| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رشيد كَرمة

rashid_karma hotmail .com

 

 

 

الجمعة 26/9/ 2008

 

 شئ من تأريخ العراقيين
(2)

رشيد كَرمـــة

ربما لم أُحسن إختيارعنوان ( شئ من تأريخ العراقيين ) كونه أمسى كلاسيكيا ً أومُـكرراً أو قد تكون ملاحظة صاحبتي النقدية لي على حق في إعتراضها : أن ليس كل شئ من مسؤولية العراقيات والعراقيين . فلقد ألصقت بنا أشياء من قبيل المثالب والعيوب (لا ) قابلية للآخر بتحملها وكأنما نحن بالتعبير الدارج ( حايط إنصيص ) وأحسب أن صديقتي نست تأريخ الشر والأشرار في بلدنا منذ بغداد شهريار وشهرزاد وحتى هذه اللحظة التي عـــــاد معها حز الرؤوس وسادية ( المقاومة الشريفة !!) بحق المرأة والرجل على حد سواء أو على أقل تقدير ان ( الباشا نوري السعيد ) و( السيد الرئيس المؤمن صدام حسين ) لم يكونا عراقيان !!!! وإن مع عمل في التحقيقات الأمنية أيام الملك والأمن العامة أيام البعث السوداء من المجرمين والقتلة من أمثال ( بهجت العطية ) و( ناظم كَزار) ليسوا عراقيين كما أنهم ليسوا إسلاما ً متصلبين في الرأي والمذهب والمحاججة .
وكان الحظ العاثر للملك ( فيصل الأول ) أن يكون ملكا ً على العراق , مما جعله عرضة لأكثر من مرض ومنها تصلب الشرايين الى درجة كان حد السكين عاجز عن قطعها او اختراقها وكان الانجليز يعرفون هذه الحالة بتفاصيلها وكانت" فيكي" بحكم عملها كممرضة تدرك خطورة حالة الملك واثرها على تفكيره ونشاطه ومزاولة اعماله .. لقد رأيت ُ " فيكي " ــ والحديث لـ( ناصر الدين النشاشيبي ) : بعد ان مات الملك فيصل وجاءت هي الى سويسرا وسكنت في مدينة لوزان برفقة زوجها الباشا المصري وعندما سألتها ان تحدثني عن قصتها مع الملك (فيصل العراقي ) وكنا نجلس علـــى مائدة العشاء بجوار زوجها الباشا وكانت هي تجلس بجانبي شعرت بيدها تلمس ركبتي خفية مــن تحت المائدة وكأنها أرادت ان تأمرني بالسكوت او انها انزعجت لسؤالي ولا تريد ان تجيبني عليه الى ان تكررت زيارتي لها ولزوجها وتوثقت بيننا عرى الصداقة واصبحنا نذهب سويا الى سوق الانتيكا بضواحي لوزان لكي نشتري ما نعثر عليه في تلك السوق من آنية بلورية قديمة او عصا أثرية او مخطوط مجلد قديم او كتاب مصور عن الشرق الاوسط وكانت السوق تقام عادة على شاطئ البحيرة الساحرة وكان الشاطئ عادة بمثابة مسرح مفتوح في الهواء الطلق للعشاق والسياح والفقراء المشردين وكنا نحرص على ان ننهي زيارتنا الى السوق بالدخول الى مطعم صغير مشهور بطهي السمك فناكل ما نشتهي ونشرب مانقدر عليه ونعود الى قلب لوزان مشيا على الاقدام وحديثنا عن الذكريات لا يتوقف ولاينقطع ,,,,,,,
الى ان مرضت فيكي ودخلت المستشفى الحكومي في لوزان لتلقي العلاج وقيل لي يومها انها قد اصيبت بالسرطان وركبتُ سيارتي من جنيف وذهبت اليها ازورها في ذلك المستشفى الذي كانت تعالج فيه
وعندما دخلت عليها كان الكرسي الوحيد في الغرفة مشغولا باحد الزوار فجلست بجانبها على حافة السرير ورأيتها ترفع يدها من تحت الفراش وتمسك بيدي ثم تقول لي بنبرة خافتة ومتقطعة ولكنها واضحة هل تذكر سؤالك لي ذات يوم عن قصتي مع الملك فيصل ؟
أجبتها وقد داهمني سؤالها المفاجئ :
أجل اذكر .
قالت :انني الان مستعدة لكي اجيبك على سؤالك وان اسرد لك القصة بتفاصيلها .
وعدت اقول لها وعيني على الشخص الجالس امامنا :

