكتروني بدأ يافعا واصبح شامخا من نفوذ ثقافي ومعرفي على هذا النطاق الواسع .

وبدأت صفحة النور السومرية على اديم مدينة الثقافة والادب والفن والسياسة ، الناصرية وما ادراك ما الناصرية ... وما ادراك ما صنع مثقفيها ورجالاتها من ملحمة كبيرة رسمت صورة بهية لوجه هذه المدينة المشرق ... الذي اجهد البعض الغابر انفسهم لحصرها وخنقها ووأد دورها الريادي في تاريخ العراق ، واشرقت الشمس في صباح مبارك من محراب ابونا ابراهيم الخليل ليعلن بدء الصفحة الذيقارية للمهرجان . يا لها من مفارقة ان نرى المحافظ والمسؤولين قد اخذوا اماكنهم في السرادق المعد للاحتفال قبل وصولنا للمكان ... انه التعبير الحي لمكانة الثقافة والنور في نفوس المسؤولين في هذه المحافظة ، وزادوا على ذلك انهم قرروا ان يكون الاحتفال سنويا ... وبذلك اكدوا ان الثقافة والعطاء من ينبوع واحد .... وودعنا المكير ... ليكون موعدنا مساءا في مدينة الثقافة والادب (ماروسي) سوق الشيوخ ، كانت احتفالية ضمت الشعر والادب والمسرح والموسيقى افصحت عن عمق المدينة الثقافي والمعرفي واصالة رجالها وكرمهم .

في صباح اليوم التالي وتحديدا في 27 / 12 كانت وجهتنا الى مملكة الجنوب ( الاهوار ) ، اذن تبدأ الرحلة من هنا ... نحو بقعة شاسعة كانت يوما تسمى الاهوار ، كانت بحر من الحركة والحياة ، وفي غفلة من الزمن امست هذه الشطآن الواسعة الجميلة ذات المروج النظرة كائن غريب لا يمت للحياة بشيئ ... فجأة غارت المياه وغربت الشمس ورحل الربيع وطوى الظلام نور وبهجة الزهور البرية ، وهجرت الزنابق اشرعتها الذهبية بعد ان رحلت الغيوم وغادرتها الامطار بعيدا ... تخشبت مروج البردي والقصب واصبحت هياكل للذكرى ، واضحى عطر العنبر الندي تاريخا لم نعد نتذكره ... وتحنطت انواع الاسماك الى حجر فوق ذاك التراب الملحي المقدس !!! وبجوارها ينكفأ المشحوف السومري ارضا بعد ان ظل الطريق في صحراء واسعة الخيال ... اسقمت قطعان الجاموس والابقار وغادرت جموع الطيور المختلفة الى عالم الغربة والتية .

هذا الواقع لن يستطيع ان يثني ارادة انسان الاهوار في الجنوب ، وبقى منتميا الى هذه الارض ذات التاريخ الضارب الجذور عميقا ... والذي ابدع حضارة متفردة بعطائها ، هذا الانسان له حب لا نظير له للمياه والتي هي المصدر الاول والاخير لمعيشته وديمومته ، ومن خلالها مارس رجل الاهوار الابداع والعطاء والتناغم مع هذه الطبيعة الساحرة . ومن خلال هذا الواقع من الصعب والمستحيل ارغام هذا الانسان على ترك مسكنه وخصوصيته ، واجباره على حياة بعيدة عن الاطمئنان والغبطة والسعادة وارغامه على حياة عنوانها البؤس والمرض والفقر ... لاسيما ان له ميل فطري للحرية ، ويحدثنا تاريخ الهور عن صور مليئة بأشكال الكفاح الذي خاضه الثوار في سبيل حريته وكرامة شعبه ، وهذا يؤكد ان الحرية هي جزء من طبيعة الانسان .

بهذه الروحية استقبلنا اهل هور الحمار ... ونصبوا لاهل النور وزوارهم سرادق كبيرة بكبر قلوبهم ومحبتهم وتعمدوا ان يكون المكان شاهدا على ظلم الانسان لاخيه الانسان ... حيث السد الترابي العملاق الذي كلف النظام السابق المال والجهد الكبير ليكون الحاجز المصطنع بين نهر الفرات وتوأمه الهور ... فكان الجفاف والعقم يجمع الاثنين في معزوفة حزينة تبدو لناظرها ان الصحراء قد اطبقت على صدورنا . كان الود والحب والكرم يتسابق الكبير قبل الصغير في تبيانه وفعله ... وتمازجت المشاعر وتفاعلت القلوب وتوحدت الاماني والرغبات الحالمة بغد مشرق ... لنروي بدموعنا تلك الارض المجدبة العاقر ... بعد ان سحقت اضلعهم احذية الجلادين في كل العصور، كانت اكواخهم ملاذا للثوار ومستودعا كبيرا للعيش والسلاح ... لقد رووا تلك الديار بالدم والدموع .... تهجروا في كل بقاع العالم ، وتلقفتهم ايادي اللئماء لتسخرهم في احقر المهن والمواقع .

لا يمكن بعد الان ان نصفق للفاتحين الجدد مقابل كسرة من الخبز لا يمكن ان تشبع تلك البطون التي جاعت منذ الف عام ... ولا نستطيع ان نرفع الاعلام المتعددة الالوان لنستر فيها عوراتنا وكأنها ثوب جديد نسجت خيوطه من الحرير الصناعي المستورد !!! مضت الايام ... وتبعتها السنين والاعوام ... والحال نفس الحال ... بقينا نلبس البأس والحرمان ... نعطش ونجوع ونمرض ... ونتعمد ونتيمم بتراب مروجنا التي نسيتموها ... لقد امتلأت بطون الدجالين والكذابين وتورمت وجوههم الصدئة التي كانت في يوم ما نقية صافية ... واحمرت كالدم الفاسد وجناتهم بعد ان كانت رشيقة تشع بالحيوية والكبرياء ... نحن نعلم علم اليقين ان الحضارات لا تموت ، وحضارة الاهوار بركان في طور السكون والترقب .... هل نستطيع ان نفي ونرد الجميل لهذه النفوس البشرية النقية ؟ انتهى وقت الاحتفال بعد ان جاشت المشاعر والنفوس ... وكانت صفحة الكرم والشجاعة في اعلى صورها وابهاها في مضيف السادة آل شريف العامر في ناحية الحًمار ... الذي جمع اكثر من مائة مثقف واعلامي من مختلف انحاء العراق ليكون باقة ورد عطرة في تلك الربوع .

 

 

free web counter