| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رشيد كَرمة

rashid_karma hotmail .com

 

 

 

 

الأثنين 27/ 8 / 2007

 

 


الى الأنسان ع ع مع اطيب امنياتي


رشيد كَرمــــة

لاشك اننا وقد طوينا صفحة ثقيلة من تأريخ مجيد كتب بمداد من دماء شبيبتنا وأعزتنا على يد شمر العرب ( صدام ) ان نعترف بأن الشمر الأخطر لازال يجول ويصول في مرابعنا , في اهوارنا وسهولنا وبساتيننا وهضابنا وجبالنا , ولربمـــا أدخل العامة شمرهم في الموروث الأجتماعي , فلا عجب ان يــُكنى مــن يعتمد القسوة والهمجية والدموية اوالعدوانية بـ ( شمر بن ذي الجوشن ), حيث شاعت بين الصبايا والصبية هذه المقطوعة من الهجاء المنمق : انت شمر وابوك شمركتال الحسين ....
وليس غريبا ان تبدع الشعوب ادبا ًيشبع حاجتها وذلك للتعبير عن دلالة ما ومن ثم ليصبح هذا تقليدا وإدانة واضحة عن حجم الجريمة , ولقد جسد واقعة الطف ورموزها الكثير من كتابنا وشعرائنا واني اذ احفظ الكثير مما كتبه أدباء عرب وايرانيون وهنود وغيرهم ألا أن هذا المقطع الشعري لأبي حيدر ( سعدي يوسف ) ظل يقظا في ذاكرتي , لأسباب كثيرة منه ان الشاعر البصري نجح في التصوير من مزاوجة الفلكلور والحداثة والأستعارة والتشبيه والتضمين والأقتباس والطباق والجناس,,,وطرح إحتجاجه عبرتوظيف التراجيديا إلى اعلى مدياتها حيث يقول المقطع الشعري :
لقد قتلوك ياطفل عبد الله من ظمأ
كنا نغنيها معا
للناصرية.. للناصرية
تعطش وشربك ماي , بثنين إيديه
ومناسبة الحديث عن الشمر بن ذي الجوشن صاحب الثفنات من كثرة السجود والتركيع والتعبد حتى قيل عنه كان يركع الى الأرض كالبعير , رسالة من استاذ لي كنا قد افترقنا نهاية السبعينات والتقينا في التسعينات لأيام قليلة ثم افترقنا ولم نلتق حتى هذه اللحظة وهو يعمل حاليا لتأسيس مناخ ديمقراطي ينسجم والعملية السياسية واني اذ اشد على يديه ورفاقه اتمنى ان تنال مثل هذه الجهود الدعم والمساعدة من مركز اولف بالمة وغيرها واعد التجمع الديمقراطي في كربلاء لبذل الجهود من اجل ادامة عملهم هذا . الرسالة لا تحتاج الى وقفة نقدية منى فهذا ليس مهما ولكن الأهم ان الأستاذ ( عدنان عيسى ) سلك مسلكا حضاريا ً من عدة جوانب وأزال الحرج من آخرين وهو فوق هذا وذاك أفصح عن دلالة استخدامه لـ - قجوم - ربما فات الأستاذ عدنان عيسى او اهمل حقيقة ان قجوم اوقف نهاية الستينات بتهمة ذبح حصانه وتوزيعه بعد الطهي على جمع الزائريين الذين توافدوا الى كربلاء لتجديد الأدانة للشمر وقائده وفي تقديري لم يكن يستحق التوقيف فلقد كان جده حاتم الطائي قد فعل نفس الشئ واستحق التمجيد ,,, اليس كذلك ؟
ولكنه قجوم على اية حال ,,,

نص رسالة أستاذي ع. ع ( عدنان عيسى )