ولكن مثل هذا الحديث سيتعبك ويؤثر على حالة الجراحة التي اجريت لك فلماذا لانؤجل الكلام
الى فرصة اخرى وابتسمت فيكي بصورة خاطفة ومصطنعة وكأنها يائسة من حياتها وسألتني في ألم ظاهر: ومتى تكون هذه الفرصة الاخرى ؟ وماهي ؟ واين هي؟ وكم عمرها ؟ ثم اضافت مع لمعة مفاجئة تتحكم في نظراتها الدامعة . الم يخبرك الباشا عن مرضي ؟ ألـــم يقل لك انني مريضة بالسرطان ؟ وان ماتبقى من عمري لن يزيد عن اسابيع معدودة ثم شدتني بيدها وكأنها تمنعني من الانصراف قائلة ً :انك ستبقى معي هنا حتى المساء وستسمع مني كلاما لم يسمعه مني قبلك احد ولعل الزائر الوحيد الذي كان معنا في الغرفة قد شعر بموقفه الحرج فاستاذنها بالانصراف وتركنا وحدنا او بالتحديد ترك ( فيكي ) تروي لي اخطر وادق ما سمعته من امراة في حياتي .
كانت فيكي عندما قابلتها لاول مرة في مدينة لوازن السويسرية قد تجاوزت الـ( 60 ) الستين من العمر كان كل شئ فيها قد شاخ وكبر الا عقلها وقلبها ودلعها لقد رأيت فيها كل الذكاء الذي يتمناه الرجل في المراة , أعني ذلك الذكاء الخطر الوقاد اللماح الخفيف الظل السريع الفهم البعيد المعنى العميق الادراك المجبول بشئ من الثقافة وبشئ من الثقة وبشئ من الجمال كانت رفيعة الجسم وكأنها واحدة من بنات المانيكان في محلات كريستيان ديور وكان وجهها أبيض اللون يختلف كثيرا في بشرته وتقاطيعه عن وجوه بنات مصر السمراوات , وكانت في عينيها زرقة سماوية مازالت رغم السنين تشع نوراً وبريقا ًومعنىً, ولولا بروز بعض عظام خديها عند أسفل العينين لما ظهرت علائم المرض على وجهها , وكانت تبدو كما إعتادت أن تبدو دائما ًفي كامل إناقتها حيث أكملت تسريحة شعرها على الوجه المطلوب , وتجلى اللون الوردي على إظافر يديها البيضاويين , وتدلى العقد الذهبي من عنقها العاجي , وإرتسم خيط من الصباغ الأحمر فوق شفتيها الصغيرتين , وعبقت رائحتها بأرق أنواع العطر الفرنسي .
وكانت " فيكي " تجيد التحدث بأكثر من لغة أجنبية , فكانت تقرء كتبا ً بالانجليزية والفرنسية والإيطالية وكانت لها أخت واحدة تنافسها في الجمال والرقة والجاذبية , وكانت أسرتها تصطاف في كل عام على شاطئ ( رأس البر ) بمصروهناك إلتقت فيكي ولأول مرة مع الرجل الذي أحبها وحملها معه الى بلاط ( فيصل بن الحسين ) ملك العراق .
وكان هذا الرجل هو ( رستم حيدر ) رئيس الديوان الملكي العراقي .
يقول ( ناصر الدين النشاشيبي ) صديق فيكي الشخصي متسائلاً بحذر خشية مضاعفة المرض أو قسوة آلامه عليها : ماهي قصة هذا اللقاء ؟ ومتى ؟ وكيف تطور ؟ وكيف إنتهى ؟ من جهة وخشيته من أن تحول الزيارات فتفسد عليهم خلوتهم ويفسد عليهم الحديث ( السر ,,, اللغز ) من جهة أخرى لولا أن ( فيكي ) تحايلت على نفسها , وجلست على سريرها وراحت تعدٌل من أطراف ثوب النوم الوردي المنبسط بلا ترتيب فوق صدرها دون ذراعيها , ثم قالت وكأنها تمسك بالطرف المطلوب في حبل الذكريات البعيدة :
