| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رسمية محمد

 

 

 

الأربعاء 10/8/ 2011



تأملات في الازمة العراقية

رسميه محمد

لا نحتاج الى بذل أي جهد من أجل تأكيد وجود أزمة كبيرة في البلاد . وهي أزمة لا تقتصر على جانب واحد دون سواه من جوانب حياتنا . بل تشمل كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية وحتى الكيانية , أي ما يتصل بالعراق كوطن وبأستقلاله وسيادته على أرضه , وبمستقبل علاقاته التاريخية مع أشقائه العرب .

ان الوضع الذي وصلت اليه البلاد يكفي للاستنتاج , بأننا أصبحنا في منطقة الخطر الاكبر من هذه الازمة . فالديمقراطية التي وعدنا بها (المحررين), تذكرني كثيرا بقصة قرأناها في درس اللغة العربية عندما كنا أطفالا , و الموسومة بعنوان ( ملابس الامبراطور الجديدة ) .

وهي تحكي عن وافد محتال قدم من الخارج وادّعى للشعب انه يريد ان ينسج ملابس حريرية للامبراطور, لن يراها الا الذكي . وعكف سنوات طوال في بلاط الامبراطور مدّعيا انه مشغول بحياكة الملابس العجيبة , وظل الشعب الذي انهكه الجوع والظلم والاستبداد يعيش بانتظار الملابس العجيبة , ولما لاحظ الوافد المحتال اعياء الشعب من الانتظار , دعاهم للتجمع لرؤية امبراطورهم بملابسه العجيبة . واندهش الشعب عندما شاهدوا امبراطورهم يتبختر عاريا ولكنهم لم يجرأوا على الكلام لكي لا يتهموا انهم غير اذكياء , الا ان طفلا وسط

الجموع صرخ قائلا الامبراطور عريان , امسكوه وستجدونه عريان ,فسرت همهمة بين الجموع وانطلقت للامساك بالامبراطور , الذي ولى هاربا . ....

ان الفكرة المضمرة في هذه القصة هي اعتماد القوى السائدة على ثقافة التظليل والخداع والالهاء للشعب عن مأساته وبؤسه في ظل نظام استبدادي جائر , يعمل على تخريب وعي الانسان بهدف السيطرة عليه . وهذا مانعيشه الان في حالتنا العراقية . فقد مرت اكثر من ثماني سنوات ونحن ننتظر تحقق الديمقراطية في حين ان اوضاعنا تزداد سوءاً يوما بعد يوم ونحن نعيش لجة المحاصصة الطائفية والفساد المستشري في كل اوصال الدولة والمجتمع . وبالتأكيد نحن لن نحتاج الى طفل يدلنا على طريق الحق والحقيقة , فهناك الكثير من العناصر الخيرة التي حرصت على نشر الثقافة الروحية والانسانية التي تكشف وتتصدى لثقافة الزيف و التضليل والخداع .

ولكن ما نلاحظه ان معظم الاوساط السياسية العراقية بما في ذلك من هم في مواقع سلطوية يلتقون على اعتبار المحاصصة الطائفية والفساد هما افات العراق الا انهم يحجمون عن معالجتهما فعليا والعمل على تجاوزهما . ومن حقي هنا اثارة التساؤلات التالية ...

- من هي الجهة السياسية التي حاسبت الفاسدين والمفسدين وعملت على مقاضاتهم ؟

- من هي الجهة السياسية التي حمت وصانت ودعمت مكافحي الفساد ؟

- من هي الجهة السياسية التي ثمنت جهود مكافحي الفساد وتضحياتهم من اجل وطنهم وشعبهم بعيدا عن المحاصصات الطائفية والحزبية ؟

- ماهو مصير من تصدوا للفساد ؟ اليست التصفية الجسدية او السياسية هي مصيرهم لجعلهم عبرة لكل من تسّول له نفسه الوقوف في وجه الفساد ؟

اعود فاقول ان الكلمة التي تظل في حدودها تكون قفازا خطيرا في يد الجميع ,فلنبرهن على مصداقيتنا بقوة المثل لا بالكلمات فحسب.

ويتضح من خلال التجربة , أن الفكر الطائفي الذي ينطلق من مصالح الطائفة او بالاحرى مصالح أفراد من الطائفة ويضعها قبل مصالح الوطن وفوقها , قد اثبت فشله في ايجاد مفهوم موّحد للوطن يجمع العراقيين عليه , ويجعل ولاءهم الثابت له مما أبقى مسألة بناء وطن موّحد فعليا وعلى اسس صلبة مهمة معلقة ومرتبطة بقناعات العراقيين ووعيهم وبموازين القوى التي تتصل بالنضال بين اتجاه التغيير لاقامة نظام ديمقراطي لا طائفي بديل .

أن تربية الاجيال الناشئة في مناخات الطائفية والفساد من جهة واستمرار وترسيخ نظام المحاصصة ,التي لا تنظر الى الفرد كمواطن بل تنظر اليه من خلال الطائفة والمذهب الذي ولد منتميا اليه , من جهة أخرى . مضافا الى ذلك تلك التعبئة التي تقوم بها القوى والتيارات السياسية الطائفية في الحياة العامة , أن كل ذلك يشكل عاملا أساسيا في تشويه الوعي , كما ويجعل الطائفة ومصالحها الخاصة ومواقعها وحصصها التي تختزل بالاشخاص الذي يتمثلونها , معيارا خاطئا ومنطلقا ضارا وخلافيا في النظرة الى الوطن والدولة والهوية .

ان اوربا ورغم انقضاء قرون عديدة على هيمنة انظمة الاستبداد وطغيان حكم الفرد ورغم اساليب القمع والبطش والسجون رغم كل ذلك افاقت اوربا في اوائل القرن الثامن عشر على نداءات المفكرين من فلاسفة وكتاب وفنانين ينادون بالحرية للشعب وبانهاء حكم الفرد ويتوجهون الى الفرد, الانسان البسيط كي يقف للدفاع عن حريته لانها حقه المقدس الذي لا يحق له التنازل عنها ولا يحق لاي سلطة ان تسلبها منه . فمتى نفيق نحن ؟




 

free web counter