قجوم
أسم أو كنيه ، لشخص توفى عام 1985 ... وله قصه !!! ؟؟ و قصته أرتبطت بمرحله من مراحل العمر و التاريخ ، تاريخ له علاقه بمدينة كربلاء في النصف الثاني من ستينات القرن ــ العشرين ــ .
وقجوم ..( المعنى ) : صفة لشخص أفنص الأنف .. يخن بكلامه ونطق كلماته .. وصاحبنا كان كذلك .. ولذا اطلقت عليه هذه التسميه .. او الكنيه !! وصار معروفا بها كأشهر من نار على علم في المدينه .. أنا لا أعرفه .. ؟؟ ولم أكن في تلك الفتره مهتما بمعرفته ... ربما كنت أمقته !!.. كانت له عربه على شكل صندوق كبير ( بوكس ) يجرها حصان أبيض نشيط يوزع قوالب الثلج فيها على عملائه من أصحاب الدكاكين والمحلات بياعة الثلج ..
الصور ألأولى في الذاكره لدي عنه .. أنه عنفواني وعدواني لكثرة ما كنت أراه وهو يهوى بعصاه على حصانه كي يسرع رغم ثقل كمية الثلج التي كان يحمل ، ولذا فكثيرا ما كان الحيوان المسكين يترنح رغم السياط التي تنهال عليه والمسبات والكفر أحياناً .. ؟؟ ( تبين لي بعد ذلك في الشام .. ان المسكين لم يكن كذلك ) .
وحين كان يدخل الى مدخل سوق ألمخيم ـ الزينبيه والذي يقع بيتنا في منتصفه كنت أسمع صراخه والضوضاء التي يحدثها بعربته من مدخل السوق من طرف ساحة المخيم وهو يصرخ ( ولك دي .. أو ديخ ) ... وكثيرا ما كان يدهس أحداً من المارة طفلا كان أو أمرأه .. بلا مبالاة .. أو تسقط عربته المترنحه ذات اليمين وذات الشمال حاجيات لأصحاب المحلات ، ولا يرد على صراخ الناس عليه ولا يأبه لمسباتهم حتى ..! ، وكأنه كان أطرش .. و لم يكن هو كذلك بالطبع .
جيل تلك الفترة من أبناء كربلاء يتذكر ألأسم ، الشخص، بالطبع أو يجد في أسمه ، كنيته .. معنى أو دلاله ....وكثيرا ماكانت تروى قصص عنه وعن حصانه العنيد .
وكربلاء من حيث الوقائع في حقيقة ألأمر مسرح ، لعمل تاريخي أنتج ، وكون شيعاً وفكرا ورسخ مذهبا وعصفت ذكريات وقائعه بحروب وثورات مازالت جذوته في عنفوان وحماسة يوم وقوع الحدث ..
ولا يدري أحد ستؤدي الى أين .. ؟؟
وعلى لسان شوقي : كل يعزز دينه .. ومن ثم لا يدري مالصحيح ؟؟
في تللك الفترة طور الناس ، الجماهير عملا مسرحياً رائعا :
مسرحه : كل شوارع وساحات المدينه ، مستلهما من التاريخ الذي قامت عليه المدينه كحاضرة عربية أسلامية ممثلوه ومتقمصوا شخصياته وألأبطال الحقيقيين فيه :
أفراد من عامة الناس ، أميين في الغالب ، ليسوا متدينين أيضا ...
وفي الحقيقه لا أحد يستطيع أن ينفي أو يجزم فيما أذا كان هناك شئ ما مستمد أو مستلهم من عصر كانت تدعى فيه تلك ألأرض ( كربائيل ) .. وكانت جزء من بقعة أرض ( مسرح ) قامت عليها أولى الحضارات والمسارح الجماعيه ربما ؟؟ ... أو فيما أذا كان ورثة ألأرض الجدد ومستعمروها قد أستنبطوا شيئاً أو حلو رموزاً من طلاسمها السحريه ( المقدسة ) عند البعض ، أو ما أذا كان العقل الجماعي من العهد البابلي في اللآوعي المستورث قد أذكى خلايا موروثة طبق ألأصل مستنسخه بهذا الشكل أو ذاك من شارع ( الموكب ) البابلي ....