كان رستم حيدر يمتاز بعقلية عصرية ترغم الناس على حبه واحترامه ولولا لونه الشرقي لما قدر احد ان يتعرف على حقيقة اسمه ودينه وجنسيته كان يتكلم اللغه الفرنسية كاحد ابنائها منذ ان درس في كلية (السوربون) وتخرج منها ! وكان حلو الحديث انيق المظهر كثير المجاملة يهوى الاستشهاد في كلامه باسماء كبار رجال الادب وكبار رجال القانون ويحلل افكار الناس ويعلق على احداث العالم وكان عازبا بلا زوج ولا ولد مما جعله يشعر بشئ مــن الضعف امام النساء وخاصة اذا كانت المرأة منهن – مثلنا ــ تجيد التحدث باللغات الاجنبية وخاصة اللغة الفرنسية . وابتسمت (فيكي ) قليلا وهي تحملق في سقف غرفتها داخل ذلك المستشفى الانيق الذي يطل على شاطئ بحيرة (جنيف) وقالت وكانها قررت ان تفضح الاسرار بلا ضابط ولا حرج ولا تحفظ وهكذا احبني رستم حيدر! وبادلته هذا الحب ثم دعاني لزيارة بغداد والتعرف على كبار اصدقائه من الوزراء العراقيين اليهود مثل (ساسون حزقيل) وزير المالية وغيره وقد اقمت في بغداد اسابيع طويلة كان لابد لي بعدها من العودة الى مصر حرصا مني على سمعة رستم حيدر وعلى منصبه الرفيع لدى الملك , ولكي لايتسبب وجودي في بغداد باي احراج لهذا الرجل الذي كان اسمه محاطا على الدوام بتيارات متضا ربة من التقدير الممزوج بالنقد ,والاحترام المجبول بالغمز والاشادة بكفاءته العلمية والسياسية مع التلميح الى مغامراته العاطفية وعلاقاته النسائية وبالاخص انه لم يكن عراقي الاصل ولم ينس يوما دمه اللبناني (الشامي) او مذهبه الشيعي ولم ينقطع يوما عن التغني ببلدته (بعلبك) ولم يتردد يوما في ان يجاهر الناس قائلا لهم (لقد ولدت في لبنان وسأموت في لبنان) وتستمر (فيكي) فتقول لي باصرار : وقبل ان اعود الى مصر همس(رستم) في اذني بعبارة واحدة لم استطع ان انساها مطلقا لقد قال لي وهو يودعني :ـ انه لن يهجرني ولن يتركني وانه سيلحق بي قريبا وانه قد يعود الى مصر ويلتقي بي بعد ايام قليلة ولم اكد اصل الى مصر واستقر في منزلي بـ(المعادي) حتى وصلتني منه برقية مستعجلة يطلب مني فيها ان اعد نفسي لكي اقوم بمهمة الممرضة الخاصة لجلالة الملك ( فيصل ) العراقي ,وان اعد حقائبي وثيابي وجواز سفري واكون مستعدة للتوجه الى ميناء الاسكندرية , في ذلك اليوم من خريف عام 1933 واصعد الى الباخرة المبحرة من بيروت والمتوجهة الى (نابولي) كواحدة من حاشية الملك والممرضة الخاصة له ورأيت (فيكي) تبتسم قليلا وتصمت قليلا ثم تقول لي وما زالت تصر على الكلام , كان رستم يعلم انني درست علم التمريض في المستشفى الاسرائيلي بالاسكندرية واننى قد اشتغلت كممرضة في ذلك المستشفى وفي مستشفى بهمان للامراض العقلية في حلوان لفترات ليست قصيرة وعندما طلب مني ان اهديه صورة فوتوغرافية لي اهديته صورتي وانا في ثياب المرضات فاخذها مني وغمرها بقبلاته وقال لي انه لم ير في حياته من هى اجمل مني في ذلك الثوب الابيض ووضع الصورة في داخل محفظته وكان يخرجها من حين لآخرلكي يحدق فيها قليلا ثم يعيدها الى المحفظه وهو يتمتم بكلمات الشوق والغرام ,,,,, من يدري لعله اراد ان يحملني برفقة الملك معه الى اوروبا فلم يجد حجة ولا غطاءً احسن من ان يستعين بي كممرضة لكي يحقق غرضه في ان يأخذنى معه . كان الرجل غاية في الدهاء والمكر وبارعا في استبدال الاسباب الحقيقية بالاسباب الظاهرية وكان صديقا للانجليز عالما باساليبهم ومكرهم وألاعيبهم وكان فوق ذلك يحبني ولا يطيق فراقي وهكذا كنت حريصة على ان أُلبي له رغبته وان اطيع اوامره وان احزم حقائبي واعد جواز سفري وارتدي ثياب الممرضات واركب القطار واسافر الى الاسكندرية لكي اكون واقفة على الميناء بينما الباخرة التي تقل الملك والحاشية و ( رستم حيدر) تدخل الى الرصيف المُعَد لها .
