| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رشيد كَرمة

rashid_karma hotmail .com

 

 

 

                                                                الأثنين 5/11/ 2012

 

 هل من شك؟
الفساد جزء من تراثنا.....والكلمة نقيض الصلاح

رشيد كَرمــــــة 

لعل المتابع يلحظ لمجريات ما حدث ويحدث في المجتمع العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى هذه الفترة الزمنية (صفة) الفساد بأنواعه وهي تطفو على كل شاردة وواردة على مجمل أداء السلطات التي تعاقبت على حكم العراق حتى باتت هذه الصفة (الفساد) عصية على الفهم,وسارت كما لو أنها من الفضائل . فبين قاتلٍ يصبح هو الرئيس و(حلال المشاكل) وبين ضحية تبحث عمن يقاضيه تجد فساد وبين غاصبٍ لعِرض أو أرضٍ وبين مغتصبةٍ أو صاحب حق ترد إليها أو إليه حقوقهما تجد فساد والأغلبية ضالعة فيه,ومدفوعة له بطيب خاطر!!وأكثر الفساد هو عدم الحديث عنه وأن نصمت ونبرربحجج وهو يستشري في مجتمعنا وفي أروقة الدولة العراقية المصنعة والمستحدثة خارجياً ووفق مقاسات معينة لاينبغي لها أن تخرج من عباءتها وخيمتها ونصوصها والغريب أن الجميع يتحدث عن الفساد في المعاملات اليومية وفي مراكز القرار (الرئاسات الثلاث) وفي عموم الوزارات, المالية والدفاع والداخلية والخارجيةوالنفط والزراعة والصناعة والتعليم والصحة إلخ إلخ وصولا للنزاهة والقضاء. ويتم ذلك عبر سيل الإتهامات والشتائم بين الكتل المتصارعة على المغانم وهي بمجملها قصيرة النظر,إذ تلجأ لأساليب بربرية تزهق بأرواح الناس ولا هدنة في اشهرٍ حرمٍ أو عيد ولا حوار مع العقل ولا مانع في قتل الناس في دور عبادة أو مكان دراسة ناهيك عن مشاعية القتل للطفل والكبير, للرجل والمرأة !

فبعض مما قرأت في فترة سابقة عن تراثنا العربي ـ الإسلامي , مع محاولة أن أقرأ ما فاتني من تراث يهودي ومسيحي وإسلامي سيما أنني وجدت نصيحة الراحل (هادي العلوي) * منطقية جدا في قراءة الأنجيل بأجزائه الأربع وخصوصا فيما يتعلق بالكنز وهو دلالة الغنى مبعث الفساد وبؤرته الأولى وبين الإنحياز للفقراء "المحرومين والمتخمين" وهم ضحايا الفساد .

والسؤال كيف نشأ وإستشرى ويستشري وهل سيبقى كذلك في محيطنا الذي ننتمي إليه؟ وبغية المعايَنة والمعالَجة وجدت أن الوسيلة الصحيحة وليست الأصح لذلك كتابة مادة للنقاش الجاد موضوعها وثيمتها ما هو الدافع للفساد ؟بعد أن أضحت عند الكثير من الناس دلالة في غير محلها!! لا سيما انه يشمل الغدر والتطاول والتأليب و الرشوة والمحسوبية والمنسوبية والكذب والخداع والسرقة والتمويه والإنتحال والإستغلال والإستغفال والتزوير وأنواع الغش وإلخ إلخ... ووجدت ان التفرد والإستحواذ بالقرار والهيمنة على السلطة هي الدافع الأكبرللفساد,فهي تتم عبر طرق غير شرعية وتحتاج إلى جمهرة واسعة ممن ينفذون مهمة الفساد مثل الرشوة والاٍستغلال والتضليل والتلاعب وصولا للقتل وهكذا يتم نشر الفساد وتعميمه, وقد يشمل هذا الإستنتاج كل مناطق العالم,ومنها تلك الـتي تدعي أنها تحررت من تراثها وتدينت أو إنتهجت الحداثة, ولكنها تسلك ذات الطرق والتي تعد من الفساد , وأستبعد الإستتثناءات من المناقشة حول ما ورد وفيما كتب وقرأ عن آفة الفساد.

ففي التراث العربي ـ الإسلامي يصف (الماوردي **) في كتاب الأحكام السلطانية أن تأسيس الدول يقوم على ثلاثة عناصر رئيسية: الدين,القوة,المال. وعنده أن الدولة التي تقوم على الدين أقوى وأكثر دواماً وهذا ما تعمل عليه الرأسمالية الأمريكية سواء في دول منتجة للنفط وأخرى ذات موقع جغرافي سكاني تأريخي مهم في الوقت الراهن والتي يزعجها البديل الديمقراطي الحقيقي أو الإشتراكي وهو الأكثر عدالة بين الناس وبالضد من الدولة الدينية القائمة على قهر الناس بتكليف غير مرئي ويصف (الماوردي) مُلك القهر كالحكم الذي يقوم على البلطجة كالتالي:جولة توثب ودولة تغلب يبيدها الظلم ويترتب عليه هلاك الرعية وخراب البلاد.والمال مخالطا للسلطة فيستميل الحاكم ( الشعراء والروزخونية والمداحين والملايات ووعاظ السلطة والأميين والتوايين) دون غيرهم من المتعلمين لينحازوا إليه وهذا ما يحصل في وطننا وفي عموم المنطقة العربية ـ الإسلامية وهو فساد طاغٍ. ومن تراثنا أيضاً هذا الفساد (السديفية والسبلبية ***) وسديف إسم شاعر مخضرم من الحجاز وكان شديد التعصب لبني هاشم وكان يخرج إلى أحجارصفا في ظهر مكة يقال (صفي السَّياب), ويخرج متعصب لبني أمية يقال له (سبلب), فيتسابان ويتشاتمان ويذكران المثالب والمعايب ويخرج معهما من سفهاء الفريقين من يتعصب لهذا ولهذا فلا يبرحون حتى تكون بينهم الجراح والشجاج وقد شاعت هذه العصبية دهراً,ثم إختفت لتحل محلها عصبية لا تقل سوء عن سابقتها بين الحَنَّاطين والجزاَّرين!واليوم تظهر عصبيات همجية لا أثر فيها للجراح والشجاج بفعل المتفجرات والتفخيخ الذي لايبقي ولا يذر, وهذا هو حال الكتل المهوسة بالسلطة والتي تسلك كل الفساد وتشرعنه, فلا غرابة بين الأمس واليوم, هو مجرد تغيير في المأكل والملبس والسلاح الفتاك,أما العقل فإجتنبوه..وهذا أكبر الفساد فهل من شك؟


الهوامش
*
محطات في التأريخ والتراث ص66( هادي العلوي)
** الماوردي (أبو الحسن) 450 هجرية فقيه وقاضي ورجل دولة عاش في بغداد وطبع كتابه الاحكام السلطانية وترجم الى عدة لغات منها الفرنسية والهولندية والانجليزية منذعام1853
*** من كتاب الأغاني لأبو الفرج الأصفهاني (سديف مولى بني هاشم)
 

السويد 31 تشرين الأول 2012
 

 

free web counter