أوً .. هل تكون التسميات ( المواكب ) الحسينيه مصادفة !! ؟؟
في ظهيرة اليوم العاشر من محرم وعندما تكون الطقوس والمراسم خلال العشرة أيام قد أكتملت وتفنن المريدون ومحبي الحسين وتباروا في حسن أدائها وبكوا ما أمكنهم البكاء .. تأتي ساعة الذروه في الحدث التاريخي .. فقد قتل الحسين حتى قبل أداء صلاة الظهيره في ذلك اليوم .
وامعاناً في ألأستهزاء من دين الحسين وألأصح دين جده محمد .. أن قتلته أنتظروا لما بعد أدائهم لصلاة الظهر كي يحرقوا ويسْبوا مخيمه وكأنهم على هدى مقولة ابو سفيان سائرون .... ( لاخبر جاء ولا وحي نزل .. تلاقفوها يا بني أميه ) .....
وحانت لحظة السبي والسلب والنهب الهمجي ( العربي ألأسلامي .. لافرق ) فالحرب : حرب ...
لا دين ولا أخلاق فيها ، ولها قوانينها الهمجية .. وقوانين المنتصر لا رحمة فيها أيضاً ، كائن ما كان المهزوم أو المنتصر ، أماما تقيا ، أو ثورياً ، أو نبييا أو أفاقاً صعلوكاً أرتقى الى السلطة وحمل صولجانها .. !
كنا ...
ومنذ أن وعينا على الحياة نحن سكنة تلك المدينه التاريخيه ننتظر تلك اللحظات التي تلي ظهيرة يوم عاشوراء .. فهنا وأمام المخيم .. وأعني به أمام .. أو في نفس المكان الذي نصب الحسين هو وجيشه خيامهم وأناخت فيه أباعرهم .. كان يعاد تمثيل عملية الحرق والسلب والنهب التي تعرضت لها خيام بقية ركب الحسين من نساء وأطفال من قبل ثله مرسله من جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص ، كان يقود الثله ( الممثل ألأصيل ) شمر بن ذي الجوشن ، أصطف مع علي بن أبي طالب أولاً عندما كان علي صاحب السلطة والصولجان ، وعندما أنهارت سلطة علي .. أنقلب وآصطف مع أعداءه أصحاب السلطة الجديدة .. وها هو يحمل مشاعل النار ويقوم بحرق خيام أبن علي وسبي نسائه وأطفاله .
صاحبنا قجوم ..لم يكن مثله على ألأطلاق لم ينقلب على مواقفه وأيمانه في الحياة .. كل ما هنالك أن الرجل كان يهوى أعادة تمثيل دور ذاك الشمر في ذكرى ظهيرة يوم عاشوراء وفي نفس المكان ولكنه في غير الزمان .. .. رغم أن شكل المكان قد تغير مرات ..
ففي العهد الملكي .. كانت هناك حديقتان ، جنينتان .. متقاربتا المساحه وكأنهما روض من رياض الجنه .. كانت مساحة كل منهما حوالي 40 م / 10م وكان يهتم بهما فلاح أيراني يدعى ( كلله عباس ) وقد ابدع في ألأعتناء بهما .. ولم يكن يسمح لأحد بالدخول اليهما .. كنا نحن ( ولد المحله ) ، وفقط في المساءات المتأخره وفي غياب ( كلله عباس ) نتجرأ و نتسلق السياج ، ومابين رائحة ألأزهار نفترش العشب الأخضر ونتسامر .. .. هكذا قضينا ايام امتحانات بكلوريا الخامس العلمي أيضاً .. وأعتقد جازماً .. ولأسباب لاحاجة لشرحها أنه لولا وجود تللك الحدائق لما كان بأمكان بعضنا اجتياز ألأمتحانات ( أيام الحرس القومي ) بنجاح نظرا لأعادة ألامتحانات وفي شهر تموز القائض بسبب سرقة ألأسئله من قبلهم حينها !! .. كان ذلك آخر عهدي بالحدائق تلك فقد أقتلعت ألأشجار .. واتلفت ألأزهار .. لتتحول المساحة كلها في زمن عبد السلام عارف بفضل ( عبقرية مدير بلديه ) الى ساحة مبلطة بالأسمنت ومزفته ( لزيادة ألأنعكاس الحراري )؟؟ سهلت على قجوم ورفاقه أشباع رغباتهم في أتساع المسرح .