ولم تزد المدة التى قضتها الباخرة في ميناء الاسكندرية عن ست ساعات , إتجهت بعدها صوب اوروبا ولكن مدة الساعات الست على قلتها وضآلتها قد اتسعت كل دقيقة فيها لاكثر من حدث خطير فقد كان منتظرا وطبيعيا ان يكون الوزير البريطاني المفوض في مصر على راس مستقبلي الملك العراقي عند مرور الباخرة في مياه الاسكندرية , ولكن هل كان منتظرا او طبيعيا ان ينضم بعض الرجال الدبلوماسين البريطانيين في مصر الى ركاب الباخرة ويسافرون عليها برفقة ملك العراق المسافر الى اوربا ؟ وقد يكون منتظرا وطبيعيا ان تستطيع فتاة صغيرة وجذابة وساحرة مثل (فيكي ) ان تلفت اليها انظار ركاب الباخرة فيسالون عنها او يحاولون التقرب اليها او يطاردونها بنظراتهم وكلامهم ولكن هل كان منتظرا او طبيعيا ان يكون اول عمل يقوم به هولاء الدبلوماسيون الانجليز فور صعودهم الى الباخرة هو السؤال عن الممرضة (فيكي ) ودعوتها الى خلوة طويلة تبودلت فيها التعليمات والتحيات والمعلومات والكلام الخطير؟ ترى ماذا تقول (فيكي )في تفسيرها لكل هذه الاسئلة ؟ وبماذا تجيب وكيف تبرر وكيف ترد ؟ قالت لي وقد اتسعت دائرة عينيها وارتسم بعض الشحوب الاصفر فوق خديها بسبب الارهاق : انا كنت صغيرة وذاكرتي لاتسعفني كثيرا ولكني اذكر مثلا ان شخصية بريطانية غامضة قد اتصلت بي فور اقلاع الباخرة ودعتني الى تناول فنجان شاي في قاعة الصالون وكشفت لي عن منصبها وعملها وطلبت مني بصراحة تامة ان اوافيها على مدى الاربع والعشرين ساعة بتفاصيل حالة الملك الصحية ونوع الحقن التي يأخذها واقراص الدواء التي يتناولها قبل الأكل ومع الأكل وبعد الأكل وعن أكله ونومه وحركاتة ونشاطه ثم قالت لي تلك الشخصية الغامضة ان : (رستم حيدر)رئيس الديوان لايعترض على مثل هذا العمل وانه على علم تام به وعندما سألت (رستم)عن صحة ما سمعته من تلك الشخصية ؟ اجابني : بهزة رأسه وكلمة بالفرنسية معناها يقول (لابأس) وهكذا أُحيطت الممرضة الصغيرة (فيكي ) باهتمام هؤلاء الرجال الانجليز الغامضين وبتقديرهم وحبهم وملاحقتهم وعندما وصلت الباخرة التي تقل الملك الى ميناء (جنوا)كان القنصل البريطاني في استقبالها وكانت الممرضة (فيكي )الشخصيةالثانية التي يحرص القنصل على مصافحتها وتهنئتها بسلامة الوصول , وركبوا القطار الى سويسرا " الملك وحاشيته وممرضته الصغيرة " وفي محطة (بيرن)العاصمة كان السفير البريطاني في طليعة المستقبلين وكانت الممرضة (فيكي) الشحصية الثانية ــ بعد الملك ــ التي حرص السفير البريطاني على مصافحتها والتحدث اليها !! قالت لي (فيكي) ومازالت عدسات عينيها مفتوحة في دهشة وفي فندق (بيل فو) إختاروا لي غرفة ملاصقة لغرفة الملك .
وكانت غرفة ( رستم حيدر ) لا تبعد كثيراً عن غرفتي , وكانت مهمتي أن أرافق الملك في معظم ساعات الليل والنهار , وكنت أول من يدخل عليه في الصباح , وآخر من يراه عند منتصف الليل . وفي اليوم الثاني من وصولي الى ــ بيرن ــ دعيت لمقابلة مجموعة من الأطباء السويسريين الذين كانوا يشرفون على علاج الملك , وكان واحد من بين هؤلاء الأطباء يعمل بمثابة الطبيب الخاص له .
وهذا الطبيب هو الذي سلٌمني مجموعة الحقن الطبية التي سأعطيها للملك , وهو الذي إختار له العلاج وشرح لــي كيفية إستعماله وهو أيضا ًــ الذي طلب مني أن أوافيه بتقارير سرية عــن حالة الملك الصحية إثر كل حقنة من العلاج أعطيها له , ولم أكن أعلم أن هناك " جهة " أخرى وبالتحديد شخص آخر يشارك طبيب الملك الخاص في جميع إهتماماته بحالة الملك وصحته وتطور علاجه.
فقد جاء السفير البريطاني في العاصمة السويسرية إلى فندق" بيل فو " ودق ٌ على باب غرفتي , ودخل ويده ممدودة أمامه لمصافحتي , وبعد أن شرح لي بأن رئيس الديوان الملكي ( رستم حيدر ) على علم بهذه الزيارة, طلب مني أن أطلعه على علب الحقن التي يتناولها الملك , وعلى أقراص الدواء وعلى المسكٌنات وأدوية القلب والشرايين والأعصاب , وكان يفتح بنفسه كل علبة ويقرأالأسماء المكتوبة عليها ويمسك بالحقن واحدة بعد واحدة ويرتبها على طريقته , وفجأة دق بجانبي جرس التلفون وسمعت صوت " رستم حيدر "يطلبني لأمر هام , فتركت السفير البريطاني لوحده في غرفتي وخرجت لأُلبي أوامره!! وعندما عدت اليها بعد حوالي عشر دقائق وجدت جميع علب الحقن وأقراص الدواء وقد أعيد ترتيبها بعناية خاصة وبنظام يلفت النظر بحيث لم أعد واثقة تماما بإن هذه العشرات من مجموعات الحقن وعلب الدواء هي المجموعات والعلب والحقن نفسها التي تركتها متناثرة بلا نظام فوق المائدة وبجانب السرير وأمام أدراج المكتب الصغير الذي يتوسط أرض الغرفة !!!!!!!! هل أضيف اليها دواء آخر ؟ هل زاد عددها ؟ هل أستبدل الدواء القديم بـ( دواء ) جديد ؟ هل كان هذاالترتيب الحالي لهذه " الأجزاخانه " الصغيرة الخاصة بالملك أمراً مقصوداً من أجل غاية مقصودة ؟؟؟؟؟؟
لقد إزداد وجه " فيكي " إصفراراً, ورأيت العرق البارد يتصبب من وجهها الأبيض الصغير , لعلها شعرت بأن حديثها معي قد مرٌ على النقطة الحساسة أو النقطة القاتلة في قصتها مع ملك العراق !
لقد سمعتها تقول لي بأن الرجل الدبلوماسي الذي زارها في غرفتها في ذلك اليوم قد دخل عليها وهو يحمل في يده حقيبة جلدية صغيرة من النوع الذي يحمله السفراء ورجال الاعمال , وإنها لم تعرف مطلقاً ماذا كان في داخل تلك الحقيبة عندما بدأت الزيارة , ولم تعرف مطلقاً ماذا بقى فيها عندما إنتهت الزيارة .لقد سمعتُ " فيكي " تصرخ أمامي وكأنها تستغيث من شبح مخيف ظهر أمامها : لم أقدر أن أطلب من السفير البريطاني أن يفتح لي حقيبة يده كي أفحص ما بداخلها , ولم أقدر أن أحصي عشرات من علب الحقن والأقراص المرصوصة أمامي كي أعرف ماذا نقص منها ؟ وماذا زاد عليها ؟ وماذا تبدٌل فيها ؟
لقد أصبتُ بدوار كُدت معه أن أقع فوق أرض غرفتي مغشياً عليٌ, وأدرك السفير حيرتي فأستأذن لأرتباطه بموعد سابق على أن يعود ويتصل بي في المساء .

للحديث صلة

السويد 26 أيلول 2008
 

¤ الجزء الأول
 

free web counter