ظهيرة العاشر من محرم .. كما قلت .. كانت تنصب عدة خيام متقاربه ويحتشد الخلق على طول الشارع وعلى أسطح البيوت والبنايات من بداية شارع ( طويريج = الهنديه ) أبن الحمزه ، ومن ثم شارع الجللجيه ( هكذا كانت تدعى أسماء الشوارع حينها ) فساحة الجللجيه ، ومن ثم شارع الميدان ، فساحة الميدان.. أتجاهاً الى ساحة البلوش ( قبل مدخل الساحه يقع خان البغدادي ) .. فشارع المخيم والذي تقع في نهايته ساحة المخيم ( يطلق حالياً على هذا ألأمتداد من الشوارع ... أسم شارع الجمهوريه ) وعند نهاية ساحة المخيم تخرج عدة شوارع / فروع :
سوق المخيم / الزينبية ومن ثم .. شارع الى مغتسل المخيم وينتهي على حافة نهر الحسينيه.. وألى يساره ، الشارع المؤدي الى الحر وأخيرا الى شمال يسار الساحه ماعرف .. بعكد الدده ( شارع يؤدي الى بساتين آل الدده ).
وعلى طول الطريق من باب طويريج وحتى ساحة المخيم .. لم تكن لتجد لك مكاناً لموطئ قدم .. لا في طول الطريق ، ولا على أسطح المنازل والبنايات المطلة على أمتداده .. فكافة عوائل المدينة نساءً وأطفالا ً تقريبا تكون قد أتخذت مواقعها على ألأسطح والدكاكين والمحلات المطله على المشهد من وقت مبكر .. أما الرجال والشباب فقد ملؤا في أزدحام طول المسافة تلك ..
في خان البغدادي .. أو في غيره من مكانات أخرى كان يتجمع الممثلون ( ثلة من الخياله أو الراجله تمثل فصيل عمر بن سعد ) بيدهم مشاعل لهب .. وقد أرتدوا عدة حرب تلك ألأيام بملابسهم الملونه .. كان اللون ألأحمرهو لون الملابس المميزه للشمر .. ولذا كنت ترى صاحبنا قجوم قد أرتدى كامل عدة الحرب وعلى رأسه قلنسوه حديديه ودرع كواقية صدر وظهر منسوج من ألألمنيوم.. هما في الحقيقه درع ( لمعركه ) للحظات قادمه وحرجه عند بدء العمل المسرحي والظهور أمام الجماهير .
وكيوم المعركه الحقيقي .. وعند ساعة الصفر أي بعد أنطلاق آذان الصلاة ساعة الظهيرة .. لن تنتظر الجماهير .. أداء الفريضه .. ألا قلة من الناس المتدينين المصطفين خلف أمام جامع طويريج .. أما الجماهير وآلآلآف التي تموج بهم الطرقات والأرصفه والبنايات وأسطحها .. فلن تنتظر، وتكون الدقائق ألأخيره لحظات هياج عارم .. تتملك الناس حالة من حمى قدسيه رهيبه وكأنهم يعيشوا لحظة الحدث الحقيقيه ورغم أجواء الفصول المختلفه صيفا كانت أو شتاءً .. فأنك كنت ترى الجميع تعبيرا عن الحزن حفاة ألأقدام .
في اللحظه التي ينطق أمام الجامع بها .. كلمة .. ألله أكبر لبدء ألآذان ..
تهدر الجماهير عند باب الجامع بصراخ من ألأعماق حزين :

ياحســــــــــــــــــــــــين


يتبع

السويد  27 آب 2007